الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
قَصْدُ السَّمَاعِ بُغْيَةَ فَهْمِ الْمَسْمُوعِ، أو الاِفَادَةِ مِنْهُ . ومن أمثلته وجوب الاستماع، والإنصات إلى القرآن الكريم . ومن شواهده قوله تعالى : ﱫﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﱪ الأعراف :٢٠٤ .
قَصْدُ السَّمَاعِ بُغْيَةَ فَهْمِ الْمَسْمُوعِ، أو الاِفَادَةِ مِنْهُ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِمَاعُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: قَصْدُ السَّمَاعِ بُغْيَةَ فَهْمِ الْمَسْمُوعِ أَوْ الاِسْتِفَادَةِ مِنْهُ. (1)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - السَّمَاعُ:
2 - الاِسْتِمَاعُ لاَ يَكُونُ اسْتِمَاعًا إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَ فِيهِ الْقَصْدُ، أَمَّا السَّمَاعُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِقَصْدٍ، أَوْ بِدُونِ قَصْدٍ. (2) وَغَالِبُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلسَّمَاعِ يَنْصَرِفُ إلَى اسْتِمَاعِ آلاَتِ الْمَلاَهِي، أَيْ بِالْقَصْدِ. ب - اسْتِرَاقُ السَّمْعِ:
الاِسْتِمَاعُ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيل الاِسْتِخْفَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ، وَلَكِنَّ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى سَبِيل الاِسْتِخْفَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: اسْتِرَاقُ السَّمْعِ هُوَ الاِسْتِمَاعُ مُسْتَخْفِيًا (3) (ر: اسْتِرَاقُ السَّمْعِ) .
ج - التَّجَسُّسُ:
الاِسْتِمَاعُ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالسَّمْعِ، أَمَّا التَّجَسُّسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالسَّمْعِ وَبِغَيْرِهِ فَضْلاً عَنْ أَنَّ التَّجَسُّسَ يَكُونُ عَلَى سَبِيل الاِسْتِخْفَاءِ، (4) فِي حِينِ أَنَّ الاِسْتِمَاعَ يَكُونُ عَلَى سَبِيل الاِسْتِخْفَاءِ، أَوْ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ (ر: تَجَسُّسٌ) .
د - الإِْنْصَاتُ:
الإِْنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ لِلاِسْتِمَاعِ (5) . وَيَكُونُ الاِسْتِمَاعُ إمَّا لِصَوْتِ الإِْنْسَانِ، أَوِ الْحَيَوَانِ، أَوِ الْجَمَادِ.
النَّوْعُ الأَْوَّل: اسْتِمَاعُ صَوْتِ الإِْنْسَانِ.
أ - حُكْمُ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلاَةِ:
3 - الاِسْتِمَاعُ إلَى تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ حِينَ يُقْرَأُ وَاجِبٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ مَشْرُوعٌ لِتَرْكِ الاِسْتِمَاعِ. (6) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذَا الْوُجُوبِ، هَل هُوَ وُجُوبٌ عَيْنِيٌّ، أَوْ وُجُوبٌ كِفَائِيٌّ؟ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الأَْصْل أَنَّ الاِسْتِمَاعَ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، لأَِنَّهُ لإِِقَامَةِ حَقِّهِ، بِأَنْ يَكُونَ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ غَيْرَ مُضَيِّعٍ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِإِنْصَاتِ الْبَعْضِ، كَمَا فِي رَدِّ السَّلاَمِ.
وَنَقَل الْحَمَوِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ يَحْيَى الشَّهِيرِ بِمِنْقَارِي زَادَهْ: أَنَّ لَهُ رِسَالَةً حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ. (7)
نَعَمْ إنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الأَْعْرَافِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (8) قَدْ نَزَلَتْ لِنَسْخِ جَوَازِ الْكَلاَمِ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ. (9) إلاَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلَفْظُهَا يَعُمُّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ وَفِي غَيْرِهَا. (10)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُسْتَحَبُّ اسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. (11)
4 - وَيُعْذَرُ الْمُسْتَمِعُ بِتَرْكِ الاِسْتِمَاعِ لِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَلاَ يَكُونُ آثِمًا بِذَلِكَ - بَل الآْثِمُ هُوَ التَّالِي، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ - إِذَا وَقَعَتِ التِّلاَوَةُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فِي أَمَاكِنِ الاِشْتِغَال، وَالْمُسْتَمِعُ فِي حَالَةِ اشْتِغَالٍ، كَالأَْسْوَاقِ الَّتِي بُنِيَتْ لِيَتَعَاطَى فِيهَا النَّاسُ أَسْبَابَ الرِّزْقِ، وَالْبُيُوتِ فِي حَالَةِ تَعَاطِي أَهْل الْبَيْتِ أَعْمَالَهُمْ مِنْ كَنْسٍ وَطَبْخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي حَضْرَةِ نَاسٍ يَتَدَارَسُونَ الْفِقْهَ، وَفِي الْمَسَاجِدِ، لأَِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَبَعٌ لِلصَّلاَةِ، فَلاَ تُتْرَكُ الصَّلاَةُ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ فِيهِ. وَإِنَّمَا سَقَطَ إثْمُ تَرْكِ الاِسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ فِي حَالاَتِ الاِشْتِغَال دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنِ النَّاسِ. قَال تَعَالَى - {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (12) وَإِنَّمَا أَثِمَ الْقَارِئُ بِذَلِكَ، لأَِنَّهُ مُضَيِّعٌ لِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ. (13)
ب - طَلَبُ تِلاَوَتِهِ لِلاِسْتِمَاعِ إلَيْهِ:
5 - يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطْلُبَ مِمَّنْ يُعْلَمُ مِنْهُ إجَادَةُ التِّلاَوَةِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَعَ حُسْنِ الصَّوْتِ التِّلاَوَةَ لِيَسْتَمِعَ إلَيْهَا، قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ: " اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِرَاءَةِ بِالأَْصْوَاتِ الْحَسَنَةِ أَنْ يَقْرَءُوا وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ مِنْ عَادَةِ الأَْخْيَارِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: قَال لِي رَسُول اللَّهِ ﷺ: اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِل؟ قَال: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآْيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} (14) قَال: حَسْبُكَ الآْنَ، فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. (15)
وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لأَِبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ (16) . وَالآْثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
6 - قَال النَّوَوِيُّ: وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ يُسْتَفْتَحَ مَجْلِسُ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ وَيُخْتَمُ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (17) .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَفْضَل مِنْ قِرَاءَةِ الإِْنْسَانِ الْقُرْآنَ بِنَفْسِهِ، لأَِنَّ الْمُسْتَمِعَ يَقُومُ بِأَدَاءِ فَرْضٍ بِالاِسْتِمَاعِ، بَيْنَمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، قَال أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مُلاَّ مِسْكِينٍ: اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ أَثْوَبُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، لأَِنَّ اسْتِمَاعَهُ فَرْضٌ بِخِلاَفِ الْقِرَاءَةِ. (18)
ج - اسْتِمَاعُ التِّلاَوَةِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ:
7 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِمَاعِ تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالتَّرْجِيعِ وَالتَّلْحِينِ الْمُفْرِطِ الَّذِي فِيهِ التَّمْطِيطُ، وَإِشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ. وَالتَّرْجِيعُ: أَيِ التَّرْدِيدُ لِلْحُرُوفِ وَالإِْخْرَاجُ لَهَا مِنْ غَيْرِ مَخَارِجِهَا.
