المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
القدرة على فعل الشيء . مثل اشتراط الاستطاعة في وجوب الحج، كامتلاك قيمة الزاد، والراحلة؛ يقول تعالى : ﭽﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼآل عمران : 97.
الْقُدْرَةُ عَلَى الشَّيْءِ، وَضِدُّهَا العَجْزُ، تَقُولُ: اسْتَطَاعَ القِيامَ إِذَا قَدِرَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ، وَالقِيَامُ مُسْتَطَاعٌ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الاسْتِطَاعَةِ مِنَ الطَّوْعِ، وَهُوَ الانْقِيَادُ وَالاسْتِجَابَةُ، يُقَالُ: طَاعَهُ يَطُوعُهُ طَوْعًا وَطَاعَةً إِذَا انْقَادَ مَعَهُ، وَسُمِّيَتْ القُدْرَةُ اسْتِطَاعَةً؛ كَأَنَّ الشَّيْءَ انْقَادَ لِلمُسْتَطِيعِ وَاسْتَجَابَ لَهُ حَتَّى قَدِرَ عَلَيْهِ، وَتَأْتِي الاسْتِطَاعَةُ بِمَعْنَى: الإِمْكَانِ، كَقَوْلِ: في اسْتِطاعَتِهِ كَذَا أَيْ في إِمْكانِهِ، وَمِنْ مَعَانِي الاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا: الإِطَاقَةُ والوُسْعُ والقُوَّةُ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (اسْتِطَاعَةٍ) أَيْضًا فِي بَابِ الإِجْماعِ، وَبَابِ الاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ. وَيَرِدُ فِي الفِقْهِ فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ كَكِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَكِتَابِ الصَّلاَةِ، وَكِتَابِ الصِّيَامِ، وَكتَابِ الحَجِّ، وَالجِهَادِ، وَغَيْرِهَا.
طوع
القدرة على فعل الشيء.
* القاموس المحيط : (ص:745)
* تاج العروس : (1/ 5428)
* لسان العرب : (8/ 240)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (380/2)
* مجموع الفتاوى : (103/14)
* المستصفى : (69/1)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (319/3)
* الفصل في الملل والأهواء والنحل : (19/3)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (130/8) -
التَّعْرِيفُ
1 - الاِسْتِطَاعَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقُدْرَةُ عَلَى الشَّيْءِ. وَالْقُدْرَةُ: هِيَ صِفَةٌ بِهَا إِنْ شَاءَ فَعَل، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل. وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَذَلِكَ، فَهُمْ يَقُولُونَ مَثَلاً: الاِسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.وَإِذَا كَانَتِ الاِسْتِطَاعَةُ وَالْقُدْرَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نُنَوِّهَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَ كِلْتَا الْكَلِمَتَيْنِ: (اسْتِطَاعَةٌ، قُدْرَةٌ) . وَأَنَّ الأُْصُولِيِّينَ يَسْتَعْمِلُونَ كَلِمَةَ: (قُدْرَةٌ) . قَال فِي فَوَاتِحِ الرَّحَمُوتِ شَرْحِ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْفِعْل، الْمُسْتَجْمِعَةَ لِجَمِيعِ الشَّرَائِطِ الَّتِي يُوجَدُ الْفِعْل بِهَا، أَوْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهَا، تُسَمَّى: (اسْتِطَاعَةً) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْطَاقَةُ
2 - لاَ خِلاَفَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ اسْتِطَاعَةٍ وَإِطَاقَةٍ، إِذْ أَنَّ كُل كَلِمَةٍ مِنْهُمَا تَدُل عَلَى غَايَةِ مَقْدُورِ الْقَادِرِ، وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ فِي الْمَقْدُورِ. إِلاَّ أَنَّ مَا يُفَرِّقهُمَا عَنِ (الْقُدْرَةِ) فِي الاِسْتِعْمَال اللُّغَوِيِّ هُوَ: أَنَّ الْقُدْرَةَ لَيْسَتْ لِغَايَةِ الْمَقْدُورِ، وَلِذَلِكَ يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَادِرِ وَلاَ يُوصَفُ بِالْمُطِيقِ أَوِ الْمُسْتَطِيعِ.
الاِسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِمَا لاَ يُسْتَطَاعُ عَادَةً، دَل عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَقَال جَل شَأْنُهُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ، وَقَال ﷺ: إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِفَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُل، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. (1)
وَقَدْ حَكَى فِي عُمْدَةِ الْقَارِي عِنْدَ كَلاَمِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الاِتِّفَاقَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّكْلِيفِ بِغَيْرِ الْمُسْتَطَاعِ (2) .
