الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
ما اتفق عليه الرواة عن أحد من القراء السبعة، أو العشرة، أو من في منزلتهم، من الأئمة القراء، وأصحاب الاختيارات
القِرَاءَة عَلَى الشَّيْخ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِرَاءَةُ فِي اللُّغَةِ: التِّلاَوَةُ، يُقَال قَرَأَ الْكِتَابَ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا: تَتَبَّعَ كَلِمَاتِهِ نَظَرًا، نَطَقَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْطِقْ.
وَقَرَأَ الآْيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: نَطَقَ بِأَلْفَاظِهَا عَنْ نَظَرٍ أَوْ عَنْ حِفْظٍ فَهُوَ قَارِئٌ، وَالْجَمْعُ قُرَّاءٌ، وَقَرَأَ السَّلاَمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةً: أَبْلَغَهُ إِيَّاهُ، وَقَرَأَ الشَّيْءَ قُرْءًا وَقُرْآنًا: جَمَعَهُ وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.
وَاقْتَرَأَ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَ: قَرَأَهُ، وَاسْتَقْرَأَهُ: طَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ، وَقَارَأَهُ مُقَارَأَةً وَقِرَاءً: دَارَسَهُ.
وَالْقَرَّاءُ: الْحَسَنُ الْقِرَاءَةِ (1) .
وَالْقِرَاءَةُ اصْطِلاَحًا: هِيَ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِلِسَانِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَفِي قَوْلٍ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التِّلاَوَةُ:
2 - التِّلاَوَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِرَاءَةُ، تَقُول: تَلَوْتُ الْقُرْآنَ تِلاَوَةً قَرَأْتَهُ، وَتَأْتِي بِمَعْنَى تَبِعَ، تَقُول: تَلَوْتُ الرَّجُل أَتْلُوهُ تُلُوًّا: تَبِعْتَهُ، وَتَتَالَتِ الأُْمُورُ: تَلاَ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَتَأْتِي بِمَعْنَى التَّرْكِ وَالْخِذْلاَنِ (3) .
وَالتِّلاَوَةُ اصْطِلاَحًا: هِيَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُتَتَابِعَةً (4) .
وَفِي فُرُوقِ أَبِي هِلاَلٍ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتِّلاَوَةِ: أَنَّ التِّلاَوَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ لِكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَالْقِرَاءَةُ تَكُونُ لِلْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، يُقَال قَرَأَ فُلاَنٌ اسْمَهُ، وَلاَ يُقَال تَلاَ اسْمَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْل التِّلاَوَةِ اتِّبَاعُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ، يُقَال تَلاَهُ: إِذَا تَبِعَهُ، فَتَكُونُ التِّلاَوَةُ فِي الْكَلِمَاتِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلاَ تَكُونُ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ إِذْ لاَ يَصِحُّ فِيهَا التُّلُوُّ (5) .
وَقَال صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ: الْقِرَاءَةُ أَعَمُّ مِنَ التِّلاَوَةِ (6) .
ب - التَّرْتِيل:
3 - التَّرْتِيل فِي اللُّغَةِ: التَّمَهُّل وَالإِْبَانَةُ. يُقَال رَتَّل الْكَلاَمَ: أَحْسَنَ تَأْلِيفَهُ وَأَبَانَهُ وَتَمَهَّل فِيهِ.
وَالتَّرْتِيل فِي الْقِرَاءَةِ: التَّرَسُّل فِيهَا وَالتَّبْيِينُ مِنْ غَيْرِ بَغْيٍ (7) .
وَالتَّرْتِيل اصْطِلاَحًا: التَّأَنِّي فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّمَهُّل وَتَبْيِينُ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ (8) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّرْتِيل عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقِرَاءَةِ
أَوَّلاً: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
أ - الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلاَةِ:
مَا يَجِبُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ:
4 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ، فَتَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُل رَكْعَةٍ مِنْ كُل صَلاَةٍ، فَرْضًا أَوْ نَفْلاً، جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سِرِّيَّةً، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يَقْرَأُ الرَّجُل فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (9)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ يَتَحَقَّقُ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} . (10)
أَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَهِيَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (صَلاَة ف 38) .
وَيَقْصِدُونَ بِالآْيَةِ هُنَا الطَّائِفَةَ مِنَ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمَةً - أَيِ اعْتُبِرَ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَقْطَعٌ - وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَلِدْ} . (11)
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ ثَلاَثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ (12) .
مَا يُسَنُّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ:
5 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.
كَمَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَإِنْ أَتَى بِهَا انْتَفَتِ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ، أَمَّا مَا يَحْصُل بِهِ أَصْل السُّنَّةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلاَة ف 66) .
كَمَا سَبَقَ تَفْصِيل مَا يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَهُ مِنَ الْمُفَصَّل فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَة ف 66) .
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُفَصَّل:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طِوَال الْمُفَصَّل مِنَ (الْحُجُرَاتِ) إِلَى (الْبُرُوجِ) ، وَالأَْوْسَاطَ مِنْهَا إِلَى (لَمْ يَكُنْ) ، وَالْقِصَارَ مِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ طِوَال الْمُفَصَّل مِنَ (الْحُجُرَاتِ) إِلَى (النَّازِعَاتِ) ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْ (عَبَسَ) إِلَى (الضُّحَى) ، وَقِصَارُهُ مِنَ (الضُّحَى) إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: طِوَال الْمُفَصَّل كَالْحُجُرَاتِ وَاقْتَرَبَتْ وَالرَّحْمَنُ، وَأَوْسَاطُهُ كَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى، وَقِصَارُهُ كَالْعَصْرِ وَقُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَوَّل الْمُفَصَّل سُورَةُ ق، لِحَدِيثِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَال: " سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلاَثٌ وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّل وَحْدَهُ ". (13)
قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّل الْمُفَصَّل السُّورَةُ التَّاسِعَةُ وَالأَْرْبَعُونَ مِنْ أَوَّل الْبَقَرَةِ لاَ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
وَآخِرَ طِوَالِهِ سُورَةُ عَمَّ، وَأَوْسَاطَهُ مِنْهَا لِلضُّحَى، وَقِصَارَهُ مِنْهَا لآِخِرِ الْقُرْآنِ (14) .
