الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العظمة، والتجبُّر، والترفُّع عن قبول الحق، وبطر الحق، وغمط الناس . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﱪالبقرة :34، وحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ "، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " مسلم :134
الكِبْرُ: التَّعاظُمُ والاتِّصافُ بِالعَظَمَةِ، ويُقال له أيضاً: التَّكَبُّرُ والاسْتِكْبارُ، وضِدُّهُ: التَّواضُعُ والتَّصاغُرُ، والمُتَكَبِّرُ: المُتَعالِي والمُتَعاظِمُ. وَالكِبَرُ: العَظَمَةُ والجَلالُ، يُقال: كَبُرَ، يَكْبُرُ، كِبَرًا، أي: عَظُمَ. والكِبْرُ أيضاً: مُعْظَمُ الشَّيْءِ، وأَصْلُه: الامْتِناعُ وعَدَمُ الانْقِيادِ، يُقال: تَكَبَّرَ البَعِيرُ: إذا امْتَنَعَ ولم يَنْقَدْ. ويأْتي بِمعنى التَّعالِي والتَّرَفُّعِ، فيُقال: كَبُرَ وتَكَبَّرَ عن الشَّيْءِ: إذا تَرَفَّعَ وتَنَزَّهَ عنه.
يَرِدُ مُصْطلَح (كِبْر) في الفِقْهِ في عِدَّة أبوابٍ، منها: كتاب الألْبِسَةِ، باب: آداب اللِّباسِ، وكتاب الأَطْعِمَةِ، باب: آداب الطَّعامِ، وغير ذلك.
كبر
عَدَمُ قَبُولِ الحَقِّ تَرَفُّعًا وتَجَبُّرًا، واِحْتِقارُ النَّاسِ والتَّعاظُمُ عَلَيْهِم.
الكِبْرُ: خُلُقٌ قَبِيحٌ مِن أَخْلاقِ الشَّياطِينِ، وهو خُلُقٌ باطِنٌ يَرَى فيه الشَّخْصُ نَفْسَهُ فَوْقَ غَيْرِهِ في صِفاتِ الكَمالِ، ويَظْهَرُ على الجَوارِحِ ما يَدُلُّ عليه مِن الآثارِ كاحْتِقَارِ النَّاسِ، والفَخْرِ عليهم، وعَدَمِ قَبُولِ الحَقِّ الذي مَعَهُم وغَيْرِ ذلك، والكِبْرُ دَرَجاتٌ: 1- كِبْرٌ على اللهِ تعالى: وهو أَقْبَحُ وأَشَدُّ أَنْواعِ التَّكَبُّرِ، ويُوجَدُ في أَهْلِ الكُفْرِ والإلْحادِ. 2- كِبْرٌ على أَوامِرِ الله تعالى: ويَظْهَرُ في بعضِ العاصِينَ، كأن يَتْرُكَ أَحَدُهُم الصَّلاةَ في المَسْجِدِ؛ لأنَّ المَسْجِدَ في نظره لا يَدْخُلُهُ إلّا الفُقَراءُ. 3- كِبْرٌ على عِبادِ الله تعالى: وذلك بِاحْتِقارِهِم وتَنَقُّصِهِم والتَّعالِي عَلَيْهِم، بسَبَبِ كَثْرَةِ المالِ أو الجَمالِ أو الجاهِ أو غَيْرِ ذلك. والكِبْرُ لَهُ صُوَرٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا: 1- عَدَمُ قَبُولِ الـحَقِّ وَتَرْكُ امْتِثَالِ أَوَامِرِ اللهِ . 2- الإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ مِنْ جَمَالٍ أَوْ حُسْنٍ أَوْ ثَرَاءٍ فَيَتَبَخْتَرُ وَيَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ. 3- الكِبْرُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ كَحُبِّ قِيَامِ النَّاسِ لَهُ ، وَالاخْتِيالُ فِي الـمَشْيِ ، وَتَرْكُ مُجَالَسَةِ الفُقَرَاءِ ، وَالاتِّكَاءُ فِي الأَكْلِ ، وَإِطَالَةُ الثَّوْبِ لِلرَّجُلِ إِلَى أَسْفَلَ الكَعْبَيْنِ ، وَغَيْرُهَا .
