المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
عن البراء بن عازِب رضي الله عنهما قال: «أَمرَنا رسول الله ﷺبِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عن سَبْعٍ: أَمَرْنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ (أَوْ الْمُقْسِمِ)، وَنَصْرِ الْمَظْلُوم، وَإِجابة الدَّاعي، وَإِفْشاءِ السَّلامِ. وَنَهَانَا عن خَوَاتِيمَ- أَو عن تَخَتُّمٍ- بِالذَّهَب، وَعَنْ الشُّرب بِالْفِضَّة، وعن المَيَاثِر، وعن الْقَسِّيِّ، وَعن لُبْسِ الحرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيباج».
[صحيح.] - [متفق عليه.]
بُعِثَ النبي ﷺ ليُتم مكارم الأخلاق، ولذا فإنه يحث على كل خلق وعمل كريمين، وينهى عن كل قبيح، ومنْ ذلك ما في هذا الحديث من الأشياء التي أمر بها وهي: عيادة المريض التي فيها قيام بحق المسلم، وتَرويح عنه، ودُعاء له، واتباع الجنازة، لما في ذلك من الأجر للتابع والدعاء للمتبوع، والسلام على أهل المقابر والعِظة والاعتبار، وتشميت العاطس إذا حمد الله فيقال له: يرحمك الله. وإبرار قسم المقسم إذا دعاك لشيء وليس عليك ضرر فتبر قسمه، لئلا تُحوجه إلى التكفير عن يمينه، ولتجيب دعوته وتجبر خاطِرَهُ، ونصر المظلوم من ظالمه لما فيه من رد الظلم، ودفع المعتدي وكفه عن الشر، والنهي عن المنكر، وإجابة من دعاك، لأنَّ في ذلك تقريبا بين القلوب وتصفية النفوس، وفي الامتناع الوحشة والتنافر. فإن كانت الدعوة لزواج فالإجابة واجبة، وإن كانت لغيره فمستحبة، و إفشاء السلام، وهو إعلانه وإظهاره لكل أحد، وهو أداء للسنة، ودعاء للمسلمين من بعضهم لبعض، وسبب لجلب المودة. أما الأشياء التي نهى عنها في هذا الحديث فالتختم بخواتم الذهب للرجال، لما فيه من التأنث والميوعة، وانتفاء الرجولة، وعن الشرب بآنية الفضة، لما فيه من السَّرَفِ والتكبر، وإذا منع الشرب مع الحاجة إليه فسائر الاستعمالات أولى بالمنع والتحريم، وعن المياثر، والقسي، والحرير، والديباج، والإستبرق، وهي من أنواع الحرير على الرجال؛ فإنها تدعو إلى اللين والترف اللذين هما سبب العطالة والدَّعَةَ، والرجل يطلب منه النشاط والصلابة والفتوة، ليكون دائماً مستعداً للقيام بواجب الدفاع عن دينه وحرمه ووطنه.
تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ | وهو مَا يُقَالُ بعد حمده لله بسبب عطاسه: (يرحمك اللَه) تشميتاً. |
إبرار القسم | تنفيذ ما أقسم عليه المُقسِم في قَسَمه, إذا كان طاعة لله أو مباحا وهو مستحبٌ. |
إفشاء السلام | إشاعته. |
الْمَيَاثِر | جمع ميثرة، وهي وطاء يوضع على سرج الفرس ورحل البعير من الأرجوان. |
القَسِيّ | ثيابُ خَزٍّ (من أنواع الحرير)، وهي نسبة إلى قس إحدى قرى مصر. |
الإسْتَبْرَق | ما غَلُظَ مِنَ الدِّيباجِ (من أنواع الحرير)، كلمة فارسية نُقِلَت إلى العربية. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".