البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

فضل الرباط والمرابطين في سبيل الله

العربية

المؤلف صالح بن محمد آل طالب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - كتاب الجهاد
عناصر الخطبة
  1. نعمة الأمن والأمان .
  2. فضائل الرباط في سبيل الله .
  3. واجبنا نحو المرابطين على الحدود .
  4. أهمية حِراسة وحدة الصفِّ واجتماع الكلمة .
  5. وجوب التصدي للعابثين بأمن الأوطان. .

اقتباس

وقد نقلَ شيخُ الإسلام في فضلِ المُرابَطةِ في سبيل الله الاتفاقَ بين أئمةِ الإسلام عل أنها أفضلُ من المُجاورةِ بالمسجِد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصَى. فكيف بمن رابطَ لأجل حماية هذه المُقدَّسات، وحِراسة أراضِيها، ورعايةِ قاصِديها؟!.. الرِّباطُ والجهادُ شُرِعا لحفظ الدين والأنفُس والأموال والديار، من قاتلَ لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو المُجاهدُ في سبيل الله. فهل يُعلِي كلمةَ الله من يقتلُ المُصلِّين في المساجد، وينتهِكُ الحُرمات، ويُزعزِعُ الأمنَ في ديار الآمِنين، ويستهدِفُ المُسلمين قبل غيرهم بالقتل والتخريب والتدمير؟!...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة.

وأُوصِيكُم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله تعال؛ فهي الزادُ للسفَر، وخيرُ ما يُجنَ ويُدَّخَر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

أيها المسلمون:

الأمنُ والأمانُ نعمةٌ من الله على البشر، كما أنه فِطرةٌ يتطلَّبُها كلُّ حيٍّ على هذه الأرض. وفي ظلِّ الأمن يعبُد الناس ربَّهم في طُمأنينة، ويغدُو الناسُ إلى معايشِهم ومعاهِدهم في سَكينة، فتُعمرُ الدنيا ويُسعَ إلى الآخرة.

أيها المؤمنون:

وكما تُوضعُ الأقفالُ على الأبواب خشيةَ اللُّصوص، وتُبنى السُّدود خشيةَ دمار الطُّوفان، فإن على حدود البلاد سُدودًا وأبوابًا، يحرُسُونها - بإذن الله - من طُوفان الشرِّ وخرابِ الديار.

رجالٌ يسهَرون لينام الناس، وينصَبون لراحة الآخرين. في ميزانهم الصالح كلُّ عبادةِ عابِدٍ، وعلمِ مُتعلِّمٍ، وكسبِ تاجرٍ، ودعوةِ هادِي. إنهم المُرابِطون عل الثُّغور، والحارِسون للحدود، والحافِظون للأمن.

عباد الله:

الرِّباطُ هو الإقامةُ في الثُّغور، وهي الأماكنُ التي يُخافُ على أهلها من العدوِّ، والمُرابِطُ هو المُقيمُ على الثُّغور، والمُعِدُّ نفسَه للجهاد في سبيلِ الله والدفاعِ عن دينه وإخوانِه المُسلمين، وهو واجبٌ أمرَ الله به في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].

كما أنه عبادةٌ مُمتدَّةُ الأثر، عظيمةُ الخطر، وقد نقلَ شيخُ الإسلام في فضلِ المُرابَطةِ في سبيل الله الاتفاقَ بين أئمةِ الإسلام عل أنها أفضلُ من المُجاورةِ بالمسجِد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصَى. فكيف بمن رابطَ لأجل حماية هذه المُقدَّسات، وحِراسة أراضِيها، ورعايةِ قاصِديها؟!

عن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضِعُ سوط أحدِكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوحةُ يروحُها العبدُ في سبيل الله أو الغَدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها» (رواه البخاري ومسلم).

أيها المسلمون:

الرِّباطُ والجهادُ فروضٌ شرعية، لها معالِمُها وحُدودُها وفقَ الشريعة لا وفقَ الأهواء، ولا كما يُصوّرُها الأعداء، أو يتبنَّاه السُّفهاء.

الرِّباطُ والجهادُ شُرِعا لحفظ الدين والأنفُس والأموال والديار، من قاتلَ لتكون كلمةُ الله هي العُليا فهو المُجاهدُ في سبيل الله. فهل يُعلِي كلمةَ الله من يقتلُ المُصلِّين في المساجد، وينتهِكُ الحُرمات، ويُزعزِعُ الأمنَ في ديار الآمِنين، ويستهدِفُ المُسلمين قبل غيرهم بالقتل والتخريب والتدمير؟!

