البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

محبة الدنيا

الآيات الواردة في القرآن العزيز بعيب الدنيا، والتزهيد فيها، وضرب الأمثال لها كثيرة كقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ [آل عمران: 14 - 15]، وقوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]، وقوله: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ الآية [يونس: 24]، وقوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾ [الحديد: 20]، وقوله: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 35]، وقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [النجم: 29، 30]. وأما الأحاديث، ففى "الصحيحين" من رواية المستور بن شداد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع؟ ". وفى حديث آخر: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" رواه مسلم. وفى حديث آخر: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء". رواه الترمذي وصححه. وفى حديث آخر: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها". وروى أبو موسى، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " من أحب دنياه، أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما بقى على ما يفنى". وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز في ذم الدنيا كتاباً طويلاً فيه: أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار مقام، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها، كالسم يأكله من لا يعرفها وهو حتفه، فاحذر هذه الدار الغرورة الخيالة الخادعة، وكن آثر ما تكون فيها، أحذر ما تكون لها، سرورها مشوب بالحزن، وصفوها مشوب بالكدر، فلو كان الخالق لم يخبر عنه خبراً، ولم يضرب له مثلاً لكانت قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل، فكيف وقد جاء من الله عز وجل وعنه زاجر، وفيها واعظ، فما لها عند الله سبحانه قدر ولا وزن، وما نظر إليها منذ خلقها. ولقد عرضت على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مفاتيحها وخزائنها، لا ينقصها عند الله جناح بعوضة، فأبى أن يقبلها، وكره أن يحب ما أبغض خالقه، أو يرفع ما وضع مليكه، زواها الله عن الصالحين اختياراً، وبسطها لإعدائه اغتراراً، أفيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها؟ ونسى ما صنع الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم حين شد على بطنه الحجر، والله ما أحد من الناس بسط له في الدنيا، فلم يخف أن يكون قد مكر به، إلا كان قد نقص عقله، وعجز رأيه وما امسك عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها، إلا كان قد نقص عقله وعجز رأيه. وقال مالك بن دينار: اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء، يعنى الدنيا. ومن أمثلة الدنيا: قال يونس بن عبيد: شبهت الدنيا كرجل نائم، فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك انتبه. ومثل هذا قولهم: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا. والمعنى انهم ينتبهون بالموت وليس في أيديهم شئ مما ركنوا إليه وفرحوا به. قيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة. فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم. قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى عليه السلام: بؤساً لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكينهم واحداً بعد واحد، ولا يكونون منك على حذر. وروى ابن عباس رضى الله عنه قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية، مشوه خلقها، فتشرف على الخلق، فيقال: هل تعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه. فيقال: هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم تقذف في جهنم، فتنادى: يا رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها. وعن أبى العلاء، قال: رأيت في النوم عجوزاً كبيرة عليها من كل زينة، والناس عكوف عليها متعجبون، ينظرون إليها، فقلت: أعوذ بالله من شرك. قالت: إن أحببت أن تعاذ من شرى فأبغض الدرهم. وقال بعضهم: رأيت الدنيا في النوم عجوزاً مشوهة الخلقة حدباء. مثال آخر: واعلم أن أحوالك ثلاث: حال لم تكن فيها شيئاً، وهي قبل أن توجد. وحال أخرى، وهى من ساعة موتك إلى ما لا نهاية له في البقاء السرمدي، فإن لنفسك وجوداً بعد خروجها من بدنك، إما في الجنة أو النار، وهو الخلود الدائم. وبين هاتين الحالتين حالة متوسطة، وهى أيام حياتك في الدنيا، فانظر إلى مقدار ذلك، وأنسبه إلى الحالتين، تعلم أنه أقل من طرفه عين في مقدار عمر الدنيا. ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن لها، ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضرر وضيق، أو سعة ورفاهية، ولهذا لم يضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة وقال: "مالي وللدنيا؟ إنما مثلى ومثل الدنيا كراكب قال (1) تحت الشجرة، ثم راح وتركها". وقال عيس عليه السلام الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. هذا مثل واضح، فإن الحياة الدنيا معبر إلى الآخرة، والمهد هو الركن الأول على أول القنطرة، والحد هو الركن الثاني على آخر القنطرة. ومن الناس من قطع نصف القنطرة، ومن الناس من قطع ثلثيها، ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها، وكيفما كان فلابد من العبور، فمن وقف يبنى على القنطرة ويزينها وهو يستحث للعبور عليها، فهو في غاية الجهل والحمق. وقيل: مثال طالب الدنيا، مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شراباً ازداد عطشاً حتى يقتله. وكان بعض السلف يقول لأصحابه: انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول: انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم. مثال آخر: روى عن الحسن قال: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إنما مثلى ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء، حتى إذ لم يدوروا ما سلكوا منها اكثر ما بقى، أنفذوا الزاد واخسروا الظهر، وابقوا بين ظاهراني المفازة، لا زاد ولا حمولة، فأيقنوا بالهلكة، فبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم رجل في حلة يقطر رأسه، فقالوا: إن هذا قريب عهد بريف، وما جاء هذا إلا من قريب، فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء، علام أنتم؟ قالوا: على ما ترى. قال: عهودكم ومواثيقكم بالله. قال: فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله، ثم قال: يا هؤلاء، الرحيل. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم، وإلى رياض ليست كرياضكم، فقال أكثر القوم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أن لن نجده، وما نصنع بعيش خير من هذا؟ وقالت طائفة قليلة: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصونه؟ وقد صدقكم في أول حديثه، فوالله ليصدقنكم في آخره. قال: فراح فيمن اتبعه، وتخلف بقيتهم فنزل عدو، فأصبحوا بين أسير وقتيل". وفى "الصحيحين" من حديث أبى موسى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما مثلى ومثل ما بعثتي الله به، كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعينى، وأنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم، فنجوا، وكذبته طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم. فصبحهم الجيش في مكانهم، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من حق". "مختصر منهاج القاصدين" للمقدسي.