العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
محالُّ العِبَادة . ومن شواهده أن الفقهاء ذهبوا إلى أنه "يُمنع أهل الذمة من إظهار ضرب النواقيس في معابدهم في الجملة، وأنه لا بأس بإخفائها، وضربها في جوف الكنائس ."
جَمْعُ مَعْبَدٍ، وَهُوَ مَكَانُ العِبَادَةِ كَالمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَالعِبَادَةُ: الطَّاعَةُ وَالقُرْبَةُ، يُقَالُ: عَبَدتُ اللهَ أَعْبُدُهُ عِبَادَةً أَيْ أَطَعْتَهُ وَتَقَرَّبْتَ إِلَيْهِ، وَأصْلُهَا مِنَ التَّذَلُّلِ وَاللِّينِ، مِنْهُ قَوْلُـهُمْ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ أَيْ: سَهْلٌ مُذَلَّلٌ لِكَثْرَةِ وَطْءِ الأَقْدَامِ لَهُ، وَمِنْ مَعَانِي العِبَادَةِ أَيْضًا: الـخُضُوعُ وَالانْقِيَادُ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (المَعَابِدِ) فِي مَوَاضِعِ أُخْرَى كَكِتَابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلاَةِ، وَأَحْكَامِ المَسَاجِدِ، وَكِتَابِ الوَقْفِ فِي بَابِ جِهَاتِ الوَقْفِ، وَكِتَابِ الوَصِيَّةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الوَصِيَّةِ.
عَبَدَ
محالُّ العِبَادة.
* معجم مقاييس اللغة : (4 /205)
* تهذيب اللغة : (2 /138)
* مختار الصحاح : (ص:198)
* كتاب الفروع ومعه تصحيح الفروع : (10 /338)
* حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير : (189/1)
* معجم مقاييس اللغة : (4 /205) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَعَابِدُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ مَعْبَدٍ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - وَهُوَ مَكَانُ الْعِبَادَةِ وَمَحَلُّهَا.
وَالْعِبَادَةُ مَصْدَرُ عَبَدَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - يُقَال: عَبَدَ اللَّهَ عِبَادَةً وَعُبُودِيَّةً: انْقَادَ لَهُ وَخَضَعَ وَذَل، وَالْمُتَعَبَّدُ: مَكَانُ التَّعَبُّدِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمَسْجِدُ:
2 - الْمَسْجِدُ لُغَةً مَفْعِلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: اسْمٌ لِمَكَانِ السُّجُودِ، وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ (3) .
وَالْمَسْجِدُ شَرْعًا: كُل مَوْضِعٍ مِنَ الأَْرْضِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: جُعِلَتْ لِي الأَْرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا (4) ، وَخَصَّصَهُ الْعُرْفُ بِالْمَكَانِ الْمُهَيَّأِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (5) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَعَابِدِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ.
أَقْسَامُ الْمَعَابِدِ:
مَكَانُ عِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْمَسْجِدُ وَالْجَامِعُ وَالْمُصَلَّى وَالزَّاوِيَةُ.
وَتَفْصِيل أَحْكَامِ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مَسْجِدٌ ف 1 - 4) .
وَأَمَّا مَكَانُ عِبَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ أَقْسَامٌ وَتَسْمِيَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْكَنِيسَةُ:
3 - تُطْلَقُ الْكَنِيسَةُ عِنْدَ بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ عَلَى مُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُتَعَبَّدِ النَّصَارَى، وَهِيَ مُعَرَّبَةٌ (6) .
وَنَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَقَاضِي زَادَهْ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْكَنِيسَةَ اسْمٌ لِمَعْبَدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُطْلَقًا فِي الأَْصْل، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَال الْكَنِيسَةِ لِمَعْبَدِ الْيَهُودِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَهْل مِصْرَ يُطْلِقُونَ الْكَنِيسَةَ عَلَى مُتَعَبَّدِهِمَا (7) .
وَأَوْرَدَ الْبَرْكَتِيُّ أَوْجُهًا أَرْبَعَةً فَقَال:
الْكَنِيسَةُ: مُتَعَبَّدُ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى، أَوِ الْكُفَّارِ، أَوْ مَوْضِعُ صَلاَةِ الْيَهُودِ فَقَطْ (8) .
وَنَصَّ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْكَنِيسَةَ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى (9) .
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: الْكَنِيسَةُ: مُتَعَبَّدُ الْكُفَّارِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِيعَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ (10) .
ب - الْبِيعَةُ:
4 - الْبِيعَةُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - مُفْرَدٌ جَمْعُهُ بِيَعٌ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - مِثْل سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَهِيَ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى (11) ، وَزَادَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فَقَال: وَهِيَ الَّتِي يَبْنُونَهَا فِي الْبَلَدِ (12) .
وَقَال قَاضِي زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِِنَّ الْبِيعَةَ اسْمٌ لِمَعْبَدِ الْيَهُودِ مُطْلَقًا، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَال الْبِيعَةِ لِمَعْبَدِ النَّصَارَى (13) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: إِِنَّ أَهْل اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْبِيعَةَ مَعْبَدُ النَّصَارَى إِِلاَّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: الْبِيَعُ مَسَاجِدُ الْيَهُودِ (14) . ج - الصَّوْمَعَةُ:
5 - قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الصَّوْمَعَةُ بَيْتٌ يُبْنَى بِرَأْسٍ طَوِيلٍ لِيُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالاِنْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ (15) ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: أَنَّ الصَّوَامِعَ لِلنَّصَارَى وَهِيَ الَّتِي بَنَوْهَا فِي الصَّحَارِي (16) ، وَقِيل: الصَّوَامِعُ لِلصَّابِئِينَ (17) .
د - الدَّيْرُ
6 - الدَّيْرُ مُقَامُ الرُّهْبَانِ وَالرَّاهِبَاتِ مِنَ النَّصَارَى، وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِلرَّهْبَانِيَّةِ وَالتَّفَرُّدِ عَنِ النَّاسِ، وَيُجْمَعُ عَلَى دُيُورَةٍ مِثْل: بَعْلٍ وَبُعُولَةٍ (18) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَهْل مِصْرَ وَالشَّامِ يَخُصُّونَ الدَّيْرَ بِمَعْبَدِ النَّصَارَى (19) .
