العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
كونُ الشيئين في مكانين بحيث لا يختلفان في الجهات . ويغلب إطلاقه على محاذاة ميقات الإحرام . ومن شواهده قولهم : "ومن حاذى ميقاتاً، فميقاته عند المحاذاة؛ إذ المقصود مقدار البعد عن مكة . وإن جاء من ناحية لم يحاذ ميقاتاً، ولا مر به تحرى محاذاتها، وأحرم ."
المُقَابَلَةُ، يُقَالُ: حَاذَيْتُهُ مُحَاذَاةً إِذَا قَابَلْتَهُ، وَقَعَدَ حِذَاءَهُ أَيْ مُقَابِلاً لَهُ، وَأَصْلُ المُحَاذَاةِ مِنَ الحَوْذِ، وَهُوَ الإِحَاطَةُ، يُقَالُ: حَذَا يَحذو حَذوًا أَيْ حَاطَ بِالشَّيْءِ، وَتُطْلَقُ المُحَاذَاةُ بِمَعْنَى: المُوَازَاةِ، وَهِي كَوْنُ الشَّيْئَيْنِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ وَاحِدٍ باعتبارِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، يُقَالُ: حَاذَاهُ حِذَاءً ومُحَاذَاةً إِذَا وَازَاهُ وَصَارَ مُقَابِلاً لَهُ عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ، وَمِنْ مَعانِي المُحَاذَاةِ أَيْضًا: التَّقْدِيرُ والمُسَاوَاةُ والمُوَاجَهَةُ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (مُحَاذَاةٍ) أَيْضًا فِي بَابِ سُنَنِ الطَّوافِ مِنْ كِتابِ الحَجِّ، وَفِي كِتابِ الطَّهارَةِ فِي بَابِ غَسْلِ اللِّحْيَةِ، وَكِتابِ الجَنَائِزِ فِي بَابِ الصَّلاَةِ عَلَى المَيِّتِ. وَيُطْلَقُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ وَيُرادُ بِهِ: (جَعْلُ المَنَاكِبِ وَالأَقْدامِ عَلَى مُسْتَوى وَاحِدٍ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهَا عَلَى الآخَرِ).
حذو
كونُ الشيئين في مكانين بحيث لا يختلفان في الجهات. ويغلب إطلاقه على محاذاة ميقات الإحرام.
* لسان العرب : 32/14 - لسان العرب : 32/14 - الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : 567/1 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : 136/1 - تاج العروس : 400/9 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُحَاذَاةُ فِي اللُّغَةِ: الْمُقَابَلَةُ، يُقَال: حَاذَيْتُهُ مُحَاذَاةً مِنْ بَابِ قَاتَل (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: كَوْنُ الشَّيْئَيْنِ فِي مَكَانَيْنِ بِحَيْثُ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجِهَاتِ.
قَال الْبَرَكَتِيُّ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ (2) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَاذَاةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
لِلْمُحَاذَاةِ أَحْكَامٌ وَرَدَتْ فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ نُجْمِلُهَا فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الْمُحَاذَاةُ فِي الصَّلاَةِ
أ - مُحَاذَاةُ الْقِبْلَةِ:
2 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَتَصِحُّ فَوْقَهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ أَمَامَهُ شَاخِصٌ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجُوزُ صَلاَةُ النَّفْل فَوْقَ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا السُّنَنُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ فَلاَ تَجُوزُ صَلاَتُهَا فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ عَلَى الرَّاجِحِ، لَكِنَّهَا إِنْ صُلِّيَتْ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ لاَ تُعَادُ بِخِلاَفِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يُعَادُ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِبْلَةِ الْعَرْصَةُ لاَ الْبِنَاءُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْكَعْبَةُ الَّتِي هِيَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ، وَلِذَا لَوْ نُقِل الْبِنَاءُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَصُلِّيَ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ بَل تَجِبُ الصَّلاَةُ إِلَى أَرْضِهَا (4) .
