التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ أَمْرٍ جَائِزٍ، فِعْلًا، أَوْ حُكْمًا . ومن شواهده قولهم : " وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ، أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي يُمْكِنُ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمُلُوكِ، والْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ."
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِلْكُ لُغَةً - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا -: هُوَ احْتِوَاءُ الشَّيْءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الاِسْتِبْدَادِ بِهِ وَالتَّصَرُّفُ بِانْفِرَادِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ الْمُحْدَثُونَ بِلَفْظِ الْمِلْكِيَّةِ عَنِ الْمِلْكِ، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَبْلَهُمْ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْمِلْكِ.
وَقَدْ عَرَّفَ الْقَرَافِيُّ الْمِلْكَ - بِاعْتِبَارِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا - فَقَال: الْمِلْكُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ، يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مِنَ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ (2) .
وَقَال ابْنُ الشَّاطِ: الْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الإِْنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ، أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ خَاصَّةً (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحَقُّ:
2 - يُطْلَقُ الْحَقُّ لُغَةً عَلَى نَقْضِ الْبَاطِل وَعَلَى الْحَظِّ، وَالنَّصِيبِ، وَالثَّابِتِ وَالْمَوْجُودِ، وَالشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي إِنْكَارُهُ (4) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ الثَّابِتِ الَّذِي يَشْمَل حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ (5) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْمِلْكِ: أَنَّ الْحَقَّ أَعَمُّ مِنَ الْمِلْكِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِلْكِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
حُرْمَةُ الْمِلْكِ فِي الإِْسْلاَمِ
3 - صَانَ الإِْسْلاَمُ الْمِلْكَ، فَحَرَّمَ الاِعْتِدَاءَ عَلَيْهِ، وَالأَْدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} (6) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} (7) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ (8) . وَقَوْلُهُ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِْسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (9) .
قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْقَاعِدَةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَنَّ الْمُلاَّكَ مُخْتَصُّونَ بِأَمْلاَكِهِمْ، لاَ يُزَاحِمُ أَحَدٌ مَالِكًا فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ، ثُمَّ الضَّرُورَةُ تُحْوِجُ مُلاَّكَ الأَْمْوَال إِلَى التَّبَادُل فِيهَا. . . فَالأَْمْرُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ تَحْرِيمُ التَّسَالُبِ وَالتَّغَالُبِ وَمَدِّ الأَْيْدِي إِلَى أَمْوَال النَّاسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ (10) ، وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَالرَّجُل أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (11) .
وَقَدْ جَعَل الإِْسْلاَمُ مِلْكَ الأَْمْوَال اسْتِخْلاَفًا وَمِنْحَةً رَبَّانِيَّةً، لأَِنَّ الْمَالِكَ الْحَقِيقِيَّ لِلأَْمْوَال هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ أَعْطَى لِلإِْنْسَانِ حَقَّ التَّمَلُّكِ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الأَْمْوَال، قَال تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (12) وَقَال تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (13) .
وَالآْيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَقِيل فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّ الأَْمْوَال الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ إِنَّمَا هِيَ أَمْوَال اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ لَهَا، وَإِنَّمَا خَوَّلَكُمُ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَجَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، فَلَيْسَتْ هِيَ بِأَمْوَالِكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَا أَنْتُمْ فِيهَا إِلاَّ بِمَنْزِلَةِ الْوُكَلاَءِ (14) .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فِي الأَْمْوَال حُقُوقًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِلأَْقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ. أَقْسَامُ الْمِلْكِ:
لِلْمِلْكِ أَقْسَامٌ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:
- فَهُوَ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ: إمَّا مِلْكٌ تَامٌّ أَوْ نَاقِصٌ.
- وَبِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ: إِمَّا مِلْكٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ.
- وَبِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ: إِمَّا مِلْكٌ اخْتِيَارِيٌّ أَوْ جَبْرِيٌّ.
- وَبِاعْتِبَارِ احْتِمَال سُقُوطِهِ: إِمَّا مِلْكٌ مُسْتَقِرٌّ أَوْ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.
أ - أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ
4 - يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ إِلَى مِلْكٍ تَامٍّ وَمِلْكٍ نَاقِصٍ.
وَالْمِلْكُ التَّامُّ: هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ: هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَقَطْ، أَوِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، أَوِ الاِنْتِفَاعِ فَقَطْ.
يَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْمِلْكُ التَّامُّ يُمْلَكُ فِيهِ التَّصَرُّفُ فِي الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَيُمْلَكُ التَّصَرُّفُ فِي مَنَافِعِهِ بِالإِْعَارَةِ وَالإِْجَارَةِ وَالاِنْتِفَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (15) .
وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ بَدَل النَّاقِصِ، يَقُول الزَّرْكَشِيُّ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: تَامٌّ وَضَعِيفٌ، فَالتَّامُّ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ، وَالضَّعِيفُ بِخِلاَفِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِل مُصْطَلَحُ النَّاقِصِ أَيْضًا (16) .