هـ - الْفُهُرُ
7 - الْفُهُرُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْهَاءِ جَمْعٌ، وَمُفْرَدُهَا فُهْرٌ، لِلْيَهُودِ خَاصَّةً، وَهُوَ بَيْتُ الْمِدْرَاسِ الَّذِي يَتَدَارَسُونَ فِيهِ الْعِلْمَ، وَفِيهِ قَوْل أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " وَكَأَنَّهُمُ الْيَهُودُ حِينَ خَرَجُوا مِنْ فُهُرِهِمْ ". (20)
و الصَّلَوَاتُ
8 - الصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ، قَال الزَّجَّاجُ وَهِيَ بِالْعِبْرِيَّةِ (صِلْوَتَا) ، وَقِيل: لِلنَّصَارَى، وَقِيل: لِلصَّابِئِينَ (21) .
ز - بَيْتُ النَّارِ وَالنَّاوُوسُ
9 - بَيْتُ النَّارِ: هُوَ مَوْضِعُ عِبَادَةِ الْمَجُوسِ (22) .
وَأَمَّا النَّاوُوسُ فَقَال اللُّغَوِيُّونَ: النَّاوُوسُ مَقَابِرُ النَّصَارَى، أَوْ صُنْدُوقٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِ يَضَعُ فِيهِ النَّصَارَى جُثَّةَ الْمَيِّتِ (23) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: النَّاوُوسُ لِلْمَجُوسِ كَالْكَنِيسَةِ لِلنَّصَارَى، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ دِينِهِمُ الْبَاطِل (24) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَعَابِدِ
10 - لاَ يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ، وَالصَّوْمَعَةِ، وَبَيْتِ النَّارِ، وَالدَّيْرِ وَغَيْرِهَا فِي الأَْحْكَامِ، وَالأَْصْل فِي هَذَا مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ عُمَرَ ﵁ لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ كَتَبَ إِِلَيْهِمْ كِتَابًا: " إِِنَّهُمْ لاَ يَبْنُونَ فِي بِلاَدِهِمْ وَلاَ فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلاَ كَنِيسَةً وَلاَ صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ. . . " (25) .
وَقَال الدُّسُوقِيُّ فِي كَرَاهَةِ الصَّلاَةِ فِيهَا: وَتُكْرَهُ الصَّلاَةُ بِمُتَعَبَّدِ الْكُفَّارِ سَوَاءٌ كَانَ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً، أَوْ بَيْتَ نَارٍ (26) .
وَقَال الْبُهُوتِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ فِي الْوَقْفِ: وَلاَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى كَنَائِسَ، وَبُيُوتِ نَارٍ، وَبِيَعٍ وَصَوَامِعَ، وَدُيُورَةٍ وَمَصَالِحِهَا (27) .
وَنَصَّ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ ذِكْرِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَابِدِ عَلَى أَنَّ: حُكْمَ هَذِهِ الأَْمْكِنَةِ كُلِّهَا حُكْمُ الْكَنِيسَةِ، وَيَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا (28) .
وَتَفْصِيل الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَعَابِدِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
إِِحْدَاثُ الْمَعَابِدِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ
11 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ إِِحْدَاثِ الْمَعَابِدِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِاخْتِلاَفِ الأَْمْصَارِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إِِحْدَاثُ كَنِيسَةٍ وَلاَ بِيعَةٍ وَلاَ مُجْتَمَعٍ لِصَلاَتِهِمْ وَلاَ صَوْمَعَةٍ بِإِِِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ.
ب - مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عِنْوَةً، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إِِحْدَاثُ شَيْءٍ بِالاِتِّفَاقِ لأَِنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَدْمِ مَا كَانَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي فِيمَا بَعْدُ.
ج - مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا: فَإِِِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَهُمْ وَالْخَرَاجَ لَنَا جَازَ الإِِِْحْدَاثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَإِِِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَنَا وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ فَلاَ يَجُوزُ الإِِِْحْدَاثُ إِِلاَّ إِِذَا شَرَطُوا ذَلِكَ، وَإِِِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا لاَ يَجُوزُ الإِِِْحْدَاثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (29) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَهْل الذِّمَّةِ ف 24 - 25) .
هَدْمُ الْمَعَابِدِ الْقَدِيمَةِ
12 - الْمُرَادُ مِنَ الْمَعَابِدِ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْل فَتْحِ الإِِِْمَامِ بَلَدَ الْكُفَّارِ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى إِِقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَعَلَى دِينِهِمْ، وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَوِ التَّابِعِينَ لاَ مَحَالَةَ (30) .