وَقَالُوا: التَّالِي وَالْمُسْتَمِعُ فِي الإِْثْمِ سَوَاءٌ، أَيْ إِذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَوْ يُعَلِّمْهُ. أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لأُِصُول الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَاسْتِمَاعُهُ حَسَنٌ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ (19) وَقَوْلِهِ ﵊ فِي أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ: لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آل دَاوُدَ. (20)
وَعَلَى هَذَا يُحْمَل قَوْل الإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الأُْمِّ: لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالأَْلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ، وَأَحَبُّ مَا يُقْرَأُ إِلَيَّ حَدْرًا وَتَحْزِينًا: (21)
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - كَالْمَاوَرْدِيِّ - إلَى أَنَّ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، لإِِخْرَاجِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا إِذَا وَصَل بِهِ إلَى حَدٍّ لَمْ يَقُل بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى إلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالأَْلْحَانِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى كُل حَالٍ، لإِِخْرَاجِ الْقُرْآنِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ، وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ ﷺ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: يَسْتَغْنِي بِهِ. (22)
8 - وَفِي كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ - كَمَا يَفْعَل الْمُتَعَلِّمُونَ عِنْدَ الشَّيْخِ وَهُوَ يَسْتَمِعُ لَهُمْ - رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ حَسَنٌ.
وَالثَّانِيَةُ: الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ هَذَا وَلاَ يَرْضَاهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَخَفَّفَهُ.
وَجْهُ الْكَرَاهَةِ: أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مَرَّةً وَاحِدَةً لاَ بُدَّ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعُ مَا يَقْرَأُ بِهِ بَعْضُهُمْ، مَا دَامَ يُصْغِي إلَى غَيْرِهِمْ، وَيَشْتَغِل بِالرَّدِّ عَلَى الَّذِي يُصْغِي إلَيْهِ، فَقَدْ يُخْطِئُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ، وَأَجَازَ قِرَاءَتَهُ، فَيُحْمَل عَنْهُ الْخَطَأُ، وَيَظُنُّهُ مَذْهَبًا لَهُ.
وَوَجْهُ التَّخْفِيفِ: الْمَشَقَّةُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمُقْرِئِ بِانْفِرَادِ كُل وَاحِدٍ حِينَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ إِذَا كَثُرُوا، وَقَدْ لاَ يَعُمُّهُمْ، فَرَأَى جَمْعَهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ أَحْسَنَ مِنَ الْقَطْعِ بِبَعْضِهِمْ. (23)
د - اسْتِمَاعُ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ:
9 - لاَ يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ الاِسْتِمَاعِ إلَيْهِ، لِقَوْلِهِ جَل شَأْنُهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} (24) . وَرَجَاءَ أَنْ يَشْرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلاَمِ فَيَهْتَدِيَ. (25)
هـ - اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ اسْتِمَاعَ الْمَأْمُومِ فِي الصَّلاَةِ لِقِرَاءَةِ الإِْمَامِ وَالإِْنْصَاتَ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَقِرَاءَتُهُ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَهْرِيَّةِ أَمِ السِّرِّيَّةِ. (26)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ اسْتِمَاعَ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ الإِْمَامِ تُسْتَحَبُّ فِي الْجَهْرِيَّةِ، أَمَّا السِّرِّيَّةُ فَإِنَّهَا تُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، خِلاَفًا لاِبْنِ الْعَرَبِيِّ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِهَا فِي السِّرِّيَّةِ. (27)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ فَاتَهُ الاِسْتِمَاعُ. (28)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الاِسْتِمَاعُ إِذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِْمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ، (29) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قِرَاءَةٌ) .
و اسْتِمَاعُ آيَةِ السَّجْدَةِ:
11 - يَتَرَتَّبُ عَلَى اسْتِمَاعِ أَوْ سَمَاعِ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ السَّجْدَةِ السُّجُودُ لِلتِّلاَوَةِ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ السُّجُودِ، تَجِدُهُ مَعَ أَدِلَّتِهِ فِي مُصْطَلَحِ (سُجُودُ التِّلاَوَةِ) . ثَانِيًا: اسْتِمَاعُ غَيْرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
أ - حُكْمُ اسْتِمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ.
