البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

وصايا مهمة للمسافر إلى الله

العربية

المؤلف شريف الهواري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. كلنا مسافرون إلى الله .
  2. وصية نبوية للمسافر .
  3. أهمية الدين وكيفية الحفاظ عليه .
  4. أهمية الأمانة وبعض مجالاتها .
  5. أسباب تأدية الأمانة .
  6. أهمية حسن الخاتمة .
  7. حث المسافر على تقوى الله .
  8. مأساة الشعب السوري وواجبنا نحوه .

اقتباس

أيها المسلمون: كلنا على يقين أننا في سفر طويل إلى الله -تبارك وتعالى-، ولا يعلم منا أحد متى سينتهي سفره، لا نعلم المكان، ولا الكيفية، ولا التوقيت، ونحتاج في سفرنا هذا إلى التوجيه والإرشاد، والأخذ بأسباب الحيطة والحذر، لننجوا من سفرنا حتى...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أيها المسلمون -عباد الله-: كلنا على يقين أننا في سفر طويل إلى الله -تبارك وتعالى-، ولا يعلم منا أحد متى سينتهي سفره لا نعلم المكان، ولا الكيفية ولا التوقيت، ونحتاج في سفرنا هذا إلى التوجيه والإرشاد، والأخذ بأسباب الحيطة والحذر، لننجوا من سفرنا حتى نلقى ربنا -تبارك وتعالى-.

رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- علم المسافر في هذه الدنيا من مكان إلى مكان، من بلدة إلى أخرى، لمصلحة، لطاعة، لعمل من الأعمال، أن يتوجه إلى الله -تبارك وتعالى- في سفره هذا، كي يذهب ويؤوب، ويعود سالمًا غانمًا من سفره، هذا القصير في الدنيا أن يتوجه إلى ربه -تبارك وتعالى-، وأن يتضرع إليه؛ لأن المسافر غريب كما يقولون، ولأن المسافر كالأعمى، وإن كان بصيرًا، ولأن المسافر يمر بمخاطر، نعم؛ لأنه محارب مستهدف من شياطين الإنس والجن.

ينوي السلامة في سفره، ويرجو الغنيمة في سفره، والتوفيق لما خرج من أجله، لذلك علمهم صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم، والذي نريد أن نسقطه على سفرنا إليه سبحانه وتعالى، لنتزود، لنتعلم، لنحتاط، لنحذر، حتى نصل بسلامة الله إلى مرضاته والجنة.

اسمعوا هذا الحديث الذي يودع فيه مسافرًا: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك" إلى أن قال: زدني؟ قال: "زودك الله بالبر والتقوى"، هذا لمسافر سفر قصير يطمح أن يرجع، يأمل أن يعود، لعله يستغرق أيامًا، أو أسابيع أو شهورًا، أو أقل من ذلك أو أكثر، ثم هو يأمل في العودة إلى أهله وداره ومجتمعه وذويه، فما بالكم بالسفر إلى الله -تبارك وتعالى-؟

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعلم أصحابه إذا كنتم في سفر كهذا، وقد وصيتكم بهذا، فما بالكم بالسفر الحقيقي؟ كيف تنجون منه، وتعودون سالمين غانمين، الأجر والثواب، لتنالوا مرضاة الله والجنة.

حتمًا أنتم على سفر، وحتمًا سينتهي، متى؟ وكيف؟ وفي أي محطة سينتهي؟

هذا ما لا نعلمه، هذا الذي يأتي بغتة، هذا الذي يأتي فجأة، هذا الذي ينبغي أن تكون مستعدًا له، ولذلك تعالوا نعيش مع هذا الحديث، وننظر في المراد من كلامه عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الكلمات المعدودة المحدودة التي هي منهج حياة لمن أراد النجاة: "أستودع الله دينك".

قالوا: "أستودع" كأنه يلفت نظرك -أيها المسلم- أنك في هذه الدنيا ضعيف، لا تعول على حول ولا قوة، ولا على عصبية ولا جاهلية، لا تعول على شيء من أمور الدنيا، لا منصب ولا جاه، ولا ملك، ولا سلطان، إنما عليك أن تلجأ إلى الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه رب هذا الكون، والمتصرف فيه، والذي لا يكون في ملكه إلا ما يريد، فالجأ إلى الله -تبارك وتعالى- في سفرك إليه، نعم، حتى ترشد إلى خير أمرك، وأعظمه في سيرك، إلى الله -تبارك وتعالى-؛ لأن الأمر بيد الله وحده -سبحانه وتعالى-.

