البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

سلامة الصدر وفضل صيام عاشوراء

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. فضل سلامة الصدر وطهارته .
  2. دلائل سلامة الصدر .
  3. السبل الموصلة لسلامة الصدر .
  4. موقف ابن تيمية من أعدائه وخصومه .
  5. وجوب الحذر من أمراض الحقد والحسد والكراهية .
  6. من فضائل سلامة الصدر .
  7. فضل صيام عاشوراء. .

اقتباس

إن سلامة الصدر دليل على نقاء قلب صاحبه، وطيب نفسه وحسن سريرته، وامتلائه إيمانًا ويقينًا، وتقوى ومحبة ورحمة. والصدر سليم هو الذي لا غشَّ فيه، ولا غلَّ، ولا حقد، ولا حسد، ولا ضغينة، ولا كراهية ولا بغضاء لأحد من إخوانه، بل يحبُّهم ويتمنى لهم الخير. إن سلامة الصدر ليست بالأمر الهين، بل هي تحتاج استعانة بالله، ومجاهدة قوية للنفس، وحسن الظن بالناس...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتلك وصيته جلَّ وعلا للأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: الآية 131].

عباد الله: إن غاية ما يسعى إليه البشر جميعاً هو تحصيل السعادةَ، وطيب العيش، والحياة الهنيئة، والمسلم الموحد، المحب لربه ولنبيه ولدينه هو الذي يعلم أنه لن يحصل ذلك إلا إذا سلم صدره، وقوي إيمانه، وأنار الله له بصيرتَه وألهمه رشده وأصلح قلبه وأعانه على مجاهدة نفسه، ويعلم أنه على قدر سلامة صدره وطهارته من الأحقاد والأدران والضغائن يدرك حظَّه من السعادة، وينال نصيبه من التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.

إن سلامة الصدر نعمة لا يحصلها أي إنسان، بل هي منَّة من الله -جل وعلا- لمن أحب من عباده، وهي صفة من صفات عباد الله المخلصين، فقد ذكرهـم الله -جل وعلا- في كتابه العزيز فأخبر أنهم يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].

وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيّ الناس أفضل يا رسولَ الله؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقيّ النقيّ، لا إثم فيه ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسد" (رواه ابن ماجه بإسناد صحيح).

أيها المسلمون: إن سلامة الصدر دليل على نقاء قلب صاحبه، وطيب نفسه وحسن سريرته، وامتلائه إيمانًا ويقينًا، وتقوى ومحبة ورحمة.

والصدر سليم هو الذي لا غشَّ فيه، ولا غلَّ، ولا حقد، ولا حسد، ولا ضغينة، ولا كراهية ولا بغضاء لأحد من إخوانه، بل يحبُّهم ويتمنى لهم الخير.

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "ما أدرك عندنا مَن أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة".

عباد الله: إن سلامة الصدر ليست بالأمر الهين، بل هي تحتاج استعانة بالله، ومجاهدة قوية للنفس، وحسن الظن بالناس، فمن وفقه الله لذلك حصل له خير كثير. ولقد كان السلف رحمهم الله يحرصون على سلامة صدورهم لإخوانهم، وحسن الظن بهم، وكانوا يلتمسون الأعذار بعضهم لبعض.

فهذا ابن عباس -رضي الله عنهما، حبر الأمة وترجمان القرآن- يقول كلماتٍ تدل على صلاح قلبه وسلامة صدره لإخوانه، فقد شتمه رجل فقال له: "إنك لتشتمني وَفِيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله -عزّ وجل-، فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلي لا أقاضي إليه أبدًا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح، وما لي به من سائمة".

وعن عمران بن طلحة قال: أُدخلت على علي -رضي الله عنه- بعد وقعة الجمل -المعركة التي استُشهد فيها طلحة- فرحب به، ثم أدناه، ثم قال لولد طلحة يطيب خاطره بعد مقتل أبيه: "إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

ودخل بعض أصحاب أبي دجانة -رضي الله عنه- عليه وهو مريض وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى وكان قلبي للمسلمين سليماً.

ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، وفيهم مَسْلمة، وكان سيِّدهم، فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإنَّها عِصْمة باقية، وجُنَّة واقية، وهي أحصن كهف، وأزْيَن حِلْية، ليعطف الكبير منكم على الصَّغير، وليعرف الصَّغير منكم حقَّ الكبير، مع سَلَامة الصَّدر، والأخذ بجميل الأمور.

وهذا سفيان بن دينار: "يقول لأبي بشير -وكان من أصحاب علي: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤْجَرون كثيرًا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسَلامة صدورهم".

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كان فيما يجمع من الخصال: سلامة الصدر لإخوانه من أهل العلم، مع أن بعضهم حصل لهم حسدٌ عليه، وقاموا ضده، وسعوا في سجنه، وألبوا عليه الحكام.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "كان بعض أصحاب ابن تيمية الأكابر يقولون: وددت أني لأصحابي كـابن تيمية لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحدٍ من خصومه قط، بل كان يدعو لهم، وجئته يوماً مبشراً بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذىً له، من أصحاب المذاهب، فنهرني وتنكع لي واسترجع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما أخبرت بموت الرجل، ثم قام من فوره إلى بيت أهله –أي: أهل الميت- فعزاهم وقال: "إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسُرّوا به ودعوا له".

عباد الله: إن علينا أن ننقي صدورنا من أمراض الحقد والحسد والبغضاء والكراهية وسوء الظن، فقد أمرنا بذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوق ثلاثة أيام"(رواه البخاري).

وعلينا أن نغير حالنا مع إخواننا إلى الأفضل، بالتعامل الطيب، وعدم التحامل على الآخرين، وأن نسعى جاهدين في إصلاح الحال بين المتخاصمين والمتباعدين. وينبغي لكل واحد منا إذا خشي أن يكون أخوه قد حمل عليه في نفسه شيئاً أن يسارع إلى تطييب خاطره والاعتذار إليه، والدعاء له.

وفي المقابل ينبغي على من اُعتذر إليه أن يقبل العذر، وأن يسارع إلى تطييب خاطر الآخر، وأن يدعو له بالعفو والمغفرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 9، 10].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن من فضائل سلامة الصدر:

1- أن صاحبها خير الناس وأفضلهم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد"(رواه ابن ماجه).

2- أن صاحبها ينال رحمة الله وجنته، قال تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].

3- أن صاحبها يقتدي بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان أسلم الناس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة.

4- أنها معينة لصاحبها على الخير والبر والطاعة والصلاح.

5- أنها تقطع عن العبد طريق العيوب والذنوب؛ لأن من سلم صدره وطهر قلبه قل عيبه، وعف لسانه عما حرم الله -جل وعلا-.

عباد الله: ها هو شهر الله المحرّم قد دخل عليكم وهو أحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36].

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان" (رواه البخاري).

ويستحب في هذا الشهر الإكثار من صيام النافلة؛ لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم" (رواه مسلم).

ومن ذلك صيام يوم عاشوراء: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرّى صيام يوم فضَّله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان" (رواه البخاري 1867).

وقال -صلى الله عليه وسلم- في فضل صيامه: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (رواه مسلم).

ويستحب صيام يوم التاسع مع عاشوراء، فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع"، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (رواه مسلم).

وفي هذا العام 1437هـ ينبغي لمن أراد الصوم: أن يصوم التاسع والعاشر، فيصوم الجمعة والسبت، أو يصوم العاشر والحادي عشر فيصوم السبت والأحد، أو يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فيصوم الجمعة والسبت والأحد، أو يصوم العاشر فقط فيصوم السبت.

أسأل الله -جل وعلا- أن يبارك لنا ولكم في أعمارنا وأعمالنا، وأن يوفقنا وإياكم لكل ما يحب ويرضى.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].