ثُمَّ إِنَّ الأَْصْل فِي الْمِلْكِ هُوَ الْمِلْكُ التَّامُّ، وَأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ خِلاَفُ الأَْصْل، كَمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْمِلْكِ هُوَ الاِنْتِفَاعُ بِالأَْشْيَاءِ.
وَلِذَلِكَ جَاءَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ نَاقِصًا، كَأَنْ يُوصِيَ بِمَنْفَعَةِ عَيْنٍ لِشَخْصِ، أَوْ أَنْ يُوصِيَ بِالرَّقَبَةِ لِشَخْصِ وَبِمَنْفَعَتِهَا لآِخَرَ (17) .
أَمَّا مِلْكُ الْمَنَافِعِ: فَهُوَ مشَاعٌ، وَيَتَحَقَّقُ فِي الإِْجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَالإِْعَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، وَالْوَقْفِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، وَالأَْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ الْمُقَرَّةِ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ بِالْخَرَاجِ.
وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَا عَدَا ابْنَ شُبْرُمَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى (18) .
أَمَّا مِلْكُ الاِنْتِفَاعِ: فَقَدْ ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيل أَحْكَامِهِ.
فَقَدْ قَسَّمَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ الْمِلْكَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: مِلْكِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ، وَمِلْكِ عَيْنٍ بِلاَ مَنْفَعَةٍ، وَمِلْكِ مَنْفَعَةٍ بِلاَ عَيْنٍ، وَمِلْكِ انْتِفَاعٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، ثُمَّ قَال:
أَمَّا النَّوْعُ الأَْوَّل: فَهُوَ عَامَّةُ الأَْمْلاَكِ الْوَارِدَةِ عَلَى الأَْعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِالأَْسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا، مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مَنْفَعَةٍ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عَيْنٍ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالاِتِّفَاقِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
الضَّرْبُ الأَْوَّل: مِلْكٌ مُؤَبَّدٌ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ، وَمِنْهَا الْوَقْفُ، فَإِنَّ مَنَافِعَهُ وَثَمَرَاتِهِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. . . وَمِنْهَا الأَْرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِلْكٌ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ، فَمِنْهُ الإِْجَارَةُ، وَمِنْهُ مَنَافِعُ الْبَيْعِ الْمُسْتَثْنَاةُ فِي الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: مِلْكُ الاِنْتِفَاعِ الْمُجَرَّدِ، وَلَهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا مِلْكُ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الاِنْتِفَاعَ لاَ الْمَنْفَعَةَ، إِلاَّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ.
وَمِنْهَا: الْمُنْتَفِعُ بِمِلْكِ جَارِهِ مِنْ وَضْعِخَشَبٍ، وَمَمَرٍّ فِي دَارٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدِ صُلْحٍ فَهُوَ إِجَارَةٌ.
وَمِنْهَا: إِقْطَاعُ الإِْرْفَاقِ كَمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْهَا: الطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْل حِيَازَتِهِ يَمْلِكُ الْقَائِمُونَ الاِنْتِفَاعَ بِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقِيَاسُهُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَةِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا أَكْل الضَّيْفِ لِطَعَامِ الْمُضِيفِ فَإِنَّهُ إِبَاحَةٌ مَحْضَةٌ (19) .
وَقَدْ فَصَّل الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مِلْكِ الاِنْتِفَاعِ، وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَقَال: فَتَمْلِيكُ الاِنْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَل، فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالإِْجَارَةِ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَةِ.
وَمِثَال الأَْوَّل - أَيِ الاِنْتِفَاعِ - سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَجَالِسِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالأَْسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ. . . أَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا، أَوِ اسْتَعَارَهَا، فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يُسْكِنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَيَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي أَمْلاَكِهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِل تَدْخُل فِي مِلْكِ الاِنْتِفَاعِ وَهِيَ:
الأُْولَى: النِّكَاحُ حَيْثُ هُوَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الاِنْتِفَاعِ، وَلَيْسَ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ.
الثَّانِيَةُ: الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الاِنْتِفَاعِ لاَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الإِْجَارَةِ.
الثَّالِثَةُ: الْقِرَاضُ (الْمُضَارَبَةُ) وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ، فَرَبُّ الْمَال فِيهَا يَمْلِكُ مِنَ الْعَامِل الاِنْتِفَاعَ لاَ الْمَنْفَعَةَ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنَ الْعَامِل مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يُؤَاجِرُهُ مِمَّنْ أَرَادَ، بَل يَقْتَصِرُ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا وَقَفَ شَخْصٌ وَقْفًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ إِنَّمَا مَلَكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الاِنْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ، وَلاَ يُسْكِنَهُ (20) .