فتأملوا هذا المعنى العظيم: أنا سائر إليه، ولا طاقة وحول ولا قوة لي، إلا به، أطلب المدد والعون والإعانة على السير إليه؛ لأن الموفق من وفقه الله، والمسدد من سدده الله، والمهدي من هداه الله، فأنا أعترف بفقري وعجزي وضعفي وحاجاتي إلى توفيقه سبحانه وتعالى، حتى لو عول على أمر آخر.

"أستودع الله دينك" انظر إلى هذه الإشارة هذا المسافر لسفر -كما أشرنا- قد يرجع منه بعد قليل، لكن انظر يشير إلى أهمية الدين، إلى مكانة الدين، إلى تقديم الدين على أمر الدنيا.

دينك دينك، لحمك عظمك، شحمك دمك، دينك إن هان عليك ما الذي يعز عليك بعده؟ دينك، كأنه يقول لك في هذا السفر القصير الذي تأمل أن ترجع منه بعد قليل: حافظ على دينك، انتصر لدينك، دينك مستهدف من شياطين الإنس والجن، يحاولوا على مر العصور والأزمان أن يطمسوا معالمه، أن يغيبوه أو يؤخروه، أو أن يشوهوه، فدينك أمانة، حتى في هذه اللحظات التي تسافر فيها، فما بالك بسفرك إلى الله؟!

هذا أوقع، هذا أهم، هذا أجدر، أن يقدر، وأن ينسب له، دينك .. دينك، كأنه يقول وقال: "أستودع الله دينك وأمانتك" أي أن الدين من الأمانة، وخص الذكر بمكانته أعظم أمانة نلتها، أعظم أمانة إذا سافرت لا بد أن تحافظ عليها، وتلجأ إلى الله، طلبا للمدد، وتوفيقك لحفظها؛ لأنها مستهدفة في هذا السفر القصير، فما بالك بالسفر الطويل؟! وماذا أصنع؟

عليك أن تنتبه لدينك، فتنضبط به في سفرك، وكذلكم في سفرك إلى الله يلزمك: أن تحفظ هذا الدين بماذا؟ بالدخول فيه كله، بقبوله كله، بتطبيقه كله، نعم كله في مقدورك ووسعك، بغيرتك عليه، بالحب أكثر من نفسك وممالك وولدك والدنيا بأسرها، بتقديمه على كل شيء، بتعظيمه، بتوقيره بتقديره، بالانطراح بين يديه، بالعمل بما جاء به، بالدعوة إليه، بنشره، بالذب عنه، هكذا ينبغي أن تحفظ دينك في سفر قصير، فما بالك بالسفر الطويل، هذا أولى، وهذا  أجدر.

فدينك أمانة في عنقك: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) [الأحزاب: 72] ليس رفضًا أو تمردا، ولكن الخوف على عدم أداء حقها: (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].

انظر -أيها الظلوم الجهول- لهذه الأمانة التي بين يديك ماذا صنعت في دينك؟ في حلك وترحالك؟ في سفرك وحضرك؟ في ليلك ونهارك؟ في سرك وعلنك؟ في رضاك وفي غضبك؟ في كل أحوالك، أفراحك وأحزانك، ماذا صنعت في دينك؟

في بيتك، في طريقك، في سوقك، في عملك، في بيعك، في شرائك، في أخلاقياتك وسلوكياتك، دينك، دينك أنت مؤتمن ومسؤول ومحاسب، ماذا صنعت بدينك؟ هل جعلته في مؤخرة الأوليات؟ هل قدمت عليه شهوة أو عادة أو عرف أو تقاليد؟ هل قدمت عليه دنيا فانية؟ هذا في سفرك إلى الله -تبارك وتعالى-.

دينك أمانة لا بد أن ترتقي إلى مستواها، ثم سمى بأمانتك جميعًا، ومنها الدين، ومنها أمانة القرآن، أمانة السنة منها، وهذا هو الأهم أمانة المنهج، بفهم السلف بفهم الصحابة، أمانة أن تطرحه أن تعرضه، أن تدعو إليه، أن تبينه حتى ترد على الشبهات والشكوك التي تقع عليه من كل حدب وصوب.

