الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المهلكات |
الفتنة نائمة، وحصولُها يُفسدُ البلاد ويقطعُ الأرزاقَ ويُفقدُ الأمن الذي به حياة الناس ومعاشهم، فلنحذر من إعلامٍ يفرِّق ولا يجمع أو يظهرُ الباطلَ ويفسدُ ولا يُصلح، يُظهرُ المتطرّفَ وصاحبَ الغلوِّ أنه مُمثلٌ عن المجتمع وهو لا يعدو أن يكون شاذَّ الفكر والطرح.. يَجِبُ عَلينَا الحذرُ عَمَّا يُشِيعُهُ المرجِفُونَ وتَتَنَاوَلَهُ آلاتُ الإِعلامِ وتَتَنَاقَلَهُ وسَائِلُ الاتصالِ وشَبَكَةُ المعلوماتِ مِن شَائِعَاتٍ وأَراجِيفَ وأناسٌ يمتهنون التصنيف أو التعصَّب في عصرِ السماءِ المفتُوحَةِ والفَضَائِياتِ.. يُفرّقون الأمة ويدَّعون الحق لهم وحدهم..
الخطبة الأولى:
الحمد للهِ، الذي جمع كلمة المسلمين وشبههم بالبنيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله والتزموا وصية نبيكم؛ "وكونوا عباد الله إخوانًا"، فالمؤمنونَ أُمةٌ واحدةٌ ربُّهم واحدٌ وعبادتُهم واحدة.. أَلَّف الإِسلامُ بين قلوبِهم ونزعَ العداوةَ من صدورهم وزيَّن الإِيمانَ في قلوبهم.. ووقاهم حَميّةَ الجاهلية.. دعوتُهم توحيدٌ واتحاد.. وحياتُهم إِخاءٌ وتعاون فيما لا يغضب الله.. قِبلتُهُم واحدة.. بيوتُ اللهِ تَجمعهُم.. وحُكم اللهِ يَشْمَلُهُم، والمفَاضَلةُ بينهم بِتقوى الله والعَملِ الصالح..
بِوحدَةِ الكَلمة عبر تاريخهم مَلكُوا العِبَادَ وسَادُوا البِلادَ.. وسَعْدَ بِهم الأَشقياءُ.. بِعَدْلِهم ضَعُفَ الجبَابِرةُ وانتصفَ الضُعفَاء.. كانوا في الحقِ كالبُنيَانِ المرصوصِ فَعَزّ دِينُهم وحُفِظَت أَوطَانُهم.. وصِينت أَعراضُهم.. مُتكاتِفُونَ يَدْلُّونَ على الخير، ويُحَاربُونَ السُوءَ.. يَنشرونَ السُنة ويَقمعُون البِدعة يَأْمُرُونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكَرِ وهُم مُجْتَمِعُونَ..
هذا هو الأَصلٌ العَظيم الذي يَجبُ أَن يَكونَ نُصْبَ أَعين كُلِّ والٍ وعالمٍ وإِعلامي في أَيِّ مَكان.. بأن نَكونَ يَداً واحِدةً ضدَّ مَن يُريدُ مَسخَ عَقيدةِ الأُمَّةِ، وتَبديلِ شَرِيعَتِهَا وتَشويهِ مَنهجِهَا، وزَعزعَةِ أَمنِها، والترويجِ للفتنِ في البلدان..
لاسيما ونحنُ نَرى الفتن بعددٍ من البلدان تفرق بين الشعُوبِ لأَتْفَهِ الأَسبابِ.. إِشاعةٌ تُنشرُ وكِذّبَةٌ تُسبِّب الخلل وتصنيفٌ واتهام يثير العداوة.. والمحزنُ المسارعةُ للاختلاف بيننا وتخوين بعضنا والتنازع لنضعف قوتنا غير مدركين أزمتنا وأن هذا الاختلاف يدمّر بلادنا..
