القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | زيد بن مسفر البحري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الطهارة |
وإنه، لنتيجة الجهل بأحكام شرع الله -عز وجل-؛ وقع كثير من الناس في بعض الأخطاء، تلك الأخطاء ربما يتوهم البعض أنها ليست بأخطاء، ولكنها في الحقيقة أخطاء، وبعضها قد يكون شنيعا. وإليك -عبد الله- ما جادت به الذاكرة وما استحضره القلم من هذه الأخطاء، ولربما يفوتنا شيء منها، ولكن هذا ما جاد، وأملى به الفؤاد.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا عباد الله، الواجب على المسلم أن يتقي الله -جل وعلا- فيما يفعل وفيما يذر، فيما يقول وفيما يفعل.
عباد الله: إن المسلم لَمُحاسب يوم القيامة أمام رب العالمين عن أخطائه وزلاته، وإن هذه الأخطاء وتلك الزلات، إنما نتجت نتيجة الجهل بأحكام شرع الله -عز وجل-، والعلم الشرعي متى ما ناله الإنسان نال الخيرية العظيمة، والناس يتفاوتون في ذلك، والموفق من وفقه الله -جل وعلا-.
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في الصحيحين: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"، وقال -عليه الصلاة والسلام-، كما في صحيح البخاري: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". لم يقل: من حفظ القرآن وحفَّظه؛ بل: "من تعلم القرآن وعلمه"، فهو شامل للحفظ وللتحفيظ، وسائر تعلم كتاب الله -عز وجل-.
وإنه، لنتيجة الجهل بأحكام شرع الله -عز وجل-؛ وقع كثير من الناس في بعض الأخطاء، تلك الأخطاء ربما يتوهم البعض أنها ليست بأخطاء، ولكنها في الحقيقة أخطاء، وبعضها قد يكون شنيعا.
وإليك -عبد الله- ما جادت به الذاكرة وما استحضره القلم من هذه الأخطاء، ولربما يفوتنا شيء منها، ولكن هذا ما جاد، وأملى به الفؤاد.
من الأخطاء فيما يتعلق بالوضوء أن البعض من الناس يغسل كفيه في أول الوضوء، وغسل الكفين في أول الوضوء سنة وليس بواجب، ومن ثَم فإنه لو ابتدأ مباشرة فتمضمض واستنشق لكان وضوؤه صحيحا، يغسل كفيه في أول الأمر، ثم يغسل وجهه بعد أن يتمضمض ويستنشق، ثم يغسل يديه.
وإذا وصل إلى غسل اليد لا يغسلها من أطراف أصابع اليد، وإنما يغسلها من الرسغ، اكتفاء بالغسلة التي غسلها لكفيه أول الوضوء، وهذا خطأ لا يصح معه الوضوء؛ وذلك لأن غسل اليدين واجب وفرض من فروض الوضوء، فلا بد أن تغسل يديك من أطراف أصابع اليد مع المرفق.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض لا يتعاهد مرفقيه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أدار الماء على مرفقيه وغسل يده حتى أشرع في العضد.
والبعض لا يتعاهد ما هو قريب من المرفقين، يغسل يديه ولا يتعاهده، ومن ثَم؛ فإنه لو نظر لوجد أن هناك خللا وقع في وضوئه.
ومن الأخطاء -أيضا- في الوضوء أن البعض يغسل قدميه ولا يتعاهد عقبيه، ولا يتعاهد بطون قدميه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال، كما في الصحيحين وفي مسند الإمام احمد من مجموع الأحاديث، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ويل للأعقاب من النار!"، وقال في رواية: "ويل للعراقيب!"، وقال في رواية أحمد: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار!".
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض يبالغ -كما أن البعض قد يقصر في هذا الجانب مما ذكرته آنفا من أخطاء- قد يبالغ في وضوئه، أو يبالغ في غسله، أو يبالغ في استحضار النية، أو في الصلاة، أو في تكبيرة الإحرام، أو فيما شابه ذلك، ومن ثَم يصل الأمر به إلى الوسوسة، والوسوسة مذمومة في الشرع؛ ولذا تجد أن الموسوس لا يستحضر قلبا، لا في صلاة، ولا في وضوء، ولا في أي عبادة.