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَمِلْكِ الاِنْتِفَاعِ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَقَالُوا: مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ الإِْجَارَةُ وَالإِْعَارَةُ، وَمَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ فَلَيْسَ لَهُ الإِْجَارَةُ قَطْعًا، وَلاَ الإِْعَارَةَ فِي الأَْصَحِّ (21) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ حَوْل بَعْضِ الْمَسَائِل الَّتِي تَدْخُل عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي مِلْكِ الاِنْتِفَاعِ وَلاَ تَدْخُل فِيهِ عِنْدَ الآْخَرِينَ، بَل تَدْخُل فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، مِثْل الْعَارِيَةِ. . . حَيْثُ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا الْكَرْخِيَّ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي رَأْيٍ إِلَى أَنَّ الْعَارِيَةَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِذَلِكَ أَجَازُوا لِلْمُسْتَعِيرِ إِعَارَةَ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِالْقُيُودِ الَّتِي وَضَعَهَا الْفُقَهَاءُ (22) .
الْفُرُوقُ الْجَوْهَرِيَّةُ بَيْنَ الْمِلْكِ التَّامِّ وَالْمِلْكِ النَّاقِصِ
5 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْكَرْخِيُّ إِلَى أَنَّ الإِْعَارَةَ تَمْلِيكٌ لِلاِنْتِفَاعِ (23) .
وَتُوجَدُ فُرُوقٌ جَوْهَرِيَّةٌ بَيْنَ الْمِلْكِ التَّامِّ وَالْمِلْكِ النَّاقِصِ، تَلْخِيصُهَا فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: إِنَّ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ التَّامِّ الْحَقَّ فِي إِنْشَاءِ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ عُقُودٍ نَاقِلَةٍ لِلْمِلْكِ التَّامِّ، أَوِ النَّاقِصِ، فَهُوَ حُرُّ التَّصَرُّفِ فِي حُدُودِ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ، أَمَّا صَاحِبُ الْمِلْكِ النَّاقِصِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فِي كُل التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فِي حُدُودِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَعًا.
ثَانِيًا: تَأْبِيدُ الْمِلْكِ التَّامِّ: وَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ التَّامَّ دَائِمٌ وَمُسْتَمِرٌّ لاَ يَنْتَهِي إِلاَّ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ قَاطِعٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَأْقِيتُهُ، وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَأْقِيتُ الْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِ التَّامِّ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَال: بِعْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، إِلاَّ إِذَا قَصَدَ بِهَا الإِْجَارَةَ فَيُحْمَل عَلَيْهَا مِنْ بَابِ: إِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِالْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لاَ بِالأَْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي (24)
وَأَمَّا الْمِلْكُ النَّاقِصُ فَالْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمَنَافِعِ فِيهَا لاَ بُدَّ مِنْ تَأْقِيتِهَا مِثْل الإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَهِيَ تَقْبَل التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِ الاِنْتِفَاعِ (25) . ب - أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ 6 - يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَفِيدِ مِنْهُ إِلَى مِلْكٍ خَاصٍّ، وَإِلَى مِلْكٍ عَامٍّ، فَالْمِلْكُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْدًا أَمْ جَمَاعَةً.
وَأَمَّا الْمِلْكُ الْعَامُّ فَهُوَ الْمِلْكُ الَّذِي لاَ يَخْتَصُّ بِهِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ لاَ عَلَى التَّعْيِينِ، كَمِلْكِ الْمَاءِ وَالْكَلأَِ وَالنَّارِ، لِقَوْل الرَّسُول ﷺ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءٌ فِي ثَلاَثٍ فِي الْكَلأَِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ (26) .
ج - أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ 7 - يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ إِلَى مِلْكٍ اخْتِيَارِيٍّ أَوْ قَهْرِيٍّ.
يَقُول الزَّرْكَشِيُّ: الْمِلْكُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَحْصُل قَهْرًا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَمَنَافِعِ الْوَقْفِ.
وَالثَّانِي: يَحْصُل بِالاِخْتِيَارِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالأَْقْوَال، وَيَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبُيُوعِ، وَفِي غَيْرِهَا كَالْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا، وَالْوُقُوفِ إِذَا اشْتَرَطْنَا الْقَبُول. وَالثَّانِي: يَحْصُل بِالأَْفْعَال كَتَنَاوُل الْمُبَاحَاتِ كَالاِصْطِيَادِ وَالإِْحْيَاءِ.
ثُمَّ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَهُمَا فَقَال: وَمِمَّا يَتَخَالَفَانِ فِيهِ - أَعْنِي الاِخْتِيَارِيَّ وَالْقَهْرِيَّ - أَنَّ الاِخْتِيَارِيَّ يُمْلَكُ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَأَمَّا الْقَهْرِيُّ كَالأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلاَ يُمْلَكُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، أَوْ يَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ يَحْصُل بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا فِي أَمْوَال الْكُفَّارِ، بِخِلاَفِ الاِخْتِيَارِيِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ هَل يُشْرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهَا؟ خِلاَفٌ - كَمَا فِي الشُّفْعَةِ، يُؤْخَذُ الشِّقْصُ الَّذِي لَمْ يَرَهُ - عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالاِخْتِيَارِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَطْعًا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي الاِخْتِيَارِيِّ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا الصَّيْدُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، وَلاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالاِخْتِيَارِ (27) .
