المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
مكان دفن الموتى . يشرع السلام عند دخول المقبرة على أموات المسلمين؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ : "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ..." مسلم :249 .
مَكَانُ القُبُورِ، وَالجَمْعُ: مَقَابِرُ، وَالقَبْرُ: مَكَانُ الدَّفْنِ، وَهُوَ الـحُفْرَةُ التِّي يُوضَعُ فِيهَا الـمَيِّتُ، وَكُلِّ مَكَانٍ تُخْفَى فِيهِ جُثَّةُ الميِّتِ فَهُوَ قَبْرٌ وَلَوْ فِي الـبَحْرِ، وَجَمْعُهُ: قُبُوْرٌ، وَيَأْتِي القَبْرُ بِـمَعْنَى: دَفْنِ الـميِّتِ في التُّرابِ، يُقَالُ: قَبَرْتُ الـمَيِّتَ أَقْبُرُهُ قَبْراً أَيْ دَفَنْتُهُ، وَأَصْلُ القَبْرِ: الغُمُوضُ وَالخَفَاءُ، وَأَرْضٌ قَبُورٌ أَيْ غَامِضَةٌ، وَسُمِّيَ القَبْرُ بِذَلِكَ؛ لِإِخْفَائِهِ جُثَّةَ المَيِّتِ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (المَقْبَرَةِ) فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا: كِتَابُ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ آدَابِ قَضَاءِ الحَاجَةِ ، وَكِتَابُ الجَنَائِزِ فِي بَابِ دَفْنِ المَيِّتِ ، وَكِتَابُ البُيُوعِ فِي بَابِ شُرُوطِ البَيْعِ ، وَكِتَابُ الوَقْفِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الوَقْفِ.
قبر
المَكَانُ المُخَصَّصُ لِدَفْنِ المَوْتَى مِنْ بَنِي آدَمَ.
المَقْبَرَةُ هِيَ المَوْضِعُ الذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ القُبُورُ، إِذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا القَبْرُ وَالقَبْرانِ فَلا يُعْتَبَرانِ مَقْبَرَةً.
مَكَانُ القُبُورِ، وَالقَبْرُ: مَكَانِ الدَّفْنِ، وَهُوَ الـحُفْرَةُ الَّتي يُوضَعُ فِيهَا الـمَيِّتُ، وَكُلِّ مَكَانٍ تُخْفَى فِيهِ جُثَّةُ الميِّتِ فَهُوَ قَبْرٌ وَلَوْ فِي الـبَحْرِ، وَيَأْتِي القَبْرُ بِـمَعْنَى: دَفْنِ الـميِّتِ في التُّرابِ، وَأَصْلُ القَبْرِ: الغُمُوضُ وَالخَفَاءُ، وَأَرْضٌ قَبُورٌ أَيْ غَامِضَةٌ، وَسُمِّيَ القَبْرُ بِذَلِكَ ؛ لِإِخْفَائِهِ جُثَّةَ المَيِّتِ.
مكان دفن الموتى.
* معجم مقاييس اللغة : (5 /48)
* تاج العروس : (356/13)
* لسان العرب : (3509/5)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (1 /58)
* الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل : (97/1)
* معجم مقاييس اللغة : (5 /48)
* المطلع على ألفاظ المقنع : ص83 - مواهب الـجليل : 2 /245 - الـمغني لابن قدامة : 2 /52 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَقْبَرَةُ فِي اللُّغَةِ: - بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ - أَوْ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا لاَ غَيْرُ مَوْضِعُ الْقُبُورِ، وَالْقُبُورُ جَمْعُ قَبْرٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمَيِّتُ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْبَرَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ، لأَِنَّهَا مَظَانُّ النَّجَاسَةِ، وَلأَِنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلاَةِ وَلاَ قَبْرَ وَلاَ نَجَاسَةَ فَلاَ بَأْسَ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجُوزُ الصَّلاَةُ بِمَقْبَرَةٍ عَامِرَةٍ كَانَتْ أَوْ دَارِسَةٍ، مَنْبُوشَةٍ أَمْ لاَ، لِمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ لِمُشْرِكٍ (3) .
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ الْكَلاَمَ فَقَالُوا: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي تَحَقَّقَ نَبْشُهَا بِلاَ خِلاَفٍ فِي الْمَذْهَبِ، لأَِنَّهُ قَدِ اخْتَلَطَ بِالأَْرْضِ صَدِيدُ الْمَوْتَى، هَذَا إِذَا لَمْ يُبْسَطْ تَحْتَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ بُسِطَ تَحْتَهُ شَيْءٌ تُكْرَهُ.