وَقَالُوا: تَصِحُّ الصَّلاَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَوْقَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ بِلاَ سُتْرَةٍ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ جَازَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَ (5) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ نُظِرَ: إِنْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِهَا وَاسْتَدْبَرَ بَاقِيَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ، لِعَدَمِ اسْتِقْبَال شَيْءٍ مِنْهَا، وَهَكَذَا لَوِ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَوَقَفَ عَلَى طَرَفِ الْعَرْصَةِ وَاسْتَدْبَرَ بَاقِيَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَهَا صَحَّ بِلاَ خِلاَفٍ.
أَمَّا إِذَا وَقَفَ فِي وَسْطِ السَّطْحِ أَوِ الْعَرْصَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ شَاخِصٌ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ (6) .
وَمَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مُسْتَقْبِلاً مِنْ بِنَائِهَا قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ، وَكَذَا إِذَا اسْتَقْبَل شَاخِصًا مُتَّصِلاً بِالْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ قَامَتِهِ طُولاً وَعَرْضًا لأَِنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْكَعْبَةِ، أَوْ إِلَى مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا، حَتَّى وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ، لأَِنَّهُ مُوَاجِهٌ بِبَعْضِهِ جُزْءًا مِنَ الْكَعْبَةِ وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَ الْكَعْبَةِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَل مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ إِلَيْهِ، لأَِنَّهُ كَسُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا الَّذِي هُوَ مِثْل مُؤَخِّرَةِ الرَّحْل.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ لَوِ اسْتَقْبَل الشَّاخِصَ الْمَذْكُورَ فِي حَال قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلاَتِهِ، كَأَنِ اسْتَقْبَل خَشَبَةً عَرْضُهَا ثُلُثَا ذِرَاعٍ مُعْتَرِضَةً فِي بَابِ الْكَعْبَةِ تُحَاذِي صَدْرَهُ فِي حَال قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلاَتِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ، ثُمَّ قَال: بَل الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلاَّ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، بِخِلاَفِ غَيْرِهَا لأَِنَّهُ فِي حَال سُجُودِهِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَلَوْ عَلَى جَبَلٍ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَاخِصٍ لأَِنَّهُ يُعَدُّ مُحَاذِيًا إِلَيْهَا بِخِلاَفِ الْمُصَلَّى فِيهَا، وَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بِبَعْضِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَكَذَا لَوِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبِلاً لَهَا وَلاَ شَكَّ أَنَّهُمْ إِذَا بَعُدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلاَتُهُمْ، وَإِنْ طَال صَفُّهُمْ، لأَِنَّ صَغِيرَ الْحَجْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ (7) .
وَلَوْ أُزِيل الشَّاخِصُ الَّذِي كَانَ يُحَاذِيهِ فِي أَثَنَاءِ صَلاَتِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لأَِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ (8) .
ب - الْمُحَاذَاةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَوْ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي عِنْدَ افْتِتَاحِ صَلاَتِهِ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ (9) .
وَقَدْ نَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرَّفْعِ (10) ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ ف 57 وَمَا بَعْدَهَا) .
ج - الصَّلاَةُ فِي مُحَاذَاةِ النَّجَاسَةِ
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى وَفِي مُحَاذَاتِهِ نَجَاسَةٌ.
فَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الصَّلاَةِ نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَ الْمُصَلِّي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ، لِعَدَمِ مُلاَقَاةِ النَّجَاسَةِ لِبَدَنِهِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الصَّلاَةِ لأَِنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَكَانَ صَلاَتِهِ، فَتَعَيَّنَ طَهَارَتُهُ كَالَّذِي يُلاَقِيهِ (11) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَةٌ) .