وَقَال الْقَرَافِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَل الأَْسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى أَمِ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى؟ فَقِيل: الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى، وَقِيل: الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى.
وَقَدْ بَيَّنَ الْقَرَافِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ فَقَال: الأَْسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ. فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِالاِصْطِيَادِ، وَالأَْرْضَ بِالإِْحْيَاءِ، فِي حِينٍ لاَ يَمْلِكُ إِنْشَاءَ عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الأَْسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ تَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَيْهِ، أَمَّا الأَْسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ، فَقَدْ تَعُودُ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ، كَمَا أَنَّ فِيهَا طَرَفًا آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إِلَى الْغَبْنِ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْعَقْل، فَلاَ يَسْتَطِيعُ تَحْقِيقَ مَصْلَحَتِهِ (28) .
د - أَقْسَامُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ
8 - يَنْقَسِمُ الْمِلْكُ - بِاعْتِبَارِ احْتِمَال سُقُوطِهِ وَعَدَمِهِ - إِلَى نَوْعَيْنِ هُمَا:
الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ الَّذِي لاَ يَحْتَمِل السُّقُوطَ بِتَلَفِ الْمَحِل، أَوْ تَلَفِ مُقَابِلِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُول.
وَالْمِلْكُ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّ الَّذِي يَحْتَمِل ذَلِكَ كَالأُْجْرَةِ قَبْل اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَالثَّمَنِ قَبْل قَبْضِ الْمَبِيعِ (29) .
أَسْبَابُ الْمِلْكِ:
9 - لِلْمِلْكِ أَسْبَابُهُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِهِ
ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأَْشْبَاهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ هِيَ:
الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالأَْمْهَارُ، وَالْخُلْعُ، وَالْمِيرَاثُ، وَالْهِبَاتُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْمُبَاحِ، وَالإِْحْيَاءُ، وَتَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بِشَرْطِهِ، وَدِيَةُ الْقَتِيل يَمْلِكُهَا أَوَّلاً ثُمَّ تَنْتَقِل إِلَى الْوَرَثَةِ، وَمِنْهَا الْغُرَّةُ يَمْلِكُهَا الْجَنِينُ فَتُورَثُ عَنْهُ، وَالْغَاصِبُ إِذَا فَعَل بِالْمَغْصُوبِ شَيْئًا أَزَال بِهِ اسْمَهُ وَعِظَمَ مَنَافِعِهِ مَلَكَهُ، وَإِذَا خُلِطَ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِيٍّ بِحَيْثُ لاَ يَتَمَيَّزُ مِلْكُهُ.
وَذَكَرَ الْحَصْكَفِيُّ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ ثَلاَثَةٌ:
نَاقِلٌ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ، وَخِلاَفَةٌ كَإِرْثٍ، وَأَصَالَةٌ وَهُوَ الاِسْتِيلاَءُ حَقِيقَةً بِوَضْعِ الْيَدِ، أَوْ حُكْمًا بِالتَّهْيِئَةِ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِصَيْدِ (30) .
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ نَقْلاً عَنِ الْكِفَايَةِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ ثَمَانِيَةٌ: الْمِيرَاثُ، وَالْمُعَاوَضَاتُ، وَالْهِبَاتُ، وَالْوَصَايَا، وَالْوَقْفُ، وَالْغَنِيمَةُ، وَالإِْحْيَاءُ، وَالصَّدَقَاتُ.
قَال ابْنُ السُّبْكِيِّ: وَبَقِيَتْ أَسْبَابٌ أُخَرُ، مِنْهَا: تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بِشَرْطِهِ، وَمِنْهَا: دِيَةُ الْقَتِيل يَمْلِكُهَا أَوَّلاً ثُمَّ تُنْقَل لِوَرَثَتِهِ عَلَى الأَْصَحِّ، وَلِذَلِكَ يُوَفَّى مِنْهَا دَيْنُهُ، وَمِنْهَا: الْجَنِينُ، الأَْصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْغُرَّةَ، وَمِنْهَا: خَلْطُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ، أَوْ بِمَال آخَرَ لاَ يَتَمَيَّزُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِلْكَهُ إِيَّاهُ، وَمِنْهَا: الصَّحِيحُ أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا يَأْكُلُهُ، وَهَل يُمْلَكُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي الْفَمِ، أَوْ بِالأَْخْذِ، أَوْ بِالاِزْدِرَادِ يَتَبَيَّنُ حُصُول الْمِلْكِ قَبِيلَهُ؟ أَوْجُهٌ (31) .
الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمِلْكِ:
تَرِدُ عَلَى الْمِلْكِ قُيُودٌ تَتَعَلَّقُ إِمَّا بِالأَْسْبَابِ أَوْ بِالاِسْتِعْمَال أَوْ بِالاِنْتِقَال، وَكَذَلِكَ الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ وَلِلْمُتَعَاقِدِ.