وَأَمَّا إِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ نَبْشِهَا صَحَّتِ الصَّلاَةُ بِلاَ خِلاَفٍ لأَِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي بَاشَرَهُ بِالصَّلاَةِ طَاهِرٌ، وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لأَِنَّهَا مَدْفِنُ النَّجَاسَةِ.
وَأَمَّا إِنْ شَكَّ فِي نَبْشِهَا فَقَوْلاَنِ: أَصَحُّهُمَا: تَصِحُّ الصَّلاَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لأَِنَّ الأَْصْل طَهَارَةُ الأَْرْضِ فَلاَ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا بِالشَّكِّ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ يَشُكُّ فِي إِسْقَاطِهِ، وَالْفَرْضُ لاَ يَسْقُطُ بِالشَّكِّ (4) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي الْمَقْبَرَةِ قَدِيمَةً كَانَتْ أَوْ حَدِيثَةً، تَكَرَّرَ نَبْشُهَا أَوْ لاَ، وَلاَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ قَبْرٌ وَلاَ قَبْرَانِ، لأَِنَّهُ لاَ يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْمَقْبَرَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْبَرَةُ ثَلاَثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا. وَرُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّ كُل مَا دَخَل فِي اسْمِ الْمَقْبَرَةِ مِمَّا حَوْل الْقُبُورِ لاَ يُصَلَّى فِيهِ. وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ مَا دُفِنَ بِدَارِهِ وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلاَثَةِ قُبُورٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبَرَةٍ (5) .
الصَّلاَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَا، وَفَعَل ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ وَنَافِعٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَال النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ (6) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 39) .
الْقِرَاءَةُ فِي الْمَقَابِرِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ بَل تُسْتَحَبُّ (7) .
وَنَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ إِذَا أَخْفَى وَلَمْ يَجْهَرْ وَإِنْ خَتَمَ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا جَهْرًا (8) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا، وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا كَانَتْ بِالأَْصْوَاتِ الْمُرْتَفِعَةِ وَاتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً (9) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِرَاءَةٌ ف 17، قَبْرٌ ف 22) .
الْمَشْيُ فِي الْمَقْبَرَةِ:
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَشْيِ فِي الْمَقَابِرِ عَلَى أَقْوَالٍ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقَابِرِ بِنَعْلَيْنِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ الْمَشْيُ إِنْ حَصَل بِهِ تَنْجِيسٌ كَمَنْبُوشَةٍ مَعَ الْمَشْيِ حَافِيًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (10) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ بِنَعْلٍ، لأَِنَّ خَلْعَ النَّعْلَيْنِ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ وَزِيِّ أَهْل التَّوَاضُعِ (11) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مَشْيٌ ف 12، وَقَبْرٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) .
الْمُشَاحَّةُ فِي الْمَقْبَرَةِ
6 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إِلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ وَتَشَاحَّا فِي مَكَانٍ قُدِّمَ لِلدَّفْنِ فِيهِ الأَْسْبَقُ عِنْدَ التَّزَاحُمِ وَضِيقِ الْمَحَل، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ، لأَِنَّ الْقُرْعَةَ لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ (12) .
الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالنَّوْمُ فِيهَا
7 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْوَحْشَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَحْشَةً كَأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً، أَوْ كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ مَسْكُونَةً فَلاَ كَرَاهَةَ (13) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ (14) .
دَرْسُ الْمَقْبَرَةِ وَالاِسْتِفَادَةُ مِنْهَا وَنَبْشُهَا
8 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا دُفِنَ غَيْرُهُ فِي قَبْرِهِ، وَيَجُوزُ زَرْعُهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ (15) .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: بِأَنَّهُ سُئِل عَنْ فِنَاءِ قَوْمٍ كَانُوا يَرْمُونَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ غَابُوا عَنْ ذَلِكَ، فَاتُّخِذَ مَقْبَرَةً، ثُمَّ جَاءُوا فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ نُسَوِّيَ هَذِهِ الْمَقَابِرَ، وَنَرْمِيَ عَلَى حَال مَا كُنَّا نَرْمِي، فَقَال مَالِكٌ: أَمَّا مَا قَدُمَ مِنْهَا فَأَرَى ذَلِكَ لَهُمْ، وَأَمَّا كُل شَيْءٍ جَدِيدٍ فَلاَ أُحِبُّ لَهُمْ دَرْسَ ذَلِكَ (16) .