وعلاجك، يا من وقعت في الوسواس، علاجك أن تنتهي منه، نبيك -عليه الصلاة والسلام- قال، كما في الصحيحين، في علاج الوسوسة المتعلقة بالعقيدة، ويسري هذا الحكم في جميع أنواع الوساوس، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لِيستعِذْ بالله، وَلْيَنْتَهِ"، ولْتكثر من قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولْتَنْتَهِ: لتقطع هذه الوساوس.
إذا أتاك الشيطان وقال: إنك لم تغسل يدك، وأنا أتحدث في شأن من هو كثير الوساوس، أما من اعترضه أمر طارئ فإنه لا يدخل تحت هذا التنبيه، إذاً، يا من كان كثير الوساوس، إذا جاءك وقال: إنك لم تغسل يدك اليمنى، وقال: أعد غسل اليمنى، لا تغسلها، استمر في غسل اليسرى، ثم امسح رأسك، ثم اغسل قدميك، ولا تلتفت؛ فوضوؤك صحيح. وهكذا في كل شأن.
البعض إذا أراد أن يستحضر النية وجد مشقة وعناء شديدا، والنية هي الإرادة، متى ما جئت إلى دورة المياه، متى ما جئت إلى الغسالة لكي تتوضأ فهذه هي النية... لأن الشيطان لا يقف عند حد معيين، فإذا فتحت له قلبك للوساوس زادك وزادك حتى يخرجك من دائرة العقلاء إلى دائرة المجانين، فعليك أن تقطعها ولا تلتفت إليه.
إذا جاءك في صلاتك، وكان هذا الوسواس كثيرا، ربما يأتيك ويقول: زِدْتَ ركعة! أنقصت ركعة! زدت سجدة! أنقصت سجدة! فلا تلتفت لهذه الوساوس، وعليك أن تبني على ما يغلب على ظنك، ولا تسجد للسهو لتقطع هذا الأمر.
وأنا أجزم، من خلال الوقائع التي عالجتها لكثير من الموسوسين، أجزم بأنه لو استمر على هذا المنهج بأن هذا الوسواس سيزول منه في غضون أسبوع، إن لم يكن أقل.
ومن الأخطاء -عباد الله- المتعلقة بالغسل أن البعض من الناس يريد أن يغتسل للتنظف أو للتبرد، فيعمم جسمه بالماء، ثم يكتفي بهذا الغسل عن الوضوء ويأتي ويصلي، وهذا لا يصح؛ وذلك لأن الوضوء يشترط في أعضائه أن تكون مرتبة، وهذا الغسل للتنظف وللتبرد، هذا خطأ عظيم!.
البعض -أيضا- قد يخطئ في هذا الجانب من حيث السنية حينما يغتسل ليوم الجمعة، فيعمم جسمه بالماء، حينما يغتسل ليوم الجمعة يكتفي بهذا الغسل عن الوضوء، وهذا لا يصح. حتى لو قال بعض العلماء: إن غسل يوم الجمعة واجب، فإنه لا يغني عن الوضوء، فليُتنبه إلى هذا الأمر.
أما إذا عممت جسمك بالماء في التنظف أو في التبرد أو في غسل يوم الجمعة، ثم في أثناء انسكاب الماء تمضمضت واستنشقت وغسلت وجهك ويديك ومسحت رأسك ثم غسلت قدميك فهذا وضوء مجزئ، أما أن تكتفي بتعميم جسمك بالماء فهذا لا يكفي، إنما يكفي الغسل عن الوضوء في حالة واحدة، في حالة الحدث الأكبر، إذا كنت جنبا فلتعمم جسمك بالماء، ولتتمضمض ولتستنشق، ولا يلزمك أن تتوضأ. لم؟ لأن الوضوء عن حدث أصغر، والجنابة عن حدث أكبر، فدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر.
إذاً؛ لتعلم أنه لا يجزئ الغسل عن الوضوء إلا في حالة واحدة: في غسل الجنابة.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض إذا اغتسل غسلا مجزئا للجنابة لا يتمضمض ولا يستنشق، وهذا خطأ؛ لأنه يجب عليك أن تعمم جسمك بالماء، والمضمضة والاستنشاق للفم وللأنف من الجسم الظاهر وليس من الجسم الباطن.
والبعض -أيضا- في الغسل، في غسل الجنابة، لا يتعاهد غسل فرجه، ولا يتعاهد غسل مغابنه، كالآباط وباطن السرة وما شابه ذلك، ولكن، كما قلت آنفا، لا يبالغ الإنسان إلى درجة تصل به إلى الوسوسة.