مَا يُكْرَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَمَا يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ:
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الصَّلاَةِ، بَل اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ وَالإِْنْسَانِ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا لِيُعْرَفَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُكْرَهُ مُلاَزَمَةُ سُورَةٍ يُحْسِنُ غَيْرَهَا مَعَ اعْتِقَادِهِ جَوَازَ غَيْرِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ كَالسَّجْدَةِ وَالإِْنْسَانِ لِفَجْرِ الْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ لِلْجُمُعَةِ.
قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: الْمُدَاوَمَةُ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَوْ لاَ، لإِِيهَامِهِ التَّعْيِينَ، كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ (15) . وَكَرِهَ مَالِكٌ الاِقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
كَمَا يُكْرَهُ عِنْدَ الأَْكْثَرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقْرَأَ آخِرَ سُورَةٍ فِي كُل رَكْعَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّورَةِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (16) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُْولَى مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِل إِلَيْنَا} (17) وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {قُل يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} . (18)
لَكِنْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَل مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ؛ لأَِنَّ الاِبْتِدَاءَ بِهَا وَالْوَقْفَ عَلَى آخِرِهَا صَحِيحَانِ بِالْقَطْعِ بِخِلاَفِهِمَا فِي بَعْضِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُمَا يَخْفَيَانِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ، أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَل، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، بَل صَرَّحُوا بِأَنَّ كُل مَحَلٍّ وَرَدَ فِيهِ الأَْمْرُ بِالْبَعْضِ فَالاِقْتِصَارُ عَلَيْهِ أَفْضَل كَقِرَاءَةِ آيَتَيِ الْبَقَرَةِ وَآل عِمْرَانَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (19) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ، لَكِنْ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَل، وَلَوْ فَعَل لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِكَرَاهَةِ الاِنْتِقَال مِنْ آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ إِلَى آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى، أَوْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَبَيْنَهُمَا آيَاتٌ (20) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ كُل الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ نَقْلِهِ وَلِلإِْطَالَةِ، وَلاَ تُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ كُلِّهِ فِي نَفْلٍ؛ لأَِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَلاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى تَرْتِيبِهِ.
قَال حَرْبٌ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: الرَّجُل يَقْرَأُ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلاَةِ، الْيَوْمَ سُورَةً وَغَدًا الَّتِي تَلِيهَا؟ قَال: لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ، إِلاَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ فَعَل ذَلِكَ فِي الْمُفَصَّل وَحْدَهُ (21) .
مَا يَحْرُمُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا أَصْلِيًّا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ (22) . وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِحُرْمَةِ تَنْكِيسِ الآْيَاتِ الْمُتَلاَصِقَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ يُبْطِل الصَّلاَةَ؛ لأَِنَّهُ كَكَلاَمٍ أَجْنَبِيٍّ (23) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاتِحَةِ مُرَتَّبَةً فَإِذَا بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَدَأَ بِهِ عَامِدًا أَمْ سَاهِيًا وَيَسْتَأْنِفُ الْقِرَاءَةَ. هَذَا مَا لَمْ يُغَيِّرِ الْمَعْنَى. فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (24) .
كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِحُرْمَةِ تَنْكِيسِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ وَتَبْطُل الصَّلاَةُ بِهِ، قَالُوا: لأَِنَّهُ يَصِيرُ بِإِخْلاَل نَظْمِهِ كَلاَمًا أَجْنَبِيًّا يُبْطِل الصَّلاَةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِحُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ عَمَّا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ وَلاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: قَال فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَافَقَ قِرَاءَةَ أَحَدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ " (25)
الْجَهْرُ وَالإِْسْرَارُ فِي الْقِرَاءَةِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ: كَالصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالأُْولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيُسِرُّ فِي الصَّلاَةِ السِّرِّيَّةِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْجَهْرِ عَلَى الإِْمَامِ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالإِْسْرَارِ فِي الصَّلاَةِ غَيْرِ الْجَهْرِيَّةِ (26) .
كَمَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ فِي الصُّبْحِ وَالأُْولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ إِنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ، وَالْجَهْرُ أَفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (27) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَهْر ف 7) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لاِعْتِبَارِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يُسْمِعَ الْقَارِئُ نَفْسَهُ، فَلاَ تَكْفِي حَرَكَةُ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ إِسْمَاعٍ؛ لأَِنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لاَ يُسَمَّى قِرَاءَةً بِلاَ صَوْتٍ؛ لأَِنَّ الْكَلاَمَ اسْمٌ لِمَسْمُوعٍ مَفْهُومٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ وَالْفَضْلِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمَشَايِخُ.
وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ عَدَمَ اعْتِبَارِ السَّمَاعِ؛ لأَِنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْل اللِّسَانِ وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحُرُوفِ دُونَ الصِّمَاخِ؛ لأَِنَّ السَّمَاعَ فِعْل السَّامِعِ لاَ الْقَارِئِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا. وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَتَكْفِي عِنْدَهُمْ حَرَكَةُ اللِّسَانِ، أَمَّا إِجْرَاؤُهَا عَلَى الْقَلْبِ دُونَ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ فَلاَ يَكْفِي، لَكِنْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إِسْمَاعَ نَفْسِهِ أَوْلَى مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ (28) .