إن اختطافَ المارِقين للمُصطلحات الشرعية لا يُلغِيها، ولا يُسوِّغُ تركَ الحقِّ لمُنازعَة المُبطِلين به.

إن من يحمِي ثُغورَ المُسلمين، ويدفعُ عنهم هو المُرابِطُ في سبيل الله، والذين يقِفون على حدود البلاد يُؤمِّنونها ويحرُسُونَها هم المُرابِطون في سبيل الله.

المُرابِط كلُّ من وقفَ نفسَه على ثغرٍ من ثُغور الإسلام، يدفعُ عنه ويحرُسُه ويحمِيه، حتى ولو لم يُقاتِل. إن مُجرَّد المُرابطَة ولو بدون قتالٍ هو رِباطٌ تامٌّ يُؤجَرُ عليه المُرابِط.

وقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رِباطُ يومٍ» يعني: مُلازمةَ الحُدود من أجل حمايتِها.

عن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رِباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيامِ شهرٍ وقِيامه، وإن ماتَ فيه جرَى عليه عملُه الذي كان يعمل، وأُجرِيَ عليه رِزقُه، وأمِنَ من الفتَّان» (رواه مسلم).

وعن فضالَة بن عُبَيدٍ - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلُّ ميتٍ يُختَمُ على عمله، إلا المُرابِط في سبيل الله، فإنه ينمِي له عملُه إلى يوم القيامة، ويُؤمَّنُ من فتنة القبر» (رواه أبو داود والترمذي بإسنادٍ صحيح).

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رِباطُ شهرٍ خيرٌ من صيام دهر، ومن ماتَ مُرابِطًا في سبيل الله أمِنَ الفزعَ الأكبر، وغُدِيَ عليه ورِيحَ برزقِه من الجنة، ويجرِي عليه أجرُ المُرابِط حتى يبعَثَه الله - عز وجل -» (رواه الطبراني، ورواتُه ثقات).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ماتَ مُرابِطًا في سبيل الله أُجرِيَ عليه الصالِحُ الذي كان يعمل، وأُجرِيَ عليه رِزقُه، وأمِنَ من الفتَّان، وبعثَه الله يوم القيامة آمِنًا من الفزع الأكبر» (رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيح).

وفضلُ الله تعالى واسِع؛ فكلُّ قائِمٍ على ثغرٍ من ثُغور المُسلمين فهو مأجُور ولو كان في داخل البلاد.

فعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عينانِ لا تمسُّهما النار: عينٌ بكَت من خشية الله، وعينٌ باتَت تحرُسُ في سبيل الله» (رواه الترمذي بإسنادٍ صحيح).

أيها المسلمون:

هذا هو الرِّباطُ، وهذا فضلُه، حتى ولو لم يحصُل قتلٌ ولا قتال، أما إذا ابتُلِيَ المُؤمن بمُواجهة العدوِّ فهو في جهادٍ يُؤجَرُ عليه، ومقامٍ عليٍّ يُغبَطُ عليه، وموطِن ابتلاءٍ ورِفعةٍ، قال الله - عز وجل -: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31]، وقال - سبحانه -: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 95]، وقال - عزَّ من قائل -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 74].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجنةِ مائةَ درجة أعدَّها الله للمُجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم اللهَ فاسأَلوه الفردوسَ فإنه أوسطُ الجنة، وأعلى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تفجَّرُ أنهارُ الجنة»؛ حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين.

عباد الله:

لا شكَّ أن القتالَ أمرٌ صعبٌ تكرَهُه النفوسُ، قال الله - عز وجل -: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

وإن القتلَ ليس مقصُودًا لذاتِه، فالمُسلمُ لا يذهبُ للجهاد لأجل أن يُقتل، وإنما لأجل أن ينصُر دينَ الله، ويُدافِعَ عن المُسلمين وعن أرضِهم، ولأجلِ أن ينتصِر في مهمَّته. لكن الشهادةَ ضمانةٌ للحالِ الأخرى، وحُسنى لا ينفكُّ المُؤمنُ من تحصيلِ أجرها أو النصر، قال الله - عز وجل -: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 52].

إن الحقَّ لا بُدَّ له من صوتٍ يُعلِيه، وقوَّةٍ تَحمِيه، ورجالٍ يذُودُون عنه.

فيا أيها المُرابِطون في سبيل الله! إنكم والله تُغبَطون عل ما أنتم فيه من عظيم العمل وجزيل الثواب. فهنيئًا لكم الأجرُ والشرفُ.

اقتَدُوا بالنبي وصحبِه في ذكرِ الله ودُعائه والصبر، وأبشِروا بالظَّفَر والنصر، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 146- 148].