الكِبْرُ: التَّعاظُّمُ والاتِّصافُ بِالعَظَمَةِ، ويُقال له أيضاً: التَّكَبُّرُ والاسْتِكْبارُ، وضِدُّهُ: التَّواضُعُ والتَّصاغُرُ، يُقال: كَبُرَ، يَكْبُرُ، كِبَراً، أي: عَظُمَ. والكِبْرُ أيضاً: مُعْظَمُ الشَّيْءِ، وأَصْلُه: الامْتِناعُ وعَدَمُ الانْقِيادِ.
العظمة، والتجبُّر، والترفُّع عن قبول الحق، واحتقار الناس.
* شرح النووي على صحيح مسلم : 16/173 - تفسير القرطبي : 10/260 - إحياء علوم الدين : (3/163)
* مختصر منهاج القاصدين : (ص 246)
* الفروق اللغوية : (ص 246)
* العين : (5/361)
* تهذيب اللغة : (10/119)
* مقاييس اللغة : (5/153)
* المحكم والمحيط الأعظم : (7/11)
* مختار الصحاح : (ص 265)
* لسان العرب : (5/125) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكِبْرُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ: الْعَظَمَةُ (1) ، وَكِبْرُ الشَّيْءِ مُعْظَمُهُ (2) ، قَال تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَيْ: تَحَمَّل مُعْظَمَهُ.
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ الْخُلُقُ الَّذِي فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الاِسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إِلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّهُ خُلُقٌ بَاطِنٌ يَصْدُرُ عَنْ أَعْمَالٍ هِيَ ثَمَرَتُهُ، فَيَظْهَرُ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَذَلِكَ الْخُلُقُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّفْسِ عَلَى الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ، يَعْنِي يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ الْغَيْرِ فِي صِفَاتِ الْكَمَال.
وَهُوَ فِي سُنَّةِ الرَّسُول ﷺ: عَدَمُ قَبُول الْحَقِّ تَرَفُّعًا، وَاحْتِقَارُ النَّاسِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكِبْرِيَاءُ:
2 - قَال الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الْكِبْرِيَاءُ هِيَ التَّرَفُّعُ عَنِ الاِنْقِيَادِ، وَذَلِكَ لاَ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ اللَّهِ، قَال تَعَالَى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، وَفِي الْحَدِيثِ: قَال اللَّهُ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ (4) بَيْنَمَا يَرَى أَبُو هِلاَلٍ الْعَسْكَرِيُّ أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ هِيَ الْعِزُّ وَالْمُلْكُ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْكِبْرِ فِي شَيْءٍ، قَال تَعَالَى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَْرْضِ} ، يَعْنِي: الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانُ وَالْعِزَّةَ (5) .
ب - الْعُجْبُ:
3 - الْعُجْبُ بِالشَّيْءِ الزَّهْوُ وَكَثْرَةُ السُّرُورِ بِهِ، وَفُلاَنٌ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ: إِذَا كَانَ مَسْرُورًا بِخِصَالِهَا، وَلَيْسَ الْعُجْبُ مِنَ الْكِبْرِ فِي شَيْءٍ، قَال عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: الْعُجْبُ عَقْدُ النَّفْسِ عَلَى فَضِيلَةٍ لَهَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ لَهَا (6) ، وَلَكِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْكِبْرِ؛ لأَِنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِهِ (7) .
وَيَرَى ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: أَنَّ الْعُجْبَ هُوَ اسْتِعْظَامُ النِّعْمَةِ وَالرُّكُونُ إِلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (8) ، وَيَذْكُرُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ - وَيُوَافِقُهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ - فِي ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ فَيَقُول: الْعُجْبُ لاَ يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ، حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنْ يُخْلَقَ الإِْنْسَانُ وَحْدَهُ تُصُوِّرَ أَنْ يَكُونَ مُعْجَبًا، وَلاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَبِّرًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَهُ (9) .