12 - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالأَْوْزَاعِيُّ إلَى وُجُوبِ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْنْصَاتِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ (30) ، حَتَّى قَال الْحَنَفِيَّةُ: كُل مَا حَرُمَ فِي الصَّلاَةِ حَرُمَ فِي الْخُطْبَةِ، فَيَحْرُمُ أَكْلٌ، وَشُرْبٌ، وَكَلاَمٌ، وَلَوْ تَسْبِيحًا، أَوْ رَدَّ سَلاَمٍ، أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (31)
- وَبِأَنَّ الْخُطْبَةَ كَالصَّلاَةِ، فَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْفَرِيضَةِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ تَحْذِيرَ مَنْ خِيفَ هَلاَكُهُ، لأَِنَّهُ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، أَمَّا الإِْنْصَاتُ فَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ. (32)
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا: الذِّكْرَ الْخَفِيفَ إنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ، كَالتَّهْلِيل، وَالتَّحْمِيدِ، وَالاِسْتِغْفَارِ، وَالتَّعَوُّذِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الإِْسْرَارِ بِهَذِهِ الأَْذْكَارِ الْخَفِيفَةِ. (33)
وَاسْتَدَل مَنْ قَال بِوُجُوبِ الاِسْتِمَاعِ لِلْخُطْبَةِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: { إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ - وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ - فَقَدْ لَغَوْتَ. (34)
13 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ الاِسْتِمَاعَ وَالإِْنْصَاتَ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ، وَلاَ يَحْرُمُ الْكَلاَمُ، بَل يُكْرَهُ، وَحَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ (35) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْكَرَاهَةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَوْتَ (36) وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: فَبَيْنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، هَلَكَ الْمَال وَجَاعَ الْعِيَال فَادْعُ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَال: فَرَفَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ. . . (37)
وَإِنْ عَرَضَ لَهُ نَاجِزٌ كَتَعْلِيمِ خَيْرٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِنْذَارِ إنْسَانٍ عَقْرَبًا، أَوْ أَعْمَى بِئْرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْكَلاَمِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الإِْشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ، وَيُبَاحُ لَهُ - أَيِ الْكَلاَمُ - بِلاَ كَرَاهَةٍ.
وَيُبَاحُ الْكَلاَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِلدَّاخِل فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَجْلِسْ، كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الإِْنْصَاتَ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلاَمِ لأَِنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ. (38)
14 - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ لِلْبَعِيدِ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ صَوْتَ الْخَطِيبِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، لأَِنَّهُ إنْ رَفَعَ صَوْتَهُ مَنَعَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ الاِسْتِمَاعِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ (39) ، حَتَّى قَال النَّخَعِيُّ: إنِّي لأََقْرَأُ جُزْئِي إِذَا لَمْ أَسْمَعِ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (40) .
وَسَأَل إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَلْقَمَةَ: أَقْرَأُ فِي نَفْسِي أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ؟ فَقَال عَلْقَمَةُ: لَعَل ذَلِكَ أَلاَّ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ (41) .
ب - اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ:
15 - إِذَا كَانَ مَبْعَثُ الأَْصْوَاتِ هُوَ الإِْنْسَانُ، فَإِنَّ هَذَا الصَّوْتَ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَوْزُونٍ وَلاَ مُطْرِبٍ، أَوْ يَكُونُ مُطْرِبًا.
فَإِنْ كَانَ الصَّوْتُ غَيْرَ مُطْرِبٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَوْتَ رَجُلٍ أَوْ صَوْتَ امْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ صَوْتَ رَجُلٍ: فَلاَ قَائِل بِتَحْرِيمِ اسْتِمَاعِهِ. أَمَّا إنْ كَانَ صَوْتَ امْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ يَتَلَذَّذُ بِهِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ، (42) وَيُحْمَل اسْتِمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصْوَاتَ النِّسَاءِ حِينَ مُحَادَثَتِهِنَّ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ وَتَنْغِيمُهُ وَتَلْيِينُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (43) .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّوْتُ مُطْرِبًا فَهَذَا الْغِنَاءُ اسْتِمَاعٌ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل الْقَوْل فِيهِ:
ج - الاِسْتِمَاعُ إلَى الْغِنَاءِ:
16 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ اسْتِمَاعَ الْغِنَاءِ يَكُونُ مُحَرَّمًا فِي الْحَالاَتِ التَّالِيَةِ:
أ - إِذَا صَاحَبَهُ مُنْكَرٌ.
ب - إِذَا خُشِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى فِتْنَةٍ كَتَعَلُّقٍ بِامْرَأَةٍ، أَوْ بِأَمْرَدَ، أَوْ هَيَجَانِ شَهْوَةٍ مُؤَدِّيَةٍ إِلَى الزِّنَى.
ج - إِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ وَاجِبٍ دِينِيٍّ كَالصَّلاَةِ، أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَأَدَاءِ عَمَلِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى إِلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. كَقِيَامِ اللَّيْل، وَالدُّعَاءِ فِي الأَْسْحَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (44) الْغِنَاءُ لِلتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ:
أَمَّا إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ بِقَصْدِ التَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ، وَكَانَ خَالِيًا عَنِ الْمَعَانِي السَّابِقَةِ فَقَدِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ.
17 - وَقَدْ ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل الْعِرَاقِ، مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَامِرُ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ. (45)
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ عَلَى التَّحْرِيمِ: - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِل عَنْ سَبِيل اللَّهِ} (46) قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: لَهْوُ الْحَدِيثِ هُوَ: الْغِنَاءُ.
وَبِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ، وَعَنْ شِرَائِهِنَّ، وَعَنْ كَسْبِهِنَّ، وَعَنْ أَكْل أَثْمَانِهِنَّ. (47) وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: كُل شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُل فَهُوَ بَاطِلٌ، إلاَّ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَرَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَمُلاَعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ. (48)
18 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَ سَمَاعُهُ مِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَعَلَّل الْمَالِكِيَّةُ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّ سَمَاعَهُ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ، وَعَلَّلَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ: لِمَا فِيهِ مِنَ اللَّهْوِ. وَعَلَّلَهَا الإِْمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ: لاَ يُعْجِبُنِي الْغِنَاءُ لأَِنَّهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. (49)
19 - وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَطَاءٌ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّل، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى إبَاحَتِهِ. (50) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ.
أَمَّا النَّصُّ: فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّل وَجْهَهُ، وَدَخَل أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَال: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَقْبَل عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: دَعْهُمَا، فَلَمَّا غَفَل غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا (51) .