إنَّ بِلادَنا وبلادَ المسلمين أحوجُ ما تكون اليوم إِلى جَمعِ كَلمَتِهِم على الحقِ.. وعِند الاختلافِ والبلبة يعلو صَوتُ العَقْلِ والحِكمَةِ والاحْتِكَام لِمِيزَانِ العَدلِ، والإِنصافِ.. وتَركِ الفُرقَةِ والتَنَازُعِ.. وننشر النوايا الطَيِبَةِ والتَعَاونَ الجادِ الصَادْقِ والعدل مِنْ أَجلِّ إِقامةِ مُجْتَمَعِنَا وأَوطانِنَا ..
نَتركُ الخِلافَ ونُوحِّدُ الرّأَيَ ونَقِفُ صَفاً واحِداً قادةً وشعوباً في مُواجَهَةِ أسباب النزاع ومن يثيره، ونَثْبُتُ على نَهجِ الوِحْدَةِ والتَوحِيدِ الذي يَجْمَعُنَا وأمرنا به، ولنعلم أن من يُذكِي الخلافات ويعمل عليها وينشرها مستفيدٌ منها بالتفريق بيننا أياً كان انتماؤه ومكانه.. ومن يطرحُ في إعلامه وكتابتِه أسبابَ التفريق والتصنيف بلا حقٍ فهو مجرم بحقِّ دينه ومجتمعه!!
أَيُّهَا المسلمون.. الخلافُ فِي وُجْهَاتِ النَّظَرِ لا يَجُوزُ أَنْ يُؤدِّي إِلى صِراعَاتٍ وإِفسادٍ بَينَ الشُعُوبِ؛ إِنَّهَا فِتنَةٌ جَهْلاءُ، وضَلالةٌ عَمْياءُ، لا يستفيدُ منها إِلا الأَعداءُ.. وكما أنه خطأ تجاهل مطالب الإصلاح، وعدم الاهتمام بها فإنه ليسَ مِن المصلحةِ أَنْ يُوجِّه كُلٌّ مِنا أَصَابِعَ الاتِهَامِ إِلى بَعضِنَا بَعضًا، إِنَّها دَعوةٌ لكلمة مجتمعة لا يَذِّلُ فِيها مُظلومٌ، ولا يَشْقَى مَعهَا مَحرُومٌ، ولا يَعبثُ في أَرضِهَا بَاغٍ، ولا يتَلاعَبُ بِحُقُوقِها ظَالمٌ، ولا يَسْتَغِلُّ أَزمَتَهَا مُنَافِقٌ، ولا يُنالُ من عالم ولا من حسبْة..
وجمعُ كلمتنا يكونُ بالمحافظةِ على ثوابت ديننا وقيمنا التي لا ينبغي لأحدٍ التلاعبُ بها.. وإنَّ المحافظةَ على الجماعة من أعظم أصول الإسلام (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
وبِوحِدَةِ الكَلَمةِ تَستَطِيعُ الأُمة مواجهة الأَزمَاتِ بَعد تَوفيقِ الله لها.. وبوجودِ نظامٍ قويٍّ يضربُ بيدٍ من حديد على من يسعى للتفريق بين المجتمع والنيل من ثوابته لأنهم ينشرون الفساد والفشل بتفريقهم وتنازعهم..
إخوتي.. إِنَّ جُلَّ الخِلافِ الذي فَرّقَ الأُمةَ يَرجعُ لطُغيانِ الهوى وحُبِّ الغَلَبَةِ والاسّتِبْدَادِ وتَتَبُعِ الزّلاتِ وإِشهَارِ الهفَواتِ، وتَصديقِ الشَائِعَاتِ مَعَ مَن يَقْتَاتُونَ بِذَلَك في الإعلام ووسائل الاتصال يَعمَدُونَ للإِثَارةِ بِنَشِرِ الأَكاذِيبِ والاتهامات وتَسويقِ البَاطِلِ، وهذه التفرقة هيَّ المُهلكةُ الحالِقَةُ.. لا أقولُ تَحّلِقُ الشَعرَ بَل تَحّلِقُ الدينَ كما في الحديث..
لقد تنوّع الخلاف وانتشر حتى داخل البيت الواحد فأصبح الناسُ في اختلافٍ مع أهلهم وأقاربهم وفي مدارسهم ومساجدهم ومجالسهم ويسارعون للخصام فيما بينهم لسببٍ أو لدونما سبب..