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمَعَابِدِ الْقَدِيمَةِ بِاخْتِلاَفِ مَوَاقِعِهَا عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - الْمَعَابِدُ الْقَدِيمَةُ فِي الْمُدُنِ الَّتِي أَحْدَثَهَا الْمُسْلِمُونَ
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ وَالْقُرَى لاَ يُتَعَرَّضُ لَهَا وَلاَ يُهْدَمُ شَيْءٌ مِنْهَا، قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: إِِنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ فِي السَّوَادِ لاَ تُهْدَمُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي الأَْمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلاَمُ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ: تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ، وَذَكَرَ فِي الإِِِْجَارَةِ: لاَ تُهْدَمُ: وَعَمَل النَّاسِ عَلَى هَذَا، فَإِِِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَالَتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ إِِمَامٌ بِهَدْمِهَا، فَكَانَ مُتَوَارَثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِّيَةً فِيهَا دَيْرٌ أَوْ كَنِيسَةٌ فَوَقَعَ دَاخِل السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُهْدَمَ، لأَِنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلأَْمَانِ قَبْل وَضْعِ السُّورِ، فَيُحْمَل مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنَ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ لأَِنَّهَا كَانَتْ فَضَاءً فَأَدَارَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّورَ، ثُمَّ فِيهَا الآْنَ كَنَائِسُ، وَيَبْعُدُ مِنْ إِِمَامٍ تَمْكِينِ الْكُفَّارِ مِنْ إِِحْدَاثِهَا جَهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الإِِِْسْلاَمِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الضَّوَاحِي، فَأُدِيرَ السُّورُ عَلَيْهَا فَأَحَاطَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْضُوعَةُ الآْنَ فِي دَارِ الإِِِْسْلاَمِ - غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ - كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لاَ تُهْدَمَ، لأَِنَّهَا إِِنْ كَانَتْ فِي أَمْصَارٍ قَدِيمَةٍ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوِ التَّابِعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَأَبْقَوْهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فَإِِِنْ كَانَتِ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهَا بَقَّوْهَا مَسَاكِنَ لاَ مَعَابِدَ فَلاَ تُهْدَمُ، وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ، وَإِِِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلاَ يُمْنَعُونَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ فِيهَا بَل مِنَ الإِِِْظْهَارِ (31) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِِنَّ الْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ تُتْرَكُ لأَِهْل الذِّمَّةِ فِيمَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ فَسَكَنُوهُ مَعَهُمْ، وَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: لاَ يَجُوزُ الإِِِْحْدَاثُ مُطْلَقًا وَلاَ يُتْرَكُ لَهُمْ كَنِيسَةً (32) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى أَنَّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْبِلاَدِ الَّتِي أَحْدَثَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النَّارِ وَجُهِل أَصْلُهُ لاَ يُنْقَضُ لاِحْتِمَال أَنَّهَا كَانَتْ قَرْيَةً أَوْ بَرِّيَةً فَاتَّصَل بِهَا عُمْرَانُ مَا أُحْدِثَ مِنَّا، بِخِلاَفِ مَا لَوْ عُلِمَ إِِحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بِنَائِهَا فَإِِِنَّهُ يَلْزَمُنَا هَدْمُهُ إِِذَا بُنِيَ لِلتَّعَبُّدِ، وَإِِِنْ بُنِيَ لِنُزُول الْمَارَّةِ: فَإِِِنْ كَانَ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إِِذَا كَانَ لأَِهْل الذِّمَّةِ فَقَطْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ (33) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْكَنَائِسُ الَّتِي فِي الْبِلاَدِ الَّتِي مَصَّرَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأُحْدِثَتْ بَعْدَ تَمْصِيرِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا تُزَال، وَمَا كَانَ مَوْجُودًا بِفَلاَةٍ مِنَ الأَْرْضِ ثُمَّ مَصَّرَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهَا الْمِصْرَ فَهَذِهِ لاَ تُزَال (34) .
ب - الْمَعَابِدُ الْقَدِيمَةُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ إِِلَى أَنَّ الْمَعَابِدَ الْقَدِيمَةَ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً لاَ يَجِبُ هَدْمُهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِِلَى أَنَّهُ يَجِبُ هَدْمُهُ (35) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تُهْدَمُ وَلَكِنْ تَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ مَسَاكِنَ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ (36) . ج - الْمَعَابِدُ الْقَدِيمَةُ فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا
15 - الأَْرَاضِي الْمَفْتُوحَةُ صُلْحًا ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: أَنْ يُصَالِحَهُمُ الإِِِْمَامُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الأَْرْضُ لَنَا فَالْحُكْمُ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُمُ الإِِِْمَامُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الأَْرْضُ لَهُمْ وَيُؤَدُّوا عَنْهَا خَرَاجًا، فَهَذَا مِمَّا لاَ يُتَعَرَّضُ لِلْمَعَابِدِ الْقَدِيمَةِ فِيهَا دُونَ خِلاَفٍ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يُتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ وَهَذَا لِحَاجَتِهِمْ إِِلَيْهَا فِي عِبَادَتِهِمْ كَمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِِلَى أَنَّهَا لاَ تَبْقَى، لأَِنَّ إِِطْلاَقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي ضَرُورَةَ جَمِيعِ الْبَلَدِ لَنَا (37) .
إِِعَادَةُ الْمُنْهَدِمِ:
16 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِِلَى أَنَّهُ إِِذَا انْهَدَمَتِ الْكَنِيسَةُ (الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا) فَلِلذِّمِّيِّينَ إِِعَادَتُهَا، لأَِنَّ الأَْبْنِيَةَ لاَ تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمُ الإِِِْمَامُ عَلَى إِِبْقَائِهَا قَبْل الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ وَصَالَحَهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ عَهِدَ إِِلَيْهِمُ الإِِِْعَادَةَ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِِِحْدَاثِ، وَالْمُرَادُ بِالإِِِْعَادَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الأَْوَّل كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ أَيْ: لاَ يَبْنُونَ مَا كَانَ بِاللَّبِنِ بِالآْجُرِّ، وَلاَ مَا كَانَ بِالآْجُرِّ بِالْحَجَرِ وَلاَ مَا كَانَ بِالْجَرِيدِ وَخَشَبِ النَّخْل بِالنَّقَى وَالسَّاجِ، وَلاَ بَيَاضًا لَمْ يَكُنْ.
قَالُوا: وَلِلإِِِْمَامِ أَنْ يُخَرِّبَهَا إِِذَا وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ بُنِيَ مِنْهَا فَوْقَ مَا كَانَ فِي الْقَدِيمِ، وَكَذَا مَا زَادَ فِي عِمَارَتِهَا الْعَتِيقَةِ.
وَإِِِذَا جَازَ لَهُمْ إِِعَادَةُ بِنَائِهَا فَإِِِنَّ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوْسِيعٍ عَلَى خُطَّتِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالأُْولَى، وَقِيل: الْمُرَادُ بِالإِِِْعَادَةِ الإِِِْعَادَةُ لِمَا تَهَدَّمَ مِنْهَا لاَ بِآلاَتِ جَدِيدَةٍ (38) ، وَالْمُرَادُ بِالْمُهْدَمِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الأَْشْبَاهِ: مَا انْهَدَمَ، وَلَيْسَ مَا هَدَمَهُ الإِِِْمَامُ، لأَِنَّ فِي إِِعَادَتِهَا بَعْدَ هَدْمِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ وَبِالإِِِْسْلاَمِ، وَإِِِخْمَادًا لَهُمْ وَكَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ، وَنَصْرًا لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ، وَلأَِنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الإِِِْمَامِ فَيَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّعْزِيرُ، وَبِخِلاَفِ مَا إِِذَا هَدَمُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَإِِِنَّهَا تُعَادُ (39) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَالإِِْصْطَخْرِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: لأَِنَّهُ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الإِِِْسْلاَمِ (40) .