دينك من أعظم الأمانات، وأمانتك أن تحافظ على المنهج ككل، لتحقق هذا الدين الذي أنت مؤتمن عليه، وأنت ستحاسب وستسأل عليه: ماذا ستقول لربك عن دينك؟ عن أمانة هذا المنهج ككل الذي أشفقت السماوات والأرض أن تحمله لعظيم هذه الأمانة، وأنت تصدرت، وحملت، فماذا صنعت؟ وماذا قدمت؟

إنك مأخوذ ومحاسب إن لم تؤدِ الأمانة على وجهها، فعليك أن تنتبه لهذا المعنى العظيم.

أمانتك كثيرة جدًا -أيها الحبيب- لا تعد، ولكن انظر لتنتظر التوجيه السديد في هذا الباب العظيم.

أماناتك كثيرة، نفسك التي بين جنبيك أمانة -تخيل- أنت ستسأل عنها هل تركتها فريسة للشهوات والأهواء؟ هل تركتها للرفقة السيئة والبيئة والواقع المرير؟ هل قمت بتربيتها بتزكيتها بتصفيتها بتحليتها لتؤدي دورها فماذا صنعت بنفسك؟

أبناؤك، زوجتك، أرحامك، جيرانك، إخوانك من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ أمانة ماذا قدمت لها لتحفظ؟

كذلك أنت ستوقف وتسأل عن هذه الأمانة، وتحاسب بين الله -تبارك وتعالى-، واعلم أن المؤمن لا يخون الأمانة أبدًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطبع المؤمن على الخلال كلها" أي الخصال كلها، نعم قد يقع منه ليس بمعصوم هو بشر، قد يطبع بأي خصلة من الخصال: "إلا الخيانة والكذب" حمل هذا المعنى على أمانة الدين، أمانة المنهج، أمانة النفس، الزوجة، المال، المنصب، الواقع؛ هذه أمانات، أنت لا تخون فيها أبدًا، أنت تؤدي دورك على أكمل وجه؛ لأنك تعلم أن السفر قد ينتهي في لحظة -كما قلنا-، ونكرر لا يعرف له مكان ولا زمان ولا كيفية.

إذا حافظت على الأمانات التي عندك فأنت كمؤمن لا يقبل منك الخيانة أبدًا، وقالوا لكي تؤدي الأمانات لا بد لك من أمور مهمة:

أولًا: لا بد لك من أداء الحقوق على الوجه الأكمل، أي حقوق هذه؟

قالوا: أن تؤدي الحقوق التي كلفت بها شرعاً؛ كحق الله عليك الذي ائتمنك، له عليك حقوق من أجملها: أن تقوم بتوحيده سبحانه وتعالى، ثم تقوم تعظيمه وإجلاله وتوقيره، وبالسمع والطاعة له سبحانه وتعالى، وبالإذعان له، وجعل هذه النفس رهن إشارته، وطوع أمره، هذا من حقه عليك.

كذلك من الحقوق التي عليك: حق الملائكة الكرام؛ كرقيب وعتيد، والكرام الحافظين: أن لا تؤذيهم، أن تقوم بتوقيرهم، والحياء منهم.

كذلكم حق هذا القرآن، ماذا عملت بهذا الكتاب؟ وكيف أنت مع هذا الكتاب؟ وهل أنت مزعن سامع مطيع لهذا الكتاب أم لا؟

من الحقوق عليك: حق النبي -عليه الصلاة والسلام- أأديت حقه؛ من حبك أكثر من نفسك ومالك وولدك، من التأسي والاقتداء به، وتقديم سنته على كل شيء، هذا حقه عليك، فماذا صنعت بهذا الحق؟

كذلكم من الحقوق: حقوق والديك، لهما من الجميل عليك ما لا يخفى، فماذا قدمت لهما حيين، أو ميتين.

حق الزوجة، حق نفسك، حق الأولاد، حق الجيران، هذه الحقوق ألزمك بها المولى -تبارك وتعالى-.

حق الحاكم من الاحترام والتقدير، وعدم تعدي الحدود.

حق بقية المسلمين عليك في مشارق الأرض ومغاربها، حق حتى غير المسلمين لهم حقوق عليك، هل أنت تؤديها كما ينبغي؟

حق الحيوانات والأنعام التي في محيطك، وقد تحتاج لبعضها، فهل أنت تؤدي لها الحقوق التي شرعت لها هذا المعنى العظيم.

لن تؤد الأمانات حتى تؤدي الحقوق التي كلفت بها على أكمل وجه.

