المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
السائل، أو الذائب الذي هو مظنة انتشار النجاسة فيه، ولا يقبل التطهير . ومن شواهده قول الحطّاب : "الطعام المائع يتنجس بالنجاسة القليلة إذا وقعت فيه ." وقول الكاساني : "وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة، فلا خلاف في أنه لا تحصل بها الطهارة الحكمية، وهي زوال الحدث ."
المائِعُ: السّائِلُ والذّائِبُ مِن الأَشْياءِ، يُقال: ماعَ الثَّلْجُ، وانْماعَ، يَمِيعُ، مَيْعاً، أيْ: ذابَ وسالَ. وأَصْلُ الـمَيْعِ: الجَرَيانُ والحَرَكَةُ، يُقال: ماعَ الماءُ، أيْ: جَرَى على وَجْهِ الأَرْضِ، والمَيْعَةُ: الحَرَكَةُ والنَّشاطُ. وتأْتي بِمعنى أَوَّلِ الشَّبابِ، وذلك إذا تَرَعْرَعَ وتَحَرَّكَ. وجَـمْعُه: مائِعاتٌ ومَوائِعٌ.
يَرِد مُصْطلَح (مائِع) في الفقه في مَواطِنَ، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: شُروط الوُضوءِ، وباب: الإِسْتِطابَة، وكتاب الصِّيامِ، باب: مُفْسِدات الصَّوْمِ، وكتاب الزَّكاةِ، باب: زَكاة المَعادِنِ، وكتاب البُيوعِ، باب: شُروط البَيْعِ، وكتاب النِّكاحِ، باب: الرَّضاع، وكتاب الحُدُودِ، باب: حَدّ شُرْبِ الخَمْرِ، وغَيْر ذلك من الأبواب.
ميع
السائل، أو الذائب الذي هو مظنة انتشار النجاسة فيه، ولا يقبل التطهير.
* العين : (2/292)
* مقاييس اللغة : (5/290)
* تهذيب اللغة : (1/396)
* تاج العروس : (22/322)
* البناية شرح الهداية : (10/113)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (1/108)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (2/115)
* الـمغني لابن قدامة : (1/9)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 7)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 395)
* التعريفات الفقهية : (ص 190) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَائِعُ فِي اللُّغَةِ: السَّائِل وَالذَّائِبُ.
وَمَاعَ الْجِسْمُ يَمِيعُ مَيْعًا وَمَوْعًا - مِنْ بَابَيْ بَاعَ وَقَال - ذَابَ وَسَال.
وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أَمَعْتُهُ، وَيُقَال: مَاعَ الشَّيْءُ انْمَاعَ أَيْ سَال، وَمِنْهُ قَوْل سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: (فِي جَهَنَّمَ وَادٍ يُقَال لَهُ: وَيْلٌ لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ جِبَال الدُّنْيَا لاَنْمَاعَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ) أَيْ: (ذَابَتْ وَسَالَتْ) .
وَمَعْنَاهُ الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَائِعِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَائِعِ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، مِنْهَا:
أ - التَّطْهِيرُ بِالْمَائِعِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْمَائِعِ لِلْحَدَثِ وَإِزَالَتِهِ لِلْخَبَثِ عَنِ الْجَسَدِ وَالثِّيَابِ فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: لاَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلاَ يُزِيل الْخَبَثَ إِلاَّ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَقَال غَيْرُهُمْ: يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيل الْخَبَثَ كُل مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالَهُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَهَارَةٌ ف 9 وَمَا بَعْدَهَا، وَمِيَاهٌ، وَنَجَاسَةٌ، وَوُضُوءٌ) .
ب - تَنَجُّسُ الْمَائِعَاتِ:
3 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَوْلَى الرِّوَايَاتِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَا سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنَ الْمَائِعَاتِ كَالْخَل وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَل وَالسَّمْنِ وَالْمَرَقِ وَالْعَصِيرِ وَغَيْرِهَا تَتَنَجَّسُ بِمُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَائِعُ قَلِيلاً لاَ يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ كَثِيرًا يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَعَسُرَ الاِحْتِرَازُ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَعْسُرْ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْمَائِعَاتِ خَاصِّيَّةُ دَفْعِ الْخَبَثِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَاءِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَمَا سُئِل عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَرِيقُوهُ (2) ، وَلأَِنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ الْخَبَثَ عَنْ نَفْسِهِ وَلاَ يَحْمِلُهَا؛ لِقَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ رِيحُهُ وَطَعْمُهُ وَلَوْنُهُ (3) ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الْمَائِعَاتِ الأُْخْرَى، فَهِيَ كَالْمَاءِ الْقَلِيل، فَكُل مَا نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيل نَجَّسَ الْمَائِعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَائِعُ كَثِيرًا، أَوْ كَانَ جَارِيًا، أَمَّا مَا لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ الْقَلِيل فَإِنَّهُ لاَ يُنَجِّسُ الْمَائِعَ أَيْضًا، وَذَلِكَ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لاَ نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ (4) لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآْخَرِ شِفَاءً. وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ (5) .
