السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
حَسَّان بن ثابِتوأحسنُ منك لم ترَ قطُّ عيني وأجملُ منك لم تلدِ النساءُ خُلِقتَ مُبرَّأ من كلِّ عيبٍ كأنَّك قد خُلِقتَ كما تشاءُ
أَبُو طالِبوأبيَض يُسْتَسْقَى الغمام بوجهِه ثُمَال اليَتامى عِصْمة للأرامِلِ
الصدق من أعظم الخصال الحميدة التي أمر الله عباده بالتحلي بها قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ﴾. [التوبة: 119] ، فهو رأس لكل فضيلة، ومعناه الخبر عن الشيء على ما هو به، و قد كان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أصدق الناس في جميع أحواله، وأبرهم وأكملهم علمًا وعملًا وإيمانًا وإيقانًا، معروفًا بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم، بحيث لا يُدْعى بينهم إلا بالأمين، وقد أثنى الله سبحانه على نبيه، وزكى منطقه فقال: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ اْلْهَوَىٰٓ﴾. [النجم: 3].
هي خلق ثابت في النّفس يعفّ به الإنسان عمّا ليس له به حقّ، وإن تهيّأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس، وقد أمر الله عباده بأداء الأمانات قال تعالى: ﴿إِنَّ اْللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ اْلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ اْلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِاْلْعَدْلِۚ إِنَّ اْللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ اْللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا﴾ [النساء: 58] ، كما أن الأمانة من أبرز أخلاق نبينا محمد ﷺ،
العدل من الأخلاق العظيمة الكريمة المحببة للنفس، وهو رعاية حقوق الله تعالى بتأدية المرء للفرائض والواجبات، وكذلك المحافظة على حقوق العباد، فلا يطمع الإنسان في وديعة اؤتمن عليها، ولا ينكر مالًا أو متاعًا أمنه الناس عليه، وهو من خصال نبينا ﷺ فكان يعدل ﷺ في جميع أحواله وكان نموذجًا في أعلى درجاته، وأقامه خلفاؤه من بعده، قال تعالى: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَاْدْعُۖ وَاْسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْۖ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُۖ اْللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْۖ ﴾ [الشورى: 15].
إنّ العفو والتسامح من أخلاق الإسلام العظيمة التي دعا وحثّ عليها، وله منزلة رفيعة لا يصل إليها إلا من جرّد نفسه لله، وجاهد نفسه، وكظم غيظه، يقول تعالى مخاطباً نبيه: ﴿خُذِ اْلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِاْلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ اْلْجَٰهِلِينَ﴾. [الأعراف: 199]، وقد امتثل النبي محمد ﷺ أمر ربه ف كان ﷺ أجمل الناس صفحًا، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم، أو تعنيفهم، أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلقَ منهم شيئًا.
الرحمة خُلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهي رقة تقتضـي الإحسان إلى المرحوم، والله سبحانه من أسمائه الحسنى: الرحمن، يرحم من يشاء من عباده، وكان الرسول ﷺ من أرحم الخلق، فقد كان رحيمًا بالطفل والمرأة والضعيف، وبلغت رحمتُه الطيرَ والحَيَوان، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَ﴾ ، فمن اتخذ الرحمة خُلقه في جميع تعاملاته فقد سعِد وغنم.
الصبر هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها، وقد صبر الرسول ﷺ وتحمل الأذى في سبيل الله تعالى، فصبر لتأليف قلوب الناس، واستمالتهم إلى الإسلام، امتثالا للتوجيه الرباني، في قوله تعالى: ﴿فَاْصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ اْلْعَزْمِ مِنَ اْلرُّسُلِ﴾. [الأحقاف: 35].
الزهد خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو في حقيقته الإعراض عن الشيء ، ولا يطلق هذا الوصف إلا على من تيسر له أمر من الأمور فأعرض عنه وتركه زهداً فيه، وأما من لم يتيسّر له ذلك فلا يقال إنه زهد فيه، وقد كان نبينا ﷺ أزهد الناس في الدنيا، وأقلهم رغبة فيها، مكتفياً منها بالبلاغ ، راضياً فيها بحياة الشظف ، ممتثلاً قول ربه عز وجل: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾. [طه: 131] ، مع أن الدنيا كانت بين يديه، ومع أنه أكرم الخلق على الله ، ولو شاء لأجرى له الجبال ذهباً وفضة.
