البحث

عبارات مقترحة:

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

أحزان الأفراح

العربية

المؤلف عادل العضيب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أفراحنا أتراح وآلام وجراح .
  2. صور من الإسراف والتبذير في الأفراح .
  3. منكرات وبلايا الأفراح .
  4. الحث على تقوى الله والاقتصاد في الأفراح والأعراس. .

اقتباس

منكرات تتنوع وتتجدد وتكثر في الأفراح عامًا بعد عام، تجرح قلوب المؤمنين وتبكي عيون الصالحين، لن تمر والله مرور الكرام لا على الأفراد ولا على المجتمع فالإسراف والغناء واللباس العاري والسفر إلى بلاد الكفر والتخلي عن الحجاب وركوب الحرام في ليلة الزفاف أو شهر العسل -كما يقولون- لن تمر مرور الكرام. وانظروا إلى ارتفاع نسبة الطلاق ناهيك عن المعلقات، واللائي يعشن حياة النكد والغم ما قبلنا بها...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينًا قويمًا وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير.

اللهم لك الحمد؛ الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الذي إلى الله دعا، وعلى طريق الحق سعى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: عودًا على ألم، ورجوعًا إلى آلام ودموع، فقد أبى كثير من المسلمين إلا أن ينكؤوا الجراح، ويجرحوا الأرواح، ويحيلوا أفراحنا إلى أتراح بمنكرات تتجدد، وتتنوع في الأفراح عامًا بعد عام، فيا مدامعي سيلي، ويا زفراتي ترددي في صدري، فليس لكي أن تستكيني فما زال الجرح داميًا.

نعم أفراحنا أتراح وآلام وجراح؛ لأن الكثيرين فتح الله لهم أبواب الحلال فتركوها وقصدوا بابًا ضيقًا إلى الحرام، ومن لم يكتفِ بالحلال فلا كفاه الله، ومن لم يقنع بالفرح في حدود المباح، فلا أفرحه الله.

لقد فتح الله أمام الناس أبواب الحلال في المأكل والمشرب ولم يحرم عليهم إلا الخبيث، لكنه نهاهم عن الإسراف والتبذير، فقال وقوله الحق: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]، وقال سبحانه وبحمده: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 26- 27].

وقال عليه الصلاة والسلام: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة".

فجاء الناس في أفراحهم ليقولوا بلسان حالهم: لا سمع ولا طاعة لله ولا لرسوله سنسرف ونبذر، ونكون من إخوان الشياطين، وانظروا إلى طاولات الحلوى والفاكهة تُمد من أول القصر مباهاةً ومفاخرةً وطمعًا في التميز، وسلوا الشركات التي تحضر من خارج المنطقة لتجميل الصالة النسائية بالستائر والمفارش، وغيرها بآلاف الريالات تنبيكم عن جرأة غريبة على حرمات الله.

ولا تنسوا آلاف الريالات لثوب العروسة، وكوشتها، ومسيرتها، وتصويرها.

أما أكوام الرز واللحم، فاسألوا عنها صناديق القمامة وبطون القطط والكلاب، والجيد من نسق مع الجمعية المسئولة عن جمع الفائض من الطعام ليوزع على الفقراء.

ونحن لا نعارض أن يُوضع من الطعام ما يؤكل غالبه، ولا نقول: إنه لابد أن يُؤكل فلا تبقى حبة رز، لكننا ننكر ونرفض أن تصبح النعمة التي حُرم منها الكثيرون مجالاً للتباهي والتفاخر، ثم تنتهي تحت أقدام الأطفال وأكعب النساء وفي صناديق القمامة.

إننا ننظر بعين إلى ما يوضع في الأفراح وننظر بالعين الأخرى إلى أولئك الذين خوت بطونهم حتى أصبحوا عظامًا تسترها الجلود؛ أولئك الذين يبحثون عن كسرة خبز في جحور النمل، أولئك الذين شوى برد الشتاء وحر الصيف أجسادهم، أولئك الذين تشققت شفاههم، وغارت عيونهم من الجوع والعطش، أمَا كان الأولى أن توضع تلك الأطعمة في بطون أولئك الذين جمعتنا بهم لا إله إلا الله والذين يتعرضون لحمالات تنصيرية ربما ترك أحدهم دينه لأجل دواء أو غذاء.