تَرْمِيمُ الْمَعَابِدِ
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ رَمِّ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَنَحْوِهَا الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَإِِِصْلاَحِهَا، لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يُفْضِي إِِلَى خَرَابِهَا وَذَهَابِهَا، فَجَرَى مَجْرَى هَدْمِهَا (41) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ: بِأَنَّهُ يَجِبُ إِِخْفَاءُ الْعِمَارَةِ لأَِنَّ إِِظْهَارَهَا زِينَةٌ تُشْبِهُ الاِسْتِحْدَاثَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ إِِخْفَاءُ الْعِمَارَةِ فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنَ الدَّاخِل وَالْخَارِجِ (42) . وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّ الْمُنْهَدِمِ فِي الْعَنْوِيِّ (مَا فُتِحَ عَنْوَةً) وَفِي الصُّلْحِيِّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ (43) .
نَقْل الْمَعْبَدِ مِنْ مَكَانٍ إِِلَى آخَرَ
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَقْل الْمَعْبَدِ مِنْ مَكَانٍ إِِلَى مَكَانٍ آخَرَ عَلَى أَقْوَالٍ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لأَِهْل الذِّمَّةِ أَنْ يُحَوِّلُوا مَعَابِدَهُمْ مِنْ مَوْضِعٍ إِِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، لأَِنَّ التَّحْوِيل مِنْ مَوْضِعٍ إِِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فِي حُكْمِ إِِحْدَاثِ كَنِيسَةٍ أُخْرَى (44) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَوْ شَرَطُوا النَّقْل فِي الْعَقْدِ يَجُوزُ وَإِِِلاَّ فَلاَ (45) .
وَفَصَّل ابْنُ الْقَيِّمِ الْكَلاَمَ عَلَيْهِ فَقَال: وَالَّذِي يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَال: إِِنْ مَنَعْنَا إِِعَادَةَ الْكَنِيسَةِ إِِذَا انْهَدَمَتْ، مَنَعْنَا نَقْلَهَا بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، فَإِِِنَّهَا إِِذَا لَمْ تَعُدْ إِِلَى مَكَانِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَنْشَأُ فِي غَيْرِهِ؟ وَإِِِنْ جَوَّزْنَا إِِعَادَتَهَا فَكَانَ نَقْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، لِكَوْنِهِمْ يَنْقُلُونَهَا إِِلَى مَوْضِعٍ خَفِيٍّ لاَ يُجَاوِرُهُ مُسْلِمٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلاَ رَيْبٍ، فَإِِِنَّ هَذَا مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلإِِِْسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلاَ مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ، وَأَمَّا إِِنْ كَانَ النَّقْل لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَتِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ إِِشْغَال رَقَبَةِ أَرْضِ الإِِِْسْلاَمِ بِجَعْلِهَا دَارَ كُفْرٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَرَادُوا جَعْلَهَا خَمَّارَةً أَوْ بَيْتَ فِسْقٍ.
فَلَوِ انْتَقَل الْكُفَّارُ عَنْ مَحَلَّتِهِمْ وَأَخْلَوْهَا إِِلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى فَأَرَادُوا نَقْل الْكَنِيسَةِ إِِلَى تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَإِِِعْطَاءَ الْقَدِيمَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ (46) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِِذَا نَقَل الإِِِْمَامُ النَّصَارَى الْمُعَاهَدِينَ مِنْ مَكَانِهِمْ إِِلَى مَكَانٍ آخَرَ يُبَاحُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بُنْيَانُ بِيعَةٍ وَاحِدَةٍ لإِِِِقَامَةِ شَرْعِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ فِيهَا (47) .
اعْتِقَادُ الْكَنِيسَةِ بَيْتَ اللَّهِ وَاعْتِقَادُ زِيَارَتَهَا قُرْبَةً
19 - نَصَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ أَوْ أَنَّهُ يُعْبَدُ فِيهَا، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ فَهُوَ كَافِرٌ لأَِنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ، أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِ الْكَنَائِسِ وَإِِِقَامَةِ دِينِهِمْ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ قُرْبَةً أَوْ طَاعَةً، وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ زِيَارَةَ أَهْل الذِّمَّةِ كَنَائِسَهُمْ قُرْبَةً إِِلَى اللَّهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ (48) .
الصَّلاَةُ فِي مَعَابِدِ الْكُفَّارِ
20 - نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِي مَعَابِدِ الْكُفَّارِ إِِذَا دَخَلَهَا مُخْتَارًا، أَمَّا إِِنْ دَخَلَهَا مُضْطَرًّا فَلاَ كَرَاهَةَ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ تُكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ مَعَ الصُّوَرِ (49) ، وَقَال الْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْكَنِيسَةِ مِنْ غَيْرِ جَمَاعَةٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَهَاوُنٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَلاَ اسْتِخْفَافٌ بِهِمْ (50) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ ف 105، دُخُولٌ ف 12)
النُّزُول فِي الْكَنَائِسِ
21 - نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلإِِِْمَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ مَنْزِل الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ، كَمَا صَالَحَ عُمَرُ أَهْل الشَّامِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي صُلْحِهِ: " وَلاَ نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْل وَالنَّهَارِ، وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيل، وَلاَ نُؤْوِيَ فِيهَا وَلاَ فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا (51) ".
دُخُول الْمُسْلِمِ مَعَابِدَ الْكُفَّارِ
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ دُخُول الْمُسْلِمِ مَعَابِدَ الْكُفَّارِ عَلَى أَقْوَالٍ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ دُخُول الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، لأَِنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ، لاَ مِنْ حَيْثُ إِِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُول (52) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لِلْمُسْلِمِ دُخُول بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَنَحْوِهِمَا (53) .
وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي رَأْيٍ آخَرَ: إِِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُهَا إِِلاَّ بِإِِِذْنِهِمْ (54) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دُخُولٌ ف 12) .
الإِِِْذْنُ فِي دُخُول الْكَنِيسَةِ وَالإِِِْعَانَةُ عَلَيْهِ
23 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ دُخُول الْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنْ لاَ يُعِينَهَا عَلَى أَسْبَابِ الْكُفْرِ وَشَعَائِرِهِ وَلاَ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ.
وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ إِِذَا كَانَ لَهُ مَنْعُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ إِِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ فَمَنْعُ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الْكَنِيسَةِ أَوْلَى (55) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْحَطَّابُ: قَال فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْكَنِيسَةِ إِِلاَّ فِي الْفَرْضِ (56) .
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ النَّصْرَانِيَّةُ فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِِنْ سَأَلَتِ الْخُرُوجَ إِِلَى أَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَجُمُوعِهِمْ لاَ يَأْذَنُ لَهَا فِي ذَلِكَ (57) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَمْنَعُ مُكَاتَبَهُ النَّصْرَانِيَّ مِنْ إِِتْيَانِ الْكَنِيسَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ دِينُهُمْ، إِِذْ لاَ تَحْجِيرَ لَهُ عَلَيْهِ (58) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَأَل ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا عَلَى طَرِيقِ الْبِيعَةِ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّهُ إِِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَأَيْضًا: مُسْلِمٌ لَهُ أُمٌّ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَبٌ ذِمِّيٌّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُودَهُ إِِلَى الْبِيعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَقُودَهُ مِنَ الْبِيعَةِ إِِلَى الْمَنْزِل (59) .
مُلاَعَنَةُ الذِّمِّيِّينَ فِي الْمَعَابِدِ
24 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِعَانُ الذِّمِّيَّةِ فِي كَنِيسَتِهَا، وَالْيَهُودِيَّةِ فِي بِيعَتِهَا، وَالْمَجُوسِيَّةِ فِي بَيْتِ النَّارِ (60) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِاسْتِحْبَابِ لِعَانِ الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ تُعَظِّمُ، وَإِِِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ كِتَابِيَّيْنِ لاَعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَنِيسَةِ وَحَيْثُ يُعَظِّمَانِ (61) .
وَقَال الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ (62) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لأَِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الإِِِْسْلاَمَ فِي اللِّعَانِ (63) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (لِعَانٌ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا) . وُقُوعُ اسْمِ الْبَيْتِ عَلَى الْمَعَابِدِ
25 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِِنْ حَلَفَ شَخْصٌ لاَ يَدْخُل بَيْتًا فَدَخَل كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً لاَ يَحْنَثُ (64) ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ (65) ، لِعَدَمِ إِِطْلاَقِ اسْمِ الْبَيْتِ عُرْفًا لأَِنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَأُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْكَنِيسَةِ (66) .
بَيْعُ عَرْصَةِ كَنِيسَةٍ
26 - قَال ابْنُ شَاسٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ بَاعَ أُسْقُفُ الْكَنِيسَةِ عَرْصَةً مِنَ الْكَنِيسَةِ أَوْ حَائِطًا جَازَ ذَلِكَ إِِنْ كَانَ الْبَلَدُ صُلْحًا، وَلَمْ يَجُزْ إِِنْ كَانَ الْبَلَدُ عَنْوَةً، لأَِنَّهَا وَقْفٌ بِالْفَتْحِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَال: لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، لأَِنَّ جَمِيعَهَا فَيْءٌ لِلَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: الْكَنَائِسِ وَغَيْرِهَا.
وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَاخْتَلَفَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَرْضِ الْكَنِيسَةِ تَكُونُ عَرْصَةَ الْكَنِيسَةِ أَوْ حَائِطًا فَيَبِيعُ ذَلِكَ أُسْقُفُ أَهْل تِلْكَ الْبَلْدَةِ هَل لِلرَّجُل أَنْ يَتَعَمَّدَ الشِّرَاءَ، فَأَجَازَ شِرَاءَ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَمَنَعَهُ فِي سَمَاعِ أَصْبُغَ (67) .
بَيْعُ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً
27 - نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ بَيْعِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِِنِ اشْتَرَوْا دُورًا فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا دَارًا مِنْهَا كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ فِي ذَلِكَ لِصَلَوَاتِهِمْ مُنِعُوا عَنْ ذَلِكَ (68) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُمْنَعُ أَيْ يَحْرُمُ بَيْعُ أَرْضٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً وَأُجْبِرَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ لِلْبَيْعِ عَلَى إِِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِ (69) .
رَوَى الْخَلاَّل عَنِ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِل عَنْ رَجُلٍ بَاعَ دَارَهُ مِنْ ذِمِّيٍّ وَفِيهَا مَحَارِيبُ فَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَقَال: نَصْرَانِيٌّ؟ ! ! لاَ تُبَاعُ. يَضْرِبُ فِيهَا النَّاقُوسَ وَيَنْصِبُ فِيهَا الصُّلْبَانَ؟ وَقَال: لاَ تُبَاعُ مِنَ الْكَافِرِ وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَبِيعُ دَارَهُ وَقَدْ جَاءَ نَصْرَانِيٌّ فَأَرْغَبَهُ وَزَادَهُ فِي ثَمَنِ الدَّارِ، تَرَى أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، قَال: لاَ أَرَى لَهُ ذَلِكَ، قَال وَلاَ أَرَى أَنْ يَبِيعَ دَارَهُ مِنْ كَافِرٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاللَّهِ تَعَالَى (70) .
اسْتِئْجَارُ أَهْل الذِّمَّةِ دَارًا لاِتِّخَاذِهَا كَنِيسَةً
28 - إِِذَا اشْتَرَى أَوِ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَلَى أَنَّهُ سَيَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الإِِِْجَارَةَ فَاسِدَةٌ، أَمَّا إِِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى ثُمَّ اتَّخَذَهَا مَعْبَدًا فَالإِِِْجَارَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً مَنْعُهُ حِسْبَةً (71) .