وَقَال الصَّاوِيُّ: قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ أَحْجَارِ الْمَقَابِرِ الْعَافِيَةِ لِبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ أَوْ دَارٍ، وَلاَ حَرْثُهَا لِلزِّرَاعَةِ، لَكِنْ لَوْ حُرِثَتْ جُعِل كِرَاؤُهَا فِي مُؤَنِ دَفْنِ الْفُقَرَاءِ (17) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا صَارَ الْمَيِّتُ رَمِيمًا جَازَتِ الزِّرَاعَةُ وَالْحِرَاثَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، كَالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعِ الدَّفْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ رَمِيمًا فَلاَ يَجُوزُ.
هَذَا إِذَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ، فَإِنْ خَالَفَ كَتَعْيِينِهِ الأَْرْضَ لِلدَّفْنِ فَلاَ يَجُوزُ حَرْثُهَا وَلاَ غَرْسُهَا (18) .
وَأَمَّا نَبْشُ الْمَقْبَرَةِ فَتَفْصِيلُهُ فِي (قَبْرٌ ف 21) .
قَطْعُ النَّبَاتِ وَالْحَشِيشِ مِنَ الْمَقْبَرَةِ
9 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنَ الْمَقْبَرَةِ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا لاَ بَأْسَ بِهِ، لأَِنَّهُ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى مَا دَامَ رَطْبًا، فَيُؤْنِسُ الْمَيِّتَ وَتَنْزِل بِذِكْرِهِ الرَّحْمَةُ، وَلأَِنَّهُ ﷺ وَضَعَ الْجَرِيدَةَ الْخَضْرَاءَ بَعْدَ شَقِّهَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ (19) ، وَتَعْلِيلُهُ ﷺ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا أَيْ: يُخَفَّفُ عَنْهَا بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِمَا، لأَِنَّ تَسْبِيحَ الرَّطْبِ أَكْمَل مِنْ تَسْبِيحِ الْيَابِسِ لِمَا فِي الأَْخْضَرِ مِنْ نَوْعِ حَيَاةٍ (20) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَيْهِ فَكَرَاهَةُ قَلْعِ ذَلِكَ وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُمْلَكْ، لأَِنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ الْمَيِّتِ (21) .
مِلْكِيَّةُ أَشْجَارِ الْمَقْبَرَةِ
10 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ إِنْ كَانَتْ نَابِتَةً فِي الأَْرْضِ قَبْل أَنْ يَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً فَمَالِكُ الأَْرْضِ أَحَقُّ بِهَا يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ مَوَاتًا فَجَعَلَهَا أَهْل تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوِ الْمَحَلَّةِ مَقْبَرَةً، فَإِنَّ الشَّجَرَةَ وَمَوْضِعَهَا مِنَ الأَْرْضِ عَلَى مَا كَانَ حُكْمُهَا فِي الْقَدِيمِ. وَإِنْ نَبَتَتِ الشَّجَرَةُ بَعْدَمَا جُعِلَتْ مَقْبَرَةً وَكَانَ الْغَارِسُ مَعْلُومًا كَانَتْ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْغَارِسُ أَوْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ نَبَتَتْ بِنَفْسِهَا فَحُكْمُهَا يَكُونُ لِلْقَاضِي: إِنْ رَأَى قَلْعَهَا وَبَيْعَهَا وَإِنْفَاقَهَا عَلَى الْمَقْبَرَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهَا وَقْفٌ (22) .
وَسُئِل نَجْمُ الدِّينِ فِي مَقْبَرَةٍ فِيهَا أَشْجَارٌ هَل يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، قَال: نَعَمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ وَقْفًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، قِيل لَهُ: فَإِنْ تَدَاعَتْ حِيطَانُ الْمَقْبَرَةِ إِلَى الْخَرَابِ هَل يُصْرَفُ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى الْمَسْجِدِ؟ قَال إِلَى مَا هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ إِنْ عُرِفَ (23) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ فِي الْمَقْبَرَةِ فَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الأَْكْل لِلنَّاسِ مِنْ ثَمَرِهَا كَمَا قَال النَّوَوِيُّ.
وَقَال الْحَنَّاطِيُّ: الأَْوْلَى عِنْدِي أَنْ تُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ الْمَقْبَرَةِ (24) .
ذِكْرُ حُدُودِ الْمَقْبَرَةِ وَذِكْرُهَا حَدًّا
11 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَقْبَرَةَ تَصْلُحُ حَدًّا لَوْ كَانَتْ رَبْوَةً وَإِلاَّ فَلاَ.
وَأَمَّا مَنِ اشْتَرَى قَرْيَةً خَالِصَةً وَاسْتَثْنَى الْمَقْبَرَةَ فَهَل يُشْتَرَطُ ذِكْرُ حُدُودِ الْمَقْبَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ أَمْ لاَ؟ اخْتَلَفَ مَشَائِخُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْمَقْبَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ بِحَيْثُ يَقَعُ بِهِ الاِمْتِيَازُ.
