الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
المسلم الحق يتلمس دائماً طريق الإصلاح؛ ليعيد للأمة شيئاً من عافيتها بعد أن اشتدت عليها الأزمات، وكثرت عليها السهام والتحديات.
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، اتقوه سبحانه في أنفسكم ومسؤولياتكم، فتقوى الله هي العز من غير جاه ونسب، والشرف من غير منصب وحسب، هي الغنى من غير مال، وبها صلاح الحال والمآل.
أيها المسلمون، مقوّمات نهضة الأمم والمجتمعات ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات يكمن في العناية بقضية غايةٍ في الأهمية، قضيةٍ تُعدّ بداية طريق البناء الحضاري، ولبنةَ مسيرة الإصلاح الاجتماعي.
والمتأمِّل في دنيا الناس اليوم وواقع الأمة المعاصر يهولُه ما يعيشه الغالبية الساحقة من شعوب العالم من حياة الفوضى واللامبالاة، على الرغم من توفُّر كثير من الإمكانات، وتيسير كافة التسهيلات، مما تقذفه رَحم المدنية المعاصرة من وسائل التقانات، وما يفرزه الواقع اليومي من شتى المغالطات وكثرة المتناقضات، مع نسيج المتغيرات والمستجدات.
كلما أنبت الزمان قنـاةً رَكَّب المرء في القناة سناناً
والمسلم الحق يتلمس دائماً طريق الإصلاح؛ ليعيد للأمة شيئاً من عافيتها بعد أن اشتدت عليها الأزمات، وكثرت عليها السهام والتحديات.
وهنا يأتي بيت القصيد في قضيتنا المطروحة بحرارة كمخرجٍ للأمة من نفق التيه المظلم، لتنهض من كبواتها، وتحقق طموحاتها، إنها قضية المسؤولية.
معاشر المسلمين، إن كلَّ لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسد فيها المسؤولية بكل صورها، أفراداً ومجتمعات، هيئاتٍ ومؤسسات، شعوباً وحكومات، روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
إخوة العقيدة، والمسؤولية في الإسلام تعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطاناً عليه، أو قدرةً على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه، سواء أكانت مسؤولية شخصية فردية، أم مسؤولية متعددة جماعية.
فأما المسؤولية الشخصية فهي مسؤولية كل فرد عن نفسه وجوارحه وبدنه، روحه وعقله، علمه وعملِه، عباداته ومعاملاته، مالِه وعُمره، أعمال قلبه وجوارحه، وهي مسؤولية لا يشاركه في حملها أحد غيره، فإن أحسن تحقق له الثواب، وإن أساء باء بالعقاب، روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، ومن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)).
كما أن المرء ـ يا عباد الله ـ مسؤول عن لسانه أن يلغ في أعراض البرآء، أو ينقل الأراجيف والشائعات ضد الصلحاء، وعن قلبه أن يحمل الضغينة والشحناء، والغل والحسد والبغضاء، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36].
إخوة الإيمان، وأما المسؤولية الجماعية فتتضمن أولا المسؤولية الكبرى في الإمامة العظمى، في تحكيم شرع الله في أرض الله على عباده الله، وكذا القيام بالمسؤوليات في الوظائف العامة، عدلاً في الرعية، وقَسماً بالسوية، ومراقبةً لله وحده في كل قضية. وكذا الحفاظ على الأموال والممتلكات والمرافق العامة، فليست المسؤوليات غُنماً دون غرم، ولا زعماً دون دعم، وسيتولى حارّها من تولى قارَّها، في بُعدٍ عن الخلل الإداري والتلاعب المالي والتسيب الوظيفي، فلا تصان الحقوق إلا بتولية الأكفاء الأمناء، والأخذ على أيدي الخونة السفهاء، قياماً بالمسؤولية والأمانة كما شرع الله، وتحقيقاً لما يتطلّع إليه ولاة الأمر وفقهم الله، وهو ما يحقق مصالح البلاد والعباد.
وفي إطار المسؤولية الجماعية يأتي دور البيت والأسرة في حمل مسؤولية التربية الإسلامية الصحيحة للأجيال المسلمة، وكذا معاقل التعليم المختلفة في تنشئة الطالبات والطلبة، ومسؤولية المجتمعات في النهوض بالأفراد، ودور الإعلام في تهذيب الأخلاق والسلوكيات.