ثانيًا: وهذا من الأهمية بمكان: أن لا تتعدى الحدود التي حدت لك، ماذا تقصد؟

قالوا: حتى تؤدي الأمانة كما ينبغي، تؤدي الحقوق، ثم لا تتعدى الحدود، حدود حدت لك، أمرت أن تستقيم، وأن لا تتعداها أبدًا، وإلا فهذا من الخطورة بمكان؛ لأن الإنسان إذا أطلق لنفسه العنان تعدت الحدود، خصوصًا إذا كانت أمام الشهوات والأهواء والأعراف والتقاليد، فتتخطى الحدود الشرعية، وتشترع على رب البرية، وعلى رسوله وملائكته، وعلى الناس، فتفعل ما تحب وما تشتهي وما تعشق، دون أن ترجع لشرع أو لعقل، أو تقدر العواقب.

هذا من الخطورة بمكان، واسمع إلى هذا التوجيه الذي شاب له النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد تحدثنا عنه بالتفصيل: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) أي يا محمد (وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112].

أتدرون ما المعنى؟

أي فاستقم يا محمد، ومن دخل في الإسلام معك، ولا تطغوا، الطغيان من مجاوزة الحد، ولا تتعدوا حدودكم، واعلموا جيدًا -معاشر المسلمين-، أن الله يراقبكم، أن الله يعلم سركم وجهركم.

إذًا، كان هذا للنبي وصحبه فماذا لنا نحن؟ أين أنت من حدود الله -عز وجل-؟ هل أنت وقاف عند حدود الله كما ينبغي أيًا كان هذا الحد؟ أم أنت من الذين لا يرجون لله وقارًا، يتخطون الحدود، تبعًا للشهوات والأهواء، أو ضعفًا أمام العادات والأعراف.

لا بد أن تقف عند هذا المعنى طويلًا: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1]، والعذاب كما تسمعون في القرآن: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: 14] أي أنت من هذا المعنى؟

فسل نفسك هذا السؤال: هل تعديت حدود الله يوميًا أو مرة أو مرات وفي أيام كثر؟

قف مع نفسك، وارجع إلى ربك، وتأمل في حال نفسك، وانظر إلى الحدود بعين الاعتبار؛ لأن من اجترأ على حدود الله، وتعداها مرة سيتعداها الأخرى، ثم الأخرى، ثم يتفلت كالبعير الذي يضل أو يند كالدابة، انتهت القضية، لا خط للرجعة، إلا بشق الأنفس، فالله أعلم بحالك إن تعديت مرة هل يا ترى سترجع؟ ستستطيع العودة أم لا، فأنت في سفر، ومجرد الخروج عن الحد، خروج عن الطريق والخروج عن الطريق ضلال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153]؟

(وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54].

انظر إلى الطريق، ولا تتعد الحدود في حال من الأحوال، لا تسمح لنفسك؛ لأنك لا تملك، وكذلك لا تسمح لأسرتك أن تتعدى حدود الله؛ لأنها من مسؤوليتك، وكذلك في مجتمعك، في رحمك، أنت مطالب أن تقول للناس: لا تتعدوا حدودكم، إلزموا غرزكم، أنتم عبيد لله -تبارك وتعالى-، فحققوا العبودية، ولا تتعدوا الحدود.

ثالثًا: من أعظم أسباب أداء الأمانة على وجهها: الامتثال للأوامر، والانتهاء بالنواهي، ما المعنى؟ قال أهل العلم: أي السمع والطاعة على طول الطريق، وحتى آخر نفس.

السمع والطاعة إذا أمرت بأمر فقل على التو والفور: سمعنا وأطعنا، إذا انتهيت بنهي فقل على التو والفور: انتهينا ربنا.

أنت عبد لله -تبارك وتعالى- لا تتمرد، فالامتثال يجعلك فعلًا إنسانًا منضبطًا؛ لأنه يعلم أنه خلق لعبادة الله، ولا يسعه إلا أن يؤدي الحقوق، ويلتزم الحدود، ويسمع ويطيع لله وللرسول، لا يحيد عن هذا المعنى أبدًا، فمن ارتقى إلى هذا المعنى، لا شك وصل إلى طريق السلامة بفضل الله -تبارك وتعالى- فهل أنت كذلك؟

سل نفسك هذا السؤال، أنت الآن على سفر  وسفر طويل، متى ينتهي؟ الله أعلم، لكن قد ينتهي فجأة، هل أنت فعل تحفظ دينك؟ هل تحفظ باقي الأمانات الأخرى؟ هل تؤدي الحقوق؟ هل أنت لا تتعدى الحدود؟ هل أنت ممتثل؟ هل أنت ملتزم ممتثل لأمر الله ورسوله أم أنت متمرد؟ أم أنت متفلت؟ لا تمتثل لا لله ولا لرسوله.