وَيَقُول عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْغِنَاءُ زَادُ الرَّاكِبِ (52)
فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ كَانَ يَسْتَمِعُ إلَى غِنَاءِ خَوَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ قَال لَهُ: ارْفَعْ لِسَانَكَ يَا خَوَّاتُ، فَقَدْ أَسَحَرَنَا (53) وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ الْغِنَاءَ الَّذِي لاَ يُصَاحِبُهُ مُحَرَّمٌ، فِيهِ سَمَاعُ صَوْتٍ طَيِّبٍ مَوْزُونٍ، وَسَمَاعُ الصَّوْتِ الطَّيِّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَيِّبٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ، لأَِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَلَذُّذِ حَاسَّةِ السَّمْعِ بِإِدْرَاكِ مَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ، كَتَلَذُّذِ الْحَوَاسِّ الأُْخْرَى بِمَا خُلِقَتْ لَهُ.
20 - وَأَمَّا الْوَزْنُ فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ الصَّوْتَ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْزُونَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَنْجَرَةِ الْعَنْدَلِيبِ لاَ يَحْرُمُ سَمَاعُهُ، فَكَذَلِكَ صَوْتُ الإِْنْسَانِ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ حَنْجَرَةٍ وَحَنْجَرَةٍ.
وَإِذَا انْضَمَّ الْفَهْمُ إلَى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ الْمَوْزُونِ، لَمْ يَزِدِ الإِْبَاحَةَ فِيهِ إلاَّ تَأْكِيدًا.
21 - أَمَّا تَحْرِيكُ الْغِنَاءِ الْقُلُوبَ، وَتَحْرِيكُهُ الْعَوَاطِفَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعَوَاطِفَ إنْ كَانَتْ عَوَاطِفَ نَبِيلَةً فَمِنَ الْمَطْلُوبِ تَحْرِيكُهَا، وَقَدْ وَقَعَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنِ اسْتَمَعَ إلَى الْغِنَاءِ فِي طَرِيقِهِ لِلْحَجِّ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُنْشِدُونَ الرَّجَزِيَّاتِ لإِِثَارَةِ الْجُنْدِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعِيبُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَرَجَزِيَّاتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَغَيْرِهِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ. (54)
الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ:
22 - إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ لأَِمْرٍ مُبَاحٍ، كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْعِيدِ، وَالْخِتَانِ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ، تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ الْمُبَاحِ، وَعِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ سَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ لِلْحَرْبِ إِذَا كَانَ لِلْحَمَاسِ فِي نُفُوسِهِمْ، أَوْ لِلْحُجَّاجِ لإِِثَارَةِ الأَْشْوَاقِ فِي نُفُوسِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، أَوْ لِلإِْبِل لِحَثِّهَا عَلَى السَّيْرِ - وَهُوَ الْحُدَاءُ - أَوْ لِلتَّنْشِيطِ عَلَى الْعَمَل كَغِنَاءِ الْعُمَّال عِنْدَ مُحَاوَلَةِ عَمَلٍ أَوْ حَمْل ثَقِيلٍ، أَوْ لِتَسْكِيتِ الطِّفْل وَتَنْوِيمِهِ كَغِنَاءِ الأُْمِّ لِطِفْلِهَا، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ كُلُّهُ بِلاَ كَرَاهَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (55)
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ سَابِقًا مِنْ حَدِيثِ الْجَارِيَتَيْنِ الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ ﵂ (56) وَهَذَا نَصٌّ فِي إبَاحَةِ الْغِنَاءِ فِي الْعِيدِ.
وَبِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ - إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا - أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَال لَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ: إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلاَّ فَلاَ. (57)
وَهَذَا نَصٌّ فِي إبَاحَةِ الْغِنَاءِ عِنْدَ قُدُومِ الْغَائِبِ تَأْكِيدًا لِلسُّرُورِ، وَلَوْ كَانَ الْغِنَاءُ حَرَامًا لَمَا جَازَ نَذْرُهُ، وَلَمَا أَبَاحَ لَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فِعْلَهُ.
وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَنْكَحَتْ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الأَْنْصَارِ، فَجَاءَ رَسُول اللَّهِ فَقَال: أَهْدَيْتُمُ الْفَتَاةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَال: أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي؟ قَالَتْ: لاَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إنَّ الأَْنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ، فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُول: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ. (58) وَهَذَا نَصٌّ فِي إبَاحَةِ الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ.
وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ جَيِّدَ الْحُدَاءِ، وَكَانَ مَعَ الرِّجَال، وَكَانَ أَنْجَشَةُ مَعَ النِّسَاءِ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ لاِبْنِ رَوَاحَةَ: حَرِّكِ الْقَوْمَ، فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ، فَتَبِعَهُ أَنْجَشَةُ، فَأَعْنَفَتِ الإِْبِل، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ لأَِنْجَشَةَ رُوَيْدَكَ، رِفْقًا بِالْقَوَارِيرِ. يَعْنِي النِّسَاءَ. (59)
وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، وَنَحْنُ نَؤُمُّ مَكَّةَ، اعْتَزَل عَبْدُ الرَّحْمَنِ الطَّرِيقَ، ثُمَّ قَال لِرَبَاحِ بْنِ الْمُغْتَرِفِ: غَنِّنَا يَا أَبَا حَسَّانَ، وَكَانَ يُحْسِنُ النَّصْبَ - وَالنَّصْبُ ضَرْبٌ مِنَ الْغِنَاءِ - فَبَيْنَا رَبَاحٌ يُغَنِّيهِ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ فِي خِلاَفَتِهِ فَقَال: مَا هَذَا؟ فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا بَأْسٌ بِهَذَا؟ نَلْهُو وَنُقَصِّرُ عَنَّا السَّفَرَ، فَقَال عُمَرُ: فَإِنْ كُنْتَ آخِذًا فَعَلَيْكَ بِشِعْرِ ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَارِسِ قُرَيْشٍ (60) .
وَكَانَ عُمَرُ يَقُول. الْغِنَاءُ مِنْ زَادِ الرَّاكِبِ (61) ، وَهَذَا يَدُل عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ لِتَرْوِيحِ النَّفْسِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ كَانَ يَأْمُرُ بِالْحُدَاءِ (62) .