وإِنَّ الأُمّةَ لا تُصابُ ولا تُحِيطُ بِهَا الشَّدَائِدُ والفتن وتَلَحَقُهَا النَّكَبَاتُ إلا بعد تنازعها فيما بينها، فحصنها في الأَزمَاتِ إيمانُها بالله وصدقُ توكلها عليه والاستِمْسَاكُ بِشرعهِ ثم في تآزُرِ المجتمعِ وتَمَاسُكِهِ والتِفَافِهِ حَولَ قَادْتِهِ ودُعَاتِهِ وعُلمائِهِ.. والأَزماتُ سيَخِفُّ أَثَرُها وخَطَرُهَا باجتماعِ الكَلِمَةِ.. وحِينَ يَنبَري العُقَلاءُ لِتَهْدئتها وبيانِ الحق..
باجتماعِ الكلمةِ وأُلَّفَةِ القُلوبِ تَتَحَقَّقُ مَصَالِحُ الدينِ والدنُيا ويَتَحَقَّقُ التَنَاصُرُ والتَعاونُ والتَعَاضُد (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. "المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيَانِ يَشدُّ بَعضُهُ بَعضاً" (رواه البخاري). ويقول.. "إن يد الله مع الجماعة".
وكان أَعظمَ ما نَهى الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- الفُرقةُ والاختِلافُ فقال.. "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"؛ حققّه -عليه الصلاة والسلام- منهجاً فلم ينشر مثلاً أسماءَ المنافقين ولم يعاقبهم وأخذَهم بظواهرِهم رُغمَ فضحِ القرآنِ لأفعالِهم فعلَ ذلك سياسةً للحفاظ على وحدة كلمة المجتمع بالمدينة وحتى لا يقول الناسُ.. محمدٌ يقتل أصحابه.. ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه-.. "الخلاف شرٌ كله"..
وقال الحسن -رضي الله عنه-.. "أيها الناس إن الذي تكرهون في الجماعة خير مما تحبوه في الفرقة"..
إنها معانٍ عَظيمةٍ واجبةٌ كُلَّ وقت وتتأكد أَوقَاتَ الشَدَائِد والأَزماتِ والفِتَنِ؛ حِفَاظاً على حَوزةِ المسلمين وحِراسةً للوطنِ والدينِ فاجتماعُ الكَلمةِ قُوةٌ للمسلمينَ، واختلافُها ضعفٌ لهم.. وتفريقُ المجتمع هدفٌ للعدو بالخارج وللمنافق في الداخل لإضعاف الأمة..
من مظاهر ذلك التكفيرُ والتبديعُ بلا وجه حق أو كذلك من يُصنِّفُون الناس على هواهم ويُحرِّضُون عليهم ويفسدون في الإعلام والمجتمع فيوزعون التهم حسب أهوائهم فهذا إخواني وهذا علمان،ي وهذا مفسدٌ وهذا فتان وما دروا أنهم يفرقون المجتمع بتصنيفهم هذا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "آمركم بخمسٍ الله أَمرني بهنَّ.. بِالجماعةِ وبِالسمعِ والطاعةِ والهجرةِ والجِهادِ في سبيلِ الله فَإِنَّهُ مَن خَرجَ مِن الجمَاعَةِ قَيد شِبرٍ فَقد خَلَعَ ربقة الإسلامِ من عنقهِ إِلى أَن يَرجِعَ، ومَن دَعا بِدعوى الجَاهلِيَةِ فَهُوَ مِن جُثّاءِ جهنم"، قالوا.. يا رسول الله وإن صام وصلى؟! قال: "وإِن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله -جل جلاله- المسلمين المؤمنين عباد الله -عز وجل-" (حديث صحيح رواه أحمد والترمذي).
فأين هذه المعاني من تلك الفرقِ والأحزابِ وحسابات في وسائل التواصل ساهمت في تفريقِ الكلمةِ وتقسيم المسلمين وعدمِ اتفاقهم وتسعى للفتنة والفرقة.. إما بين سلفيّةٍ مُدّعاة أو متطرفون وغُلاة أو ما يُسمى ليبراليون بالإعلام كلُّهم في الفتنة سقطوا وأَصبَحُوا يَتَقَاتَلُونَ فيمَا بينهم ويُمكِّنون للمنافقينَ الذين يريدون حَرْفَ مسيرةِ المجتمعِ أخلاقياً ودينيّاً ليثيروا الفتن ويُحدِثُوا الفُرقَةِ فيما بيننا.. في منهجٍ يُخالفُ علماءَ البلد وقادته ودعاتَه ومثقفيه الصادقين..