ما الذي تفعله هذا؟! هذا فعل رجل نسي أنه مسافر، ونسي أنه قد يموت بعد لحظة، ماذا تنتظر؟! أفق من غفلتك، فالأمر أكبر من ذلك.

القضية قضية خطيرة -يا إخواني- جدًا، رسول الله يختم بهذا التوجيه العظيم: "وخواتيم عملك" أي أستودع الله -تبارك وتعالى- خواتيم العمل، يعني بما سيختم لك؟ كيف ستكون الخاتمة؟ لا بد أن تقف عند هذا المعنى العظيم، أنت الذي أيقنت معنا منذ قليل أن الموت على شفا الأنفاس، وأن ما في الصدر يخرج ولا يرجع، أو قد يدخل ولا يرجع، اتفقنا لا نختلف على هذه الحقيقة، هذه أمور يتفق عليه الجميع.

إذن خواتيم العمل، لا بد أن تكون منضبطًا للأمانات والدين، مؤديًا للحقوق غير متعد للحدود، ممتثلًا للأوامر والنواهي، لعظيم يقينك أنك قد تموت في لحظة، فتموت على خاتمة خير، هذا هو المعنى المراد نحن لا ندري بما سيختم لنا، ولذلك انظر في حال الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أحسن من حمل الأمانة، وأحسن من حفظ الدين، وأحسن من نافح عن الدين، وأحسن من ترجم الدين في أرض الواقع، كيف كان حاله عليه الصلاة والسلام؟ كان يبكي ويقول: "والله لا أدري، والله لا أدري، والله لا أدري، وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم".

كان صلوات ربي وسلامه عليه يخشى من سوء الخاتمة، يجعل هذا المعنى نصب عينيه، في سيره لله -تبارك وتعالى-، فتعلموا هذا المعنى العظيم، لما قال لهم، واسمعوها جيدًا، قال: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الأجل" يا رب سلم سلم: "فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" والعكس "والرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الأجل فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".

قالوا كما تريدون أن تقولوا بلسان الحال، كأني أسمعها منكم: "علام العمل إذًا؟" طالما القضية بهذه الصورة وبهذا التصور! "علام العمل إذًا يا رسول الله؟" قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له".

هذا غيب لا تعلمونه، هل أحدكم يعرف بماذا سيختم له إلى أين؟ وكيف؟! لا أحد قطعًا.

إذًا أنت تنتظره وأنت على خوف، رسول الله كان يدعو في كل أحواله بحسن الخاتمة، حتى آخر الأنفاس، يخشى وهو من هو عليه الصلاة والسلام المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يخشى أن يختم له على غير الخبر! فما بالنا نحن -عباد الله-! أأعطينا صكوك الجنة؟ أأعطينا براءة من النار؟! ماذا تقول أنت عن حالك الآن؟ هل أنت راض عن حالك الآن؟

راجع نفسك قبل فوات الأوان، رسول الله علم أصحابه، فكانوا يخافون من سوء الخاتمة، الصديق وأنتم تعرفون من هو: "والله لا آمن مكر الله، ولو كانت إحدى قدمي في الجنة".

خلاص دخل بقدم والأخرى على وشك، يخشى ويخاف من سوء الخاتمة، مع أن هذا في الآخرة، لكن هذا دليل على خوفه، على هرعه، ولذلك حفظ الأمانة كما ينبغي.

انظر إلى أول الأمانة: أمانة الدين، لما ارتد من العرب، ومنعوا الزكاة، من منع من العرب وادعى النبوة؟ من ادعى من العرب وانقلبت الدنيا على خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان قد أخرج رسول الله جيشًا قبل وفاته لمقابلة الروم، والدنيا انقلبت كما يقولون، الدولة الناشئة في المدينة، وهو هو رضي الله عنه وأرضاه، لما كلموه في تعديل، وترتيب الأوضاع في الجيش، قال: "لا أحل عقدة عقدها رسول الله أبدًا".

منعوا الزكاة، قال: أينقص الدين وأنا حي لا والله أبدًا لا ينقص الدين، وأنا حي، أيًا كانت العاقبة؟ وأيًا كانت النتيجة، حرص على الدين، هذا هو الفهم الثاقب، هذا هو العلم الصحيح الذي يوصل إلى حفظ الأمانات هذه.