إخوة الإيمان، إن مسؤولية تربية الأجيال وإعداد النساء والرجال مسؤولية عظمى، وإن قضية العناية بفلذات الأكباد وثمرات الفؤاد من النشء والأولاد قضية كبرى يجب على أهل الإسلام أن يولوها كل اهتمامهم؛ لأن مقومات سعادتهم أفراداً ومجتمعاتٍ منوطة بها.
وإنما أولادنـا أكبادنـا فلذاتنا تمشي على الأرض
ولذلك لا بد من الإعداد لها أيما إعداد، رسماً للمناهج، وإعداداً للبرامج، وتضافراً في الجهود، وتوليةً للأكفاء، لتتمَّ المسؤولية التربوية سليمة من تعثُّر الخطى، بعيدة عن التناقض والازدواجية، محاذرةً للتقليد والتبعية، اعتزازاً بشخصيتنا الإسلامية، وشموخاً في مناهجنا الشرعية، مترسمين هدي القرآن الكريم ونهج السنة النبوية.
معشر الأحبة، إن البيت هو الركيزة الكبرى، وعليه المسؤولية العظمى في بناء الفرد، وتقع على كاهله تحديد شخصيات الأبناء، وتكوين ملامحهم الإيمانية والفكرية والروحية والأخلاقية.
فيا أيها المسلمون، ربّوا أولادكم منذ نعومة أظفارهم على الإيمان بالله، واجعلوهم يستشعرون الأبعاد الحقيقية لكلمة التوحيد، بحيث يكون إيمانهم نابعاً من يقين ومعايشة وإدراكٍ لحقيقة الربوبية والألوهية، وفهمٍ واضح لمعنى العبودية.
معشر المسلمين، إن كثيراً من الأسر مع شديد الأسف لا تُعنى كثيراً بتأصيل الفهم العقدي الصحيح، زاعمين أن التوحيد من المسلَّمات البدهية التي لا تحتاج إلى مزيد عناء، وتلك ـ وايم الله ـ من التسطيح في النظرة، ومن نتائجها توهينُ الأسس العقدية الصحيحة في نفوس كثير من الأبناء.
والبيت لا يُبتنى إلا له عُمُدُ ولا عماد إذا لم ترسَ أوتادُ
فعلى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات أبنائها، وغرس المثُل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل الأخلاق الحميدة التي جاء بها ديننا الحنيف. وليكن الأبوان قدوةً حسنة لأبنائهم، فلا يكون هناك تناقض بين ما يمارسونه من سلوك عملي، وبين ما ينصحون به أبناءهم في كلام نظري.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه
وإنها لمسؤولية عظيمة أن يبني الأبوان شخصية أبنائهم على أساس العقيدة الصحيحة والاعتزاز بمبادئهم وتراث أمتهم، محاطين بالإيمان والهدى والخير والفضيلة، أقوياء في مواجهة المؤثرات المحيطة بهم، لا ينهزمون أمام الباطل، ولا يضعُفون أمام التيارات الفكرية الزائفة.
فيا أيها الآباء والأمهات، اتقوا الله في أولادكم، كونوا قدوة لهم في الخير، وإياكم ثم إياكم أن تكِلوا عملية تربيتهم للخادمين والخادمات، فهم ضررٌ على الأسرة لما يحملونه في الغالب من أفكار وأخلاق وعادات ثبت في الواقع خطرها، وثبت لدى كل غيور شرها وضررها، أبعدوهم عن قرناء السوء، تابعوهم في صلواتهم وخلواتهم وجلواتهم، كونوا الرقابة المكثفة المقرونةَ بمشاعر المحبة والحنان والشفقة، حذار أن تتسلل إلى الأسر ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي، فتهدم ما بنيتموه، وتنقضَ ما شيدتموه، نشِّئوهم على الخير والفضيلة والهدى والبعد عن الرذيلة والشر والردى.
أيها المسلمون، كما تشمل المسؤولية الأسرية حسن اختيار الزوجين على أساس الدين والأمانة والخلق، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبهذا الاختيار الحسن ينشأ جيل من الأفراد الصالحين الذين يحققون العبودية الخالصة لله رب العالمين.
كما تتضمن المسؤولية الأسرية حسن العشرة بين الزوجين، والقيام بالواجبات وأداء الحقوق والتعاهد على التربية، يقول سبحانه وتعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]، فكيف يهنأ والدٌ بالعيش وهذا الوعيد الشديد يطرق سمعه، وهذه العاقبة المحزنة تهدد أولاده؟!