ج - الْجَبْرُ:
4 - الْجَبْرُ هُوَ التَّعَاظُمُ مَعَ الْقَهْرِ، وَالْجَبَرُوتُ أَبْلَغُ مِنَ الْجَبْرِ، لأَِنَّ الْوَاوَ وَالتَّاءَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَالْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ (10) ، قَال النَّوَوِيُّ: الْجَبَرُوتُ هُوَ الْكِبْرُ وَالتَّعَظُّمُ وَالاِرْتِفَاعُ وَالْقَهْرُ، وَالْجَبَّارُ هُوَ الْمُتَكَبِّرُ الشَّرِسُ سَيِّئُ الْخُلُقِ (11) ، وَيُقَال أَيْضًا لِلْقَاهِرِ غَيْرَهُ: جَبَّارٌ، كَمَا قَال تَعَالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} ، وَنَقَل ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالاَ: آيَةُ الْجَبَابِرَةِ الْقَتْل بِغَيْرِ حَقٍّ (12) .
وَيَقُول الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الْجَبَّارُ هُوَ مَنْ يَجْبُرُ نَقِيصَتَهُ بِادِّعَاءِ مَنْزِلَةٍ مِنَ التَّعَالِي لاَ يَسْتَحِقُّهَا (13) ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُل جَبَّارٍ عَنِيدٍ} .
وَالْكِبْرُ أَعَمُّ مِنَ الْجَبْرِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْكَبَائِرِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الذَّهَبِيُّ (14) .
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ، قَال: مَنْ ضَرَبَ بِنَعْلِهِ مِنَ الرِّجَال، إِنْ فَعَل ذَلِكَ تَعَجُّبًا حَرُمَ، فَإِنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ (15) ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ (16) ، وَقَوْلِهِ ﷺ: {مِثْقَال ذَرَّةٍ} يَشْمَل الْقَلِيل وَالْكَثِيرَ مِنْهُ، فَلاَ يُرَخَّصُ بِالْكِبْرِ مَهْمَا كَانَ قَلِيلاً، قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَالْحَدِيثُ يَدُل عَلَى أَنَّ الْكِبْرَ مَانِعٌ مِنْ دُخُول الْجَنَّةِ وَإِنْ بَلَغَ مِنَ الْقِلَّةِ إِلَى الْغَايَةِ (17) .
وَإِذَا كَانَ الْكِبْرُ هُوَ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ، وَهِيَ قَصْدُ الاِسْتِعْلاَءِ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَكْرُمَةٍ مِنَ الْمَكَارِمِ، فَإِنَّ هَذَا الْكِبْرَ - أَيْ: التَّكَبُّرَ - إِمَّا أَنْ يُحْتَاجَ إِلَيْهِ، أَوْ لاَ يُحْتَاجَ إِلَيْهِ.
فَإِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ كَانَ مَحْمُودًا، كَالتَّكَبُّرِ عَلَى الظَّلَمَةِ، وَعَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ، وَنَحْوِهِمْ، وَلِذَلِكَ جَازَ الاِخْتِيَال فِي الْحَرْبِ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ (18) .
وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ تُرَافِقَهُ نِيَّةُ التَّكَبُّرِ، أَوْ لاَ تُرَافِقَهُ نِيَّةُ التَّكَبُّرِ، فَإِنْ رَافَقَتْهُ نِيَّةُ التَّكَبُّرِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وَإِنْ لَمْ تُرَافِقْهُ نِيَّةُ التَّكَبُّرِ، فَإِنَّ الْفِعْل إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شِعَارِ الْمُتَكَبِّرِينَ، أَوْ لاَ يَكُونَ مِنْ شِعَارِ الْمُتَكَبِّرِينَ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُتَكَبِّرِينَ كَتَصْعِيرِ الْخَدِّ، وَالاِخْتِيَال فِي الْمَشْيِ، وَإِسْبَال الإِْزَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَانَ مَكْرُوهًا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شِعَارِ الْمُتَكَبِّرِينَ، كَالأَْكْل مُتَّكِئًا، وَتَشْمِيرِ الأَْكْمَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَالْحَاصِل أَنَّ كُل مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ يُكْرَهُ، وَإِنْ فُعِل لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ لاَ - أَيْ: لاَ يُكْرَهُ (19) -، عَلَى هَذَا فَإِنَّ مَنْ لَبِسَ الثِّيَابَ الْجَمِيلَةَ الرَّفِيعَةَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التَّكَبُّرِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لاَ خِلاَفَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُ (20) ، بَل إِنَّ لُبْسَ رَفِيعِ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التَّكَبُّرِ، بَل بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي قُلُوبِ سَامِعِيهِ وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ كَانَ مُثَابًا، قَال الشَّوْكَانِيُّ: إِنَّ الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، فَلُبْسُ الْمُنْخَفِضِ مِنَ الثِّيَابِ تَوَاضُعًا وَكَسْرًا لِسُورَةِ النَّفْسِ الَّتِي لاَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنَ التَّكَبُّرِ إِنْ لَبِسَتْ غَالِيَ الثِّيَابِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَثُوبَةِ مِنَ اللَّهِ، وَلُبْسُ الْغَالِي مِنَ الثِّيَابِ عِنْدَ الأَْمْنِ عَلَى النَّفْسِ مِنَ التَّسَامِي الْمَشُوبِ بِنَوْعٍ مِنَ التَّكَبُّرِ لِقَصْدِ التَّوَصُّل بِذَلِكَ إِلَى تَمَامِ الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ عِنْدَ مَنْ لاَ يَلْتَفِتُ إِلاَّ إِلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ لاَ شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الْمُوجِبَاتِ لِلأَْجْرِ، لَكِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِمَا يَحِل لُبْسُهُ شَرْعًا (21) .
مَظَاهِرُ الْكِبْرِ:
6 - الْكِبْرُ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ فِي الإِْنْسَانِ، لَهَا مَظَاهِرُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى (22) ، وَمِنْ هَذِهِ الْمَظَاهِرِ:
أ - تَصْعِيرُ الْوَجْهِ: وَهُوَ يَعْنِي: مَيْل الْعُنُقِ، وَالإِْشَاحَةُ بِالْوَجْهِ عَنِ النَّظَرِ كِبْرًا (23) ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَلِذَلِكَ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ جَل شَأْنُهُ: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَْرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُل مُخْتَالٍ فَخُورٍ} .
ب - الاِخْتِيَال فِي الْمَشْيِ: وَهُوَ يَعْنِي التَّبَخْتُرُ وَالتَّعَالِي فِي الْمِشْيَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَْرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَْرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَال طُولاً كُل ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} ، وَبِقَوْلِهِ ﷺ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجَّلٌ شَعْرُهُ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَل إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (24) .
وَكَمَا يَكُونُ الاِخْتِيَال بِاللِّبَاسِ الْفَاخِرِ يَكُونُ أَيْضًا بِفُرُشِ الْبُيُوتِ، وَبِرُكُوبِ السَّيَّارَاتِ الْفَاخِرَةِ، قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِرْخَاءُ السِّتْرِ عَلَى الْبَابِ مَكْرُوهٌ؛ لأَِنَّهُ زِينَةٌ وَتَكَبُّرٌ (25) .
وَرُخِّصَ بِالاِخْتِيَال فِي الْحَرْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
ج - التَّرَفُّعُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ: كَمَا تَرَفَّعَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ: سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ وَخَبَّابٍ، وَنَحْوِهِمْ ﵃ أَجْمَعِينَ، حَيْثُ قَالُوا لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: لَوْ طَرَدْتَ هَؤُلاَءِ عَنْكَ لَغَشَيْنَاكَ وَحَضَرْنَا مَجْلِسَكَ، فَقَدْ رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَال الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَال: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلاَلٌ وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَل اللَّهُ ﷿: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} .