فأخي الحبيب: أنت كما قلت لك وأكرر في سفرك إلى الله -تعالى- وسفرك هذا، نعم قد ينتهي بغتة فجأة، وأن مؤتمن على دينك، وعلى أمور كثيرة -كما ذكرت لك- وأنت لم تستطيع حفظ هذه الأمانات، حتى تؤدي الحقوق التي كلفت بها، وحتى تلتزم بالحدود ولا تتعداها، وحتى تمتثل لله وللرسول، في صغير الأمر وفي كبيره، في ظاهرك وفي باطنك، يلزمك لتتمة حفظ الأمانة حتى تنال الخاتمة الصالحة في سفرك هذا: أن تربط قلبك بربك؛ لأنك ضعيف، لأنك لا حول ولا قوة لك، أكثر من الدعاء والتضرع، وقل: يا رب سلمني في سفري هذا، يا رب وصلني لمرضاتك والجنة، يا رب احفظني من شياطين الإنس والجن.

عليك بالدعاء، عليك بالذكر، عليك بالاستغفار، عليك بالتسبيح، بالتحميد، بالتهليل، عليك بالتأسي والاقتداء بالحبيب -صلى الله عليه وسلم-، أحسن من فهم هذه القضية، وأحسن من عمل لهذه القضية عليه الصلاة والسلام: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الممتحنة: 6].

فإذا أردت النجاة، فعليك بأن تلزم غرزه صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم، مع تحقيق الصبر الواجب، اصبر على طاعة الله، اصبر عن معصية الله، اصبر على قضاء الله وقدره، وإن كان مؤلمًا، هي فترة وستنتهي، نعم، عما قريب، فاحرص أن تكون على الخير، على الطاعة.

ومما يعينك على هذا الوصية ذاتها التي سمعنا: "زودك الله بالبر والتقوى" ماذا تقصد يا رسول الله؟ لما رجل قال: زدني؟ في سفري هذا الذي قد يرجع منه بعد قليل، قال: "زودك الله بالبر والتقوى" سفر -يا إخواني- إلى بلدة ما، إلى مكان ما، يحتاج إلى بر، ويحتاج إلى تقوى، ما البر يا رسول الله؟ قال: "حسن الخلق" تحتاج إلى أن تكون صاحب خلق حسن في سفرك القصير، فما بالك في سفرك البعيد؟ كن على حسن خلق مع الله، حسن الخلق مع ملائكته، حسن الخلق مع كتابه، حسن الخلق مع رسوله، حسن الخلق مع العلماء، مع الوالدين، مع الأبناء، مع الأزواج، مع الحيوان، مع المسلمين، مع غير المسلمين، مع نفسك، قالوا حتى حسن الخلق مع البهائم.

أنت مطالب بحسن الخلق؛ لأنه ديانة، قالوا: ما الدين يا رسول الله؟ قال: "الدين حسن الخلق"، "إنما بعثت لأكمل مكارم الأخلاق" أي في سيرك تحتاج إلى أن تكون صاحب خلق حسن، حتى تؤدي الحقوق، وحتى تلتزم بالحدود، وحتى تمتثل للأوامر وللنواهي بحسن الخلق.

ثم ماذا؟ ثم بالتقوى، أي اتق الله -عز وجل-، أي خف الله -تبارك وتعالى- بأن تكون حيث أمرت، وأن لا تكون حيث نهيت، بفعل ما به أمر، وترك ما نهى وزجر، اتق الله -عز وجل- بأن يطاع فلا يعصى، أن يذكر فلا ينسى، أن يشكر فلا يكفر، اتق الله -تبارك وتعالى-، قالوا: بعلم القلب بقرب الرب -سبحانه وتعالى-.

أين أنت من هذا المعنى؟ اتق الله، بترك ما تهوى، بما تخشى من سوء الخاتمة، من العذاب والعقاب، إذا حققت التقوى لا شك أنك ستنجو في سفرك القصير، بل وفي سفرك الطويل.