التواضع خلقٌ حميد، وجوهر لطيف، يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخصّ خصال المؤمنين المتقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شيم الصالحين المخبتين، وقد كان النبي ﷺ أعظم الناس تواضعًا، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل عنه.
الجود من أخلاق الإسلام الفاضلة، وخصلة من خصاله العظيمة، وهو خُلُق به تسُود المحبَّة والمودَّة والرحمة في المجتمعات، وبه يكون التآزر والتعاون والتضامن بين الناس، فهو خُلقٌ من أخلاق المرسلين، وصفة من صفات الصالحين؛ و لقد مثَّل النَّبيُّ ﷺ المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة، وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم.
الشجاعة خُلُق كريم ووصْف نبيل، يَحمل النفس على التحلِّي بالفضائل، ويَحرسها من الاتِّصاف بالرذائل، وهي ينبوع الأخلاق الكريمة والخِصال الحميدة، وهي من أعزِّ أخلاق الإسلام، وأَفخر أخلاق العرب، وهي الإقدام على المكاره، وثَبات الجأش على المخاوف، والاستهانة بالموت، ونبينا ﷺ كان أشجع الناس على الإطلاق، والسيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على مدى شجاعته وقوته، تلكم الشجاعة والقوة التي تجلَّت في أروع صورها جهاداً في سبيل الله، وثباتاً عند الشدائد والنوازل، ودفاعاً عن الحق ونصرة للمظلومين، وقد شهد له بذلك أصحابه وأعداؤه.
الوفاء من أبرز الأخلاق الإسلامية، ومن صفات النفوس الحرة الأبية، ومن لوازم القلوب الصافية النقية، وهو حفظ للعهد والوعد، واعتراف بالجميل، وشكر للمعروف، وهو نقيض الغدر والخيانة، ولقد كان النبي ﷺ نبع الوفاء فهو سيد الأنبياء وإمام الأتقياء فكان أكثر الناس وفاء بالعهد، وأداءً للحقوق لأصحابها، وعدم الغدر، امتثالاً لأمر الله في كتابه العزيز حيث قال: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاْعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰۖ وَبِعَهْدِ اْللَّهِ أَوْفُواْۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 152].
الحياء خلق إسلامي رفيع، يحمل صاحبه على تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيده إلى فعل المحاسن والفضائل، ولقد كان رسول الله ﷺ أشدَّ النَّاس حياءً وأعظمهم اتصافاً بهذا الخلق الرفيع، وأشدهم تمسكًا والتزامًا بهذا الخلق الكريم، ولم تكن صفة الحياء عنده ﷺ صفة طارئة، بل كانت صفة ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل.
إن الغيرة خلق كريم جبل عليه الإنسان السوي الذي كرمه ربه وفضله، وقد أعلى الإسلام قدرها وأشاد بذكرها ، ورفع شأنها، وهي تغير القلب وهيجان الغضب بسبب الإحساس بمشاركة الغير فيما هو حق الإنسان، و أشد ما يكون ذلك بين الزوجين. ولقد كان النبي ﷺ أعظم الناس غيرة لله، فكان يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء يؤتى إليه، حتى ينتهك من حرمات الله، فينتقم لله». أخرجه البخاري (2647)، ومسلم (1455).
يُعبَّر عن الجمال المعنوي في مصطلحنا الحديث "بالذَّوق"، والذَّوق: كلمة تَحْمِلُ في طِيَّاتها معاني اللُّطفِ، وحُسْنِ المَعْشر واللَّفظ، وكمالِ التهذيبِ، وحسنِ التصرُّف، وتجنُّبِ ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بلفظ، أو إشارة أو نحو ذلك، والذَّوق بابٌ من أوسع أبواب الأدب، والناظر في هدي النبي ﷺ يجده من أكثر الناس ذوقا وأدبا في جميع أحواله، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾. [القلم: 4].
خلق الوقار من مكارم الأخلاق التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها، وهي صفة تنتج عن التحلي بمجموعة من الأخلاق الكريمة الأخرى كالحلم والسكينة والرزانة والوداعة والثبات، وقد كان ﷺ أشد الناس وقارًا وسكينة في مجلسه، وأحسن الناس خُلقاً وأدباً وأكرمهم وأتقاهم وأنقاهم معاملة. قال عنه ربه عز وجل مادحًا وواصفًا خُلُقَه الكريم ﷺ: ﴿وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. [القلم: 4].