د - الاِسْتِمَاعُ إلَى الْهَجْوِ وَالنَّسِيبِ:
23 - يُشْتَرَطُ فِي الْكَلاَمِ - سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْزُونًا (كَالشِّعْرِ) أَمْ غَيْرَ مَوْزُونٍ، مُلَحَّنًا (كَالْغِنَاءِ) أَمْ غَيْرَ مُلَحَّنٍ - حَتَّى يَحِل اسْتِمَاعُهُ أَلاَّ يَكُونَ فَاحِشًا، وَلَيْسَ فِيهِ هَجْوٌ، وَلاَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلاَ عَلَى الصَّحَابَةِ، وَلاَ وَصْفُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنِ اُسْتُمِعَ إلَى شَيْءٍ مِنَ الْكَلاَمِ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فَالْمُسْتَمِعُ شَرِيكُ الْقَائِل فِي الإِْثْمِ. (63) أَمَّا هِجَاءُ الْكُفَّارِ وَأَهْل الْبِدَعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ شَاعِرُ رَسُول اللَّهِ يُهَاجِي الْكُفَّارَ بِعِلْمِ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَوْ أَمْرِهِ، وَقَدْ قَال لَهُ ﵊: اُهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيل مَعَكَ (64)
وَأَمَّا النَّسِيبُ فَإِنَّهُ لاَ شَيْءَ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ يُقَال أَمَامَ رَسُول اللَّهِ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إلَيْهِ فَقَدِ اسْتَمَعَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إلَى قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُول
مَعَ مَا فِيهَا مِنَ النَّسِيبِ. (65)
النَّوْعُ الثَّانِي:
اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْحَيَوَانِ:
24 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ اسْتِمَاعِ أَصْوَاتِ الْحَيَوَانَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الأَْصْوَاتُ قَبِيحَةً كَصَوْتِ الْحِمَارِ وَالطَّاوُوسِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ عَذْبَةً مَوْزُونَةً كَأَصْوَاتِ الْعَنَادِل وَالْقَمَارِيِّ وَنَحْوِهَا، قَال الْغَزَالِيُّ: فَسَمَاعُ هَذِهِ الأَْصْوَاتِ يَسْتَحِيل أَنْ يَحْرُمَ لِكَوْنِهَا طَيِّبَةً أَوْ مَوْزُونَةً، فَلاَ ذَاهِبَ إلَى تَحْرِيمِ صَوْتِ الْعَنْدَلِيبِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ. (66)
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
اسْتِمَاعُ أَصْوَاتِ الْجَمَادَاتِ:
25 - إِذَا انْبَعَثَتْ أَصْوَاتُ الْجَمَادَاتِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا أَوْ بِفِعْل الرِّيحِ فَلاَ قَائِل بِتَحْرِيمِ اسْتِمَاعِ هَذِهِ الأَْصْوَاتِ.
أَمَّا إِذَا انْبَعَثَتْ بِفِعْل الإِْنْسَانِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْزُونَةٍ وَلاَ مُطْرِبَةٍ، كَصَوْتِ طَرْقِ الْحَدَّادِ عَلَى الْحَدِيدِ، وَصَوْتِ مِنْشَارِ النَّجَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلاَ قَائِل بِتَحْرِيمِ اسْتِمَاعِ صَوْتٍ مِنْ هَذِهِ الأَْصْوَاتِ.
وَإِمَّا أَنْ يَنْبَعِثَ الصَّوْتُ مِنَ الآْلاَتِ بِفِعْل الإِْنْسَانِ مَوْزُونًا مُطْرِبًا، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْمُوسِيقَى. فَتَفْصِيل الْقَوْل فِيهِ كَمَا يَلِي:
أَوَّلاً - اسْتِمَاعُ الْمُوسِيقَى:
26 - إنَّ مَا حَل تَعَاطِيهِ (أَيْ فِعْلُهُ) مِنَ الْمُوسِيقَى وَالْغِنَاءِ حَل الاِسْتِمَاعُ إلَيْهِ، وَمَا حَرُمَ تَعَاطِيهِ مِنْهُمَا حَرُمَ الاِسْتِمَاعُ إلَيْهِ، لأَِنَّ تَحْرِيمَ الْمُوسِيقَى أَوِ الْغِنَاءِ لَيْسَ لِذَاتِهِ، وَلَكِنْ لأَِنَّهُ أَدَاةٌ لِلإِْسْمَاعِ، وَيَدُل عَلَى هَذَا قَوْل الْغَزَالِيِّ فِي مَعْرِضِ حَدِيثِهِ عَنْ شِعْرِ الْخَنَا، وَالْهَجْوِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَسَمَاعُ ذَلِكَ حَرَامٌ بِأَلْحَانٍ وَبِغَيْرِ أَلْحَانٍ، وَالْمُسْتَمِعُ شَرِيكٌ لِلْقَائِل. (67) وَقَوْل ابْنِ عَابِدِينَ: وَكُرِهَ كُل لَهْوٍ وَاسْتِمَاعُهُ. (68) أ: الاِسْتِمَاعُ لِضَرْبِ الدُّفِّ وَنَحْوِهِ مِنَ الآْلاَتِ الْقَرْعِيَّةِ:
27 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حِل الضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَالاِسْتِمَاعِ إلَيْهِ، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ، هَل هَذِهِ الإِْبَاحَةُ هِيَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ، أَمْ هِيَ فِي الْعُرْسِ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَهَل يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدُّفُّ خَالِيًا مِنَ الْجَلاَجِل أَمْ لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ وَسَتَجِدُ ذَلِكَ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَعَازِفُ) (وَسَمَاعٌ) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: فَصْل مَا بَيْنَ الْحَلاَل وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ. (69)
وَبِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَال (70) . وَمَا رَوَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِل مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ:
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقَوْلِي كَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ. (71)
28 - وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِالدُّفِّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطُّبُول - وَهِيَ الآْلاَتُ الْفَرْعِيَّةُ - مَا لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالُهَا لِلَهْوٍ مُحَرَّمٍ. (72)
وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ - كَالْغَزَالِيِّ مَثَلاً - الْكُوبَةَ، لأَِنَّهَا مِنْ آلاَتِ الْفَسَقَةِ. (73)
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ. (74) قَال ابْنُ عَابِدِينَ: ضَرْبُ النَّوْبَةِ لِلتَّفَاخُرِ لاَ يَجُوزُ، وَلِلتَّنْبِيهِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بُوقُ الْحَمَّامِ وَطَبْل الْمُسَحِّرِ، ثُمَّ قَال: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً بِعَيْنِهَا بَل لِقَصْدِ اللَّهْوِ فِيهَا، إمَّا مِنْ سَامِعِهَا، أَوْ مِنَ الْمُشْتَغِل بِهَا، وَبِهِ تُشْعِرُ الإِْضَافَةُ - يَعْنِي إضَافَةَ الآْلَةِ إلَى اللَّهْوِ - أَلاَ تَرَى أَنَّ ضَرْبَ تِلْكَ الآْلَةِ حَل تَارَةً وَحَرُمَ أُخْرَى بِاخْتِلاَفِ النِّيَّةِ، وَالأُْمُورُ بِمَقَاصِدِهَا (75) .