وَإِذَا صَدَرَ التَّكْلِيفُ حِينَ الاِسْتِطَاعَةِ، ثُمَّ فُقِدَتْ هَذِهِ الاِسْتِطَاعَةُ حِينَ الأَْدَاءِ، أُوقِفَ هَذَا التَّكْلِيفُ إِلَى حِينِ الاِسْتِطَاعَةِ (3) . فَقَدْ كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَرَادَ الصَّلاَةَ بِالْوُضُوءِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ سَقَطَ عَنْهُ الْوُضُوءُ، وَصُيِّرَ إِلَى الْبَدَل، وَهُوَ التَّيَمُّمُ.
وَكَلَّفَ الْحَانِثَ فِي يَمِينِهِ بِكَفَّارَةِ الإِْطْعَامِ أَوِ الْكِسْوَةِ أَوِ الإِْعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدًا مِنْهَا حِينَ الأَْدَاءِ سَقَطَتْ عَنْهُ وَصِيرَ إِلَى الْبَدَل، وَهُوَ الصِّيَامُ.
وَكَلَّفَ الْمُسْلِمَ بِالْحَجِّ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ حِينَ الأَْدَاءِ لِمَرَضٍ، أَوْ فَقْدِ نَفَقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَقَطَ هَذَا التَّكْلِيفُ إِلَى حِينِ الاِسْتِطَاعَةِ.
وَتَجِدُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَبْوَابِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَفِي مَبْحَثِ الْحُكْمِ مِنْ كُتُبِ الأُْصُول.
شَرْطُ الاِسْتِطَاعَةِ:
4 - وَشَرْطُ تَحَقُّقِ الاِسْتِطَاعَةِ: وُجُودُهَا حَقِيقَةً لاَ حُكْمًا. وَمَعْنَى وُجُودِهَا حَقِيقَةً وُجُودُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْل مِنْ غَيْرِ تَعَسُّرٍ (4) ، وَمَعْنَى وُجُودِهَا حُكْمًا الْقُدْرَةُ عَلَى الأَْدَاءِ بِتَعَسُّرٍ. أَنْوَاعُ الاِسْتِطَاعَةِ:
5 - يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الاِسْتِطَاعَةِ إِلَى عِدَّةِ تَقْسِيمَاتٍ بِحَسَبِ أَنْوَاعِهَا:
التَّقْسِيمُ الأَْوَّل: اسْتِطَاعَةٌ مَالِيَّةٌ، وَاسْتِطَاعَةٌ بَدَنِيَّةٌ.
6 - الاِسْتِطَاعَةُ الْمَالِيَّةُ: يُشْتَرَطُ تَوَافُرُهَا فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ، كَالزَّكَاةِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَالْهَدْيِ فِي الْحَجِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْجِزْيَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَالنَّذْرِ الْمَالِيِّ، وَالْكَفَالَةِ بِالْمَال، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ثَانِيًا: فِي الْوَاجِبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الْقِيَامُ بِهَا عَلَى الاِسْتِطَاعَةِ الْمَالِيَّةِ، كَقُدْرَةِ فَاقِدِ الْمَاءِ عَلَى شِرَائِهِ بِثَمَنِ الْمِثْل لِلْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْل، وَقُدْرَةِ فَاقِدِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ عَلَى شِرَاءِ ثَوْبٍ بِثَمَنِ الْمِثْل لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَقُدْرَةِ مُرِيدِ الْحَجِّ عَلَى تَوْفِيرِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَنَفَقَةِ الْعِيَال، وَقَدْ فَصَّل ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ.
7 - أَمَّا الاِسْتِطَاعَةُ الْبَدَنِيَّةُ. فَإِنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، كَوُجُوبِ الطَّهَارَةِ، وَأَدَاءِ الصَّلاَةِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْكْمَل، وَفِي الصَّوْمِ، وَفِي الْحَجِّ، وَفِي النَّذْرِ الْبَدَنِيِّ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ، وَفِي الْكَفَّارَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصِّيَامِ، وَفِي النِّكَاحِ، وَفِي الْحَضَانَةِ، وَفِي الْجِهَادِ، وَقَدْ فُصِّلَتْ أَحْكَامُ ذَلِكَ فِي الأَْبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
التَّقْسِيمُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةٌ بِالنَّفْسِ، وَاسْتِطَاعَةٌ بِالْغَيْرِ.
8 - الاِسْتِطَاعَةُ بِالنَّفْسِ: تَكُونُ بِقُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا كُلِّفَ بِهِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إِلَى غَيْرِهِ.
9 - وَالاِسْتِطَاعَةُ بِالْغَيْرِ: هِيَ قُدْرَةُ الْمُكَلَّفِ عَلَىالْقِيَامِ بِمَا كُلِّفَ بِهِ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الاِسْتِطَاعَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحَقُّقِ شَرْطِ التَّكْلِيفِ بِهِ:
فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَعْتَبِرُونَ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ مُكَلَّفًا بِمُقْتَضَى هَذِهِ الاِسْتِطَاعَةِ، ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَطِيعَ بِغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ قَادِرًا عَلَى الأَْدَاءِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُسْتَطِيعُ بِغَيْرِهِ عَاجِزٌ وَغَيْرُ مُسْتَطِيعٌ؛ لأَِنَّ الْعَبْدِ يُكَلَّفُ بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ لاَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ يُعَدُّ قَادِرًا إِذَا اخْتُصَّ بِحَالَةٍ تُهَيِّئُ لَهُ الْفِعْل مَتَى أَرَادَ، وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ.
