التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تَعِسَ عَبْدُ الدرهم، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَة، تعس عَبْدُ الخَمِيلَة، إن أُعْطِيَ رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتَقَشَ، طُوبَى لعبد آخذ بعِنَانِ فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مُغْبَرَّةً قدماه، إن كان في الحِرَاسَةِ كان في الحِرَاسَةِ، وإن كان في السَّاقَةِ كان في السَّاقَةِ، إن استأذن لم يُؤْذَنْ له، وإن شَفَعَ لم يُشَفَّعْ".
[صحيح.] - [رواه البخاري. ملحوظة: أول الحديث في كتاب التوحيد يخالف ما في صحيح البخاري، لفظ البخاري: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ)، وليس في مصادر التخريج ذكر الخميلة، لكن عند ابن الأعرابي في معجمه (2 /455 ح890) وأبي الشيخ الأصبهاني في أمثال الحديث (ص: 154 ح116): (عبد الحُلة). ]
في هذا الحديث بيَّن رسول الله ﷺ أن من الناس من تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، وهدفه الأول والأخير، وأن من كانت هذه حالته سيكون مصيره الهلاك والخسران، وعلامة هذا الصنف من الناس حرصه الشديد على الدنيا، فإن أُعْطِيَ منها رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ منها سَخِطَ. ومنهم من هدفه رضا الله والدار الآخرة، فلا يتطلع إلى جاه ولا يطلب شهرة، إنما يقصد بعمله طاعة الله ورسوله، وعلامة هذا الصنف من الناس عدم الاهتمام بمظهره، ورضاه بالمكان الذي يوضع فيه، وهوانه على الناس، وابتعاده عن ذوي المناصب والهيئات، فإن استأذن عليهم لم يُؤْذَنْ له، وإن شفع عندهم لم يُشَفِّعُوه، لكن مصيره الجنة، ونَعِمَ الثواب.
تعس | هلك وشَقِيَ. |
عبد الدينار | الدينار: هو المعروف من الذّهب، كالـمِثْقال في الوزن، أو هو: النقد من الذهب، والدينار الإسلامي زنته مثقال. |
عبد الدرهم | الدرهم هو النقد من الفضة، وزنة الدرهم الإسلامي سبعة أعشار المثقال، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل. |
الخميصة | ثوب من خَزٍّ أو صوف مُعَلَّمٍ، كانت من لباس النّاس قديمًا، والخَزُّ: نسيج من حرير خالص، أو من حرير وصوف. |
الخميلة | القطيفة، وهي نسيج له وَبَر. |
سخط | غَضِب ولم يرض. |
رضي | الرضا: هو الاختيار والقَبُول والمحبّة. |
انتكس | أي: خاب وخسر، والانتكاس في الأصل: عَوْدَة المرض بعد الشفاء منه. |
وإذا شيك فلا انتقش | إذا أصابته شوكة فلا يجد من يخرجها، والمقصود هنا إذا وقع في البلاء لا يجد من يترحم عليه أو يعطف عليه أو يساعده. |
طوبى | اسم للجنة، أو شجرة فيها. |
عنان | سير اللِّجَامِ الذي يُمْسَكُ به الفرس ونحوه كي يُتَحَكَّم في سيره. |
في سبيل الله | أي: يجاهد المشركين؛ لإعلاء كلمة الله. |
أشعث رأسه | ثائر الرأس شغلَه الجهاد عن التنعم بالادِّهان وتسريح الشعر. |
مُغْبَرَّةٌ قدماه | ملازم له الغُبار؛ لكثرة جهاده ومصابرته في سبيل الله، بخلاف الـمُتْرَفِينَ الـمُتَنَعِّمِينَ. |
إن كان في الحراسة كان في الحراسة | إن وُكِلَ إليه حراسة الجيش والمحافظة عليه امتَثَل ذلك، ولم يُقَصِّر بنوم أو غيره. |
إن كان في الساقة كان في الساقة | إن جُعِل في مُؤَخِّرة الجيش صار فيها ولَزِمَها. |
استأذن لم يؤذن له | الاستئذان: طلب الإذن بالشيء. |
وإن شفع لم يشفع | وإن تَوَسَّط لأحد عند الملوك ونحوهم لم تُقْبَلْ وَسَاطَته؛ لهوانه عليهم، والشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".