ب - الاِسْتِمَاعُ لِلْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ مِنَ الآْلاَتِ النَّفْخِيَّةِ:
29 - أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الاِسْتِمَاعَ إلَى الآْلاَتِ النَّفْخِيَّةِ كَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ، وَمَنَعَهُ غَيْرُهُمْ، (76) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إبَاحَةَ الاِسْتِمَاعِ إلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ دَخَل عُرْسًا فَوَجَدَ فِيهِ مَزَامِيرَ وَلَهْوًا، فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ (77) . وَمَنَعَهُ غَيْرُ الْمَالِكِيَّةِ. (78)
30 - أَمَّا الآْلاَتُ الْوَتَرِيَّةُ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الاِسْتِمَاعَ إلَيْهَا مَمْنُوعٌ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. (79)
وَذَهَبَ أَهْل الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ إلَى التَّرْخِيصِ فِيهَا، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِيهَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَشُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ شَرَاحِيل الشَّعْبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. (80)
ثَانِيًا: اسْتِمَاعُ الصَّوْتِ وَالصَّدَى:
31 - مِنْ تَتَبُّعِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُرَتِّبُونَ آثَارَ الاِسْتِمَاعِ عَلَى اسْتِمَاعِ الصَّوْتِ، أَمَّا اسْتِمَاعُ الصَّدَى فَلَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْهُ إلاَّ الْحَنَفِيَّةُ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُرَتِّبُونَ آثَارَ الاِسْتِمَاعِ عَلَى اسْتِمَاعِ الصَّدَى، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ سَجْدَةُ التِّلاَوَةِ بِسَمَاعِهَا مِنْ الصَّدَى (1) .
__________
(1) المصباح المنير مادة (سمع) والفروق في اللغة ص 81 طبع دار الآفاق، وحاشية قليوبي 3 / 297.
(2) المصباح المنير مادة (سمع) .
(3) المصباح المنير مادة (سرق) .
(4) المصباح المنير مادة (جس) .
(5) المصباح المنير مادة (نصت) .
(6) فتح القدير للشوكاني 2 / 267 طبع مصطفى البابي الحلبي 1350 هـ، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 49 طبع المطبعة البهية المصرية، وحاشية ابن عابدين 1 / 366 الطبعة الأولى.
(7) حاشية ابن عابدين 1 / 367.
(8) سورة الأعراف / 204.
(9) انظر تفسير القرطبي لهذه الآية (7 / 353 ط دار الكتب المصرية 1960 م) .
(10) حاشية ابن عابدين 1 / 366.
(11) شرح منتهى الإرادات 1 / 242.
(12) سورة الحج / 78.
(13) مواهب الجليل 2 / 62 طبع مكتبة النجاح طرابلس ليبيا، وجواهر الإكليل 1 / 71 طبع عباس شقرون، وحاشية ابن عابدين 1 / 366 و 367، والفتاوى الهندية 5 / 316.
(14) سورة النساء / 41.
(15) حديث " اقرأ علي القرآن. . . " أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ مرفوعا.
(16) والأثر عن عمر بن الخطاب ﵁ أخرجه الدارمي (سنن الدارمي 2 / 472 ط المطبعة الحديثة بدمشق 1349 هـ) .
(17) التبيان في آداب حملة القرآن ص 64 ط دار الفكر.
(18) أبو السعود على ملا مسكين 3 / 390.
(19) حديث " زينو القرآن بأصواتكم " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا من حديث البراء بن عازب، سكت عنه المنذري، وصححه الألباني. (مختصر أبي داود للمنذري 2 / 137، 138، نشر دار المعرفة، وجامع الأصول 2 / 454 نشر مكتبة الحلواني 1389 هـ، وصحيح الجامع الصغير بتحقيق الألباني 3 / 194 نشر المكتب الإسلامي، ومشكاة المصابيح 1 / 674 نشر المكتب الإسلامي 1399 هـ) .
(20) حاشية أبي السعود على ملا مسكين 3 / 390، وحاشية ابن عابدين على الدر 5 / 270، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2 / 528، والفتاوى الهندية 5 / 317، وجواهر الإكليل 1 / 71 طبع عباس شقرون، وكفاية الطالب 2 / 345، والمغني 9 / 179 وما بعدها، وحاشية قليوبي 4 / 320. وحديث: " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود ". أخرجه مسلم من حديث بريدة مرفوعا بلفظ: " إن عبد الله بن قيس أو " الأشعري " أعطي مزمارا من مزامير آل داود ". (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 546 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(21) الأم 6 / 215 طبع بولاق 1326 هـ.
(22) المغني 9 / 180، وحاشية القليوبي 4 / 320 وحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن ". أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، وأحمد بن حنبل وأبو داود وابن حبان من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبو داود من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر، والحاكم من حديث ابن عباس عن عائشة (فيض القدير 5 / 387 - 388 ط المكتبة التجارية 1356 هـ) .