وَيَسْتَثْنِي أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ ذَلِكَ حَالَتَيْنِ:
الْحَالَةَ الأُْولَى: مَا إِذَا وَجَدَ مَنْ كَانَتْ إِعَانَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، كَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ.
الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ: مَا إِذَا وَجَدَ مَنْ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ مِنْ غَيْرِ مِنَّةٍ، كَزَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ هَؤُلاَءِ (5) .
وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا، وَمِنْهَا:
الْعَاجِزُ عَنِ الْوُضُوءِ إِذَا وَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ.
وَالْعَاجِزُ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا وَجَدَ مَنْ يُوَجِّهُهُ إِلَيْهَا.
وَالأَْعْمَى إِذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ إِلَى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَالأَْعْمَى وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا وَجَدَا مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى أَدَاءِ أَفْعَال الْحَجِّ.
التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ: - وَهُوَ لِلْحَنَفِيَّةِ - اسْتِطَاعَةٌ مُمْكِنَةٌ، وَاسْتِطَاعَةٌ مُيَسِّرَةٌ:
10 - الاِسْتِطَاعَةُ الْمُمْكِنَةُ مُفَسَّرَةٌ بِسَلاَمَةِ الآْلاَتِ وَصِحَّةِ الأَْسْبَابِ، وَارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ، إِذْ عَدِيمُ الرِّجْلَيْنِ لاَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ، وَمَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَهَكَذَا.
وَالاِسْتِطَاعَةُ الْمُمْكِنَةُ شَرْطٌ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَيْنًا، فَإِنْ فَاتَتْ لاَ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنِ الذِّمَّةِ بِفَوَاتِهَا.
وَلاَ يُشْتَرَطُ تَوَفُّرُهَا فِي قَضَاءِ الْوَاجِبِ؛ لأَِنَّ اشْتِرَاطَهَا لِتَحَقُّقِ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَإِذَا لَمْ يَتَكَرَّرِ الْوُجُوبُ لاَ يَجِبُ تَكَرُّرُ الاِسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْوُجُوبِ.
11 - أَمَّا الاِسْتِطَاعَةُ الْمُيَسِّرَةُ، فَهِيَ قُدْرَةُ الإِْنْسَانِ عَلَى الْفِعْل بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ.
وَالاِسْتِطَاعَةُ الْمُيَسِّرَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ الْمَشْرُوطَةِ بِهَا، حَتَّى لَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ سَقَطَ الْوَاجِبُ عَنِ الذِّمَّةِ. فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ، وَمِنْ وُجُوهِ الْيُسْرِ فِيهَا: أَنَّهَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، وَتُؤَدَّى مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْحَوْل، وَلِهَذَا التَّيْسِيرِ سَقَطَ وُجُوبُهَا بِهَلاَكِ النِّصَابِ، إِذْ لَوْ وَجَبَتْ مَعَ الْهَلاَكِ انْقَلَبَ الْيُسْرُ عُسْرًا (6) .
اخْتِلاَفُ الاِسْتِطَاعَةِ مِنْ شَخْصٍ لآِخَرَ، وَمِنْ عَمَلٍ لآِخَرَ:
12 - الاِسْتِطَاعَةُ تَخْتَلِفُ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ، فَتُجَاهَ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ قَدْ يَكُونُ شَخْصٌ مُسْتَطِيعًا لَهُ، وَشَخْصٌ آخَرُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لَهُ، كَالْمَرَضِ بِأَنْوَاعِهِ الَّتِي يَخْتَلِفُ أَثَرُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ.
كَمَا تَخْتَلِفُ الاِسْتِطَاعَةُ مِنْ عَمَلٍ إِلَى عَمَلٍ، فَالأَْعْرَجُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلْجِهَادِ بِالنَّفْسِ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِلْجِهَادِ بِالْمَال، وَمُسْتَطِيعٌ لأَِدَاءِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَهَكَذَا.
__________
(1) أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 84 - ط السلفية) ومسلم 3 / 1283 ط عيسى الحلبي، كلاهما في كتاب الإيمان.
(2) عمدة القاري 1 / 208
(3) فواتح الرحموت 1 / 127
(4) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 234
(5) البحر الرائق 1 / 147 - 148، و 302، وحاشية ابن عابدين 1 / 290، و 470 - 471، ونهاية المحتاج 1 / 408، والمغني 1 / 240، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 1 / 113
(6) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1 / 137، 140
الموسوعة الفقهية الكويتية: 330/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".