الإيثار في الإسلام من الأخلاق الكريم والشيم الفاضلة، وهو تفضيل الغير عن النفس، وتقديم مصلحتهِ علَى المصلحة الذاتية، وهو أَعلى درجات السخاء وأكْمَلُ أنْواعِ الجود وَمنزلة عظيمة من مَنازلِ العطاء، ولقد كانت حياة النبي ﷺ حافلة بالإيثار، وغرس ﷺ الإيثار في نفوس الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وركزه في طبائعهم وعاداتهم؛ وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أسس المحبة فيهم، وتعويدهم على الإيثار، والشعور بالآخرين.
والضحك هو انبساط الوجه، حتى تظهر الأسنان من السرور، و الضحك لا يتعارض مع تقوى العبد وخوفه من ربه تبارك وتعالى، فقد خلق الله عز وجل الضحك والبكاء في النفس الإنسانية، فيُضْحِك الإنسانَ ويُبْكِيه، وكل ذلك مما ركبه الله في طبع الإنسان وفطرته، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى﴾ [النجم: 43]. وأكثر أحوال النبي ﷺ هي الابتسامة، وفي بعض الأحيان كان يزيد على ذلك فيضحك باعتدال وإن بدت نواجذه، دون إكثارٍ منه أو علوّ في الصوت ﷺ، وهذه سمة من سمات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى عن سليمان عليه السّلام لما سمع قول النملة: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اْلَّتِيٓ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ ﴾. [النمل: 19].
الغضب هو: ثوَرَان في النفس، وهو قسمان؛ محمود، ومذموم: أما الغضب المحمود؛ فهو ما كان لله ولِحُرُماته، ولم يكن للنفس فيه نصيب؛ فالمؤمن يغضب إذا انتهكت حرمات الله، واعتدي على حقوقه، وتعدى الناس حدوده، ففي مثل هذه الحالات يكون الغضب واجبًا ومحمودًا؛ إذ هو الدليل على إيمان العبد وغيرته على دين الله وحرماته، مع وجوب الالتزام بآداب الإسلام وأخلاقه وأحكامه في حالة الغضب، وهكذا كان غضب النبي ﷺ، تقول عائشة رضي الله عنها: «وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّه» أخرجه البخاري(6126). . وأما الغضب المذموم؛ فهو ما كان في غير الحق ولغير الله، وإنما انتقاما للنفس في أمور تافهة وحظوظ دنيوية زائلة، مما تترتب عليه نتائج خطيرة ومفاسد عظيمة، وهو الذي حذرنا منه الرسول الأمين ﷺ في أحاديث كثيرة.
الأناة والطمأنينة من الأخلاق الفاضلة التي يحبها الله تعالى، فالتأني جزء من شخصية الإنسان الراسخة الواثقة، ولذا تجد صاحبه يكون أكثر نظرًا وتأملاً لحاله وخطواته التي يخطوها، فتراه واثق الخطى، بعيدًا عن التردد، يعي ماذا يقدم عليه، يمحصه بالدراسة والتشاور وبعد النظر، حتى إذا ما أقدم متوكلًا عل الله تعالى كان أكثر ثباتًا ونجاحًا، ولو وقع في خطأ فسرعان ما يرجع عنه، غير معاتب لنفسه ولا قنوط من ربه، وإن نبينا ﷺ كان متصفًا بهذه الصفة التي يحبها الله حيث قال: «لِلأَشَجِّ، أشَجِّ عبدِ القَيْسِ: إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ، والأناةُ». أخرجه مسلم(17).
المزاح وسيلة يراد بها المباسطة؛ بحيث لا يفضي إلى أذى، ولا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم، ومن ثم فقد كان مزاحه ـ ﷺ ـ تأليفًا ومداعبةً، وتفاعلًا مع أهله وأصحابه، وإدخالًا للسرور عليهم، وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة، والمقاصد النبيلة، فصار من شمائله الحسنة، وصفاته الطيبة ﷺ.
صور ومظاهر حب النبي ﷺ لأمته في السيرة النبوية كثيرة، ولم يُؤْثَر عن نبي من الأنبياء عليهم السلام ذلك الحرص والحب الشديد لأمته كما أثِر عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله تعالى حين قال: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]. قال ابن كثير في "تفسيره": «وقوله: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم».