عن العرباضِ بن سَارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوعظةً وجلت منها القلوبُ وذَرفت مِنها العيونُ فقلنا يا رسول الله.. كأنَّها مَوعِظةُ مُودع فأَوصَنا قال.. "أوصيكم بتقوى الله والسمعِ والطاعةِ وإِن تَأَمرَّ عليكم عبدٌ فإِنَّه مَن يعشُ مِنكم فَسيَرى اِختلافاً كَثيراً، فَعليكُم بِسُنّتِي وسُنّة الخلفَاءِ الراشدينَ المهديين، عَضُّوا عَليهَا بِالنَواجِذ، وإِياكُم ومُحدثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالة" (رواه أبو داود والترمذي.. وقال حديث حسن صحيح).
فأين هؤلاء من هذه النصوص الداعية إِلى وُحدةِ الكلمةِ وضرورةِ اِجتماعها رَغْمَ مُنغِصَاتِ الحياةِ وتَعدُّدِ الآراء ولذلِكَ فلنحذر جميعاً من المشاركة بِالشَائِعَاتِ الكَاذِبَةِ والأَراجيفِ المغرضةِ التي يتولاَّها إما إِعلامٌ لا يُريدُ بِالأُمَةِ خَيراً وينشر الفسادَ الأخلاقي، والأفكارَ الهدَّامة.. وإما متعجُّلٌ لا يدركُ سوءَ تصرُّفِه!!
ممارساتٌ تُنشَرُ عَبر الفضائياتِ وشَبكةِ المعلوماتِ تَستَهدفُ الطَعنَ في أفراد المجتمع، وتؤلِّبُ على المشائخ والدعاة وعموم الناس، وتبثُ الفُرقَةَ والاختلافَ، وحين ترى ذلك تتساءلُ أين دورُ العقلاءِ بالمناصحةِ والتَعَاونِ عَلى بَيانِ الحقِ وبالتزام منهج التآلف، والنقد البناء والتواصلِ مع الولاةِ بالوسائل الشرعية، وتبيينِ سُبُلِ الفَسادِ التي هي سبَبُ كُلِّ شَرٍّ؟!
كما أننا نحتاجُ لدورِ العُلماءِ بالتفاهم حَولَ النَّاسِ خاصةً الشباب.. يستمعون مِنهُم ويُحاورونهم بِالحُسنَى وبالنصح والمدافعة عن المظلومين وأصحاب الحقوق والدفاع عن شريعةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يُحاربُها البعضُ وهذا دور العلماء، وجهدهم هذا يبثُّ الثِقَة في المجتمع بالإصلاح ضِدَّ المبطِلِينَ والمفسدينَ كما نحتاجُ أيضاً لحُسنِّ الظَنِّ بِالعُلَمَاءِ فَهُم سِيَاجُ الأُمَّةِ ضِدَّ الفِتَنِ والمراجِعِ الشَرعِيَّةِ وقتَ المحن..
أيها الإخوة المؤمنون.. الفتنة نائمة، وحصولُها يُفسدُ البلاد ويقطعُ الأرزاقَ ويُفقدُ الأمن الذي به حياة الناس ومعاشهم، فلنحذر من إعلامٍ يفرِّق ولا يجمع أو يظهرُ الباطلَ ويفسدُ ولا يُصلح، يُظهرُ المتطرّفَ وصاحبَ الغلوِّ أنه مُمثلٌ عن المجتمع وهو لا يعدو أن يكون شاذَّ الفكر والطرح.. يَجِبُ عَلينَا الحذرُ عَمَّا يُشِيعُهُ المرجِفُونَ وتَتَنَاوَلَهُ آلاتُ الإِعلامِ وتَتَنَاقَلَهُ وسَائِلُ الاتصالِ وشَبَكَةُ المعلوماتِ مِن شَائِعَاتٍ وأَراجِيفَ وأناسٌ يمتهنون التصنيف أو التعصَّب في عصرِ السماءِ المفتُوحَةِ والفَضَائِياتِ.. يُفرّقون الأمة ويدَّعون الحق لهم وحدهم..