اللَّحْنُ فِي الْقِرَاءَةِ:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ فِي الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لاَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ وَتَصِحُّ الصَّلاَةُ مَعَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْنِ الَّذِي يُغَيِّرُ الْمَعْنَى.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى تَغْيِيرًا فَاحِشًا بِأَنْ قَرَأَ: {وَعَصَى آدَمَ رَبُّهُ} (29) ، بِنَصَبِ الْمِيمِ وَرَفْعِ الرَّبِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَ بِهِ يَكْفُرُ - إِذَا قَرَأَهُ خَطَأً فَسَدَتْ صَلاَتُهُ فِي قَوْل الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَقَال الْمُتَأَخِّرُونَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَّمٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ، وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْل، وَالشَّيْخُ الإِْمَامُ الزَّاهِدُ وَشَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لاَ يَكُونُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْسَعُ؛ لأَِنَّ النَّاسَ لاَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ إِعْرَابٍ وَإِعْرَابٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ وَلَوْ غَيَّرَ الْمَعْنَى لاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ، وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِذَا كَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا قَادِرًا، وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وَإِلاَّ فَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِنْ كَانَ يُحِيل الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى إِصْلاَحِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، لأَِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِصْلاَحِهِ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (30) ، وَلاَ يَقْرَأُ مَا زَادَ عَنِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ قَرَأَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَيَكْفُرُ إِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ، وَإِنْ قَرَأَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلاً أَوْ خَطَأً لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ (31) . قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلاَةُ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِْمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ (32) ، قَال ابْنُ قُنْدُسٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الإِْمَامِ إِنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ إِذَا كَانَتْ صَلاَةُ الإِْمَامِ صَحِيحَةً، احْتِزَازًا عَنِ الإِْمَامِ إِذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا وَلَوْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلاَةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُكْنِ الصَّلاَةِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنِ اسْتَثْنَاهُ. نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ كَلاَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الأَْشْيَاخِ وَالأَْخْبَارِ خِلاَفُهُ لِلْمَشَقَّةِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي السِّرِّيَّةِ. وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي صَلاَةِ السِّرِّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَال بِلُزُومِهَا لِلْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ (33) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لاَ يَقْرَأُ مُطْلَقًا خَلْفَ الإِْمَامِ حَتَّى فِي الصَّلاَةِ السِّرِّيَّةِ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِْمَامِ، فَإِنْ قَرَأَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ فِي الأَْصَحِّ.
قَالُوا: وَيَسْتَمِعُ الْمَأْمُومُ إِذَا جَهَرَ الإِْمَامُ وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فَقَرَأَ خَلْفَهُ قَوْمٌ، فَنَزَلَتْ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} .
(34) قَال أَحْمَدُ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ فِي الصَّلاَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ: وَحَاصِل الآْيَةِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ: الاِسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالأَْوَّل يُخَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ وَالثَّانِي لاَ، فَيَجْرِي عَلَى إِطْلاَقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال: لاَ قِرَاءَةَ مَعَ الإِْمَامِ فِي شَيْءٍ. وَمَنْعُ الْمُؤْتَمِّ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ؛ وَلأَِنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالاِسْتِمَاعِ إِجْمَاعًا فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ، إِذْ لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالاِسْتِمَاعِ لاَ يَجِبُ عَلَى كُل وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَل لاَ يَجُوزُ، فَكَذَا هَذَا (35) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً (36) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (37) ، وَقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يَقْرَأُ الرَّجُل فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (38)
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ حَال جَهْرِ الإِْمَامِ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ حَال مَا إِذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِمَامَهُ لاَ يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ إِلاَّ سُورَةً قَصِيرَةً وَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الإِْمَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الإِْمَامِ أَوْ إِذَا كَانَ لاَ يَسْمَعُ الإِْمَامَ لِبُعْدِهِ أَوْ لِصَمَمٍ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الإِْمَامِ الْفَاتِحَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُقْتَضَى نُصُوصِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ أَفْضَل.
قَال فِي جَامِعِ الاِخْتِيَارَاتِ: مُقْتَضَى هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ غَيْرُهَا أَفْضَل إِذَا سَمِعَهَا وَإِلاَّ فَهِيَ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهَا (39) .
الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ ﷿، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ (40) .
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: نَهَانِي رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ. (41)
وَلأَِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَالَتَا ذُلٍّ فِي الظَّاهِرِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْقَارِئِ التَّلَبُّسُ بِحَالَةِ الرِّفْعَةِ وَالْعَظَمَةِ ظَاهِرًا تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: مَحَل الْكَرَاهَةِ مَا إِذَا قَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ قَصَدَ بِهَا الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَنَتَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ (42) .
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلاَةِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ عَجَزَ وَتَفْسُدُ بِذَلِكَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَال: أَقْرَأَنِيهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: كَذَبْتَ. فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَال: اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِل عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ. (43)
قَال النَّوَوِيُّ: فَلَوْ جَازَتِ التَّرْجَمَةُ لأََنْكَرَ عَلَيْهِ ﷺ اعْتِرَاضَهُ فِي شَيْءٍ جَائِزٍ.
وَلأَِنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ قُرْآنًا؛ لأَِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ هَذَا النَّظْمُ الْمُعْجِزُ، وَبِالتَّرْجَمَةِ يَزُول الإِْعْجَازُ فَلَمْ تَجُزْ، وَكَمَا أَنَّ الشِّعْرَ يُخْرِجُهُ تَرْجَمَتُهُ عَنْ كَوْنِهِ شِعْرًا فَكَذَا الْقُرْآنُ إِضَافَةً إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ وَالاِتِّبَاعِ وَالنَّهْيِ عَنِ الاِخْتِرَاعِ، وَطَرِيقُ الْقِيَاسِ مَفْسَدَةٌ فِيهَا (44) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَبِأَيِّ لِسَانٍ آخَرَ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَْوَّلِينَ} (45) ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذَا النَّظْمِ، وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُْولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (46) ، فَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَصُحُفُ مُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَدَل عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْآنًا؛ لأَِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا حَيْثُ وَقَعَ الإِْعْجَازُ بِهِمَا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَل النَّظْمَ رُكْنًا لاَزِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلاَةِ خَاصَّةً رُخْصَةً؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةِ الإِْعْجَازِ، وَقَدْ جَاءَ التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلاَوَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِل عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَكَذَا هُنَا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لأَِنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (47) ، وَقَال تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (48) ، وَالْمُرَادُ نَظْمُهُ، وَلأَِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُنَزَّل بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الْمَنْظُومِ هَذَا النَّظْمَ الْخَاصَّ الْمَكْتُوبِ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَنْقُول إِلَيْنَا نَقْلاً مُتَوَاتِرًا، وَالأَْعْجَمِيُّ إِنَّمَا يُسَمَّى قُرْآنًا مَجَازًا وَلِذَا يَصِحُّ نَفْيُ اسْمِ الْقُرْآنِ عَنْهُ.
وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل الصَّاحِبَيْنِ، وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى قَوْلِهِمَا. قَال الشَّلَبِيُّ نَقْلاً عَنِ الْعَيْنِيِّ: صَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى قَوْلِهِمَا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الثَّلاَثَةُ - أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ - عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَصِحَّةِ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ (49) .
الْقِرَاءَةُ بِالْمُتَوَاتِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْقِرَاءَاتِ:
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ فِي الصَّلاَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَاتِ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَاءَات ف 7) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأَْوْلَى أَنْ لاَ يَقْرَأَ بِالرِّوَايَاتِ الْغَرِيبَةِ وَالإِْمَالاَتِ عِنْدَ الْعَوَامِّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ؛ لأَِنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ يَقُولُونَ مَا لاَ يَعْلَمُونَ فَيَقَعُونَ فِي الإِْثْمِ وَالشَّقَاءِ، وَلاَ يَنْبَغِي لِلأَْئِمَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْعَوَامَّ عَلَى مَا فِيهِ نُقْصَانُ دِينِهِمْ فَلاَ يُقْرَأُ عِنْدَهُمْ مِثْل قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ، إِذْ لَعَلَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ وَيَضْحَكُونَ وَإِنْ كَانَ كُل الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ صَحِيحَةً فَصِيحَةً.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَمَشَايِخُنَا اخْتَارُوا قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الصَّلاَةِ بِقِرَاءَةِ مَا وَافَقَ الْمُصْحَفَ الْعُثْمَانِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَشَرَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُصْحَفِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ.
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَصَحَّ سَنَدُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ، قَال فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَلاَ بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ.
وَكَرِهَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْكَسْرِ وَالإِْدْغَامِ وَزِيَادَةِ الْمَدِّ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُ السَّلَفِ كَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ.
وَاخْتَارَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيل بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ مِنَ الْقِرَاءَاتِ فِي الصَّلاَةِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَفْسُدُ بِقِرَاءَةِ الشَّاذِّ، وَلَكِنْ لاَ تُجْزِئُهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمِنْ ثَمَّ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ مَعَهُ بِالتَّوَاتُرِ، فَالْفَسَادُ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ بِالْمُتَوَاتِرِ لاَ لِلْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، لَكِنْ لاَ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِالشَّاذِّ إِلاَّ إِذَا خَالَفَ الْمُصْحَفَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلاَةِ بِالشَّاذِّ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّوَاتُرِ، وَتَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ إِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى فِي الْفَاتِحَةِ.وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ حُرْمَةُ قِرَاءَةِ مَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ وَلَوْ وَافَقَ قِرَاءَةَ أَحَدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ بِهِ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصِحُّ صَلاَتُهُ إِذَا صَحَّ سَنَدُهُ، لأَِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِقِرَاءَاتِهِمْ فِي عَصْرِهِ ﷺ وَبَعْدَهُ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُمْ صَحِيحَةً بِغَيْرِ شَكٍّ (50) .
الْقِرَاءَةُ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي الصَّلاَةِ:
14 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي الصَّلاَةِ، قَال أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْقِيَامَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ، قِيل لَهُ: الْفَرِيضَةُ؟ قَال: لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا شَيْئًا.
وَسُئِل الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ، فَقَال: كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ.
وَفِي شَرْحِ رَوْضِ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيِّ: قَرَأَ فِي مُصْحَفٍ وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لَمْ تَبْطُل - أَيِ الصَّلاَةُ - لأَِنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَالٍ لاَ يُشْعِرُ بِالإِْعْرَاضِ، وَالْقَلِيل مِنَ الْفِعْل الَّذِي يُبْطِل كَثِيرُهُ إِذَا تَعَمَّدَهُ بِلاَ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ (51) .
وَكَرِهَ الْمَالِكِيَّةُ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَفَرَّقُوا فِي صَلاَةِ النَّفْل بَيْنَ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي أَثْنَائِهَا وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِهَا، فَكَرِهُوا الْقِرَاءَةَ مِنَ الْمُصْحَفِ فِي أَثْنَائِهَا لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ بِهِ، وَجَوَّزُوا الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي أَوَّلِهَا؛ لأَِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي الْفَرْضِ (52) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى فَسَادِ الصَّلاَةِ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا إِمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أُمِّيًّا لاَ يُمْكِنُهُ الْقِرَاءَةُ إِلاَّ مِنْهُ أَوْ لاَ، وَذَكَرُوا لأَِبِي حَنِيفَةَ فِي عِلَّةِ الْفَسَادِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَمْل الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الأَْوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنَ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى الثَّانِي لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُول عِنْدَهُ، وَعَلَى الأَْوَّل يَفْتَرِقَانِ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ حَافِظًا لِمَا قَرَأَهُ وَقَرَأَ بِلاَ حَمْلٍ فَإِنَّهُ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مُضَافَةٌ إِلَى حِفْظِهِ لاَ إِلَى تَلَقُّنِهِ مِنَ الْمُصْحَفِ وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ بِلاَ حَمْلٍ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِعَدَمِ وَجْهَيِ الْفَسَادِ.
وَقِيل: لاَ تَفْسُدُ مَا لَمْ يَقْرَأْ آيَةً؛ لأَِنَّهُ مِقْدَارُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلاَةُ عِنْدَهُ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ - أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - إِلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْمُصْحَفِ إِنْ قَصَدَ التَّشَبُّهَ بِأَهْل الْكِتَابِ (53) .
ب - الْقِرَاءَةُ خَارِجَ الصَّلاَةِ
حُكْمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
15 - يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلاَةِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْل} (54) ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْل وَآنَاءَ النَّهَارِ. . . (55) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَدَدِ الأَْيَّامِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَ فِيهَا الْقُرْآنَ.