إن مكافأة المحسن خلق فطري ينشأ من خلق الوفاء؛ إذ إن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها. والمؤمن المستقيم لا يكون شاكرًا لله حتى يكون معترفًا بالفضل لأهل الفضل، والرسول ﷺ كان سيد الناس في هذا الخلق، وهو يأمرنا أن نتحلَّى بهذا الخُلق أيضًا، فقال ﷺ: «... ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه». "صحيح أبو داود" (5109).
لقد كرم الإسلام المرأة ورفع من شأنها، فما نعلَم دِينًا كرَّم المرأة، وأنصفَها، كالإسلام، أنزل الله أحكامًا خاصَّة بالنِّساء، وأنزل سورةً باسمها، وما ذاك إلا ليُعليَ مِن شأنِها، وما أجملَ قولَ أمير المؤمنين الفاروق عمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه: «والله إنْ كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهنَّ ما قسم» أخرجه البخاري(4913)، والمتأمل لسيرة النبي ﷺ، يجدها حافلة بالمشاهد والمواقف التي تؤكد عظمته ﷺ في التعامل مع المرأة وتكريمها.
التفاؤل هدي نبوي، وصفة إيجابية للنفوس السوية، يظهر أثره على تصرفات العبد ومواقفه، ويجعله سليم النفس ذا همة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفزه على الهمة والعمل، والتفاؤل ما هو إلا تعبير صادق عن الرؤية الطيبة والإيجابية للحياة، وهو من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم، إذ كان ﷺ متفائلاً في جميع شؤونه وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه، والمتأمل في السيرة يجد هذا واضحًا جليًّا، إذ كان ﷺ في أشد الظروف والأحوال يُبَشِّرُ أصحابَه بالفتح والنصر على الأعداء.
العاقل يجب أن لا يضع نفسه في موطن الريبة والتهمة فيظن الناس به الظنون، وهو الأمر الذي يثير في صاحبه الشك أحق هو أم باطل، خطأ أم صواب ولهذا يقول رسول الله ﷺ: «دع ما يريبك الى ما لا يريبك». أخرجه الترمذي (2518)، وأحمد (1723)، وذلك لأن بعض الناس يفعلون أمورًا بنية طيبة وقصد سليم، ولكنها قد تثير الظنون، وتبعث على التهمة، ولو بغير حق ومثل هذه الأمور يجب على إنسان أن يجنب نفسه هذه المواقف، وألا يستهين بأسبابها اعتمادًا على حسن نيته وسلامة قصده حتى لا يلصق بنفسه تهمة هو منها بريء، ولا يعرض غيره للوقوع في سوء الظن والاتهام الباطل، فقطع أسباب الغيبة وإغلاق أبوابها بالبعد عن مواقف الريبة والظنون، والمتأمل في سيرة النبي ﷺ يجده من أبعد الناس عن الريب ومواطن الشبهات.
من الشيم النبيلة والأخلاق العلية البَتُّ في الأمور بِحَزمٍ عند ظهور الوجه الأصلح فيها، وعدم الاستسلام للتردُّد والحيرة، ولقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعزم والمُبادرة بهِمَّة وإقدامٍ على العمل، وبدون بطءٍ أو تردُّد أو تقلُّب؛ لئلَّا تفوت الفرصة، أو يَسأم من الأمر قبل الشُّروع فيه، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ اْللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ اْلْقَلْبِ لَاْنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ فَاْعْفُ عَنْهُمْ وَاْسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي اْلْأَمْرِۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يُحِبُّ اْلْمُتَوَكِّلِينَ ﴾[آل عمران: 159]، ولقد كان النبي ﷺ مع رفقه ولينه حازمًا في الأمور التي تحتاج إلى حزم وعزم وقيادة وحكمة، فكان حازمًا في اتخاذ الأمور لا يتردد في إصدار القرارات حينما يستدعي الأمر ذلك، خُصُوصًا في المواقف الشديدة، وللنبي ﷺ مواقف كثيرة تدل على حزمه وحرصه على فعل الأفضل في جميع المواقف والحالات.
كان النبي ﷺ يحب بعض الأماكن والبقاع ومن هذه الأماكن: مكة المكرمة فهي أم القرى، والبلد الحرام، والبلد الأمين، وبكة، خير أرض الله على الإطلاق، وأحب الأرض إلى النبي ﷺ، وكان يحب المدينة أيضًا، فقال: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كما حَبَّبْتَ إلَيْنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ». أخرجه البخاري (6372)، وورد أنه ﷺ كان يحب جبل أحد.
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".