ويا أيها المُسلمون:

إن المُجاهدين والمُرابِطين عل الحُدود لهم عليكم حقٌّ عظيم، يُعرِّضُون أنفُسَهم للموت والخطر، والتعبِ والنصَب، من أجل أن تعيشُوا في أمنٍ ورخاءٍ، وراحةٍ وأمنٍ وطُمأنينة، ورغدِ عيشٍ. يُعرِّضُون أنفُسَهم لكل أنواع المصائِب والأهوال، يُفارِقون الزوجات والأولاد والأهل، من أجل أن ينعَمَ إخوانُهم بعيشةٍ طيبةٍ، فهم يقُومون بواجبٍ عظيمٍ.

فادعُوا لهم سرًّا وجهرًا، وأعينُوهم بما تقدِرون، «ومن خلَفَ غازِيًا في أهلِه بخيرٍ فقد غزَا».

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَنا بسُنَّة سيِّد المُرسَلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُ المُبين، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد .. أيها المسلمون:

فكما أن الرِّباط عادةً يكون في الثُّغور وعلى أطراف البلاد، فإن لأهل الداخِل رِباطًا آخر لا يقلُّ أهميَّةً عن رِباط الحُدود، وخُصوصًا إذا كانت البلادُ قد دخلَت في غِمارِ الحروب.

إنه حِراسةُ وحدة الصفِّ، واجتماع الكلمة، وهو ثغرٌ يحرِصُ العدوُّ عل النَّفاذِ منه إذا أعجزَته ثغورُ الأطراف؛ بل إنه لا قيمةَ لكل جهدٍ عل الحُدود إذا تمَّ النَّيلُ من ثغر الداخِل، وهو الثَّغرُ الذي يستهدِفُه المُنافِقون عادةً، وقد يستجِرُّون إليه المُغفَّلين والجُهَّال.

إن العقلَ والمنطِقَ يقضِي بتأجيل أيَّة خلافاتٍ داخليَّة، أو خُصومات ولو كانت خلافاتٍ مُستحقَّة، ما دامَت البلادُ في حربٍ. فكيف إذا كانت خُصوماتٍ مُفتعلَة، وخلافاتٍ ساذَجة، تُشغلُ بها المُجتمعات، ويصطَفُّ لأجلِها النُّخبُ وذوو الهيئات؟! ترجُفُ بها وسائلُ التواصُل والإعلام، تُوغَرُ بها الصدور، وتُستجاشُ الأحقاد، يصحُو المُجتمعُ وينامُ لأيامٍ على تطوُّراتها وجديدها، يكونُ الانتصارُ فيها للنفسِ أكثرَ من الحقِّ، في استِهانةٍ بالحالةِ التي تعيشُها البلاد، وعدم مُبالاةٍ بجديَّة الأحداث التي يعيشُها الوطن.

وثمَّة خواصِرُ ليِّنةٌ في كل مُجتمع، كثيرٌ منا يعرِفُها، إذا تمَّ مسُّها بحقٍّ أو باطِل ثارَ غُبارُ الجدل حولها، وانشغلَ المُجتمعُ بها، واستُحضِرَت الشَّحناءُ عل عتَبَاتها. هذه الخواصِرُ ينخَسُها المُغفَّلون، أو المدفُوعون بلا مُبالاةٍ ولا تقديرٍ للعواقِب، ولا إحساسٍ بالحالةِ الرَّاهِنة للدولةِ، فينسَ الناسُ حربَهم الداخلية، لينشغِلوا باحترابٍ مُجتمعيٍّ داخليٍّ.

إن تلك القضايا الحسَّاسة التي تُمسُّ إن كانت إثارتُها بحقٍّ فليس هذا وقتُه، وإن كان بباطلٍ فإنما هي غارةٌ داخليَّةُ الرميِ والمرمَى.

لقد تجاوزَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الانشِغال بخيانة بني النَّضير في غزوة الخندق، وكشفِهم ظهور المُسلمين، حتى تفرَّق الأحزاب، وانهزَمَ غُزاةُ الخارِج، ثم حاسبَهم بعد ذلك.

فكيف نشغلُ المُجتمع ونُرجِفُ به في مسائل أقل، وهي قابلةٌ للتأجيل؟!