أَوَّلاً - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى أَسْبَابِ الْمِلْكِ
10 - تَظْهَرُ هَذِهِ الْقُيُودُ مِنْ خِلاَل كَوْنِ أَسْبَابِ كَسْبِ الْمِلْكِ فِي الشَّرِيعَةِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً، وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَلِذَلِكَ فَالْوَسَائِل الْمُحَرَّمَةُ مِنْ سَرِقَةٍ، وَغَصْبٍ، أَوِ اسْتِغْلاَلٍ، أَوْ قِمَارٍ، أَوْ رِبًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، حَيْثُ قَطَعَتِ الشَّرِيعَةُ الطَّرِيقَ بَيْنَ الأَْسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمِلْكِ، وَمَنَعَتْهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَطَالَبَتِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ الآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (32) . حَيْثُ مَنَعَ أَكْل أَمْوَال النَّاسِ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الرِّضَا وَالإِْرَادَةِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَكْل الطَّيِّبَاتِ فَقَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (33) .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَل إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (34) ، وَقَال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (35) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ (36) .
ثَانِيًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِعْمَال الْمِلْكِ 11 - وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ قُيُودًا عَلَى الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الاِسْتِعْمَال فَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَالِكِ:
أ - أَنْ لاَ يَكُونَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا، وَلاَ مُقَتِّرًا بَخِيلاً، قَال تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيل وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (37) وَقَال سُبْحَانَهُ {وَلاَ تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (38) .
وَالآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَجَال كَثِيرَةٌ تَدُل عَلَى حُرْمَةِ الإِْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَال بِدُونِ فَائِدَةٍ حَتَّى فِي مَجَال الأَْكْل، يَقُول مُحَمَّدٌ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْحَاصِل أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنَ الْحَلاَل الإِْفْسَادُ، وَالسَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ. . . ثُمَّ السَّرَفُ فِي الطَّعَامِ أَنْوَاعٌ: وَمِنْهُ الاِسْتِكْثَارُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالأَْلْوَانِ (39) .
ب - أَلاَّ يَسْتَعْمِل الْمَالِكُ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَال وَاسْتِعْمَال الذَّهَبِ لَهُمْ وَاسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ
ج - وُجُوبُ الاْسْتِنْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِ تَعْطِيل الأَْمْوَال حَتَّى تُؤَدِّيَ دَوْرَهَا فِي التَّدَاوُل وَالتَّعْمِيرِ، تَدُل عَلَى ذَلِكَ الآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُطَالِبُ بِالْعَمَل وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ بِصِيَغِ الأَْوَامِرِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَل لَكُمُ الأَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (40) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (41) وَمِنَ الأَْحَادِيثِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلاَ يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ (42) . كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَا لاَ تَتِمُّ مَصَالِحُ الأُْمَّةِ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصَّنَائِعَ وَالتِّجَارَةَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لأَِنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَا، وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا، وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إِهْلاَكِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا (43) .
وَقَال مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ (44) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِنْمَاءٌ ف 10 - 17) .
د - عَدَمُ الإِْضْرَارِ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِلْكَهُ أَنْ يَقْصِدَ الإِْضْرَارَ بِالْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (45) وَهَذَا يَدُل عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الإِْضْرَارِ بِأَحَدٍ لاَ فِي مَالِهِ، وَلاَ فِي نَفْسِهِ وَلاَ فِي عِرْضِهِ.
وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ وَالإِْتْلاَفِ بِالإِْتْلاَفِ، فَكُل تَصَرُّفٍ - وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ - يُمْنَعُ إِذَا أَدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ بِالآْخَرِينَ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكَ مِنْ إِشْعَال النَّارِ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، مَا دَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِحْرَاقُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَال الْجِيرَانِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (46) .
12 - وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ الْجَارِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الإِْضْرَارُ بِالْجَارِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ مَا دَامَ فِيهِ قَصْدُ الإِْضْرَارِ، أَوْ كَانَ الضَّرَرُ فَاحِشًا، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ فَيُمْنَعُ، وَغَيْرُ الْفَاحِشِ الَّذِي لاَ يُمْنَعُ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (47) .
وَكَمَا مَنَعَتِ الشَّرِيعَةُ الإِْضْرَارَ بِالأَْفْرَادِ مَنَعَتِ الإِْضْرَارَ بِالْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَتِ الاِحْتِكَارَ وَالرِّبَا، وَالْمُتَاجَرَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْفَسَادِ.
ثَالِثًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عِنْدَ انْتِقَال الْمِلْكِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لاِنْتِقَال الْمِلْكِ شُرُوطًا وَضَوَابِطَ، وَجَعَلَتِ الشَّرِيعَةُ وَسَائِل الاِنْتِقَال - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ - فِي الرِّضَا وَالإِْرَادَةِ، بَل اشْتَرَطَتْ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا غَيْرَ مَشُوبٍ بِعُيُوبِ الرِّضَا وَعُيُوبِ الإِْرَادَة، مِنَ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالاِسْتِغْلاَل وَالإِْكْرَاهِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (48) ، وَلِقَوْل الرَّسُول ﷺ: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ (49) ، وَقَوْلِهِ: لاَ يَحِل مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ (50) .
وَلِلتَّفْصِيل ر: مُصْطَلَحَ (رِضًا ف 13 وَمَا بَعْدَهَا) .
كَذَلِكَ حَدَّدَ الْفُقَهَاءُ إِرَادَةَ الْمَالِكِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ عَطَاءً وَهِبَةً، أَوْ مُحَابَاةً، أَوْ وَصِيَّةً (51) .
ر: مُصْطَلَحَ (مَرَضُ الْمَوْتِ) .
وَقَدْ قَيَّدَتِ الشَّرِيعَةُ إِرَادَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ مِنْ شَأْنُهَا الضَّرَرُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُرَاجَعُ فِيهِ مُصْطَلَحُ: (حَجْرٌ، سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا) . وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جَمِيعَ أَمْوَال الْمَيِّتِ تَنْتَقِل إِلَى الْوَرَثَةِ حَسَبَ قَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ، كَمَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ تُنَفَّذُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَنْتَقِل إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِمْ.
وَلِلتَّفْصِيل يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (إِرْثٌ ف 14، وَصِيَّةٌ) .
رَابِعًا - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ:
أَعْطَتِ الشَّرِيعَةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ وَلِيَّ الأَْمْرِ حَقَّ وَضْعِ قُيُودٍ عَلَى الْمِلْكِ وَمِنْ ذَلِكَ:
الأَْوَّل - تَقْيِيدُ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
14 - تُقِرُّ الشَّرِيعَةُ الْمِلْكَ لِلأَْفْرَادِ وَتَحْمِيهِ وَتَصُونَهُ، وَمِعْيَارُ تَقْيِيدِهِ فِيهَا يَقُومُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لاَ تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ، يَقُول الشَّاطِبِيُّ: لأَِنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ (52) .
فَحَقُّ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِصَاحِبِهِ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا يَشَاءُ، إِلاَّ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مَصُونٌ وَمُحَافَظٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، فَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الآْخَرِينَ قَيْدٌ عَلَى اسْتِعْمَال الْحُقُوقِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، يَقُول الشَّاطِبِيُّ: لأَِنَّ طَلَبَ الإِْنْسَانِ لِحَظِّهِ حَيْثُ أُذِنَ لَهُ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ (53) .
وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْعِ الْعَامِّ.
الثَّانِي - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ:
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مَا يَلِي:
أ - إِحْيَاءُ الأَْرْضِ الْمَوَاتِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَمَلُّكِ الأَْرْضِ الْمَوَاتِ بِالإِْحْيَاءِ دُونَ إِذْنِ الإِْمَامِ، أَوْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإِْمَامِ لِتَمَلُّكِهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الإِْحْيَاءِ إِذْنُ الإِْمَامِ.
وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 14) .
ب - تَمَلُّكُ الْمَعَادِنِ
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَامِدَةً أَمْ سَائِلَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ فِي بَاطِنِ الأَْرْضِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِلْكًا خَاصًّا أَمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ مِلْكٌ لِلدَّوْلَةِ (جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) تَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ بِتَأْجِيرِهَا لِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ إِقْطَاعِهَا لاَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ (54) .
وَكَذَلِكَ الأَْمْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ، حَيْثُ لاَ تُمْلَكُ عِنْدَهُمْ بِالإِْحْيَاءِ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ، فَلاَ تُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 29)
ج - الْحِمَى:
17 - الْحِمَى حَيْثُ هُوَ قَيْدٌ عَلَى الإِْحْيَاءِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا لأَِنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْل الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ وَإِبِل الصَّدَقَةِ وَضَوَال النَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ. ثُمَّ إِنَّ الْحِمَى نَفْسَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّوَسُّعُ فِيهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 21، وَحِمًى ف 6) .
الثَّالِثُ - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ:
لِوَلِيِّ الأَْمْرِ الْحَقُّ فِي تَقْيِيدِ تَصَرُّفَاتِ الْمَالِكِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ دُونَ ضَرَرٍ وَلاَ ضِرَارٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ - التَّسْعِيرُ:
18 - التَّسْعِيرُ هُوَ تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلنَّاسِ سِعْرًا وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِمَا قَدَّرَهُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْصْل فِي التَّسْعِيرِ هُوَ الْحُرْمَةُ، أَمَّا جَوَازُ التَّسْعِيرِ فَمُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَسْعِيرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - الاِحْتِكَارُ:
19 - الاِحْتِكَارُ هُوَ شِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ، وَحَبْسُهُ إِلَى الْغَلاَءِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِكَارَ بِالْقُيُودِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ مَحْظُورٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الإِْضْرَارِ بِالنَّاسِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَاتَّفَقُواعَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِإِخْرَاجِ مَا احْتَكَرَ إِلَى السُّوقِ وَبَيْعِهِ لِلنَّاسِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ ف 12) .