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي كُل أُسْبُوعٍ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. (56) قَالُوا: وَإِنْ قَرَأَهُ فِي ثَلاَثٍ فَحَسَنٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ لِي قُوَّةً، قَال: اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُل ثَلاَثٍ. (57)
لَكِنْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ التَّفَهُّمَ مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ أَفْضَل مِنْ سَرْدِ حُرُوفِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} . (58)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلاَ عُذْرٍ لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ فِيهِ، وَبِتَحْرِيمِ تَأْخِيرِ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ إِنْ خَافَ نِسْيَانَهُ (59) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَنْبَغِي لِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي كُل أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ وَالاِعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لاَ مُجَرَّدُ التِّلاَوَةِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (60) ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِالتَّأَنِّي لاَ بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي، فَقَدَّرَ لِلْخَتْمِ أَقَلَّهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، كُل يَوْمٍ حِزْبٌ وَنِصْفٌ أَوْ ثُلُثَا حِزْبٍ، وَقِيل: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَهُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ تَعَالَى أَنَّهُ قَال: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَقَل مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ (61) ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَل مِنْ ثَلاَثٍ.
(62) قَال النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ آثَارًا عَنِ السَّلَفِ فِي مُدَّةِ خَتْمِ الْقُرْآنِ: وَالاِخْتِيَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَ يَظْهَرُ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ لَطَائِفُ وَمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْصُل لَهُ كَمَال فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ مَشْغُولاً بِنَشْرِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لاَ يَحْصُل بِسَبَبِهِ إِخْلاَلٌ بِمَا هُوَ مُرْصَدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلاَءِ الْمَذْكُورِينَ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَل وَالْهَذْرَمَةِ (63)
قِرَاءَةُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ لِلْقُرْآنِ:
16 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ. (64)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْقُرْآنِ (65) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَيْض ف 39) .
وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (66) ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لاَ يَحْجُبُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا. (67) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جَنَابَة ف 17) .
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَالْقَبْرِ:
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى نَدْبِ قِرَاءَةِ سُورَةِ يس عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ (68) ، أَيْ مَنْ حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ (69) .
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ (70) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ دُفِنَ فِيهَا حَسَنَاتٌ (71) ، وَلِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَعَلَى الْقَبْرِ (72) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (احْتِضَار ف 9) وَمُصْطَلَحِ (قَبْر) .
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِلْمَيِّتِ وَإِهْدَاءُ ثَوَابِهَا لَهُ:
18 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمَيِّتِ وَإِهْدَاءِ ثَوَابِهَا لَهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْبَدَائِعِ: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُول لَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عِنْدَ الْفِعْل لِلْغَيْرِ أَوْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْعَل ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ.
وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: الْمَيِّتُ يَصِل إِلَيْهِ كُل شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ، لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ؛ وَلأَِنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُل مِصْرٍ وَيَقْرَءُونَ يُهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا، قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (73) .
وَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمَيِّتِ وَعَدَمِ وُصُول ثَوَابِهَا إِلَيْهِ، لَكِنِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْل الثَّوَابِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُل لَهُ الأَْجْرُ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: فِي آخِرِ نَوَازِل ابْنِ رُشْدٍ فِي السُّؤَال عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (74) ، قَال: وَإِنْ قَرَأَ الرَّجُل وَأَهْدَى ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ جَازَ ذَلِكَ وَحَصَل لِلْمَيِّتِ أَجْرُهُ.
وَقَال ابْنُ هِلاَلٍ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا الأَْنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَيَصِل إِلَيْهِ نَفْعُهُ وَيَحْصُل لَهُ أَجْرُهُ إِذَا وَهَبَ الْقَارِئُ ثَوَابَهُ لَهُ، وَبِهِ جَرَى عَمَل الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَوَقَّفُوا عَلَى ذَلِكَ أَوْقَافًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الأَْمْرُ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ سَالِفَةٍ (75) .
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لاَ يَصِل ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إِلَى الْمَيِّتِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى وُصُول ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ.
قَال سُلَيْمَانُ الْجَمَل: ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ - لِلْقَارِئِ، وَيَحْصُل مِثْلُهُ أَيْضًا لِلْمَيِّتِ لَكِنْ إِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ بِنِيَّتِهِ، أَوْ يَجْعَل ثَوَابَهَا لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لِمُسْقِطٍ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ.
وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوِ اسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلاَ دَعَا لَهُ بَعْدَهَا وَلاَ قَرَأَ لَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ وَاجِبِ الإِْجَارَةِ (76) .
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِلاِسْتِشْفَاءِ:
19 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ الاِسْتِشْفَاءِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَرِيضِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَى الْجَوَازِ عَمَل النَّاسِ الْيَوْمَ وَبِهِ وَرَدَتِ الآْثَارُ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.
(77) قَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ الْمَرِيضِ بِالْفَاتِحَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ. (78)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَ {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، وَ {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} مَعَ النَّفْثِ فِي الْيَدَيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ فِعْل رَسُول اللَّهِ ﷺ (79) .
الاِجْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
20 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الاِجْتِمَاعَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبٌّ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. (80)
وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ مَعَ نَفَرٍ يَقْرَءُونَ جَمِيعًا. قَال الرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الإِْدَارَةِ، وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ قَارِئٌ ثُمَّ يَقْطَعَ، ثُمَّ يَقْرَأَ غَيْرُهُ بِمَا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ الأَْوَّل وَهَكَذَا فَلاَ يُكْرَهُ؛ لأَِنَّ جِبْرِيل كَانَ يُدَارِسُ النَّبِيَّ ﷺ الْقُرْآنَ بِرَمَضَانَ (81) .
حَكَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قِرَاءَةَ الإِْدَارَةِ حَسَنَةٌ كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمِعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ.
وَقَال النَّوَوِيُّ عَنْ قِرَاءَةِ الإِْدَارَةِ: هَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ، قَدْ سُئِل مَالِكٌ ﵀ تَعَالَى عَنْهُ فَقَال: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَصَوَّبَهُ الْبُنَانِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ.
لَكِنْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ مَعًا بِصَوْتٍ وَاحِدٍ لِتَضَمُّنِهَا تَرْكَ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْنْصَاتِ وَلِلُزُومِ تَخْلِيطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَال صَاحِبُ غُنْيَةِ الْمُتَمَلِّي: يُكْرَهُ لِلْقَوْمِ أَنْ يَقْرَءُوا الْقُرْآنَ جُمْلَةً لِتَضَمُّنِهَا تَرْكَ الاِسْتِمَاعِ وَالإِْنْصَاتِ، وَقِيل: لاَ بَأْسَ بِهِ (82) . الأَْمَاكِنُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
21 - يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ مُخْتَارٍ، وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلنَّظَافَةِ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَصَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِكَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الآْيَاتِ الْيَسِيرَةَ لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَسْلَخِ وَالْمُغْتَسَل وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِكَرَاهَتِهَا إِلاَّ الآْيَاتِ الْيَسِيرَةَ لِلتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْقِرَاءَةُ فِي الْحَمَّامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَكَانَ الْحَمَّامُ طَاهِرًا تَجُوزُ جَهْرًا وَخُفْيَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ.
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقُبُورِ، وَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ لِوُرُودِ الآْثَارِ بِهِ، مِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا اسْتَحَبَّ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّل سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتُهَا.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ بِأَسْوَاقٍيُنَادَى فِيهَا بِبَيْعٍ، وَيَحْرُمُ رَفْعُ صَوْتِ الْقَارِئِ بِهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِمْتِهَانِ لِلْقُرْآنِ (83) .
الأَْحْوَال الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالَّتِي تُكْرَهُ:
22 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّرِيقِ إِذَا لَمْ يَلْتَهِ عَنْهَا صَاحِبُهَا، فَإِنِ الْتَهَى صَاحِبُهَا عَنْهَا كُرِهَتْ.
قَال فِي غُنْيَةِ الْمُتَمَلِّي: الْقِرَاءَةُ مَاشِيًا أَوْ وَهُوَ يَعْمَل عَمَلاً إِنْ كَانَ مُنْتَبِهًا لاَ يَشْغَل قَلْبَهُ الْمَشْيُ وَالْعَمَل جَائِزَةٌ وَإِلاَّ تُكْرَهْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِلْمَاشِي فِي الطَّرِيقِ وَالرَّاكِبِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ لِلْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ أَوْ إِلَى حَائِطِهِ، وَكَرِهُوا الْقِرَاءَةَ لِلْمَاشِي إِلَى السُّوقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاشِيَ لِلسُّوقِ فِي قِرَاءَتِهِ ضَرْبٌ مِنَ الإِْهَانَةِ لِلْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ؛ لأَِنَّ قِرَاءَتَهُ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ.
وَأَجَازَ الْفُقَهَاءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لِلْمُضْطَجِعِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَفِي رِوَايَةٍ: يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي.
(84) قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيَضُمُّ رِجْلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ التَّعْظِيمِ بِحَسَبِ الإِْمْكَانِ (85) .
وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ احْتِرَامُ الْقُرْآنِ بِأَنْ لاَ يَقْرَأَهُ فِي الأَْسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الاِشْتِغَال، فَإِذَا قَرَأَهُ فِيهِمَا كَانَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِحُرْمَتِهِ فَيَكُونُ الإِْثْمُ عَلَيْهِ دُونَ أَهْل الاِشْتِغَال دَفْعًا لِلْحَرَجِ فِي إِلْزَامِهِمْ تَرْكَ أَسْبَابِهِمُ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا، فَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَلاَ يُمْكِنُ الْكَاتِبَ الاِسْتِمَاعُ فَالإِْثْمُ عَلَى الْقَارِئِ لِقِرَاءَتِهِ جَهْرًا فِي مَوْضِعِ اشْتِغَال النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْكَاتِبِ، وَلَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْل جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ (86) .
وَمِثْل ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ مِنْ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ بِأَسْوَاقٍ يُنَادَى فِيهَا بِبَيْعٍ، وَمُحَرَّمٌ عَلَى الْقَارِئِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا (87) .
وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّاعِسِ، قَال: كَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ الْقِرَاءَةَ لِلنَّاعِسِ مَخَافَةً مِنَ الْغَلَطِ (88) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ حَال خُرُوجِ الرِّيحِ، فَإِذَا غَلَبَهُ الرِّيحُ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يُخْرِجَهُ ثُمَّ يَشْرَعَ بِهَا.
قَال النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَتَكَامَل خُرُوجُهُ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ أَدَبٌ حَسَنٌ، وَإِذَا تَثَاءَبَ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ ثُمَّ يَقْرَأَ (89) .
آدَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
23 - يُسْتَحَبُّ لِلْقَارِئِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَل أَحْوَالِهِ مِنْ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مُسْتَقْبِلاً لِلْقِبْلَةِ، وَيَجْلِسَ مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ (90) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تِلاَوَة ف 6) .
الاِسْتِئْجَارُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَخْذِ الأُْجْرَةِ عَلَيْهَا. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا قَرَأَ جُنُبًا وَلَوْ نَاسِيًا لاَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالاِسْتِئْجَارُ عَلَى التِّلاَوَةِ وَإِنْ صَارَ مُتَعَارَفًا، فَالْعُرْفُ لاَ يُجِيزُهُ؛ لأَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَهُوَ مَا اسْتَدَل بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ قَوْلِهِ ﵊: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلاَ تَغْلُوا فِيهِ، وَلاَ تَجْفُوا عَنْهُ، وَلاَ تَأْكُلُوا بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْبِرُوا بِهِ (91) ، وَالْعُرْفُ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ يُرَدُّ بِالاِتِّفَاقِ، وَالَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ جَوَازُ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لاَ عَلَى تِلاَوَتِهِ خِلاَفًا لِمَنْ وَهَمَ.
لَكِنْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْجَعَالَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بِلاَ شَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ (92) .