وَيَدْخُل فِي التَّرَفُّعِ عَنِ الْمُجَالَسَةِ التَّرَفُّعُ عَنِ الزِّيَارَةِ، لأَِنَّ مَنْ تَرَفَّعَ عَنْ مُجَالَسَةِ شَخْصٍ تَكَبُّرًا تَرَفَّعَ عَنْ زِيَارَتِهِ (26) .
د - التَّرَفُّعُ عَنِ السَّلاَمِ أَوْ مُصَافَحَةِ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ مَنْزِلَةً فِي الْمَال أَوِ الْجَاهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، احْتِقَارًا لَهُ.
هـ - أَنْ يَمْشِيَ وَيَمْشِيَ أَتْبَاعُهُ خَلْفَهُ: يُكْرَهُ لِلرَّجُل أَنْ يَمْشِيَ وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ مِنْ جُنْدٍ أَوْ تَلاَمِيذَ أَوْ أَنْصَارٍ يَمْشُونَ خَلْفَهُ، إِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ التَّكَبُّرَ (27) .
و الرُّكُوبُ وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ: يُكْرَهُ لِلرَّجُل الرُّكُوبُ وَمَعَهُ رِجَالُهُ يَمْشُونَ إِذَا أَرَادَ بِهِ التَّكَبُّرَ (28) .
ز - حُبُّهُ الْقِيَامَ لَهُ: وَالْقِيَامُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
الأَْوَّل: قِيَامٌ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَال ﷺ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (29) ، وَهَذِهِ عَادَةُ الأَْعَاجِمِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ.
الثَّانِي: قِيَامٌ عِنْدَ مَجِيءِ الإِْنْسَانِ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ لاَ يَكَادُونَ يَفْعَلُونَهُ، قَال أَنَسٌ: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ - أَيْ: إِلَى الصَّحَابَةِ - مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ (30) .
وَقَدْ قَال الْعُلَمَاءُ: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالإِْمَامِ الْعَادِل وَفُضَلاَءِ النَّاسِ، وَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشِّعَارِ بَيْنَ الأَْفَاضِل، فَإِذَا تَرَكَهُ الإِْنْسَانُ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُفْعَل فِي حَقِّهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الإِْهَانَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ فَيُوجِبُ ذَلِكَ حِقْدًا، وَاسْتِحْبَابُ هَذَا فِي حَقِّ الْقَائِمِ لاَ يَمْنَعُ الَّذِي يُقَامُ لَهُ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ، وَيَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ (31) .
ح - التَّمَيُّزُ فِي الطَّعَامِ: ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُل أَنْ يَأْكُل وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ لِغَيْرِهِ؛ لأَِنَّ فِيهِ تَكَبُّرًا (32) ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُل الْخُبْزَ الْحَوَارِيَّ - أَيْ: الأَْبْيَضَ - وَيُطْعِمَ مَمَالِيكَهُ خَشْكَارَ - أَيْ: الأَْسْمَرَ (33) - ط - الأَْكْل مُتَّكِئًا: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الأَْكْل مُتَّكِئًا تَكَبُّرًا، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ التَّكَبُّرِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ؛ لأَِنَّهُ مِنْ فِعْل الْمُتَكَبِّرِينَ، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِالْمَرْءِ مَانِعٌ لاَ يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنَ الأَْكْل إِلاَّ مُتَّكِئًا فَيُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ، وَقَدْ نُقِل عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ جَوَازُ الأَْكْل مُتَّكِئًا، بَيْنَمَا يَنْقُل إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا تُكْأَةً، وَلَكِنَّهُ جَعَل عِلَّةَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعْظُمَ بُطُونُهُمْ (34) ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: إِنِّي لاَ آكُل مُتَّكِئًا (35) .