مَدَى سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ
20 - لِلدَّوْلَةِ الْحَقُّ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ اسْتِثْنَاءً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ وَاضْطُرَّ النَّاسُ إِلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ (55) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً - اسْتِمْلاَكُ الأَْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا لأَِجْل الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ:
21 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ فَيَجُوزُ تَوْسِعَتُهُ عَلَى حِسَابِ الأَْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا وَكَذَلِكَ الأَْمْرُ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى شَقِّ طُرُقٍ عَامَّةٍ أَوْ تَوْسِعَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْوِيضٍ عَادِلٍ يَقُومُ بِتَقْدِيرِهِ ذَوُو الْخِبْرَةِ.
وَقَدْ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ: لَدَى الْحَاجَةِ يُؤْخَذُ مِلْكُ كَائِنٍ مَنْ كَانَ بِالْقِيمَةِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَيُلْحَقُ بِالطَّرِيقِ، لَكِنْ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ لَهُ الثَّمَنَ (56) ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرَضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبِفِعْل عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي تَوْسِيعِهِ مَسْجِدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ (57) .
ثَانِيًا - نَزْعُ الْمِلْكِيَّةِ لأَِجْل مَصْلَحَةِ الأَْفْرَادِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ فَرْدِيَّةٌ مَعَ مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تُقَدِّمُ أَقْوَاهُمَا وَأَوْلاَهُمَا بِالاِعْتِبَارِ وَأَكْثَرِهِمَا دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَتِ الشَّرِيعَةُ نَزْعَ الْمِلْكِ الْخَاصِّ، أَوِ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ لأَِجْل مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ، مِنْهَا:
أ - الشُّفْعَةُ:
23 - الشُّفْعَةُ لُغَةً: الضَّمُّ، وَشَرْعًا: تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلاَّ فَبِقِيمَتِهِ (58) .
وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ لِلشَّرِيكِ بِالاِتِّفَاقِ، وَلِلْجَارِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُهُمُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ، فِي حِينِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ (59) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شُفْعَةٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - بَيْعُ أَمْوَال الْمَدِينِ لِصَالِحِ الدَّائِنِ جَبْرًا عَلَيْهِ 24 - أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مَا عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ - بَيْعَ أَمْوَال الْمَدِينِ لأَِدَاءِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ مَا دَامَ لَهُ مَالٌ، حَيْثُ يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْقَاضِي مَالَهُ وَيُوَزِّعُهُ عَلَيْهِمْ حَسَبَ حِصَصِ دُيُونِهِمْ إِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ عَنْ بَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَل جَمِيعَ الدُّيُونِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ دُيُونَ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ تَعْوِيضٍ (60) .
ج - بَيْعُ الْمَرْهُونِ لأَِدَاءِ الدَّيْنِ 25 - لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الرَّاهِنَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ، فَإِنْ أَبَى يَقُومُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رَهْنٌ ف 24) .
د - الأَْشْيَاءُ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ:
26 - يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ إِذَا طَلَبَ الْبَيْعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الأَْشْيَاءِ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ فَإِذَا امْتَنَعَ بَاعَ عَنْهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِالطَّالِبِ، لأَِنَّهُ إِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا نَقَصَ ثَمَنُهُ (61) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير.
(2) الفروق 3 / 209.
(3) إدرار الشروق على أنواء الفروق بهامش الفروق 3 / 209.
(4) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير.
(5) الموافقات للشاطبي 2 / 218 - 219 ط دار المعرفة بيروت، وتيسير التحرير، 2 / 175 ط الحلبي، وكشف الأسرار 4 / 136 ط دار الكتاب العربي، وشرح التلويح 2 / 140 ط الحلبي، وقواعد ابن رجب ص 188 - 195 ط الكليات الأزهرية.
(6) سورة البقرة / 188.
(7) سورة النساء / 29.
(8) حديث: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 7 - 8) ومسلم (3 / 1305 - 1306) من حديث أبي بكرة.
(9) حديث: " أمرت أن أقاتل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 75) من حديث ابن عمر.
(10) الغياثي لإمام الحرمين ص 494 - 495، تحقيق د. عبد العظيم الديب. ط قطر.
(11) مجموع الفتاوى 29 / 189 ط الرياض.
(12) سورة الحديد / 7.
(13) سورة النور / 33.
(14) تفسير الكشاف للزمخشري 4 / 61 ط مصطفى الحلبي.
(15) مجموع الفتاوى 29 / 178.
(16) المنثور 3 / 238.
(17) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 351، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 379، والقواعد لابن رجب ص 195 - 196.
(18) المصادر السابقة.
(19) القواعد لابن رجب ص 208 - 210.