فيا عباد الله: ما أحوجنا أن نرتقي إلى هذا المستوى العظيم من تأهيل أنفسنا وإعدادها في سفرها، في سيرها إلى الله -تبارك وتعالى- مع العلم اليقين، أن في طريقنا شوائب وعواقب وابتلاءات وامتحانات، وشياطين الإنس والجن، يعترضوننا، يفتعلون الأزمات، يستدرجوننا، يستفزوننا، يخيلون علينا، يشيعون الشائعات علينا، يحاولون أن يعرقلونا في سيرنا إلى الله -تبارك وتعالى-، فالموقن بسفره لن يلتفت لهذا كله؛ لأنه يأخذ بالأسباب، ويتوكل على الحي الذي لا يموت كما أمره سبحانه وتعالى: (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [هود: 123].

إذن سينجيك: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أيها الأحبة: المنبر يتفاعل مع المسلمين، آلمنا كثيرًا ما شهدناه بالأمس ومن قبله كذلك، ومما يجري لإخواننا الأشقاء في سوريا من هذا المجرم العلوي الكافر الفاجر الفاسق المفسد في الأرض، مع ما طلعت من الأجواء التي تكفي وحدها لإحداث الهلع والجزع، والفزع والخوف بشدة الريح، ولكثرة المطر، ولكثرة الجليد، ولشدة البرودة، ومع ذلك لم يرحم أهله.

هم منه براء لم يرحمهم لا برا ولا بحرا ولا جوا، في هذا البرد القارس الشديد، والجليد الذي حاصرهم، سواء في مدن سوريا، أو في ريفها أو معسكرات اللاجئين على حدودها مع الأردن، ومع تركيا، في وسط هذه الأجواء المؤلمة، الطائرات تقصف، والدبابات تدمر، والصواريخ تلقى عليهم بلا رحمة ولا شفقة، ولا هوادة، لا لشيء، إلا للحفاظ على كرسيه، والذي نبشره أنه سيأخذ منه بإذن الله عما قريب، اللهم آمين.

هذا الصنيع الذي يصنعه هذا المجرم، والأمة وكأن الأمر لا يعنيها، وكأننا لسنا كالبنيان المرصوص، لسنا كالجسد الواحد، بالله عليكم لو كنا جسد واحد لرضينا بهذا الذي يحدث، وهذا الذي يجري؟! "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

هل اهتممت؟ هل تحركت؟ هل بكيت وتأثرت؟ هل نظرت إلى مشهد الأطفال يرقدون على الجليد بغطاء يكاد يكون شفاف لا يجدون غيره، المياه والسيول دخلت إلى الخيام فخلعتها، فأصبحوا بمثل هذا المشهد الذي يقطع القلوب، أين أنتم يا مسلمون؟ أما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه" بتركه لهذا المجرم، أو لتركه لهذا الدمار، أو لتركه لهذا الجوع، أو لتركه لهذا الخوف، أو حتى بتركه لهذا المطر، ولهذا الجليد، ولهذا البرق.

"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" لا لمثل هذا المجرم ولا لغيره، ولا حتى للبرد، ولا للجليد، ولا للجوع "ولا يخذله" المسلم لا يخذل المسلم أبدًا، ومن خذل مسلم في موطن يحتاج فيه إلى نصرة، خذله الله في الدنيا والآخرة، الجزاء من جنس العمل، إذا خذلنا إخواننا نخذل -والعياذ بالله تعالى- ويا رب سلم سلم، موقف عصيب، موقف رهيب، موقف صعب، لا بد أن نتحرك، لا بد أن نقدم ما بوسعنا، لا بد أن تتحرك النفوس والمشاعر.

اليوم هذه الدعوة المباركة بفضل الله -تبارك وتعالى- أقامت مساكن خاصة لجميع الإخوة السوريين الذين دخلوا مصر، ونقوم على كفالة الأسر من مسكن ومأكل وكساء وغطاء، بفضل الله -تبارك وتعالى-، ومن معونات وتربية وتعليم وتوجيه أيضًا.

هؤلاء نعم هنا قد يكون الحال أحسن.

كذلك تقوم هذه الدعوة المباركة بحملة إغاثة للاجئين على الحدود مع الأردن، ومع تركيا، عن طريق آمن لإرسال المعونات المادية والعينية، وبفضل الله وصلنا إلى قلب هذه المخيمات، وهذا من توفيق الله لنا؛ لأننا نأخذ بالأسباب.

كذلك في قلب سوريا في ساحات الجهاد بفضل الله -تبارك وتعالى- لنا رجال يجاهدون مع إخوانهم في سوريا لرفع الظلم، وإزالة هذا الطاغية، فمن أراد أن يغتنم الأجر والثواب، فليحرص على تجهيز الغزاة، حتى -يا أخي- إن لم تستطع تغزو، فكما في الحديث: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق"، فجهز غازيا، فمن جهز غازيًا كأنما غزا.