ي - لُبْسُ جُلُودِ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ: يَحْرُمُ لُبْسُ جُلُودِ الْحَيَوَانَاتِ الْكَاسِرَةِ كَالنُّمُورِ وَالسِّبَاعِ تَكَبُّرًا (36) ، وَإِذَا حَرُمَ لُبْسُهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فَرْشُهَا تَكَبُّرًا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يُسْتَقْبَل فِيهَا الضُّيُوفُ، وَلَكِنْ لاَ بَأْسَ أَنْ يُجْعَل مِنْهَا مُصَلًّى أَوْ مِيثَرَةَ السَّرْجِ (37) .
ك - إِطَالَةُ الثَّوْبِ إِلَى أَسْفَل مِنَ الْكَعْبَيْنِ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ إِطَالَةِ الثَّوْبِ إِلَى أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ اخْتِيَالاً وَتَكَبُّرًا؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (38) ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِبَاحَةِ إِطَالَةِ الثَّوْبِ إِلَى أَسْفَل مِنَ الْكَعْبَيْنِ لِلْحَاجَةِ، كَمَا إِذَا كَانَ بِسَاقَيْهِ حُمُوشَةٌ (39) - أَيْ: دِقَّةٌ وَرِقَّةٌ - فَلاَ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَقْصِدِ التَّدْلِيسَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِطَالَتِهَا إِلَى أَسْفَل مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ كِبْرٍ وَلاَ اخْتِيَالٍ وَلاَ حَاجَةٍ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ (40) .
ل - مَسْحُ الْعَرَقِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ بِالْخِرْقَةِ: كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَحْمِل الشَّخْصُ خِرْقَةً خَاصَّةً لِيَمْسَحَ بِهَا عَرَقَهُ أَوْ يُنَشِّفَ بِهَا مَاءَ الْوُضُوءِ عَنْ أَعْضَائِهِ أَوْ يَتَمَخَّطَ بِهَا، إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّكَبُّرَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا التَّكَبُّرَ فَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ (41) .
عِلاَجُ الْكِبْرِ:
7 - قَال ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: إِنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ، وَمُدَاوَاتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَكَ فِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ:
الأَْوَّل: فِي اسْتِئْصَال أَصْلِهِ وَقَطْعِ شَجَرَتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ، وَيَعْرِفَ رَبَّهُ، فَإِنَّهُ إِنْ عَرَفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، عَلِمَ أَنَّهُ أَذَل مِنْ كُل ذَلِيلٍ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَصْل وُجُودِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ خَرَجَتْ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْل، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ، فَقَدْ صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُحِسُّ وَلاَ يَتَحَرَّكُ، فَقَدِ ابْتَدَأَ بِمَوْتِهِ قَبْل حَيَاتِهِ، وَبِضَعْفِهِ قَبْل قُوَّتِهِ، وَبِفَقْرِهِ قَبْل غِنَاهُ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى هَذِهِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيل يَسَّرَهُ} وَبِقَوْلِهِ: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} فَأَحْيَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَحْسَنَ تَصْوِيرَهُ، وَأَخْرَجَهُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَشْبَعَهُ وَأَرْوَاهُ، وَكَسَاهُ وَهَدَاهُ وَقَوَّاهُ، فَمَنْ هَذِهِ بِدَايَتُهُ فَأَيْ وَجْهٍ لِكِبْرِهِ وَفَخْرِهِ؟ ،،.
عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَامَ لَهُ الْوُجُودُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لَكَانَ لِطُغْيَانِهِ طَرِيقٌ، بَل قَدْ سَلِّطَ عَلَيْهِ الأَْخْلاَطَ الْمُتَضَادَّةَ، وَالأَْمْرَاضَ الْهَائِلَةَ، بَيْنَمَا بُنْيَانُهُ قَدْ تَمَّ، إِذْ هُوَ قَدْ هَوَى وَتَهَدَّمَ، لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِضُرًّا وَلاَ نَفْعًا، بَيْنَمَا هُوَ يَذْكُرُ الشَّيْءَ فَيَنْسَاهُ، وَيَسْتَلِذُّ الشَّيْءَ فَيُرْدِيهِ، وَيَرُومُ الشَّيْءَ فَلاَ يَنَالُهُ، ثُمَّ لاَ يَأْمَنُ أَنْ يُسْلَبَ حَيَاتَهُ بَغْتَةً.