وَالتَّفْصِيل فِي (إِِجَارَةٌ ف 98) .
جَعْل الذِّمِّيٍّ بَيْتَهُ كَنِيسَةً فِي حَيَاتِهِ
29 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَل ذِمِّيٌّ دَارَهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ فِي صِحَّتِهِ، فَمَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ اتِّفَاقًا بَيْنَ الإِِِْمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّخْرِيجِ: فَعِنْدَهُ لأَِنَّهُ كَوَقْفٍ لَمْ يُسَجَّل، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُورَّثُ كَالْوَقْفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِِذَا سُجِّل لَزِمَ كَالْوَقْفِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ (72) . عَمَل الْمُسْلِمِ فِي الْكَنِيسَةِ
30 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَل لأَِهْل الذِّمَّةِ فِي الْكَنِيسَةِ نَجَّارًا أَوْ بَنَّاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ إِِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَمِنْ خَصَائِصِ دِينِهِمُ الْبَاطِل، وَلأَِنَّهُ إِِجَارَةٌ تَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ دِينِهِمْ وَشَعَائِرِهِمْ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إِِلاَّ أَنَّ يَعْتَذِرَ بِجَهَالَةٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَعْمَل فِي الْكَنِيسَةِ وَيَعْمُرَهَا لاَ بَأْسَ بِهِ لأَِنَّهُ لاَ مَعْصِيَةَ فِي عَيْنِ الْعَمَل (73) .
ضَرْبُ النَّاقُوسِ فِي الْمَعَابِدِ
31 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ إِِظْهَارِ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ فِي مَعَابِدِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِإِِِخْفَائِهَا وَضَرْبِهَا فِي جَوْفِ الْكَنَائِسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ ضَرَبُوا النَّاقُوسَ فِي جَوْفِ كَنَائِسِهِمُ الْقَدِيمَةِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِذَلِكَ لأَِنَّ إِِظْهَارَ الشَّعَائِرِ لَمْ يَتَحَقَّقْ، فَإِِِنْ ضَرَبُوا بِهِ خَارِجًا مِنْهَا لَمْ يُمَكَّنُوا لِمَا فِيهِ مِنْ إِِظْهَارِ الشَّعَائِرِ، وَلاَ يُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ لَيْسَ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْل الإِِِْسْلاَمِ، وَإِِِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالأَْعْيَادُ وَالْحُدُودُ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إِِظْهَارِ صَلِيبِهِمْ، لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي كَنَائِسِهِمْ لاَ يُتَعَرَّضُ لَهُمْ (74) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ فِيهَا.
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: عَلَيْهِمْ إِِخْفَاءُ نَوَاقِيسِهِمْ (75) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ يُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ فِي الْكَنِيسَةِ، وَقِيل: لاَ يُمْنَعُونَ تَبَعًا لِكَنِيسَةٍ، قَال النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْخِلاَفُ فِي كَنِيسَةِ بَلَدٍ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ أَرْضَهُ لَنَا، فَإِِِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَهُمْ فَلاَ مَنْعَ قَطْعًا، قَال: وَقَال إِِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَأَمَّا نَاقُوسُ الْمَجُوسِ فَلَسْتُ أَرَى فِيهِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ، وَإِِِنَّمَا هُوَ مُحَوَّطٌ وَبُيُوتٌ يَجْمَعُ فِيهَا الْمَجُوسُ جِيَفَهُمْ، وَلَيْسَ كَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فَإِِِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالشِّعَارِ (76) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْل الذِّمَّةِ الْكَفُّ عَنْ إِِظْهَارِ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ (77) . وَأَجَازُوا الضَّرْبَ الْخَفِيفَ فِي جَوْفِ الْكَنَائِسِ (78) .
الْوَقْفُ عَلَى الْمَعَابِدِ
32 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَعَابِدِ عَلَى أَقْوَالٍ كَمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَى بِيعَةٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لاَ يَصِحُّ وَقْفُ الذِّمِّيِّ لِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً عِنْدَنَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: هَذَا إِِذَا لَمْ يَجْعَل آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى بِيعَةٍ مَثَلاً فَإِِِذَا خَرِبَتْ تَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، كَانَ لِلْفُقَرَاءِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ لَمْ يَجْعَل آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ مِيرَاثًا عَنْهُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلاَفًا (79) .
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَفِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ لِعُبَّادِهَا أَوْ لِمَرَمَّتِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
وَفَصَّل ابْنُ رُشْدٍ فَقَال: إِِنَّ وَقْفَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ، أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى مَرَمَّتِهَا أَوْ عَلَى الْجَرْحَى أَوِ الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَال بِهِ عِيَاضٌ وَهُوَ: أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُطْلَقًا صَحِيحٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، سَوَاءٌ أَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ الْمَوْقُوفُ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْوَاقِفِ أَمْ لاَ (80) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْكَنَائِسِ الَّتِي لِلتَّعَبُّدِ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ ذِمِّيٍّ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إِِنْشَاءُ الْكَنَائِسِ وَتَرْمِيمُهَا، مَنَعْنَا التَّرْمِيمَ أَوْ لَمْ نَمْنَعْهُ، لأَِنَّهُ إِِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى حُصْرِهَا، أَوِ الْوَقُودِ بِهَا أَوْ عَلَى ذِمِّيٍّ خَادِمٍ لِكَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ.
وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كَنِيسَةٍ تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا (81) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى كَنَائِسَ وَبُيُوتِ نَارٍ، وَصَوَامِعَ، وَدُيُورَةٍ وَمَصَالِحِهَا كَقَنَادِيلِهَا وَفُرُشِهَا وَوَقُودِهَا وَسَدَنَتِهَا، لأَِنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ ذِمِّيٍّ.