قَال النَّوَوِيُّ: الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ فِي الأَْطْعِمَةِ وَالْمَاءِ كَدُودِ التِّينِ، وَالتُّفَّاحِ وَالْبَاقِلاَّءِ وَالْجُبْنِ وَالْخَل وَغَيْرِهَا لاَ يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ بِلاَ خِلاَفٍ (6) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الأَْصَحِّ - فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ - حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَوْلٌ فِي عَصِيرٍ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ لَمْ يَفْسُدْ، وَلَوْ سَال دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لاَ يَنْجُسُ مَا لَمْ يُطَهِّرْ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ - فَكُل مَا لاَ يُفْسِدُ الْمَاءَ لاَ يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ - مِنْ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَقَال الْكَاسَانِيُّ: ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُل مَا لاَ يُفْسِدُ الْمَاءَ لاَ يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ، ثُمَّ قَال: ثُمَّ الْحَيَوَانُ إِذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ الْقَلِيل فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لاَ يَكُونُ، وَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا، وَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَنَحْوِهَا لاَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَلاَ يُنَجِّسُ مَا يَمُوتُ فِيهِ مِنَ الْمَائِعِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ كَالْخَل وَاللَّبَنِ وَالْعَصِيرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَرِّيًّا أَوْ مَائِيًّا كَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّمَكُ طَافِيًا أَوْ غَيْرَ طَافٍ؛ لأَِنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ لِعَيْنِ الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مَوْجُودٌ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلاَ يُوجِبُ التَّنْجِيسَ وَلَكِنْ لِمَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَلاَ دَمَ فِي هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنْ كَانَ بَرِّيًّا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَيُنَجِّسُ الْمَائِعَ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْمَائِعِ أَوْ فِي غَيْرِهِثُمَّ وَقَعَ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الدَّمَوِيَّةِ؛ لأَِنَّ الدَّمَ السَّائِل نَجِسٌ فَيُنَجِّسُ مَا يُجَاوِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِيًّا كَالضُّفْدُعِ الْمَائِيِّ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ لاَ يُنَجِّسُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَإِنْ قِيل: إِنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فَلاَ يُمْكِنُ صِيَانَةُ الْمِيَاهِ عَنْ مَوْتِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ يُوجِبُ التَّنْجِيسَ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ صِيَانَةُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ عَنْ مَوْتِهَا فِيهَا، وَإِنْ قِيل: إِنَّ الْعِلَّةَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْمَاءِ لاَ يَكُونُ لَهَا دَمٌ إِذِ الدَّمَوِيُّ لاَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فَلاَ يُوجِبُ التَّنْجِيسَ لاِنْعِدَامِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ (7) .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَائِعَاتِ لاَ يَتَنَجَّسُ مِنْهَا مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ إِلاَّ إِذَا تَغَيَّرَ.
قَال حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ قُلْتُ: كَلْبٌ وَلَغَ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ؟ قَال: إِذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِثْل جُبٍّ أَوْ نَحْوِهِ رَجَوْتُ أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَيُؤْكَل؛ لأَِنَّهُ كَثِيرٌ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ كَالْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي آنِيَّةٍ صَغِيرَةٍ فَلاَ يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
وَهُنَاكَ رَأْيٌ آخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ وَهُوَ: مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ - مِنَ الْمَائِعَاتِ - كَالْخَل التَّمْرِيِّ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لأَِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمَاءُ، وَمَا لاَ يَكُونُ أَصْلُهُ الْمَاءَ فَلاَ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ (8) .
تَطْهِيرُ الْمَائِعِ الْمُتَنَجِّسِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِمْكَانِيَّةِ تَطْهِيرِ الْمَائِعَاتِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَوْ عَدَمِ إِمْكَانِ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ غَيْرُ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ وَالْخَل وَنَحْوِهِمَا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ؛ إِذْ لاَ يَأْتِي الْمَاءُ عَلَى كُلِّهِ؛ لأَِنَّهُ بِطَبْعِهِ يَمْنَعُ إِصَابَةَ الْمَاءِ وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَمَا سُئِل فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَرِيقُوهُ (9) ، فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ شَرْعًا، أَوْ كَانَ إِلَى تَطْهِيرِهِ طَرِيقٌ لَمْ يَأْمُرْ بِالاِبْتِعَادِ عَنْهُ، أَوْ بِإِرَاقَتِهِ، بَل أَمَرَ بِغَسْلِهِ وَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَةَ تَطْهِيرِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَال (10) .