لقد اتصل أحدهم من بلاد الصومال بأحد العلماء على قناة من القنوات يسأل أيصح أن نصوم بلا إفطار ولا سحور؟! لهذه الدرجة تصل الحال بالمسلمين بينما نستمر في الإسراف والتبذير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن جراح الأفراح أن الله أباح ألوان اللباس، وحرم اليسير، فأبى بعض الناس إلا الحرام، فلبس بعض الرجال الذهب في ليلة الخطوبة؛ حيث اعتاد الناس أن يلبس الرجل المرأة دبلة الخطوبة، وهي كذلك، والدبلة حرام كما أفتى بذلك العلامة ابن باز -رحمه الله- لأنها تتعلق بمعتقد نصراني، حتى وإن كانت من فضة فكيف لو كانت من ذهب؟!

بل سأل بعضهم عن لبسها في تلك الليلة فقط، وهكذا تكون الانهزامية ويكون الضعف أمام النساء، ويُتلاعب بالأحكام الشرعية.

فقد بيَّن عليه الصلاة والسلام أن الذهب والحرير حرام على ذكور أمته، حل لنسائها، ولما رأى أحد الصحابة يلبس خاتمًا  من ذهب قال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار ثم يضعها بين أصبعيه"!.

أما لباس النساء فحسرات وزفرات وعبرات يجود بها كل مسلم غيور، وهو يسمع عن الحالة التي وصل إليها المجتمع، وهو يسمع عن قصة التعرِّي التي بدأت بإظهار الكتفين وما جاورها، ولبس القصير، وانتهت بإظهار السرة، والملابس الداخلية!!

نساء يلبسن تنانير إلى ما يقرب من نصف الفَخِذ حتى تحدثت بعض النساء أن من النساء من بدت ملابسها التي تستر عورتها المغلظة.

أيعقل هذا أن تصل الوقاحة ببعض النساء إلى هذا المستوى؟!

عباد الله: النساء اللاتي يلبسن هذه الملابس لم يقدمن من المريخ وزحل، إنهن نساؤنا نحن فكيف تقبلون بهذا؟! هل انعدمت شخصياتكم، وتسلطت عليكم النساء إلى هذه الدرجة؟! أم أن الغيرة ماتت في نفوسكم؟!

إن كل أب غيور يرضى بهذا شريكٌ في الإثم لا أشك في هذا والله، ولقد أحسن بعضهم عندما كتب: "يمنع الدخول بلباس غير محتشم"، وأقول: إن كتابة هذه العبارة واجب على الجميع، ومن أبى ذلك خوفًا من مقاطعة النساء لزواجه فهو شريك في الإثم بلا شك فقد قال الله: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، وقال جل وعلا: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79].

ومن جراح الأفراح ما اعتاده بعض الذين ضعف دينهم، وقلت مروءتهم، ونزع ماء الحياء من وجوههم من دخول الرجال في قاعة النساء، وما يصاحب هذا الدخول من تصرفات قبيحة كالرقص أمام النساء أو تقبيل المرأة.

ولا شك في حرمة هذا؛ فإن فيه تحريكًا للشهوة، وتهييجًا لبنات شابات، وكسرًا لحيائهن.

وهؤلاء ما تجرءوا على هذا إلا لسكوت الناس، ولو أن كل غيور شريف وصَّى زوجته بالخروج من الزواج إذا دخل الرجل لانتهى هؤلاء عن هذا الفعل، فلن يطيقوا مغادرة الحاضرات لزواجهم، لكن سكوت الناس هو الذي أدَّى لظهور هذه المنكرات وتفشيها.

ومن جراح الأفراح أن الناس تجاوزوا المشروع في اللعب؛ فقد أباحت الشريعة للنساء الضرب بالدف في الزواج وجعلته فيصلاً بين النكاح والسفاح، فجاء الناس كعادتهم فغيَّروا وبدَّلوا ورقص الرجال، وضربوا بالدفوف والطبول، مع أنه لا يُعرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام ضربوا بكفّ أو دفّ؛ كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-.