(23) مواهب الجليل 2 / 64 ط مكتبة النجاح ليبيا، والفتاوى الهندية 5 / 317.
(24) سورة التوبة / 6.
(25) التبيان ص 103، وحاشية قليوبي 3 / 288.
(26) ابن عابدين 1 / 366، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 123 المطبعة الأميرية ط 3.
(27) حاشية الدسوقي 1 / 236.
(28) نهاية المحتاج 1 / 457.
(29) المغني 1 / 563.
(30) المغني 2 / 320، والمجموع 4 / 525، وحاشية ابن عابدين 1 / 366.
(31) سورة الأعراف / 204.
(32) حاشية ابن عابدين 1 / 366 والمغني 2 / 333.
(33) مواهب الجليل 2 / 176 طبع دار الفكر.
(34) حديث " إذا قلت لصاحبك. . . ". أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم وأحمد بن حنبل ومالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعا (فتح الباري 2 / 414 ط السلفية، وفيض القدير 1 / 418 ط المكتبة التجارية 1356 هـ) .
(35) المجموع 4 / 525 الطبعة الأولى، وأسنى المطالب 1 / 258، والمغني لابن قدامة 2 / 320.
(36) حديث " إذا قلت لصاحبك. . . ". سبق تخريجه ف / 12.
(37) " فبينا رسول الله ﷺ يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله. . . ". أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم من حديث أنس بن مالك ﵁ (فتح الباري 2 / 519 ط السلفية، وصحيح مسلم بشرح النووي 6 / 193، 194 ط المطبعة المصرية) .
(38) أسنى المطالب 1 / 258 وما بعدها.
(39) المغني 2 / 322، ومصنف عبد الرزاق 3 / 213، وطرح التثريب 3 / 183، ونيل الأوطار 3 / 273 طبع مصطفى البابي الحلبي 1374 هـ، والمجموع 4 / 429 طبع مطبعة الإمام.
(40) المغني 2 / 322.
(41) مصنف عبد الرزاق 3 / 213.
(42) حاشية قليوبي 3 / 208 طبع مصطفى الحلبي، وحاشية الدسوقي 1 / 195، وإحياء علوم الدين 2 / 281، وحاشية ابن عابدين 1 / 271، 5 / 236.
(43) سورة الأحزاب / 32.
(44) إحياء علوم الدين 2 / 269، وسنن البيهقي 5 / 69، 97، وأسنى المطالب 4 / 44 طبع المكتبة الإسلامية، وحاشية الجمل 5 / 380 ط إحياء التراث العربي، وحاشية ابن عابدين 5 / 22 و 4 / 384، وحاشية الدسوقي 4 / 166، والمغني 9 / 175 طبع المنار الثالثة، وعمدة القاري 71 طبع المنيرية.
(45) سنن البيهقي 10 / 223، والمغني 9 / 175، والمحلى 9 / 59 طبع المنيرية، وعمدة القاري 6 / 271، ومصنف عبد الرزاق 11 / 4، 6 طبع المكتب الإسلامي، وإحياء علوم الدين 2 / 269 طبع مطبعة الاستقامة، وفتح القدير 6 / 35، وبدائع الصنائع 6 / 2972
(46) سورة لقمان / 6.
(47) حديث: " أن النبي ﷺ نهى عن بيع المغنيات وعن شرائهن وعن كسبهن وعن. . . " أخرجه أحمد وابن ماجه واللفظ له والترمذي من حديث أبي أمامة ﵁ وقال: حديث أبي أمامة إنما نعرف مثل هذا من هذا الوجه، وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه، وهو شامي. قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال الدارقطني: متروك (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 733 ط عيسى الحلبي 1373 هـ، وتحفة الأحوذي 4 / 502 - 504 نشر المكتبة السلفية) .
(48) حديث " كل شيء يلهو به الرجل. . . " أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا، ولفظ أبي داود: " ليس من اللهو [أي المباح] إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله. . . " قال الترمذي: هذا حديث حسن، والكلام الذي بين القوسين المعقوفين من كلام شراح الحديث، وفي الباب عن كعب بن مرة وعمرو بن عبسة وعبد الله بن عمرو. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (تحفة الأحوذي 5 / 365 - 367 نشر المكتبة السلفية، ومختصر أبي داود للمنذري 3 / 370 نشر دار المعرفة، وجامع الأصول 5 / 41، 42 نشر مكتبة الحلواني 1390 هـ، والمستدرك 2 / 95 نشر دار الكتاب العربي) .
(49) حاشية الدسوقي 4 / 166، والمغني 9 / 175، وأسنى المطالب 4 / 344.
(50) المغني 9 / 175، ومصنف عبد الرزاق 11 / 5، وإحياء علوم الدين 2 / 269.
(51) حديث: " دخل علي رسول الله ﷺ وعندي جاريتان تغنيان. . . " أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم من حديث عائشة ﵂ (فتح الباري 2 / 440 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 607 ط عيسى الحلبي) .
(52) " الغناء زاد الراكب ". أخرجه البيهقي أثرا عن عمر بن الخطاب ﵁، (السنن الكبرى 5 / 68 ط مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352 هـ) .
(53) " أن عمر بن الخطاب ﵁ كان يستمع إلى غناء خوات. . . " أخرجه البيهقي أثرا عن خوات بن جبير بلفظ " خرجنا مع عمر بن الخطاب ﵁، قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف ﵄، قال: فقال القوم: غننا يا خوات، فغناهم. قالوا: غننا من شعر ضرار، فقال عمر ﵁: دعوا أبا عبد الله يتغنى من بنيات فؤاده يعني من شعره. قال: فما زلت أغنيهم حتى إذا كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا ". وأورده ابن حجر معزوا لابن السراج في تأريخه دون تعقيب. (سنن البيهقي 5 / 69 ط مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1352 هـ، والإصابة 1 / 457) .
(54) إحياء علوم الدين 2 / 270 وما بعدها.