ثَانِيًا: قِرَاءَةُ غَيْرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
قِرَاءَةُ كُتُبِ الْحَدِيثِ:
25 - سُئِل ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ عَنِ الْجُلُوسِ لِسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَقِرَاءَتِهِ هَل فِيهِ ثَوَابٌ أَمْ لاَ؟ فَقَال: إِنْ قَصَدَ بِسَمَاعِهِ الْحِفْظَ وَتَعَلُّمَ الأَْحْكَامِ أَوِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ ﷺ أَوِ اتِّصَال السَّنَدِ فَفِيهِ ثَوَابٌ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ مُتُونِ الأَْحَادِيثِ فَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: إِنَّ قِرَاءَةَ مُتُونِهَا لاَ يَتَعَلَّقُ بِهَا ثَوَابٌ خَاصٌّ لِجَوَازِ قِرَاءَتِهَا وَرِوَايَتِهَا بِالْمَعْنَى. قَال ابْنُ الْعِمَادِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إِذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِنَفْسِ أَلْفَاظِهَا ثَوَابٌ خَاصٌّ لَمَا جَازَ تَغْيِيرُهَا وَرِوَايَتُهَا بِالْمَعْنَى لأَِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِخِلاَفِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مُعْجِزٌ، وَإِذَا كَانَتْ قِرَاءَتُهُ الْمُجَرَّدَةُ لاَ ثَوَابَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِمَاعِهِ الْمُجَرَّدِ عَمَّا مَرَّ ثَوَابٌ بِالأَْوْلَى، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالثَّوَابِ وَهُوَ الأَْوْجَهُ عِنْدِي؛ لأَِنَّ سَمَاعَهَا لاَ يَخْلُو مِنْ فَائِدَةٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ عَوْدُ بَرَكَتِهِ ﷺ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، فَلاَ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إِنَّ سَمَاعَ الأَْذْكَارِ مُبَاحٌ لاَ سُنَّةٌ (93) .
قِرَاءَةُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ:
26 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْل الْكِتَابِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَضِبَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً مِنَ التَّوْرَاةِ (94) . وَمِثْل الْحَنَابِلَةِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل وَعَدُّوهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ (1) .
قِرَاءَةُ كُتُبِ السِّحْرِ بِقَصْدِ تَعَلُّمِهِ:
27 - لِلْفُقَهَاءِ فِي قِرَاءَةِ كُتُبِ السِّحْرِ بِقَصْدِ التَّعَلُّمِ أَوِ الْعَمَل تَفْصِيلاَتٌ اتَّفَقُوا فِي بَعْضِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سِحْر ف 13) .
__________
(1) القاموس المحيط والمعجم الوسيط مادة (قرأ) .
(2) غنية المتملي في شرح منية المصلي 275 ط. دار سعادت 1325 هـ، وجواهر الإكليل 1 / 47، وشرح روض الطالب 1 / 150، وكشاف القناع 1 / 332.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير مادة (تلو) .
(4) الكليات 2 / 95.
(5) الفروق لأبي هلال العسكري ص 48.
(6) الكليات 2 / 95.
(7) لسان العرب والمصباح المنير.
(8) تفسير القرطبي 1 / 17 ط. دار الكتب المصرية، والمغرب 183.
(9) حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 237) ، ومسلم (1 / 295) من حديث عبادة بن الصامت، والرواية الأخرى أخرجها الدارقطني (1 / 322) . وصحح إسنادها.
(10) سورة المزمل / 20.
(11) سورة الإخلاص / 3.
(12) حاشية ابن عابدين 1 / 300، 360، وفتح القدير 1 / 234، وحاشية الدسوقي 1 / 231، 236، ومغني المحتاج 1 / 155، 156، وكشاف القناع 1 / 336، 386.
(13) حديث أوس بن حذيفة: سألت أصحاب رسول الله ﷺ. أخرجه أبو داود (2 / 116) .
(14) حاشية ابن عابدين 1 / 362، وتبيين الحقائق 1 / 129، وحاشية الدسوقي 1 / 242، 247، والخرشي على خليل 1 / 274، وشرح روض الطالب 1 / 154، ومغني المحتاج 1 / 161، وكشاف القناع 1 / 342، ومطالب أولي النهى 1 / 435، 436.
(15) فتح القدير 1 / 238، حاشية الدسوقي 1 / 242، مغني المحتاج 1 / 163، شرح روض الطالب 1 / 155، كشاف القناع 1 / 374.
(16) سورة المزمل / 20.
(17) سورة البقرة / 136.
(18) سورة آل عمران / 64، والحديث أخرجه مسلم (1 / 502) .
(19) فتح القدير 1 / 242، وحاشية الدسوقي 1 / 242، ومغني المحتاج 1 / 162، كشاف القناع 1 / 374.
(20) فتح القدير 1 / 242 - 243.
(21) كشاف القناع 1 / 375.
(22) ابن عابدين 1 / 497.
(23) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 242.
(24) حاشية القليوبي وعميرة 1 / 149، وروض الطالب 1 / 151.
(25) كشاف القناع 1 / 345.
(26) تبيين الحقائق 1 / 126، 127، وحاشية الدسوقي 1 / 242، 243، ومغني المحتاج 1 / 162، وكشاف القناع 1 / 332.
(27) المراجع السابقة، وكشاف القناع 1 / 343.
(28) غنية المتملي 275، وفتح القدير 1 / 233، وجواهر الإكليل 1 / 47، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 237، ومغني المحتاج 1 / 156، وكشاف القناع 1 / 332.
(29) والآية (وعصى آدم ربه فغوى) سورة طه / 121.
(30) حديث: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 251) ، ومسلم (2 / 975) .
(31) الفتاوى الهندية 1 / 81، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236، والقليوبي وعميرة 1 / 231، وكشاف القناع 1 / 481، والإنصاف 2 / 270.
(32) حديث: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " أخرجه ابن ماجه (1 / 277) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 175) .
(33) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236 - 237، والخرشي على خليل 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 386، والإنصاف 2 / 228.
(34) حديث ابن عباس: " صلى النبي ﷺ. . . ". أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي (3 / 155) . والآية من سورة الأعراف / 204.
(35) تبيين الحقائق 1 / 131، وحاشية ابن عابدين 1 / 366.
(36) مغني المحتاج 1 / 156، وشرح روض الطالب 1 / 149.
(37) حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " تقدم فقرة 4.
(38) حديث: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها. . . ". تقدم ف 4.
(39) البجيرمي على الخطيب 1 / 58، والإنصاف 2 / 229 وما بعدها.
(40) حديث: " ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا. . . " أخرجه مسلم (1 / 348) من حديث ابن عباس.
(41) حديث: " نهاني رسول الله ﷺ عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد " أخرجه مسلم (1 / 349) .
(42) حاشية ابن عابدين 1 / 440، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 253، وشرح روض الطالب 1 / 157، والمجموع شرح المهذب للنووي 3 / 414، وكشاف القناع 1 / 348.
