البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
والإكثار من ذكر الله حصن من الشيطان فإن العبد لا يحرز نفسه منه إلا بذكر الله. ولا يدخل عليه الشيطان إلا من باب الغفلة عن ذكر الله. فهو يرصده فإن غفل وثب عليه وافترسه. وإذا ذكر الله انخنس ولهذا سمي الوسواس الخناس. أي يوسوس في الصدور. فإذا ذكر الله تعالى خنس.، أي: كفّ وانقبض
الحمد لله القائل في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وعد الذاكرين الله كثيراً والذاكرات أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. كان يذكر الله على كل أحيانه بجوارحه وبقلبه ولسانه. ويحث على ذكر الله تعظيماً لشأنه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله ولازموا ذكره.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن بشر قال: " أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فمرني بأمر نتمسك به جامع قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ". هكذا يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة الوجيزة الجامعة هذا السائل الذي بين أنه يشق عليه تتبع طرق الخير لكثرتها. أجابه بأن يلازم ذكر الله تعالى ويشغل لسانه به.
وقد أمر الله المؤمنين بأن يذكروه ذكراً كثيراً. وأن يذكروه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم. وأخبر أن القلوب تطمئن بذكره. ويحصل به الفلاح العاجل والآجل. وأنه أعد للذاكرين الله كثيراً والذاكرات مغفرة وأجراً عظيماً. وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ذكر الله غراس الجنة.وقال -صلى الله عليه وسلم-: " ومن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله ". وقال: " استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: " التكبير والتسبيح والتهليل والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
وقد فرض الله على المسلمين أن يذكروه كل يوم وليلة خمس مرات بإقامة الصلوات الخمس في مواقيتها المؤقتة، وشرع لهم مع هذه الفرائض الخمس أن يذكروه ذكراً يكون لهم نافلة -أي زائداً عن الصلوات الخمس وهو نوعان:
أحدهما: ما هو جنس الصلوات فشرع لهم أن يصلوا مع الصلوات الخمس قبلها أو بعدها. أو قبلها وبعدها سنناً تكون زيادة على الفريضة. فإن كان في الفريضة نقص جبر نقصها بهذه النوافل. وإلا كانت النوافل زيادة على الفرائض. ولما كان بين صلاة العشاء وصلاة الفجر وبين صلاة الفجر وصلاة الظهر وقت طويل شرع سبحانه صلاة الوتر وقيام الليل، وشرع صلاة الضحى لئلا يطول وقت الغفلة عن ذكر الله.
والنوع الثاني: ذكر الله باللسان وهو مشروع في جميع الأوقات.
ويتأكد عقيب الصلوات المفروضات بأن يذكر الله عقب كل صلاة منها مائة مرة ما بين تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل. ويستحب ذكر الله بعد الصلاتين اللتين ينهي عن التطوع بالصلاة بعدهما، وهما الفجر والعصر فيشرع الذكر بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس. وبعد العصر حتى تغرب. وقد أمر الله بذكره في هذين الوقتين في مواضع كثيرة. قال تعالى: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ) (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).
ويستحب ذكر الله في غير هذين الوقتين من آناء الليل وآناء النهار. فيذكر المسلم ربه إذا أوى إلى فراشه. ويذكر الله كلما تقلب في نومه. قال -صلى الله عليه وسلم-: "من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي، أو قال: ثم دعاء؛ استجيب له. فإن عزم فتوضأ قبلت صلاته". وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا استيقظ من منامه يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور" وهكذا ينبغي للمسلم أن يستصحب ذكر الله إلى أن ينام، ثم يبدأ بذكر الله عندما يستيقظ. وذكر الله على أفعال دينه ودنياه. فيذكر اسم الله ويحمده على أكله وشربه ولباسه. ودخول منزله وخروجه منه. وعند دخول الخلاء وعند الخروج منه. وعند ركوبه دابته أو غيرها من المركوبات. ويذكر اسم الله على ذبيحته من نسك وغيره. ويحمد الله على عطاسه.
ويحمد الله عند تجدد النعم واندفاع النقم. ويذكر الله ودعاؤه عند نزول الكرب وحدوث المصائب. ويجب ذكر الله والتوبة والاستغفار من الذنوب جميعاً كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ويستحب ذكر الله عند إقبال الليل والنهار. وأوقات الأسحار. فمن حافظ على ذلك لم يزل لسانه رطباً من ذكر الله في كل أحواله.
عباد الله: والذكر المطلق يدخل فيه الصلاة وتلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه، وتعلم العلم النافع وتعليمه. ويدخل فيه التسبيح والتهليل والتكبير. والإكثار من ذكر الله تعالى براءة من النفاق، فقد وصف الله المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، فمن أكثر من ذكر الله فقد خالفهم. ولهذا ختمت سورة المنافقين بالأمر بذكر الله وأن لا يلهي المؤمن عن ذلك مال وولد. وأن من ألهاه ذلك عن ذكر الله فهو من الخاسرين. وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يذكر الله على كل أحيانه في حال قيامه ومشيه وقعوده واضطجاعه، وسواء كان على طهارة أو على حدث.
والإكثار من ذكر الله حصن من الشيطان فإن العبد لا يحرز نفسه منه إلا بذكر الله. ولا يدخل عليه الشيطان إلا من باب الغفلة عن ذكر الله. فهو يرصده فإن غفل وثب عليه وافترسه. وإذا ذكر الله انخنس ولهذا سمي الوسواس الخناس. أي يوسوس في الصدور. فإذا ذكر الله تعالى خنس.، أي: كفّ وانقبض.
والإكثار من ذكر الله تحيا به القلوب وتطمئن. قال تعالى (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ".
ومن ذكر الله ذكره الله تعالى. قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ".
وذكر الله يحبس اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش الباطل ولهو الحديث. فإن العبد لا بد له أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تكلم بهذه المحرمات أو بعضها. فمن عود لسانه ذكر الله صانه عن اللغو والباطل. والذكر أيسر العبادات. وهو من أجلها وأفضلها فإن حركة اللسان أخف حركات الأعضاء وأيسرها، فإن الأعضاء تتعب مع الحركة، واللسان لا يتعب مهما أكثر الإنسان من تحريكه. فينبغي أن يكثر من تحريكه بذكر الله تعالى. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الآيات من آخر آل عمران إلى قوله: (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).