(55) إحياء علوم الدين 2 / 276، 277، وحاشية الجمل 5 / 380، و 381، وأسنى المطالب 4 / 344، وقليوبي 4 / 220، والمغني 9 / 176، وحاشية الدسوقي 4 / 166، والتاج والإكليل لمختصر خليل بهامش مواهب الجليل 4 / 4 الطبعة الثانية سنة 1399 هـ، وحاشية ابن عابدين 5 / 222، وحاشية أبي السعود على ملا مسكين 3 / 389 طبع مطبعة المويلحي سنة 1287 هـ.
(56) حديث الجاريتين سبق تخريجه ف / 19.
(57) حديث: " خرج رسول الله ﷺ في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء. . . " أخرجه الترمذي من حديث بريدة وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة، وفي الباب عن عمر وعائشة. قال المباركفوري: وأخرجه أحمد، وذكر الحافظ حديث بريدة هذا في الفتح وسكت عنه (تحفة الأحوذي 10 / 179 نشر المكتبة السلفية، وجامع الأصول 8 / 617 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(58) حديث عائشة ﵂ " أنكحت ذات قرابة لها. . . " أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس بهذا اللفظ، قال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناده مختلف فيه من أجل الأجلح وأبي الزبير يقولون: إنه - أي أبا الزبير - لم يسمع من ابن عباس. وأثبت أبو حاتم أنه رأى ابن وأصل الحديث رواه البخاري من حديث عائشة بلفظ " أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله: يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو " (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 612 ط عيسى الحلبي 1372 هـ، وفتح الباري 9 / 225 ط السلفية) .
(59) حديث: " أن عائشة ﵂ قالت: كنت مع رسول الله ﷺ في سفر وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء. . . ". أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك، ولفظ مسلم " كان رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له: أنجشة يحدو فقال له رسول الله ﷺ: يا أنجشة! رويدك سوقا بالقوارير ". (فتح الباري 10 / 538 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 4 / 1811 ط عيسى الحلبي 1375 هـ، وجامع الأصول 5 / 171، 172 نشر مكتبة الحلواني 1390 هـ) .
(60) الأثر عن السائب بن يزيد أخرجه البيهقي، وأورده ابن حجر في الإصابة دون تعقيب (سنن البيهقي 10 / 224 ط مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند 1355 هـ، والإصابة في تمييز الصحابة 1 / 502) .
(61) سنن البيهقي 5 / 68، والمغني 9 / 175.
(62) مصنف ابن أبي شيبة 1 / 177 مخطوط استانبول.
(63) إحياء علوم الدين 2 / 282، وانظر الفتاوى الهندية 5 / 352. والنسيب هو في الشعر: الرقيق منه المتغزل به في النساء، يقال: نسب الشاعر بالمرأة: عرض بهواها وحبها. (المصباح المنير، والمعجم الوسيط مادة: نسب) .
(64) حديث: " اهجهم وجبريل معك ". أخرجه البخاري ومسلم مرفوعا من حديث البراء بن عازب (اللؤلؤ والمرجان ص 273 نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، وجامع الأصول 5 / 74 نشر مكتبة الحلواني 1390 هـ) .
(65) حديث: " استمع صلوات الله وسلامه عليه إلى قصيدة كعب بن زهير " قال ابن هشام: أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة ولم يذكر لها إسنادا وقد رواها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة بإسناد متصل. وقال أبو عمر في الاستيعاب: إن كعب بن زهير قدم على رسول الله صلى الله عل (البداية والنهاية 3 / 369 - 372 ط مطبعة السعادة 1351 هـ، والاستيعاب 3 / 1313 - 1314 نشر مكتبة نهضة مصر، والإصابة في تمييز الصحابة 3 / 295 ط مكتبة المثنى ببغداد) .
(66) إحياء علوم الدين للغزالي 2 / 271 طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(67) إحياء علوم الدين 2 / 282 طبع مطبعة الاستقامة بمصر.
(68) حاشية ابن عابدين 5 / 253 طبعة بولاق الأولى.
(69) حديث: " فصل ما بين الحلال. . . " أخرجه الترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم مرفوعا واللفظ لابن ماجه، قال الترمذي: حديث محمد بن حاطب حديث حسن. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (تحفة الأحوذي 4 / 208 - 210 نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 611 ط عيسى الحلبي 1372 هـ، وجامع الأصول 11 / 440 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ، والمستدرك 2 / 184 نشر دار الكتاب العربي) .
(70) حديث: " أعلنوا هذا النكاح. . . ". أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة ﵂ مرفوعا. قال الحافظ البوصيري في الزوائد: في إسناده خالد بن إلياس أبو الهيثم العدوي، اتفقوا على ضعفه، بل نسبه ابن حبان والحاكم وأبو سعيد النقاش إلى الوضع (سنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 611 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) .
(71) حديث الربيع بنت معوذ قالت: " دخل علي النبي ﷺ غداة بني علي. . . ". أخرجه البخاري من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء بلفظ " جاء النبي ﷺ يدخل حين بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من ق (فتح الباري 9 / 202 ط السلفية) .
(72) حاشية الدسوقي 2 / 339 طبع دار الفكر، وحاشية ابن عابدين 5 / 34 و 223.
(73) إحياء علوم الدين 2 / 282. والكوبة: الطبل الصغير المخصر، المصباح المنير مادة (كوب) .
(74) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 6 / 13 طبع دار المعرفة، وبدائع الصنائع 6 / 2972 طبع مطبعة الإمام. والقضيب: الغصن المقطوع. المعجم الوسيط مادة (قضب) .
(75) حاشية ابن عابدين 5 / 223.
(76) المراجع السابقة، والفتاوى الهندية 5 / 352 طبع بولاق.
(77) مصنف ابن أبي شيبة 1 / 214 مخطوط استانبول.
(78) كشاف القناع 5 / 170، وأسنى المطالب 4 / 344 - 345، والفتاوى الهندية 5 / 352. والبوق: أداة مجوفة لينفخ فيها ويزمر. المعجم الوسيط مادة (بوق) .
(79) حاشية الدسوقي 2 / 339، وحاشية ابن عابدين 5 / 253، وأسنى المطالب 4 / 345، وإحياء علوم الدين 2 / 282.
(80) نيل الأوطار 8 / 104 وما بعدها طبعة ثالثة مصطفى الحلبي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 85/ 4
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".