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَنْزِلُهَا مِنْ مَارٍّ وَمُجْتَازٍ بِهَا فَقَطْ، لأَِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ لاَ عَلَى الْبُقْعَةِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ (82) .
الْوَصِيَّةُ لِبِنَاءِ الْمَعَابِدِ وَتَعْمِيرِهَا
33 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ أَوْ تَعْمِيرِهَا أَوْ نَحْوِهِمَا عَلَى أَقْوَالٍ كَمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ إِِذَا أَوْصَى الذِّمِّيُّ أَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَإِِِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنِينَ أَيْ: مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ مِنَ الثُّلُثِ اتِّفَاقًا بَيْنَهُمْ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الاِسْتِخْلاَفِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَلِلذِّمِّيِّ وِلاَيَةُ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُمْ جَعْلُهَا كَنِيسَةً وَيُجْعَل تَمْلِيكًا، وَلَهُمْ أَنْ يَصْنَعُوا بِهِ مَا شَاءُوا.
وَأَمَّا إِِنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّينَ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّهُمْ يُتْرَكُونَ وَمَا يَدِينُونَ، فَتَصِحُّ لأَِنَّ هَذَا قُرْبَةٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَلاَ يَصِحُّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، لأَِنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعَاصِي لاَ تَصِحُّ لِمَا فِي تَنْفِيذِهَا مِنْ تَقْرِيرِهَا.
وَهَذَا الْخِلاَفُ فِيمَا إِِذَا أَوْصَى بِبِنَاءِ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فِي الْقُرَى، فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلاَ يَجُوزُ بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَهُمْ، لأَِنَّهُمْ لاَ يُمَكَّنُونَ مِنْ إِِحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الأَْمْصَارِ (83) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِِنْ أَوْصَى نَصْرَانِيٌّ بِمَالِهِ لِكَنِيسَةٍ وَلاَ وَارِثَ لَهُ دُفِعَ الثُّلُثُ إِِلَى الأُْسْقُفِ يَجْعَلُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ، وَالثُّلُثَانِ لِلْمُسْلِمِينَ (84) . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ وَلاَ لِحُصْرِهَا، وَلاَ لِقَنَادِيلِهَا وَنَحْوِهِ، وَلاَ لِبَيْتِ نَارٍ وَلاَ لِبِيعَةِ وَلاَ صَوْمَعَةٍ وَلاَ لِدَيْرٍ وَلاَ لإِِِِصْلاَحِهَا وَشُغْلِهَا وَخِدْمَتِهَا، وَلاَ لِعَمَارَتِهَا وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ، لأَِنَّ ذَلِكَ إِِعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَال الْحَيَاةِ مِنَ الإِِِْحْسَانِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي جِهَةِ مَعْصِيَةٍ.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا إِِذَا كَانَتِ الْكَنِيسَةُ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا، بِخِلاَفِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا، أَوْ جَعْل كِرَاءِهَا لِلنَّصَارَى أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ إِِلاَّ أَنْ تُتَّخَذَ لِمُصَلَّى النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهَا عَلَى الشِّرْكِ (85) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَعَدُّوا مِنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَعْصِيَةِ مَا إِِذَا أَوْصَى لِدُهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ، لَكِنْ قَيَّدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْمَنْعَ بِمَا إِِذَا قَصَدَ تَعْظِيمَ الْكَنِيسَةِ، أَمَّا إِِذَا قَصَدَ تَعْظِيمَ الْمُقِيمِينَ أَوِ الْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءِ لأَِهْل الذِّمَّةِ (86) . حُكْمُ الْمَعَابِدِ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ
34 - قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: مَتَى انْتُقِضَ عَهْدُ أَهْل الذِّمَّةِ جَازَ أَخْذُ كَنَائِسِ الصُّلْحِ مِنْهُمْ فَضْلاً عَنْ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ، كَمَا أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ مَا كَانَ لِقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَإِِِنَّ نَاقِضَ الْعَهْدِ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الْمُحَارَبِ الأَْصْلِيِّ، وَلِذَلِكَ لَوِ انْقَرَضَ أَهْل مِصْرٍ مِنَ الأَْمْصَارِ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ دَخَل فِي عَهْدِهِمْ فَإِِِنَّهُ يَصِيرُ جَمِيعُ عَقَارِهِمْ وَمَنْقُولِهِمْ مِنَ الْمَعَابِدِ وَغَيْرِهَا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ (87) .
__________
(1) المعجم الوسيط، ومتن اللغة.
(2) حاشية الدسوقي 1 / 189.
(3) المصباح المنير.
(4) حديث: " جعلت لي الأرض. . . " شطر من حديث جابر بن عبد الله: أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 436 ط. السلفية) ومسلم (1 / 370 - 371) ط. الحلبي.
(5) إعلام الساجد / 28.
(6) المصباح المنير.
(7) تكملة فتح القدير 8 / 486، وابن عابدين 3 / 271، وأحكام أهل الذمة 2 / 669.
(8) قواعد الفقه للبركتي.
(9) حاشية الجمل 5 / 223.
(10) حاشية الدسوقي 1 / 189.
(11) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، وقواعد الفقه للبركتي.
(12) تفسير الرازي 23 / 230.
(13) تكملة فتح القدير 8 / 486.
(14) أحكام أهل الذمة 2 / 669.
(15) حاشية ابن عابدين 3 / 271.
(16) تفسير الرازي 23 / 230.
(17) أحكام أهل الذمة 2 / 668.
(18) المصباح المنير وقواعد الفقه للبركتي، وحاشية ابن عابدين 3 / 271، وفتح القدير 4 / 377، وأحكام أهل الذمة 2 / 668.
(19) أحكام أهل الذمة 2 / 668.
(20) أحكام أهل الذمة 2 / 669.
(21) أحكام أهل الذمة 2 / 668، وتفسير الرازي 23 / 230.
(22) أحكام أهل الذمة 1 / 275، 276.
(23) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(24) أحكام أهل الذمة 1 / 275، 276.
(25) مغني المحتاج 4 / 253.
(26) حاشية الدسوقي 1 / 189.
(27) كشاف القناع 4 / 246، والمغني 5 / 645.
(28) أحكام أهل الذمة 2 / 669.