(20) الفروق للقرافي 1 / 187 - 188، وتهذيب الفروق بهامش الفروق 1 / 193 - 195 ط دار المعرفة بيروت.
(21) حاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 452 - 453 ط المكتبة التجارية بمصر، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 326.
(22) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 352، والبحر الرائق 7 / 280، والفروق للقرافي 1 / 187، وشرح حدود ابن عرفة ص 345، وكشاف القناع 2 / 336، والإنصاف 6 / 114، وحاشية الجمل 3 / 452 - 453.
(23) المصادر السابقة نفسها، وتحفة المحتاج 5 / 413.
(24) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 9، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 27.
(25) حاشية ابن عابدين 5 / 3، 19، والشرح الكبير مع الدسوقي 4 / 2، والغاية القصوى للبيضاوي 2 / 619 ط دار الإصلاح، والمغني لابن قدامة 5 / 434.
(26) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 751) من حديث رجل من المهاجرين
(27) المنثور في القواعد 3 / 231 - 233.
(28) الفروق 1 / 204.
(29) المنثور 3 / 240.
(30) الأشباه لابن نجيم ص 346، وحاشية ابن عابدين 5 / 298.
(31) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 317، وأشباه ابن نجيم ص 346 - 350.
(32) سورة النساء / 29.
(33) سورة البقرة / 172.
(34) سورة المؤمنون / 51.
(35) سورة البقرة / 172.
(36) حديث: " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. . . ". أخرجه مسلم (2 / 703) .
(37) سورة الإسراء / 26 - 27.
(38) سورة الإسراء / 29.
(39) الكسب للشيباني، تحقيق د. سهيل زكار، ط دمشق ص 79 - 82.
(40) سورة الملك / 15.
(41) سورة الجمعة / 10.
(42) حديث: " من ولي يتيمًا له مال. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 24) من حديث عبد الله بن عمرو، ثم قال: في إسناده مقال، لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث.
(43) مغني المحتاج 4 / 213، وإحياء علوم الدين 1 / 17، وتيسير التحرير 2 / 213.
(44) الكسب ص 44، 63.
(45) حديث: " لا ضرر ولا ضرار. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 745) من حديث يحيى المازني مرسلاً، وذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2 / 208 - 211) طرقه وخرجها، ونقل عن ابن الصلاح أنه حسنه لطرقه.
(46) المبسوط للسرخسي (15 / 12) ، وفتح القدير 5 / 506، وحاشية ابن عابدين 5 / 443، ونهاية المحتاج 5 / 327، والقوانين الفقهية ص 370، والمغني لابن قدامة 4 / 388.
(47) المراجع السابقة.
(48) سورة النساء / 29.
(49) حديث: " إنما البيع عن تراض. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 737) من حديث أبي سعيد الخدري، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 10) .
(50) حديث: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا ما أعطاه من طيب نفس ". أخرجه البيهقي (6 / 97) من حديث ابن عباس.
(51) فتح القدير مع العناية 3 / 155، وجامع الفصولين 2 / 183، وشرح التلويح على التوضيح 2 / 350، وتيسير التحرير 2 / 277، والبحر الرائق 4 / 50، وحاشية ابن عابدين 3 / 383، وبدائع الصنائع 4 / 2070، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 306، وبلغة السالك لأقرب المسالك 2 / 642، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 276، وشرح الخرشي 5 / 304، والأم للشافعي 4 / 35، والمختصر 3 / 217، وروضة الطالبين 7 / 387، 8 / 72، والمغني لابن قدامة 6 / 84.
(52) الموافقات 1 / 30.
(53) الموافقات 3 / 247.
(54) المقدمات الممهدات لابن رشد 1 / 225، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 486، وبلغة السالك 1 / 229.
(55) الزواجر 1 / 189.
(56) المادة 1216، وانظر: البهجة شرح التحفة 2 / 76، وشرح مجلة الأحكام العدلية للآتاسي 4 / 158.
(57) ابن عابدين 4 / 379، ومواهب الجليل 4 / 253، ومختصر المزني 2 / 309، والطرق الحكمية ص 259 مطبعة السنة المحمدية، والأحكام السلطانية للماوردي ص 245.
(58) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 5 / 137 - 138.
(59) شرح العناية على الهداية مع تكملة فتح القدير 7 / 406، 408، والبحر الرائق 8 / 143، وحاشية ابن عابدين 5 / 137، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 473، وحاشية العدوي 2 / 229، والأم 3 / 231، وفتح العزيز 11 / 364 - 382، ونهاية المحتاج 5 / 197، والغاية القصوى 2 / 597، والمغني لابن قدامة 5 / 308.
(60) حاشية ابن عابدين 6 / 147، وبدائع الصنائع 9 / 4472، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 264، وبداية المجتهد 2 / 284، والروضة 4 / 127، وتحفة المحتاج 5 / 119، والمغني لابن قدامة 4 / 453، والروض المربع 5 / 162.
(61) القواعد لابن رجب ص 32 - 33، وتبصرة الحكام 2 / 216.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 31/ 39
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".