القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
اشتهار الأمر، وشيوعه . ومن أمثلتها عند المحدثين اشتهار كون الراوي صحابياً، أو عَدْلاً بين أهل العلم، وشيوع ذلك بينهم . وهي إحدى طرق معرفة الصحبة، أو عدالة الراوي . ومن الصحابة الذين عرفت صحبتهم بالاستفاضة ضِمَام بن ثَعْلبةَ، وعُكَّاشَة بن مِحْصَن رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا . ومن الأئمة الذين عرفت عدالتهم بالاستفاضة مالك، وشعبة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل . ومن أمثلتها عند الفقهاء الشهادة بالاستفاضة، وهي شهادة الناس على أمر ذاع خبره، وانتشر، كرؤية هلال رمضان، أو زواج فلان، أو موته
اشتهار الأمر، وشيوعه. وهي إحدى طرق معرفة الصحبة، أو عدالة الراوي.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِفَاضَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ اسْتَفَاضَ. يُقَال: اسْتَفَاضَ الْحَدِيثُ وَالْخَبَرُ وَفَاضَ بِمَعْنَى: ذَاعَ وَانْتَشَرَ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - الاِسْتِفَاضَةُ مُسْتَنَدٌ لِلشَّهَادَةِ، يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الشَّاهِدُ فِي شَهَادَتِهِ، فَتَقُومُ مَقَامَ الْمُعَايَنَةِ فِي أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ يَأْتِي بَيَانُهَا. وَلِذَلِكَ يُطْلِقُ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ " الشَّهَادَةَ بِالاِسْتِفَاضَةِ " وَيُطْلِقُونَ عَلَيْهَا أَيْضًا " الشَّهَادَةَ بِالسَّمَاعِ " أَوْ بِالتَّسَامُعِ، أَوْ بِالشُّهْرَةِ، أَوْ بِالاِشْتِهَارِ، وَهُمْ فِي كُل ذَلِكَ يَقْصِدُونَ الشَّهَادَةَ بِسَمَاعِ مَا شَاعَ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَيَقُول عَنْهَا ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ: " شَهَادَةُ السَّمَاعِ " لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ الشَّاهِدُ فِيهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (3) . وَيَقُول عَنْهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الشُّهْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ (4) .
3 - هَذَا وَإِنَّ شَهَادَةَ الاِسْتِفَاضَةِ تَكُونُ فِي الأُْمُورِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الاِشْتِهَارِ، كَالْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، لأَِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ غَالِبًا بِدُونِ الاِسْتِفَاضَةِ، وَلأَِنَّهُ يَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصُّ مِنَ النَّاسِ، فَلَوْ لَمْ تُقْبَل فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ لأََدَّى إِلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيل الأَْحْكَامِ، كَمَا يَقُول الْفُقَهَاءُ.
4 - وَالْفُقَهَاءُ جَمِيعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالاِسْتِفَاضَةِ (5) . إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي أُمُورٍ:
5 - أ - شَرْطُ التَّسَامُعِ. وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ مِنْ جَمَاعَةٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقِيل: يَكْفِي رَجُلاَنِ عَدْلاَنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَهُوَ قَوْل الْخَصَّافِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (6) . مَعَ تَفْصِيلٍ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (شَهَادَة) .
6 - ب - الأُْمُورُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ فِي جَوَازِهَا: فِي الْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَعَدَّ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَشَرَةَ أُمُورٍ تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالاِسْتِفَاضَةِ، وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَمِثْلُهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقَدْ تَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَعَدُّوا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي، كَالْمِلْكِ، وَالْوَقْفِ، وَعَزْل الْقَاضِي، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيل، وَالْكُفْرِ، وَالإِْسْلاَمِ، وَالسَّفَهِ، وَالرُّشْدِ، وَالْهَيْئَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوِلاَدَةِ، وَالْحِرَابَةِ (7) . وَغَيْرِ ذَلِكَ (ر: شَهَادَةٌ) .
7 - ج - وَهَل إِذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ بَنَى شَهَادَتَهُ عَلَى السَّمَاعِ تُقْبَل أَوْ تُرَدُّ؟ فِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة) كَذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ
8 - الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَدِيثِ (الْمَشْهُورِ) وَهُوَ مِنَ الآْحَادِ، إِلاَّ أَنَّهُ مِمَّا يُقَيَّدُ بِهِ الْمُطْلَقُ، يُخَصَّصُ بِهِ الْعَامُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَتَعْرِيفُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ مَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ يَرْوِيهِ عَنِ الصَّحَابِيِّ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَرْوِيهِ قَوْمٌ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَيُفِيدُ الْيَقِينَ، وَلَكِنَّهُ أَضْعَفُ مِمَّا لاَ يُفِيدُهُ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ.
وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ: كُل حَدِيثٍ لاَ يَقِل عَدَدُ رُوَاتِهِ عَنْ ثَلاَثَةٍ فِي أَيِّ طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ السَّنَدِ، وَلَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ (1) .
9 - وَأَمَّا ذُيُوعُ الْحَدَثِ، كَرُؤْيَةِ الْهِلاَل فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لُزُومُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ، وَوُجُوبُ الْفِطْرِ فِي أَوَّل شَوَّالٍ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مَوْطِنِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
10 - مَوَاطِنُ الْبَحْثِ فِي الاِسْتِفَاضَةِ يُنْظَرُ فِي الشَّهَادَةِ بِالاِسْتِفَاضَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَفِي الصَّوْمِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلاَل، وَيُرْجَعُ إِلَى الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ الْمُسْتَفِيضِ.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة (فيض) .
(2) جواهر الإكليل 2 / 241، 242 ط دار المعرفة بيروت، وبدائع الصنائع 6 / 266 ط الجمالية، ومغني المحتاج 4 / 448، 449 ط مصطفى الحلبي، والمغني 9 / 161 ط الرياض الحديثة.
(3) جواهر الإكليل 2 / 242.
(4) جامع الفصولين 1 / 171 ط المطبعة الأزهرية.
(5) المراجع السابقة.
(6) جواهر الإكليل 2 / 242، ومغني المحتاج 4 / 448، 449 وبدائع الصنائع 6 / 266، والمغني 9 / 161 وما بعدها.
(7) المراجع السابقة، وابن عابدين 4 / 375 بولاق ط أولى
الموسوعة الفقهية الكويتية: 45/ 4
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".