وَقَال الْمَرْغِينَانِيُّ: إِذَا كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ تَلًّا لاَ يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ حُدُودِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَلًّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
وَقَال أَبُو شُجَاعٍ: لاَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحُدُودِ لِلْمَقْبَرَةِ قَال: وَنُفْتِي بِهَذَا تَسْهِيلاً لِلأَْمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (25) .
تَوْسِيعُ الْمَقْبَرَةِ
12 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ الْحَبْسِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ خَرِبَةٍ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَالْمَقْبَرَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَوْسِيعُ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ بِبَعْضٍ مِنْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ لاَ بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ لاَ يُهْدَمُ لِضِيقِ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَيُدْفَنُ فِيهِ إِنِ احْتِيجَ لِذَلِكَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ (26) .
وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا جَعَل شَخْصٌ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً فَلِكُل أَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِيهَا، سَوَاءٌ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ، وَلاَ فَرْقَ فِي الاِنْتِفَاعِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ حَتَّى جَازَ لِلْكُل الدَّفْنُ فِيهَا (27) .
وَأَمَّا لَوْ شُرِطَ فِي وَقْفِ الْمَقْبَرَةِ اخْتِصَاصُهَا بِطَائِفَةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُمْنَعُ غَيْرُهُمْ مِنَ الدَّفْنِ فِيهَا رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ مَكْرُوهًا.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ تُخْتَصُّ بِهِمْ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ: يَفْسُدُ الْوَقْفُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْوَقْفِ مُطْلَقًا إِنْ جَازَ الشَّرْطُ (28) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ) .
قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَقَابِرِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الْمَقَابِرِ، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ (29) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءُ الْحَاجَةِ ف 24) .
__________
(1) المصباح المنير، والمغرب للمطرزي، والمعجم الوسيط والمجموع 3 / 151، والقليوبي 1 / 195، وكشاف القناع 1 / 293، 294.
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 440، والخانية على هامش الهندية 1 / 29، وعمدة القاري 2 / 351.
(3) جواهر الإكليل 1 / 35.
(4) المجموع 3 / 157، 158، والقليوبي 1 / 159.
(5) كشاف القناع 1 / 294، والإنصاف 1 / 489، 491، ونيل المآرب 1 / 128.
(6) بدائع الصنائع 1 / 315، والمجموع 5 / 268، والمغني 2 / 494، ونيل المآرب 1 / 128.
(7) حاشية ابن عابدين 1 / 605 - 607، والقليوبي وعميرة 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 147.
(8) الفتاوى الهندية 5 / 350.
(9) الشرح الصغير 1 / 564.
(10) ابن عابدين 1 / 229، 606، والفتاوى الهندية 1 / 167، 5 / 351، والمجموع 5 / 312، والقليوبي 1 / 342.
(11) المجموع 5 / 312، وكشاف القناع 2 / 142.
(12) المجموع 5 / 283، وروضة الطالبين 2 / 142، وكشاف القناع 2 / 141.
(13) المجموع 5 / 312، والقليوبي 1 / 349، وروضة الطالبين 2 / 143.
(14) فتح القدير 1 / 472.
(15) ابن عابدين 1 / 599.
(16) الحطاب 6 / 19.
(17) الشرح الصغير 1 / 578.
(18) كشاف القناع 2 / 144.
(19) حديث: أن النبي ﷺ وضع جريدة خضراء بعد أن شقها نصفين على قبر. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 223) ومسلم (1 / 241) من حديث ابن عباس.
(20) حاشية ابن عابدين 1 / 606، والفتاوى الهندية 1 / 167.
(21) حاشية ابن عابدين 1 / 607.
(22) الفتاوى الهندية 5 / 240 و 2 / 473، 474، والفتاوى المهدية 2 / 534.
(23) الفتاوى الهندية 2 / 476.
(24) روضة الطالبين 5 / 362.
(25) الفتاوى الهندية 4 / 10.
(26) حاشية الدسوقي 4 / 91، 92.
(27) روضة الطالبين 5 / 330، 331، والفتاوى الهندية 2 / 466.
(28) روضة الطالبين 5 / 330، 331، والقليوبي 3 / 103، وكشاف القناع 4 / 248، وجواهر الإكليل 2 / 208، والقوانين الفقهية ص 379.
(29) فتح القدير 1 / 472، وحاشية ابن عابدين 1 / 229، ونهاية المحتاج 1 / 139 ط. مصطفى البابي الحلبي، والقليوبي 1 / 41، وكشاف القناع 1 / 64 ط. عالم الكتب.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 346/ 38