ولا يُصلحُ هؤلاءِ إلا تأديبُهم فهم يستهدفون بأفعالهم التَآلفَ والتَكَاتُفَ، ويسعَون لإِثَارَةِ النَعَراتِ والأَحقادِ وينشُرَ الظُنُونَ السيَئةِ ويُروِّجَون للسلبياتِ ويُضخّمَون الأَخطاءَ.. بإِثارةِ النَّعَرَاتِ بينَ الشعُوبِ أو القبائِل أو المناطق أو يُشوِّهون الدعاة والعلماء وأجهزة الدولة ببرامج تُثيرُ المشكلاتِ، وتَنشرُ الشَائِعَاتِ.. لا يتورعون عن اِتِهَامِ الأَهدافِ والنَّيَات..
وكأنهم تبعٌ للأَعداءِ والعُمَلاءِ، بزعزعة الثَوابِت وهزِّ تماسك المجتمع.. وإفقادَ الثِقَةِ بالنَّفسِ والأُمةُ والقِيَادَة، ونشرَ الضَغَائِنِ، فَكَم أَقلَقت شائعاتهم وأراجيفهم مِن أَبرياءَ وهدمت مِن وشَائِجَ، وسببت مِن جَرائِم، وقَطعت مِن عَلاقاتٍ، وأَخّرَت أَقوامَاً، وعَطَلَت مَسيرة، وهَزَمت جُيُوشَاً..
أَمَّا المؤُمنُونَ فَموقِفُهُم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 173- 175].
فالأصل حُسنُ الظَنِّ بِالمسلمينَ أَفرادَاً وجَمَاعَاتٍ.. (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 12]، وحتَى عَلى فَرضِ وُقُوعِ الخطأ من أي أحد فَليسَ عِلاجُهُ بِالغَوغَاءَ والتشفي والتشهير أو الاتهام والتصنيف وإِنَّما لَهُ طُرقهُ المبذُولةِ للِإصلاحِ..
فصن لسانك –أخي- أَوقاتَ الفِتَنِ والإشاعات، والعَقلُ والإيمانُ يدعوانِ صَاحِبَهُما لِلمُوازَنَةِ بينَ مَصلَحَةِ الكَلامِ ومَصلَحَةِ الصَمتِ والاقتداء بأهل الحكمة والرأي والعلم (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 82- 83]، أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
عباد الله.. من آكد الأمور التي تسعى لجمع الكلمة نشرُ ثقافةِ المناصحة والنقدِ الهادف البنَّاء بيننا وأهمُّها نصح المسئول وإيصالُ صوتِ الحقِّ إليه؛ فللنصيحةِ مقام كبيرٌ في الدين قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، قلنا.. لمن يا رسول الله؟ قال.. "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه مسلم).
ومناصحةٌ وليِّ الأمرِ واجبةٌ يقول -عليه الصلاة والسلام-.. "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً.. أن تعبدوه ولا تشركوه به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً؛ قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (رواه مسلم).
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- .. "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها"..
فالإصلاح والنصيحة بأسلوبها الشرعي يجلب المصلحة ويجمع الكلمة ويقويها ويدرأ المفسدة، وترك النصيحة أو ممارستُها خطأً، بالتعجُّلِ والاتهام فإنه خطأٌ يثيرُ الفتن ولو رآه صاحبُه حقَّاً، ونحن والله نحمد الله على نعمٍ نعيشُها من أمنٍ واجتماع كلمة سيدوم بدوام إقامة شرع الله والمناصحةِ فيما بيننا، ونبذ الظلم وإحقاق الحق، والأخذ على يد من يريدُ حرف مسيرتنا للفساد في الدين والخلق..
ثم الحذر ممن يريدون الفتنة بالتصنيف أو بالمبالغة في عرض الظواهر المنحرفة.. نسأل الله –تعالى- أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كلِّ سوءٍ ومكروه، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يصلح ذات بيننا، ويهدينا سبل السلام، وأن يهدي ضال المسلمين..