هَذَا أَوْسَطُ حَالِهِ، وَذَاكَ أَوَّل أَمْرِهِ، وَأَمَّا آخِرُ أَمْرِهِ: فَالْمَوْتُ الَّذِي يُعِيدُهُ جَمَادًا كَمَا كَانَ، ثُمَّ يُلْقَى فِي التُّرَابِ فَيَصِيرُ جِيفَةً مُنْتِنَةً، وَتَبْلَى أَعْضَاؤُهُ، وَتَنْخُرُ عِظَامُهُ، وَيَأْكُل الدُّودُ أَجْزَاءَهُ، وَيَعُودُ تُرَابًا يُعْمَل مِنْهُ الْكِيزَانُ، وَيُعْمَرُ مِنْهُ الْبُنْيَانُ، ثُمَّ بَعْدَ طُول الْبِلَى تُجْمَعُ أَجْزَاؤُهُ الْمُتَفَرِّقَةُ وَيُسَاقُ إِلَى الْحِسَابِ.
وَالثَّانِي: مَنِ اعْتَرَاهُ الْكِبْرُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا تَعَزُّزٌ بِكَمَال غَيْرِهِ، ثُمَّ يَعْلَمْ أَبَاهُ وَجَدَّهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ الْقَرِيبَ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَبَاهُ الْبَعِيدَ تُرَابٌ.
وَمَنِ اعْتَرَاهُ الْكِبْرُ بِالْجَمَال فَلْيَنْظُرْ إِلَى بَاطِنِهِ نَظَرَ الْعُقَلاَءِ، وَلاَ يَنْظُرْ إِلَى ظَاهِرِهِ نَظَرَ الْبَهَائِمِ.
وَمَنِ اعْتَرَاهُ مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ آلَمَهُ عِرْقٌ عَادَ أَعْجَزَ مِنْ كُل عَاجِزٍ، وَإِنْ شَوْكَةٌ دَخَلَتْ فِي رِجْلِهِ لأََعْجَزَتْهُ، وَبَقَّةٌ لَوْ دَخَلَتْ فِي أُذُنِهِ لأََقْلَقَتْهُ.
وَمَنْ تَكَبَّرَ بِالْغِنَى، فَإِذَا تَأَمَّل خَلْقًا مِنْ الْيَهُودِ وَجَدَهُمْ أَغْنَى مِنْهُ، فَأُفٍّ لِشَرَفٍ تَسْبِقُهُ بِهِ الْيَهُودُ، وَيَسْتَلِبُهُ السَّارِقُ فِي لَحْظَةٍ، فَيَعُودُ صَاحِبُهُ ذَلِيلاً.وَمَنْ تَكَبَّرَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى الْعَالِمِ آكَدُ مِنْ حُجَّتِهِ عَلَى الْجَاهِل، وَلْيَتَفَكَّرْ فِي الْخَطَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِهِ، فَإِنَّ خَطَرَهُ أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ قَدْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَدْرِ غَيْرِهِ.
وَلْيَعْلَمْ أَيْضًا: أَنَّ الْكِبْرَ لاَ يَلِيقُ إِلاَّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ إِذَا تَكَبَّرَ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ بَغِيضًا عِنْدَهُ، وَقَدْ أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ أَنْ يَتَوَاضَعَ، وَكَذَلِكَ كُل سَبَبٍ يُعَالِجُهُ بِنَقِيضِهِ، وَيَسْتَعْمِل التَّوَاضُعَ (42) .
__________
(1) الصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري.