د - مُحَاذَاةُ الْمَأْمُومِ إِمَامَهُ فِي الصَّلاَةِ
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِي عُلُوٍّ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَصُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَسْطَ دَارٍ مَثَلاً، وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ كَصَحْنِ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ عَكْسِهِ شُرِطَ مَعَ وُجُوبِ اتِّصَال صَفٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ: مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِ الْمَأْمُومِ بَعْضَ بَدَنِ الإِْمَامِ، بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُ الأَْسْفَل قَدَمَ الأَْعْلَى مَعَ اعْتِدَال قَامَةِ الأَْسْفَل حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا، لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَدِلَهَا لَحَصَلَتِ الْمُحَاذَاةُ صَحَّ الاِقْتِدَاءُ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ قَاعِدًا وَلَوْ قَامَ لَحَاذَى كَفَى، أَمَّا إِذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ فَيَصِحُّ الاِقْتِدَاءُ مُطْلَقًا (12) .
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: يَجُوزُ عَدَمُ إِلْصَاقِ مَنْ عَلَى يَمِينِ الإِْمَامِ أَوْ يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوَهُ أَيْ خَلْفَ ظَهْرِ الإِْمَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِوَازِ (عِنْدَهُمْ) خِلاَفُ الأَْوْلَى لأَِنَّهُ تَقْطِيعٌ لِلصَّفِّ وَوَصْلُهُ مُسْتَحَبٌّ (13) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ فَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ حَتَّى رَكَعَ الإِْمَامُ يَخْتَارُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجْذِبُهُ وَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَالَمًا يَقِفُ الصَّفَّ بِحِذَاءِ الإِْمَامِ لِلضَّرُورَةِ (14) .
هـ - صَلاَةُ الرَّجُل فِي مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَفْسُدُ بِمُحَاذَاةِ الْمُصَلِّي امْرَأَةً سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَلاَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي صَلاَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَمَا لاَ تَفْسُدُ لِمُحَاذَاةِ غَيْرِ الْمَرْأَةِ. إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَشْغَلُهُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اسْتُحِبَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَجْعَل فِي مُحَاذَاتِهِ سَاتِرًا يَحُول بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارَّةِ (15) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ صَلاَةَ الرَّجُل تَفْسُدُ إِذَا حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ فِي صَلاَتِهِ.
وَقَالُوا: لَوْ قَامَتِ امْرَأَةٌ وَسْطَ الصَّفِّ تُفْسِدُ صَلاَةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَصَلاَةَ وَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهَا وَصَلاَةَ وَاحِدٍ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا.
وَشُرُوطُ الْمُحَاذَاةِ الْمُفْسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تِسْعَةٌ:
أ - كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُشْتَهَاةً وَلَوْ كَانَتْ مَحْرَمًا لِلرَّجُل أَوْ زَوْجَةً لَهُ، أَوْ كَانَتْ مَاضِيًا كَعَجُوزٍ شَوْهَاءَ.
ب - كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ فِي الأَْصَحِّ وَفِي الدُّرِّ: الْمُعْتَبَرُ الْمُحَاذَاةُ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ.
ج - كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ فِي أَدَاءِ رُكْنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْفَتْحِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلَبِيُّ أَوْ قَدَّرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: إِنَّ قَلِيل الْمُحَاذَاةِ وَكَثِيرَهَا مُفْسِدٌ وَنُسِبَ إِلَى أَبِي يُوسُفَ.
د - كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ فِي صَلاَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَوْ بِالإِْيمَاءِ فَلاَ تَبْطُل صَلاَةُ الْجِنَازَةِ إِذْ لاَ سُجُودَ لَهَا، فَهِيَ لَيْسَتْ بِصَلاَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ.
هـ - كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ فِي صَلاَةٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمَةُ وَذَلِكَ بِاقْتِدَاءِ الْمُصَلِّي وَالْمَرْأَةِ بِإِمَامٍ أَوِ اقْتِدَائِهَا بِهِ.
و كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ فِي مَكَانٍ مُتَّحِدٍ وَلَوْ حُكْمًا، فَلَوِ اخْتَلَفَ الْمَكَانُ بِأَنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى مَكَانٍ عَالٍ بِحَيْثُ لاَ يُحَاذِي شَيْءٌ مِنْهُ شَيْئًا مِنْهَا لاَ تَفْسُدُ الصَّلاَةُ.
ز - كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ بِلاَ حَائِلٍ قَدْرَ ذِرَاعٍ فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ، أَوْ فُرْجَةٌ تَسَعُ رَجُلاً.
ح - عَدَمُ إِشَارَةِ الْمُصَلِّي إِلَيْهَا لِتَتَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ تَتَأَخَّرْ بِإِشَارَاتِهِ فَسَدَتْ صَلاَتُهَا لاَ صَلاَتُهُ وَلاَ يُكَلَّفُ بِالتَّقَدُّمِ عَنْهَا لِكَرَاهَتِهِ.
ط - وَتَاسِعُ شُرُوطِ الْمُحَاذَاةِ الْمُفْسِدَةِ: أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ قَدْ نَوَى إِمَامَتَهَا فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لاَ تَكُونُ فِي الصَّلاَةِ فَانْتَفَتِ الْمُحَاذَاةُ (16) .
ثَانِيًا: الْمُحَاذَاةُ فِي الْحَجِّ
7 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَجْعَل الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجَرِ الأَْسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فِي مُرُورِهِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَيَكْتَفِي بِمُحَاذَاةِ جُزْءٍ مِنَ الْحَجَرِ الأَْسْوَدِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ كَمَا اكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلاَةِ.
وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ: أَنْ يَسْتَقْبِل الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الأَْيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ وَيَمُرُّ مُسْتَقْبِلاً إِلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْمُحَاذَاةُ الْوَاجِبَةُ تَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ لاَ بِالْحَجَرِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّهُ نُحِّيَ مِنْ مَكَانِهِ وَجَبَتْ مُحَاذَاةُ الرُّكْنِ (17) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فَيَكُونُ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ خِلاَفِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ، وَشَرْحُهُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلاً عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَمْشِي كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلاً حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَل وَجَعَل يَسَارَهُ إِلَى الْبَيْتِ وَهَذَا فِي الاِفْتِتَاحِ خَاصَّةً، وَلَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الإِْسَاءَةِ (18) .
__________
(1) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(2) مغني المحتاج 1 / 152، وقواعد الفقه للبركتي.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 229، والروض المربع 1 / 101 المطبعة السلفية.
(4) حاشية ابن عابدين 1 / 290.
(5) حاشية ابن عابدين 1 / 612، والفتاوى الهندية 1 / 63.
(6) المجموع 3 / 197 وما بعدها.
(7) مغني المحتاج 1 / 144 وما بعدها.
(8) مغني المحتاج 1 / 145.
(9) حديث: " كان يرفع يديه حذو منكبه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 218 - ط. السلفية) .
(10) حاشية ابن عابدين 1 / 324، 319، وحاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 152، وجواهر الإكليل 1 / 50، ومغني المحتاج 1 / 152، 164، 165، والمغني لابن قدامة 1 / 469 - 470، 497، 507.
(11) مغني المحتاج 1 / 190.
(12) مغني المحتاج 1 / 250 - 251.
(13) جواهر الإكليل 1 / 80.
(14) حاشية ابن عابدين 1 / 382، والفتاوى الهندية 1 / 88 - 89.
(15) مواهب الجليل 1 / 533، مغني المحتاج 1 / 200، وكشاف القناع 1 / 329، والمغني لابن قدامة 2 / 249، وما بعدها، وسبل السلام 1 / 267، وما بعدها.
(16) مراقي الفلاح 180 - 181.
(17) مغني المحتاج 1 / 485، وما بعدها وانظر الخرشي 1 / 314، وكشاف القناع 2 / 478 وما بعدها.
(18) الفتاوى الهندية 1 / 235.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 171/ 36