البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

المجاهرة بالمعاصي

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. خطر الإصرار على الذنوب .
  2. شؤم المجاهرة بالمعاصي .
  3. مفاسد المجاهرة بالعصيان .
  4. وجوب الأخذ على أيدي المجاهرين .
  5. هجران أهل المجاهرة بالمعاصي والتحذير منهم .
  6. سبل معاملة المجاهر بالمعصية. .

اقتباس

إن المتأمل لحالنا يجد أن المعاصي قد ظهرت، وتفاقمت حتى عجز أهل الخير عن إنكارها، بل تبلد إحساس الكثير منها، وذلك لكثرة المساس بها وظهورها في كل طريق، وإن مما يدمي القلب أن يكون خلفها من يذكي شررها، وينفخ فيها ويروّجها، بل يدعو إلى ما هو أشنع منها.. ونحن في مثل هذه الأوقات من الحرج وتسلط العدو، وضعف المسلمين وخورهم، إن لم نراجع، ونأخذ على يد السفيه ونأطره على الحق أطرًا، وإلا فيخشى على هذه البلد من العقوبة.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فيا أيها المؤمنون:

كل ابن آدم خطأ، فتقع منه الزلة، ويقارف الخطيئة، ولربما أصرَّ عليها دهرًا، والناس مختلفون في سرعة الأوبة والرجوع إلى الله بعد سكرة المعصية، فمنهم الرجاع بعد الخطيئة مباشرة، وقد اعتصر قلبه ألمًا، ومنهم الذي يفيء بعد حين فيطول الحين أحيانًا ويقصر أخرى.

والوقوع في المعصية مما فطر عليه الخلق، والله يحب العبد المُفَتَّن التواب، ويحب أن يغفر ويتوب على عباده قال الله -جل شأنه- (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 27- 28].

 أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "و الذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". ‌ولا يُفهم من ذلك التهوين من خطر الذنب، ولكن بيان عظيم خطر الإصرار على الذنوب، فقد قيل: إن الذنوب تذر الديار بلاقع، أي الإصرار عليها.

معاشر المسلمين:

إذا تبين هذا فلنعلم أن هناك أمرًا خطيرًا قد ظهر في واقعنا وهو نذير شر؛ إن لم يتداركنا الله بلطف منه ورحمة، ألا وهو المجاهرة بالمعاصي، فإن ذلك نذير شر خصوصًا إذا ظهر وقل المنكر، فهذا هو الإذن بنزول العذاب على عموم البلد، قال الله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) [النساء: 148]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأعراف: 33] فبدأ بالظاهر قبل المستتر وإن كان الجميع محرمًا.

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين".

 ‌

فقوله "معافى" أي: قريب من الرجوع، وأن يتوب الله عليه، لكن المجاهر متوعَّد بالعقوبة العاجلة قبل رجوعه لما في المجاهرة من إشاعة للفحشاء والمنكر، (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].

فمجرد المحبة توقع صاحبها في العقوبة، فما بالك بمن يحب ويعمل على ذلك، قال النووي: "يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها، بل يقلع ويندم، ويعزم أن لا يعود؛ فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن وإنما يكره لانتفاء المصلحة". اهـ.

فمن أراد المغفرة، وأن يستر الله عليه فلابد أن يسلك طريق الستر، وأن يحب ذلك، وهذا بعكس المجاهرين قال ابن حجر -رحمه الله-: "فإن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره، ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس مَنَّ الله عليه بستره إياه".

عباد الله: لينظر كل منا إلى معاصيه فليراجع نفسه فيها، ولينظر تلك المعصية التي أظهرها للناس، وليعجل بالإقلاع عنها قبل حلول النقمة، ولا يتهاون بها وإن صغرت، أو كثر فاعلوها من الناس.

وإذا أردت أن تعلم شؤم المجاهرة بالمعاصي، تفكر في ذلك فإنك إذا عملت بالمنكر فرآك غيرك وقلَّدك صرت ممن يعين على المنكر، وكان عليك من الوزر مثل الذي عليه، كيف لا فإن الدال على الشر كفاعله؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث جرير -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

وتزداد العقوبة والشؤم على العبد إن كان هذا الذنب من إحداثه، ولم يُعمل به قبل ذلك كمن ينقل عادات السوء التي لا تعرف من بلاد الغرب، وينشرها بين المسلمين.

أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل".

إذا علم هذا فلا بد أن نعلم أن المجاهرة لا تقتصر على فعل الذنب فحسب بل المجاهرة أعم من ذلك؛ فمن المجاهرة فعل المنكر أمام الناس، ومنها كشف ستر الله على العبد، وذلك بأن يعمل الذنب في السر ثم يصبح فيفضح نفسه ويكشف ستر الله عليه؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله –تعالى-، فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".

ويدخل في ذلك تفاخر الفساق والمجان بفعل المعاصي، وذلك بتذاكرهم المعاصي التي يعملونها، ولو كان بعض قولهم من الكذب، فهم داخلون في الوعيد لتحسين المنكر لبعضهم البعض.

