العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَت يَدُ رسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم اليُمنَى لِطُهُورِهِ وطَعَامِهِ، وكَانَت اليُسْرَى لِخَلاَئِهِ، ومَا كَانَ مِنْ أَذَى". عن حفصة رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ، وَيَجْعَلُ يَسَارَهُ لِمَا سِوَى ذَلِك".
[الحديثان صحيحان.] - [الحديث الأول: رواه أبو داود وأحمد. الحديث الثاني: رواه أبو داود وأحمد.]
بيَّنت عائشة رضي الله عنها، ما كان النبي ﷺ يستعمل فيه اليمين، وما كان يستعمل فيه اليسار، فذكرت أن الذي يستعمل فيه اليسار ما كان فيه أذى؛ كالاستنجاء، والاستجمار، والاستنشاق، والاستنثار، وما أشبه ذلك، كل ما فيه أذى فإنه تقدم فيه اليسرى، وما سوى ذلك؛ فإنه تقدم فيه اليمنى؛ تكريمًا لها؛ لأن الأيمن أفضل من الأيسر. وهذ الحديث داخل في استحباب تقديم اليمنى فيما من شأنه التكريم فقولها رضي الله عنها. قولها: "لطهوره": يعني إذا تطهر يبدأ باليمين، فيبدأ بغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، وبغسل الرجل اليمنى قبل اليسرى، وأما الأذنان فإنهما عضوٌ واحدٌ، وهما داخلان في الرأس، فيمسح بهما جميعًا إلا إذا كان لا يستطيع أن يمسح إلا بيد واحدة، فهنا يبدأ بالأذن اليمنى للضرورة. قولها: "وطَعَامِهِ": أي تناوله الطعام. "وكانت يده اليسرى لخلائه": أي لما فيه من استنجاء وتناول أحجار وإزالة أقذار. "وما كان من أذى" كتنحية بصاق ومخاط وقمل ونحوها. وحديث حفصة مؤكد لما سبق من حديث عائشة، الذي جاء في بيان استحباب البداءة باليمين فيما طريقه التكريم، وتقديم اليسار فيما طريقه الأذى والقذر؛ كالاستنجاء والاستجمار وما أشبه ذلك.
لِطُهُورِهِ | وهو بضم الطاء المهملة: استعمال الماء للتطهر، وبفتحها الماء المتطهر به. |
لِخَلاَئِهِ | أي: للاستنجاء وتناول الأحجار وإزالة الأقذار. |
مِنْ أَذَى | كالبصاق والمخاط ونحو ذلك. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".