ألا فليتق الله القوامون على النساء من الأزواج والآباء، فليربوهن وليأخذوا على أيديهن، ويلزموهن بالقرار في البيوت والحجاب الشرعي حتى لا يفتِنّ ولا يُفتَنّ، فيأتين على بنيان التربية من القواعد.
وإن من الخطأ والخيانة في الأمانة إهمال قضايا المرأة في حجابها وعفافها واختلاطها بالرجال، والانسياق المحموم وراء الأزياء والموضات، دون رقيب ولا حسيب.
وتتضمن المسؤولية الأسرية ـ يا عباد الله ـ تسهيل أمور الزواج، وعدم المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، والإسراف والتبذير، وما يقع من منكرات في الأفراح.
فيا أهل العفة والغيرة والحياء، يا أرباب الشهامة والرجولة والإباء، أليس هذا من الغش والخيانة والتساهل في القيام بالمسؤولية؟!
أمة الإسلام، وتقع على المجتمع مسؤولية كبرى في الحفاظ على سفينة الأمة، وفي تعميق الروابط فيما بين أفرادها، من التوادِّ والتراحم والأخوة والتفاهم، انطلاقاً من الركيزة الإيمانية، لا من المصالح الدنيوية والعلاقات المادية. ولقد عُني الإسلام بالمجتمع وتشييد أركانه بصورة متماسكة في بنيانه أمام الأفكار المسمومة والآراء المذمومة.
فليتواصَ أبناء المجتمع على عبادة الله وحده، وعلى الاضطلاع بمهمة الدعوة الإسلامية والحسبة، وإعلاء راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمام سيل المنكرات وطوفان المحرمات، والأخذ على أيدي المستهترين. وإن السكوت على الأيدي الآثمة هو في الحقيقة إثم أكبر من إثمها، وإجرام أبشع من إجرامها، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمة الإسلامية لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتضطلع بمسؤولياتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون في الطليعة، ولتكون لها القيادة، لأنها هي خير أمة، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25].
أيها الإخوة المسلمون، أما وسائل الإعلام في عصر التفجر الإعلامي، وثورة المعلومات والتقانات، فمسؤوليتها من أعظم المسؤوليات، لا سيما القنوات الفضائية والشبكات المعلوماتية، فاللهَ الله ـ أيها التربويون ـ في استثمارها لخدمة ديننا الحنيف، وإن الغيورين ليأسفون أشد الأسف على المهازل الرخيصة والجنوح اللامسؤول بهذه الوسائل الإعلامية إلى ما يُفرِز ضدَّ الأجيال مما لا تحمد عقباه في أعز ما تملكه الأمة في قدرات شبابها وفتياتها، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
معشر الأحبة، إن للإعلام دوراً كبيراً في تشكيل عقول الأفراد، وتحديد معالم الشخصيات وتوجيه السلوكيات، وغرس القيم والأهداف بما يحقق المصالح الخاصة والعامة، فليتق الله القائمون على وسائل الإعلام المختلفة، المرئية والمسموعة والمقروءة، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فلا يقدِّموا لأفراد الأمة ومجتمعاتها إلا كلَّ ما يدعو إلى الخير والفضيلة، ويرسّخ القيم الإسلامية الأصيلة والمبادئ القويمة والمثل العظيمة، وعليهم أن يستنقذوا أبناء هذه الأمة من التشويش الفكري والغبش العقدي والعفن الأخلاقي الذي ينعكس على حياتهم العملية وسلوكياتهم اليومية مما تعُجّ به سماء الفضاء، ويرتج منه الأرض والأجواء، فرحماك ربنا رحماك.
أيها الإعلاميون، الإعلامُ نبضُ الأمة ومرآة المجتمع، فراعوا مسؤولية الكلمة وأمانة الحرف وموضوعية الطرح وشفافية الحوار ومصداقية الرؤى. واعلموا أنه بالمبادئ والقيم بالعقيدة والإيمان يتميّز الإعلام عند أهل الإسلام، فكم تعاني المجتمعات البشرية اليوم من جرائم وحوادث، وكم تجرَّعت من ويلات وكوارث، لماذا ارتفعت معدلات الجريمة بما يذهل العقول؟! لم يكن ذلك ليحدث إلا لما أهمل الإنسان مسؤوليته.