عندنا طرق آمنة توصل الأموال، وما يحتاجون إليه، بفضل الله -تبارك وتعالى- في ساحات المواجهة، مع هذا الطاغية المتكبر الجبار.

هذه أبواب الخير مفتوحة بين يديكم، فقدموا، ولا تبخلوا على إخوانكم، من باب حتى -يا إخواني- شكر النعمة: أن نجانا مما هم فيه، أن بلدكم لم تقع فيما هم فيه.

شكر النعمة: أن نخضع للمنعم، ونقول: الحمد لك يا رب والشكر، أن نجيتنا لما وقع لإخواننا، وها نحن نشاهد.

ولو بالقليل، لا تحقر من المعروف شيئًا، "اتق النار ولو بشق تمرة"، نحن نتقبل منكم التبرعات المادية والعينية، ولتطمئنوا على أموالكم إلى أن تذهب.

تاجروا مع الله، هذا موقف صعب، موقف حرج، لا بد أن نقف مع إخواننا، وإلا -يا إخواني- إن خذلناهم قد نخذل، وبلادنا مستهدفة وما زالت، لا بد أن نتعاون، والله حتى من منطلق حماية أنفسنا لا بأس بذلك، أي نفعل هذا مع إخواننا في سوريا من باب شكر النعمة، حتى لا نخذل ونعاقب، فنطلب منهم، فلا يلتفتون لنا.

واعلموا أن نصر الله قريب، وأن الله -تبارك وتعالى- يملي للظالم حتى أخذ لم يفلته، سيأخذه أخذ عزيز مقتدر، نحن على يقين أن الأسد إلى زوال، مأخوذ بإذن الله -تبارك وتعالى- لا شك في ذلك أبدًا، قد تقول وقد طالت المدة للتوبيخ، للتعذيب، للتأنيب، ثم سيأخذ منه، سينزع منه ملكه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قادر على ذلك: (وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء).

اللهم انزع ملكه، اللهم أنزل عليه الذل والمهانة.

كونوا على يقين أن هذه مرحلة فيها تمحيص، فيها ابتلاء، إخوانكم الذين يموتون يوميًا بالمئات في هذه الأحداث كما يحاول الإعلام الغربي أن يصور من باب الإرجاف والترجيف، وإحداث هزيمة نفسية عند المسلمين، لا تتأثروا نحن نقول له: مت بغيظك، نحن نفرح لإخواننا، نفرح لكونهم نالوا الشهادة في سبيل الله، ولو كان خوف فلتقصيرنا في أنفسنا.

واسمع ماذا قال عنهم صلى الله عليه وسلم: "ليجدون من ألم القتل إلا كما تجدون ألم القرصة" هو لا يجد ألم القتل الذي تشاهدون إلا مثل القرصة، ثم ماذا؟ "للشهيد عن ربه ست خصال: يغفر له مع أول قطرة دم" الله أكبر! هنيئًا لكم، اسمع وتأمل: "يجار من عذاب القبر" اللهم أجرنا من عذاب القبر يا رب العالمين "ويأمن من الفزع الأكبر" الناس يخافون الناس في هلع وقلق وخوف في اليوم الأكبر في يوم القيامة، وهو آمن مطمئن، يأمن من الفزع الأكبر، أول ما يبعث من قبره: "ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها" الله أكبر!

ثم ماذا؟ "ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين" اللهم زوجنا بهن يارب العالمين، ثم ماذا؟ "ويشفع في سبعين من أقاربه" يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ولا عقاب، بفضل الله -تبارك وتعالى-، نحن لا نحزن على أمثال هؤلاء، لكن -والله- نحزن على أنفسنا، لا من الذين نالوا، ولا من الذين قدمنا ما في أيدينا وأعذرنا إلى الله -تبارك وتعالى-.

فعليكم أن تنتبهوا لمكر وكيد الباطل، احذروا الهزيمة النفسية والإحباط وقولوا: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، لا عليكم فيما يجري، لكن المهم أين أنتم؟ هل قلبك ومشاعرك تحركت لإخوانك أم لا؟ إن لم تكن كذلك بعد هذه المشاهد التي تبث في كل يوم وليلة، ولا تحرك عندك الشعور بإخوانك، فاعلم أن في إيمانك دخن لا بد أن تراجع نفسك.

اللهم احفظهم بحفظك يا أرحم الراحمين.