وَعَلَيْهِ فَإِذَا تَنَجَّسَ لَبَنٌ أَوْ مَرَقٌ أَوْ زَيْتٌ أَوْ سَمْنٌ مَائِعٌ أَوْ دُهْنٌ مِنْ سَائِرِ الأَْدْهَانِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَائِعَاتِ فَلاَ طَرِيقَ لِتَطْهِيرِهَا لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ غَسْلُهُ.
وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ هَذَا الزِّئْبَقَ؛ فَإِنَّ الْمُتَنَجِّسَ مِنْهُ إِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ إِصَابَتِهَا طُهِّرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنِ انْقَطَعَ فَهُوَ كَالدُّهْنِ وَلاَ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ عَلَى الأَْصَحِّ (11) .
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الزِّئْبَقُ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْجَامِدِ (12) .
كَمَا اسْتُثْنِيَ فِي قَوْلٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الزَّيْتُ وَالسَّمْنُ وَسَائِرُ الأَْدْهَانِ وَقَالُوا: إِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْغَسْل قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ، قَالُوا: وَطَرِيقُ تَطْهِيرِهَا أَنْ نَجْعَل - الدُّهْنَ - فِي إِنَاءٍ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُكَاثَرُ بِهِ وَيُحَرَّكُ بِخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا تَحْرِيكًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَصَل إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَعْلُوَ الدُّهْنُ عَلَى الْمَاءِ فَيَأْخُذَهُ، أَوْ يُفْتَحُ أَسْفَل الإِْنَاءِ فَيَخْرُجُ الْمَاءُ وَيَطْهُرُ الدُّهْنُ وَيَسُدُّ الْفَتْحَةَ بِيَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - فِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ أَنَّهُ يُطْبَخُ - الزَّيْتُ الْمَخْلُوطُ بِالنَّجَسِ - بِالْمَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، قَال الْحَطَّابُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْقَوْل: وَقَال فِي التَّوْضِيحِ: كَيْفِيَّتُهُ - أَيِ التَّطْهِيرُ - عَلَى الْقَوْل بِهِ أَنْ يُؤْخَذَ إِنَاءٌ فَيُوضَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْتِ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ مَاءٌ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَيُنْقَبُ الإِْنَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيَسُدُّهُ بِيَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ يُمَخِّضُ الإِْنَاءَ، ثُمَّ يَفْتَحُ الإِْنَاءَ فَيَنْزِل الْمَاءُ، وَيَبْقَى الزَّيْتُ، يَفْعَل ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَنْزِل الْمَاءُ صَافِيًا، قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: مَحَل الْخِلاَفِ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ الَّتِي أَصَابَتِ الْمَائِعَ الدُّهْنِيَّ غَيْرَ دُهْنِيَّةٍ كَالْبَوْل مَثَلاً، أَمَّا إِذَا كَانَتْ دُهْنِيَّةً كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَلاَ تَقْبَل التَّطَهُّرَ بِلاَ خِلاَفٍ لِمُمَازَجَتِهَا لَهُ (13) .
وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ لَبَنٌ وَعَسَلٌ وَدِبْسٌ (14) وَدُهْنٌ يَغْلِي ثَلاَلاً، وَقَال فِي الدُّرَرِ: وَلَوْ تَنَجَّسَ الْعَسَل فَتَطْهِيرُهُ أَنْ يُصَبَّ فِيهِ مَاءٌ بِقَدْرِهِ فَيَغْلِيَ حَتَّى يَعُودَ إِلَى مَكَانِهِ، وَالدُّهْنُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَغْلِي فَيَعْلُو الدُّهْنُ الْمَاءَ فَيُرْفَعُ بِشَيْءِ هَكَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (15) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَةٌ) .
ج - الاِنْتِفَاعُ بِالْمَائِعَاتِ النَّجِسَةِ
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِوَدَكِ الْمَيْتَةِ أَوْ شَحْمِهَا فِي طَلْيِ السُّفُنِ وَنَحْوِهَا، أَوِ الاِسْتِصْبَاحِ بِهَا أَوْ لأَِيِّ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الاِسْتِعْمَال مَا عَدَا جِلْدَهَا إِذَا دُبِغَ، لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ يَقُول عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ فَقِيل: يَا رَسُول اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَال: لاَ هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ ﷿ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ (16) إِلاَّ أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ قَال: وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا رُوِيَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ أَكَلُوا الْجُبْنَ لَمَّا دَخَلُوا الْمَدَائِنَ وَهُوَ يُعْمَل بِالإِْنْفَحَةِ وَهِيَ تُؤْخَذُ مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ (17) .
وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِمَا عَلَى الإِْنْسَانِ مِنَ التَّعَبُّدِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ، وَلأَِجْل دُخَانِ النَّجَاسَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلاِسْتِصْبَاحِ فَإِنَّهُ قَدْ يُصِيبُ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ السِّرَاجِ (18) نُقِل عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ (19) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَحِل مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الاِسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَيْنُهُ كَوَدَكِ مَيْتَةٍ، أَوْ بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ؛ لأَِنَّهُ ﷺ سُئِل عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَال: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ (20) ، وَعَلَى هَذَا يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ الإِْنْسَانَ مِنْ دُخَانِ الْمِصْبَاحِ لِقِلَّتِهِ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِجْل دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُصِيبُ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنَ السِّرَاجِ.
أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْجِيسِهِ كَمَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلأَْذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَإِنْ كَانَ مَيْل الإِْسْنَوِيِّ إِلَى الْجَوَازِ.
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا وَدَكُ نَحْوِ الْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنِ الإِْمَامِ.
قَال الْغَزِّيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَل الزَّيْتُ الْمُتَنَجِّسُ صَابُونًا أَيْضًا لِلاِسْتِعْمَال أَيْ لاَ لِلْبَيْعِ. قَال فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَإِطْعَامُهَا لِلْكِلاَبِ وَالطُّيُورِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجِّسِ لِلدَّوَابِّ (21) .
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالْبَوْل وَبَيْنَ الْمُتَنَجِّسِ فَقَالُوا بِجِوَازِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمُتَنَجِّسِ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْبَدَنِ، قَال خَلِيلٌ: وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لاَ نَجِسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ، قَال الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ: مُرَادُهُ بِالْمُتَنَجِّسِ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الأَْصْل وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ، وَبِالنَّجِسِ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ نَجِسَةً كَالْبَوْل وَالْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ (22) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَةٌ) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، وغمز عيون البصائر 2 / 7.
(2) حديث: " إن كان جامدًا فألقوها وما حولها. . " أخرجه ابن حبان (4 / 237 - الإحسان) من حديث أبي هريرة.
(3) حديث: " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 174) من حديث أبي أمامة، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 131) .
(4) مواهب الجليل 1 / 108 وما بعدها، وجواهر الإكليل 1 / 9 - 10، والمنثور في القواعد 3 / 131، 262، 267، ومغني المحتاج 1 / 17، 18، 86، المجموع 2 / 571، 587، 1 / 125، 126، 127، 130، والمغني لابن قدامة 1 / 27، 28، 42.
(5) حديث: " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 250) وأبو داود (4 / 182 - 183) واللفظ لأبي داود والرواية الأخرى هي للبخاري (فتح الباري 6 / 359) .
(6) المجموع 1 / 131، 147.
(7) البدائع 1 / 79 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 1 / 123 - 124 وما بعدها، والمغني 1 / 38.
(8) المغني لابن قدامة 1 / 28 - 29.
(9) حديث: " إن كان جامدًا. . ". سبق تخريجه ف3.
(10) جواهر الإكليل 1 / 9 - 10، ومواهب الجليل 1 / 108 - 115، والمجموع للنووي 2 / 599، ومغني المحتاج 1 / 86، والمغني لابن قدامة 1 / 37.
(11) المجموع للنووي 2 / 599.
(12) المغني لابن قدامة 1 / 37.
(13) مواهب الجليل 1 / 113 وما بعدها، والمجموع 2 / 599، ومغني المحتاج 1 / 86، والمغني 1 / 37.
(14) الدبس بكسر الدال عصارة الرطب (المصباح المنير) .
(15) ابن عابدين 1 / 222 وما بعدها، والفتاوى الهندية 1 / 42.
(16) حديث جابر: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 424) ومسلم (3 / 1207) .
(17) المراجع السابقة، والمغني لابن قدامة 1 / 74، وصحيح مسلم شرح النووي 11 / 8.
(18) المراجع السابقة، ومغني المحتاج 1 / 41.
(19) مواهب الجليل 1 / 120.
(20) حديث: " إن كان جامدًا. . ". سبق تخريجه ف3.
(21) مغني المحتاج 1 / 309.
(22) الحطاب 1 / 117.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 23/ 36