وأما النساء فتجاوز البعض إلى الغناء المحرم بالآلات والمعازف، وأحضر بعضهم من يعزفون على الآلات الموسيقية، ونقلوا صورة المغني عبرة شاشة إلى قاعة النساء.

وهكذا تُنتهك محارم الله، وتُتعدى حدوده، ويُتطاول على شرعه في تلك الليلة، على مسمع ومرأى من الجميع باسم الفرح والتميز والظهور بجديد.

عباد الله: منكرات تتنوع وتتجدد وتكثر في الأفراح عامًا بعد عام، تجرح قلوب المؤمنين وتبكي عيون الصالحين، لن تمر والله مرور الكرام لا على الأفراد ولا على المجتمع فالإسراف والغناء واللباس العاري والسفر إلى بلاد الكفر والتخلي عن الحجاب وركوب الحرام في ليلة الزفاف أو شهر العسل -كما يقولون- لن تمر مرور الكرام.

وانظروا إلى ارتفاع نسبة الطلاق ناهيك عن المعلقات، واللائي يعشن حياة النكد والغم ما قبلنا بها، وصبرنا عليها إلا لأجل الأطفال، لتدركوا أن المعصية في ليلة ربما أبكت سنين، وأن من ضحك في تلك الليلة ملأ فيه وهو يعصي الله ربما بكى ملأ عينه سنوات عديدة.

وإنا نخشى والله من عقوبة الله، نخشى أن نكون كالذين قال الله فيهم (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد

فرب العباد سريع النقم

يا قومنا أجيبوا داعي الله قبل أن يحل بنا ما حل بغيرنا من السابقين واللاحقين، يا قوم تداركوا الأمر قبل أن نصبح خبرًا من الأخبار، قبل أن نصبح حديثًا للناس يتناقلون ما فعل الله بنا.

يا قوم إن صمتنا على هذا الفساد الذي اعتاده الناس ربما أورث عقوبة من الله تصيب الجميع ولكن بعد فوات الأوان.

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.

 أما بعد: فيا معاشر المسلمين: ومن جراح الأفراح ما صار يشترطه البعض من مبلغ معين، وأن تكون الخطوبة في استراحة، وبعضهم أن تشرف الأم والعروس على كامل الترتيبات، وأن يحضر للعروس كذا وكذا، والسبب لأنها ليست دون بنات عمها وعماتها أو خالها أو خالتها.

بهذا المنطق القبيح تتكلم بعض الأمهات، وهل جاء الرجل لينافس فلانًا وفلانة أم أنه جاء ليتزوج امرأة يعيش معها في مودة ورحمة؟!

ومن قبيح ما اشترطه البعض أن تتزوج المرأة مفردة، فليس لأحد من إخوة العريس أن يتزوج معه، ولقد أحسن أحدهم عندما طلق المرأة لما أصرت على هذا الشرط فالمرأة بهذا الشرط تفرِّق الأسرة، وتترفع عن امرأة ربما كانت أفضل منها.

عباد الله: ومع هذه الجراح لن نعدم الخير، ولن يموت النبلاء، فقد وجد في المجتمع من زوَّج على اليسير من المال، وكانت الوليمة مختصرة، ومنهم من طلق قصور الأفراح ولا يعرف إلا الاستراحات.

وفي خطوة جميلة رائعة هي من السنن الحسنة التي له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وزع أحدهم في زواجه خواتم من ذهب على من لبسن لباسًا ساترًا، أسأل الله أن يبارك لهؤلاء وأن يخلف عليهم خيري في الدنيا والآخرة.

عباد الله: أوقدوا أنوار الفرح في زوجاتكم، وكلوا واشربوا لكن في حدود الحلال، ففي الحلال كفاية، أسأل الله جل وعلا أن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله امتثالاً لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أجمعين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين في سوريا ومصر والأحواز وبورما ولبنان، ومالي وفلسطين، والعراق وأفغانستان واليمن، وفي كل مكان.

اللهم انشر الأمن في ربوع بلاد المسلمين كافة يا قوي يا قادر، اللهم مكّن لأهل السنة في العراق، اللهم مكّن لهم، اللهم قوِّ عزائمهم، اللهم انصرهم بنصر من عندك وأيدهم بجند من جندك يا قوي يا قادر، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 اللهم أمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحانك ربي رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.