(2) المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم لأبي البقاء العكبري مادة: كبر، تحقيق ياسين السواس، طبع جامعة أم القرى.
(3) حديث: " الكبر بطر الحق وغمط الناس ". أخرجه مسلم (1 / 93) ، وانظر إحياء علوم الدين 3 / 163، ومختصر منهاج القاصدين ص246.
(4) حديث: " قال الله: الكبرياء ردائي. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 350 - 351) من حديث أبي هريرة، وأصله في صحيح مسلم (4 / 2023) .
(5) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ص241. والمفردات للراغب الأصفهاني وجامع البيان للطبري 1 / 228.
(6) الفروق في اللغة ص243.
(7) مختصر منهاج القاصدين ص254.
(8) الزواجر عن اقتراف الكبائر ص 74.
(9) إحياء علوم الدين 3 / 323، ومختصر منهاج القاصدين ص247.
(10) الفروق في اللغة 242.
(11) تحرير التنبيه ليحيى بن شرف النووي ص355 و359 تحقيق محمد رضوان وفايز الداية، طبع دار الفكر، 1410هـ، دمشق.
(12) تفسير ابن كثير 4 / 79 طبع. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(13) المفردات، مادة: جبر.
(14) الكبائر للذهبي ص76.
(15) الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي 12 / 238 طبع. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(16) حديث: " لا يدخل الجنة. . . ". أخرجه مسلم (1 / 93) من حديث ابن مسعود.
(17) نيل الأوطار لمحمد بن علي الشوكاني 2 / 109 طبع. دار الجيل، بيروت.
(18) الروض المربع بحاشية ابن القاسم العاصمي 1 / 515.
(19) الفتاوى الهندية 5 / 359 طبع. دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة بيروت 1400هـ.
(20) نيل الأوطار 2 / 109، وانظر: الفتاوى البزازية لابن البزاز الكردري 6 / 368 مطبوعة بهامش الفتاوى الهندية، والفتاوى الهندية 5 / 336.
(21) نيل الأوطار 2 / 110.
(22) إحياء علوم الدين 3 / 323.
(23) المفردات للراغب الأصفهاني.
(24) حديث: " بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 258) ومسلم (3 / 1653) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(25) الفتاوى الهندية 5 / 359.
(26) مختصر منهاج القاصدين ص232.
(27) إحياء علوم الدين 3 / 332.
(28) الفتاوى الهندية 5 / 360.
(29) حديث: " من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 91) من حديث أبي أمامة، وقال: حديث حسن.
(30) حديث: " لم يكن شخص أحب إليهم. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 90) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(31) مختصر منهاج القاصدين ص230.
(32) الفتاوى الهندية 5 / 336.
(33) الفتاوى الهندية 5 / 339.
(34) الفتاوى الهندية 5 / 337، ونيل الأوطار 9 / 44 - 45.
(35) حديث: " إني لا آكل متكئًا ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 540) من حديث أبي جحيفة.
(36) حاشية ابن القاسم العاصمي على الروض المربع 1 / 515 الطبعة الثالثة 1405هـ.
(37) الفتاوى الهندية 5 / 333. وفي المصباح: وثُر الشيء - بالضم - وثارةً: لاَنَ وسهل ومنه (مِيْثَرةُ) السرج.
(38) حديث: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 254) ومسلم (3 / 1652) من حديث عبد الله بن عمر.
(39) شرح منتهى الإرادات للبهوتي 1 / 149 طبع. دار الفكر، والروض المربع 1 / 516.
(40) المغني لابن قدامة 1 / 585 الطبعة الثالثة، والفتاوى الهندية 5 / 333، ونيل الأوطار 2 / 112، وعون الباري لصديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي، طبع. قطر عام 1404هـ.
(41) الهداية شرح بداية المبتدي لعلي المرغيناني 4 / 83 طبع المكتبة الإسلامية، والفتاوى البزازية 6 / 369، والفتاوى الهندية 5 / 333.
(42) مختصر منهاج القاصدين 251 وما بعدها.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 165/ 34