أيها المؤمنون: لقد توعد الله المذنبين والساكتين عن المنكر بعقوبات عاجلة ويزداد الأمر جرمًا إذا أعلن بالمعصية، أخرج البيهقي وغيره من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله فقال: "يا معشر المهاجرين ! خصال خمس إذا ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا"، الحديث.

بل إن المجاهرة بالمعاصي تؤذن بالمسخ والخسف والقذف أخرج الطبراني من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ؛ إذا ظهرت المعازف والقينات واستُحلت الخمر".

 ‌

و أخرج الترمذي وغيره من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" قيل: يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا ظهر الخبث".

ألا فليراجع كل منا نفسه فيعرف مدى نصحه لله ورسوله قبل حلول النقم.

اللهم أبرم لهذه الأمة....

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم،


أما بعد فيا أيها الناس: اعلموا أن المعاصي شؤمٌ على صاحبها، ومن يسايره على ذلك، فما بالك بمن يجاهر بها، فمن شؤم المجاهرة بالمعصية أن الناس إذا لم ينكروا على أهلها لم تستجب لهم دعوة، أخرج الترمذي وغيره من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم".

عباد الله: إن المتأمل لحالنا يجد أن المعاصي قد ظهرت، وتفاقمت حتى عجز أهل الخير عن إنكارها، بل تبلد إحساس الكثير منها، وذلك لكثرة المساس بها وظهورها في كل طريق، وإن مما يدمي القلب أن يكون خلفها من يذكي شررها، وينفخ فيها ويروّجها، بل يدعو إلى ما هو أشنع منها، والعياذ بالله.

معاشر المسلمين: ونحن في مثل هذه الأوقات من الحرج وتسلط العدو، وضعف المسلمين وخورهم، إن لم نراجع، ونأخذ على يد السفيه ونأطره على الحق أطرًا، وإلا فيخشى على هذه البلد من العقوبة.

 قال عمر بن عبد العزيز: "كان يقال: إن الله -تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهارًا استحقوا العقوبة كلهم".

فأهل المعصية إذا كانوا هم أعزة القوم فهو إذن بزوالها وهي سنة الله في خلقه (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، وذلك لانتكاس الفطرة السوية، وحلول الأعمال الشيطانية بدلاً عنها.

 قال ابن بطال: "في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها".

إذا علم هذا فالمتحتم على الجميع الحذر من المجاهرة بالمعاصي، والأخذ على يد المجاهر بما يردعه عن مجاهرته، فمن لم يستحِ من الله كيف يُستحى منه؟! ومن لم يخف الله كيف يُخاف منه؟!

والعلاج معه أن يُناصَح أولاً بكل طرق المناصحة، ثم ينتقل إلى العلاج الآخر وهو هجران أهل المجاهرة بالمعاصي والتحذير منهم؛ فإنهم لا غيبة لهم فيما يقارفونه جهارا.

قال ابن تيمية: "إن المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية، ولا تبقى له غيبة، وأن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتًا إذا كان فيه ردع لأمثاله فيتركون تشييع جنازته".

قال صاحب منظومة الآداب:

وهجران من أبدى المعاصي سنة

وقد قيل إن يردعه أوجب وأكدِ

وقيل على الإطلاق مادام معلنا

ولاقه بوجه مكفهر مربد

قال الإمام أحمد: "إذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرًا ولا جفوة من صديق".

وقال القاضي أبو حسين في كتابه التمام: "لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة، فينبغي لك إن كنت متبعًا سنن من سلف أن تهجر كل من جاهر بمعاصي الله، ولا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده، ولا تسلم عليه، بل اهجره ولاقه بوجه مكفهر".اهـ

وتلخيص ما مضى من معاملة المجاهر بالمعصية أن يُنصح بشتى الطرق؛ فإن لم يرتدع ورئي في الهجر مصلحة وهو الغالب أن الهجر يردع فإنه يهجر حتى يرجع عن منكره.

ولكن لما اختلط الحابل بالنابل، وأصبح ميزان الناس للآخرين هو بما يملك من أموال، أو بما هو فيه من مرتبة ووظيفة، أصبح المنكر شائعًا بين الناس، ولا نكير والله المستعان.

أيها المؤمنون: استعراض سريع لبعض المنكرات المعلن بها ليحيي المسلم فطرته قبل موت بدنه: فأولها التخلف عن الصلاة جماعة فضلاً عن تركها بالكلية، فذاك كفر بالله.

فما هو إنكارك على ابنك الذي لا يصلي أو جارك أو قريبك ونحوهم.

ومن ذلك التعامل بالربا فقد عم وطمَّ، ولا منكر إلا من رحم الله.

ومنه كذلك القنوات الفضائية التي غزت عقول الناس، فما عملت مع أصحابها، أو مع نفسك إن كانت إن كنت منهم.

ومنه كذلك: التبرج والسفور عند النساء ولو أنكر كل امرئ منا على محارمه لزال المنكر ولكن أين أهل الغيرة والله المستعان.

واعدد ما شئت من المعاصي المجاهر بها فلا يأتي عليها العد ولا الحصر، والعياذ بالله.

اللهم اجعلنا ممن يترك المنكر وينكره، ويأمر المعروف يفعله يا رب العالمين......