(29) حاشية ابن عابدين 3 / 271 وما بعدها، وفتح القدير 4 / 378، وبدائع الصنائع 4 / 166، وحاشية الدسوقي 2 / 204، ومغني المحتاج 4 / 253، 254، وأسنى المطالب 4 / 219، 220، وحاشية الجمل 5 / 223، 254، والمغني 8 / 526، 527.
(30) الفتاوى الهندية 2 / 248.
(31) فتح القدير 4 / 378، وحاشية ابن عابدين 3 / 273، والفتاوى الهندية 2 / 248.
(32) الحطاب 3 / 384.
(33) مغني المحتاج 4 / 253، وروضة الطالبين 10 / 323.
(34) أحكام أهل الذمة 2 / 677 ط. دار العلم للملايين، والمغني 8 / 526.
(35) حاشية الدسوقي 2 / 204، ومواهب الجليل 3 / 384، وروضة الطالبين 10 / 323، ومغني المحتاج 4 / 254، والمغني 5 / 527.
(36) حاشية ابن عابدين 3 / 273، وفتح القدير 4 / 379.
(37) مغني المحتاج 4 / 254، وروضة الطالبين 10 / 323، وكشاف القناع 3 / 133، وحاشية ابن عابدين 3 / 273، وحاشية الدسوقي 2 / 203 - 204، ومواهب الجليل 3 / 384.
(38) حاشية ابن عابدين 3 / 272، 273، ومغني المحتاج 4 / 254، 255، وروضة الطالبين 10 / 324.
(39) حاشية ابن عابدين 3 / 272.
(40) المغني 8 / 528، وروضة الطالبين 10 / 324.
(41) حاشية ابن عابدين 3 / 272، ومغني المحتاج 4 / 254، وروضة الطالبين 10 / 324، والمغني 8 / 528، وحاشية الدسوقي 2 / 204.
(42) روضة الطالبين 10 / 324.
(43) الشرح الصغير 2 / 314، وشرح الزرقاني 3 / 145، والخرشي 3 / 148.
(44) بدائع الصنائع 7 / 114، وحاشية ابن عابدين 3 / 271، وفتح القدير 4 / 377، والفتاوى الهندية 2 / 248.
(45) حاشية الدسوقي 2 / 204.
(46) أحكام أهل الذمة 2 / 704.
(47) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 384.
(48) مطالب أولي النهى 6 / 281.
(49) حاشية ابن عابدين 1 / 254، وحاشية الدسوقي 1 / 189، والمدونة 1 / 90، 91، ومغني المحتاج 1 / 203، وكشاف القناع 1 / 292، ونيل الأوطار 2 / 143 ط. دار الجيل.
(50) بدائع الصنائع 4 / 176.
(51) المغني 8 / 524، مغني المحتاج 4 / 251.
(52) حاشية ابن عابدين 5 / 248.
(53) جواهر الإكليل 1 / 383، وحاشية الجمل 3 / 572، والقليوبي 4 / 235، وكشاف القناع 1 / 293.
(54) حاشية الجمل 3 / 572، والقليوبي 4 / 235.
(55) مغني المحتاج 3 / 189، وروضة الطالبين 7 / 137، ومطالب أولي النهى 5 / 264.
(56) مواهب الجليل 4 / 454.
(57) أحكام أهل الذمة 2 / 438.
(58) حاشية الدسوقي 3 / 306.
(59) الفتاوى الهندية 2 / 250.
(60) كفاية الطالب 2 / 88، وجواهر الإكليل 1 / 383، مواهب الجليل 4 / 137.
(61) الأم 5 / 288، ومغني المحتاج 3 / 376، وروضة الطالبين 8 / 354، والمغني 7 / 435، والإنصاف 9 / 240.
(62) المغني 7 / 435.
(63) بدائع الصنائع 3 / 241.
(64) الاختيار 4 / 56، وروضة الطالبين 11 / 30، وحاشية الجمل 5 / 305.
(65) المدونة 2 / 133.
(66) الاختيار 4 / 56، وروضة الطالبين 11 / 30، وحاشية الجمل 5 / 305.
(67) التاج والإكليل على هامش الحطاب 3 / 384، وحاشية الدسوقي 2 / 204.
(68) الفتاوى الهندية 2 / 252.
(69) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 5 / 424، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 3 / 7.
(70) أحكام أهل الذمة 21 / 284، 287.
(71) الفتاوى الهندية 2 / 252، 5 / 346، وبدائع الصنائع 4 / 176، والمدونة 4 / 423، 424، والحطاب 3 / 384، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 5 / 424، وكشاف القناع 3 / 559، والمغني 5 / 552.
(72) حاشية ابن عابدين 5 / 445، وبدائع الصنائع 7 / 341.
(73) حاشية ابن عابدين 3 / 272، و5 / 251، والفتاوى الهندية 4 / 450، والحطاب 5 / 424، ومغني المحتاج 4 / 254، 255، 257، والأم 4 / 213، وأحكام أهل الذمة 1 / 277.
(74) بدائع الصنائع 7 / 113، وفتح القدير 4 / 378.
(75) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 384، والقوانين الفقهية / 162.
(76) روضة الطالبين 10 / 324.
(77) المغني 8 / 533.
(78) كشاف القناع 3 / 133.
(79) حاشية ابن عابدين 3 / 361.
(80) حاشية الدسوقي 4 / 78، والشرح الصغير 4 / 116، 118.
(81) حاشية الجمل 3 / 576، 579، وأسنى المطالب 2 / 460، 461.
(82) كشاف القناع 4 / 246.
(83) حاشية ابن عابدين 5 / 445، وتكملة فتح القدير والعناية على الهامش 8 / 485، 486، وبدائع الصنائع 7 / 341.
(84) مواهب الجليل 6 / 365.
(85) حاشية الجمل 4 / 43، 71، وروضة الطالبين 6 / 98، 315، والأم 4 / 213، وأسنى المطالب 3 / 30، وكشاف القناع 4 / 364، والمغني 6 / 105.
(86) روضة الطالبين 6 / 99.
(87) أحكام أهل الذمة 2 / 684.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 147/ 38
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".