وفي أول آيةٍ من سورة الأنفال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1]، وفي أوسطها: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

والتعجُّلُ في الأمور وتوظيفُها للأهواء والشهوات من مُؤشِّرات الفشل وذهابِ الرِّيح، كما أن على صاحبِ كل منبرٍ أو قلمٍ ووسيلةٍ إعلاميَّةٍ خاصَّةٍ أو عامَّةٍ أن يُدرِك الظروفَ المُعاشَة، والنوازِلَ المُحيطَة بأمَّتنا. فإن كثيرين لم يُجارُوا الأحداث، ولم يستشعِرُوا الواقِع، ففُقِدَت الجديَّةُ في الطَّرح، وغابَ الترفُّعُ عن هَزيلِ البرامِج ودعايات الغرائِز.

وإنك لتعجَبُ من قنواتٍ محسُوبةٍ على العربِ والمُسلمين قد انبَتَّ طرحُها عن أخلاق العربِ وشريعة المُسلمين. وآخرون يستَعدُون الرأيَ العام، ويُقلِّبُون الأمور عبرَ الكلمات والتغريدات والمقالات، في ضَجيجٍ تُؤجِّجُه العواطِف، واستِعداءٍ تؤُزُّه الأهواءُ الجامِحة، لا تُنتِجُ إلا إيقاظَ الفتن.

وبلادُنا مغبُوطةٌ بتماسُك جبهَتها الداخلية ووارِفِ أمنها، مُستهدَفةٌ من أعداء يَكيدُون لها، ويتربَّصون بها الدوائِر.

والدولةُ بكل ما تحمِلُه وتتحمَّلُه من مسؤوليَّاتٍ جِسام تُديرُ عمليَّاتٍ مصيريَّة، وتُواجِهُ صِراعاتٍ مُتعدِّدة، وتُغالِبُ رِهاناتٍ مُتنوِّعة، في الميادين وفي قِبابِ الهيئات الدولية.

وبلادُنا وقادتُها يستبِقُون الخيرات، ويُرابِطون على ثغر الأمة كلِّها. وواجبُنا تهيِئةُ الأجواء المُلائِمة، ليبلُغوا بالبلاد والعباد شاطِئَ السلامة.

والمملكة دولةٌ شرَّفها الله بخدمة المُقدَّسات، ومُؤسِّسُها - رحمه الله - أرادَ لها أن تقوم على المحجَّة البيضاء، فأسلمَ لها الرأيُ العالميُّ الإسلاميُّ، ومنحَها التقديرَ والثقة. فهي ناهِضةٌ لتحقيق مسؤوليَّتها العالمية، وقدرِها وقدَرِها الذي شرَّفَها الله به.

فعلى كل قائلٍ وكاتبٍ أن يسعَ لتوجيهِ فيوضِ القول لجمع الكلمة، وتوحيد الصفِّ والجهد لتحقيق الهدف. فالزمنُ بأوجاعه ومُخاتلة أشراره لا يحتمِلُ التصعيد والمُناكفات. لا بُدَّ من حَقن الأحبار، وكفِّ الألسُن، حتى يأذَن الله بانفِراج الأزمَات المُحدِقة بالأمة، وانكِشاف الغُمَّة.

والأمةُ تمُرُّ بأوضاعٍ تستدعِي التوقُّف حتى عن بعضِ المُباح. فكيف بالإثم؟!

ومبادئُ الأمة التي قامَت عليها قرونًا لخَّصَها القرنُ بقوله: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].

هذا، وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ البريَّة وأزكَ البشريَّة: محمدِ بن عبد الله الهاشميِّ القُرشيِّ.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام وانصُر المسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين.

اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم انصُر المُجاهدين والمُرابطين في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.

اللهم أنقِذ المسجد الأقصَى والمُؤمنين فيه وحولَه من عُدوان المُعتدين، وظُلم المُحتلِّين، اللهم عليك بالصهاينة المُعتدين فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم كُن لإخواننا في فلسطين، وفي سُوريا، وفي كل مكان، اللهم قد عظُم عليهم الخَطب، واشتدَّ الكرب، ولا ناصِر إلا أنت سُبحانك، فاللهم عجِّل بالنصر والفرَج، اللهم عجِّل بالنصر والفرَج، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروه، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحره، اللهم من أرادَ بلادَنا وولاتنا وعلماءَنا وعامَّتنا ووحدَتنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.

اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.

اللهم انشُر الأمن والرخاء في بلادنا وبلاد المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].

اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.

اللهم اغفر للمُسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم، اللهم ارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافيةِ على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رِياض الجنة، واجمَعنا به في  دارِ كرامتِك.

ربنا اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذريَّاتهم، وأزواجنا وذريَّاتنا، إنك سميع الدعاء.

نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ونتوبُ إليه.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضار، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.

اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.

ربَّنا تقبَل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

سبحان ربِّنا ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.