(43) حديث عمر بن الخطاب: " سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 23) .
(44) المجموع شرح المهذب للنووي 3 / 379 - 381، وكشاف القناع 1 / 340.
(45) سورة الشعراء / 196.
(46) سورة الأعلى / 19.
(47) سورة الزخرف / 3.
(48) سورة يوسف / 2.
(49) تبيين الحقائق 1 / 109 - 110، وحاشية ابن عابدين 1 / 325.
(50) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 326، 363 - 364، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 328، وحاشية العدوي على شرح الخرشي 2 / 25، والمجموع شرح المهذب 3 / 392، وشرح روض الطالب 1 / 63، 151، والبجيرمي على الخطيب 2 / 22، وكشاف القناع 1 / 345.
(51) مغني المحتاج 1 / 156، مطالب أولي النهى 1 / 483 - 484، شرح روض الطالب 1 / 183.
(52) جواهر الإكليل 1 / 74.
(53) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 419.
(54) سورة آل عمران / 113.
(55) التبيان في آداب حملة القرآن 78، شرح روض الطالب 1 / 64. وحديث: " لا حسد إلا في اثنتين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 502) ، ومسلم (1 / 558) من حديث ابن عمر، واللفظ لمسلم.
(56) حديث: " اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 95) ، ومسلم (2 / 823) .
(57) حديث: " اقرأ القرآن في كل ثلاث. . . " أخرجه أحمد (2 / 198) .
(58) سورة النساء / 82.
(59) العدوي على شرح الرسالة 2 / 448، ومطالب أولي النهى 1 / 604.
(60) سورة محمد / 24.
(61) غنية المتملي 496، تبيين الحقائق 6 / 229، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 482.
(62) حديث: " لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " أخرجه الترمذي (5 / 198) وقال: حديث حسن صحيح.
(63) التبيان في آداب حملة القرآن 81 - 82، والفتاوى الحديثية 58.
(64) حديث: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن " أخرجه الترمذي (1 / 236) من حديث ابن عمر، ونقل عن البخاري إعلاله بأحد رواته.
(65) حاشية ابن عابدين 1 / 195، 199، وحاشية الدسوقي 1 / 174 - 175، ومغني المحتاج 1 / 72، والمجموع 1 / 356، وكشاف القناع 1 / 147، والإنصاف 1 / 347.
(66) بدائع الصنائع 1 / 72، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1 / 67، مغني المحتاج 1 / 37، والمغني لابن قدامة 1 / 143، 144.
(67) حديث: " أن النبي ﷺ كان لا يحجبه عن قراءة القرآن. . . " أخرجه الترمذي (1 / 204) ، والدارقطني (1 / 119) واللفظ للدارقطني، وذكره النووي في المجموع (2 / 159) ونقل عن الشافعي أنه قال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه.
(68) حديث: " اقرءوا يس على موتاكم " أخرجه أبو داود (3 / 489) ، ونقل ابن حجر في التلخيص (2 / 104) عن ابن القطان أنه أعله بالاضطراب والوقف.
(69) الفتاوى الهندية 1 / 157، ونهاية المحتاج 2 / 427، 428، والمغني 2 / 450.
(70) حاشية ابن عابدين 1 / 605، 607، والقليوبي وعميرة 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 147.
(71) حديث: " من دخل المقابر فقرأ سورة يس. . . " أورده الزبيدي في إتحاف السادة (10 / 173) وعزاه إلى عبد العزيز صاحب الخلال.
(72) حاشية الدسوقي 1 / 423، والشرح الصغير 1 / 228.
(73) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 605، وكشاف القناع 2 / 147، الإنصاف 2 / 558 - 560.
(74) سورة النجم / 39.
(75) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 423.
(76) نهاية المحتاج 6 / 93، وحاشية القليوبي وعميرة 3 / 175 - 176، وحاشية الجمل على شرح المنهج 4 / 67، 68.
(77) حديث عائشة: " كان رسول الله ﷺ إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات. . . " أخرجه مسلم (4 / 1723) .
(78) حديث: " وما أدراك أنها رقية " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 198) ، ومسلم (4 / 1727) .
(79) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 232، وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 453، والتبيان في آداب حملة القرآن للنووي 225 ط. دار الدعوة 1987 م، والآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 363.
(80) حديث: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله. . . " أخرجه مسلم (4 / 2074) .
(81) حديث مدارسة جبريل النبي ﷺ للقرآن أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 30) .
(82) غنية المتملي شرح منية المصلي 497. ط. دار سعادت 1325 هـ، وحاشية الدسوقي 1 / 308، والتبيان في آداب حملة القرآن 128، 134، ومطالب أولي النهى 1 / 597 - 598.
(83) غنية المتملي في شرح منية المصلي 496 ط. دار سعادت 1325 هـ، حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 447، التبيان في آداب حملة القرآن ص 100 - 101، مطالب أولي النهى 1 / 596.
(84) حديث عائشة: " كان رسول الله ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 401) ، والرواية الأخرى لمسلم (1 / 246) .
(85) غنية المتملي 496، والعدوي على شرح الرسالة 2 / 448، والتبيان في آداب حملة القرآن 102 - 104، مطالب أولي النهى 1 / 596.
(86) غنية المتملي 496 - 497.
(87) مطالب أولي النهى 1 / 596.
(88) التبيان في آداب حملة القرآن ص 102، وحديث: " أن النبي ﷺ كره القراءة للناعس "، ورد من حديث أبي هريرة ونصه: " إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع ". أخرجه مسلم (1 / 543) .
(89) مطالب أولي النهى 1 / 596، والتبيان في آداب حملة القرآن.
(90) مطالب أولي النهى 1 / 596، التبيان في آداب حملة القرآن 102.
(91) حديث: " اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه. . . " أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (40 / 73) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(92) حاشية ابن عابدين 5 / 442، جواهر الإكليل 2 / 189، القليوبي وعميرة 3 / 73، كشاف القناع 4 / 12، الإنصاف 6 / 46، 47.
(93) الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي 278 ط. دار المعرفة بيروت.
(94) حديث: " أن النبي ﷺ غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة " أخرجه أحمد (3 / 387) وأورده ابن حجر في الفتح (13 / 334) وقال: رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفًا.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 46/ 33
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".