إن من مسؤوليات الأمة العظمى التصدي لألوان الغزو السافر ضدَّ عقيدتنا ومقدساتنا، والإبانة عن الموقف الحق ضد الحملات التي تُشن ضد ديننا وقيمنا ومبادئنا، والوقوف بحزم وحصانة ورعاية وصيانة ضد أخطبوط العولمة المفضوحة، بالحفاظ على مميزاتنا الحضارية وثوابتنا الشرعية والتصدي القوي لما تقوم به الصهيونية العالمية في دعمٍ من القوى الدولية ضد مقدساتنا في فلسطين المسلمة، وما يقوم به أشياعهم في كشمير والشيشان، فمسؤولية مَن مواجهة هذه الغطرسة الصهيونية الآثمة وهذه الهجمة العدوانية العنصرية ضد أمتنا الإسلامية؟! إن كلاًّ منا على ثغر من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبله.
إن حقاً على أهل الإسلام أن يقوموا بمسؤولياتهم في تحقيق نُصرة هذا الدين بكل ما أوتوا من إمكانات، وأن تتكاتف في ذلك جميع القنوات، الأسر والبيوتات، الآباء والأمهات، المدارس والجامعات، المساجد والإعلام والمنتديات، الشعوب والحكومات، والمجتمع بكافة فئاته، ووسائل الإعلام بشتى قنواتها، مسموعِها ومقروئها ومرئيها، الكلُّ يؤدي واجبه في التربية والبناء، وغرس القيم والأخلاق في البنات والأبناء، ليخرج جيل مثالي من الرجال والنساء، وبذلك يتحقق الأمل المنشود، ويتجدد المجد المفقود، والتطلع المعقود، وما ذلك على الله بعزيز.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:27، 28].
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وقوموا جميعاً بما أنتم مسؤولون عنه أمام ربكم، ثم أمام الأمة والتأريخ، فلقد علمتم عظم منظومة المسؤولية من الخدمة الصغرى إلى قمة الهرم في الإمامة العظمى.
واعلموا ـ يا رعاكم الله ـ أن مسؤولية النصيحة في هذه الأوقات ما يحدث من ظواهر اجتماعية في أوقات الإجازات.
فيا أيها الآباء والأمهات، يا أيها الطلاب والطالبات، يا أيها التربويون في كافة القنوات، ماذا أعددتم لشغل الفراغ والأوقات مدة هذه الإجازات؟
إن واجب النصح للأمة في هذه القضية المهمة ينبغي أن ينصبّ على كيفية شغل أوقات فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع العظيم والخير العميم.
أيها الإخوة والأحبة في الله، إن فُرص استغلال الوقت في هذه الإجازة لا سيما للشباب والفتيات كثيرة بحمد الله، فينبغي أن نحرص على الفرص الشرعية المباحة، والمناسبات المرعية المتاحة، وليحذر العباد من تضييع الأوقات في المحرمات والمشتبهات.
ألا وإن أنفسَ ما صُرفت فيه الأوقات العناية بكتاب الله، تعلماً وتعليماً وحفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً وتطبيقاً، والقراءةُ والاطلاع على الكتب الشرعية النافعة والالتحاق بالدورات العلمية والمخيمات الدعوية والمراكز الصيفية والمعاهد المهنية التي يقوم عليها أهل الخير والصلاح والدعوة والإصلاح، بما يعود بفائدة كبرى في زيادة المعارف وحفظ الأوقات وتنمية المواهب واكتساب المهارات، ولا بأس بإدخال الفرح على الأهل والأولاد في سفر مباح في محيط بلاد الإسلام، ولنا مع السفر والمسافرين حديثٌ قادم بإذن الله.
ألا وإن من غير المنكور وجود الأكفياء الأمناء في الأمة بحمد الله، ممن جدّوا في أداء مسؤولياتهم، مستشعرين معية الله جل وعلا فيها، حريصين على تقوية الوازع الديني وضمير الإحسان الإنساني في أداء حقوق الله وحقوق عباد الله، وبمثل هؤلاء تصلح حال الأمة، وتسعد مجتمعاتها بإذن الله، والله المسؤول أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على معلم البشرية المبعوث بالحنيفية، خير من قام بالمسؤولية، كما أمركم بذلك ربكم رب البرية، فقال تعالى قول كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].