ومن الأخطاء -أيضا- فيما يتعلق بالمسح على الخفين، أن كثيراً من عوام الناس يظن أن المسح على الخفين لا يكون إلا في خمسة فروض، وهذا ليس بصحيح؛ وذلك لأن المسح على الخفين يبتدئ من المسح بعد الحدث؛ ولذا، لو توضأت مثلا للفجر ثم لبست الشراب ثم ظللت على وضوئك الظهر والعصر والمغرب وأنت على وضوء الفجر، ثم لما جاء العشاء مسحت بعد وجود الحدث، فإن مدتك من وقت العشاء إلى العشاء في اليوم الآخر.
وأيضا، من الأخطاء في المسح أن البعض يكرر المسح على الخفين، إنما السنة أن يمسح خفيه مرة واحدة.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض يذكر الله -جل وعلا- قبل كل صلاة فرض، إذا قال -مثلا- الإمام: استووا. قال: استوينا، أو ما شابه ذلك من هذه الألفاظ. هذه لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
البعض إذا أراد أن يصلي صلاة الفرض قال: اللهم اجعل لنا منها حظا ونصيبا، أو ما شابه ذلك من هذه الألفاظ، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرد في سنته في هذا الموطن أي شيء، إنما قوله -عليه الصلاة والسلام-: "استووا"، أمْر منه -عليه الصلاة والسلام- بالمساواة والتراص في الصف.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين أن المسبوق إذا أتى والإمام راكع كبّر تكبيرة الإحرام وهو منحنٍ، وهذا لا يصح، تكبيرة الإحرام يجب أن تكون عندها قائما، وأنت مستتم قائما، فإذا لم تكن مستتما قائما فإن صلاتك لا تنعقد، لا يعني أنها باطلة، بل لا تنعقد، حركاتك إنما هي حركات مجردة لا تُحسب لك في الفرض. إذاً؛ إذا أراد المسبوق أن يدخل مع إمامه والإمام في ركوع عليه أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم.
ثم إن العجب أن البعض إذا دخل والإمام في الركوع يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم ثم يستفتح، يظن أن الاستفتاح واجب، الاستفتاح سنة... [لا تتأثر صحة الصلاة به إذا فعلته أو لم تفعله]، سبحان الله! إذا كانت الفاتحة، وهي ركن، تسقط عنك أيها المأموم إذا أدركت إمامك وهو راكع، فما ظنك بدعاء الاستفتاح؟ فليتنبه لمثل هذا؛ لأن البعض قد ينشغل بدعاء الاستفتاح، ثم بعدها يرفع الإمام من الركوع ثم لا يدرك هذه الركعة.
ومن الأخطاء أن المسبوق إذا دخل والناس في التشهد، إذا دخل، قد يسلم الإمام التسليمة الأولى ثم يدخل معه، وهذا خطأ، متى ما سلم إمامك التسليمة الأولى فلا تدخل معه. لم؟ لأن إمامك قد شرع في التحلل وفي الخروج من الصلاة، فإذا ابتدأ الإمام في التسليمة الأولى فلا تدخل معه أيها المسبوق.
من الأخطاء المتعلقة بالصلاة أن البعض إذا صلى لا يحرك شفتيه ولا لسانه، يقرأ الفاتحة بنفسه هكذا صامتا يغلق شفتيه، مستحضرا أنه يقرأ الفاتحة، مستحضرا أنه يقرأ أذكار الركوع أو أذكار السجود، وهذا خطأ؛ لأن هذا لا يعد كلاما، لا يعد قولا في اللغة، ولا في الشرع. إذاً؛ عليك أن تحرك شفتيك ولسانك إذا أردت أن تقرأ القرآن أو إذا أردت أن تقرأ الفاتحة أو إذا أردت أن تقرا الأذكار الواردة، بل حتى في الأذكار المسنونة...
لو أن إنسانا أراد أن يسبح الله -جل وعلا- في اليوم مائة مرة حتى تُغفر له خطاياه ثم لم يحرك شفتيه ولا لسانه لا يُحسب له أجر... لم؟ لأنه لم يتكلم، إنما الكلام يكون بالشفتين وباللسان. ولا يلزم أن يرفع صوته، المهم أن يحرك شفتيه ولسانه بهذه الأذكار.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس أنه لا يسجد على الأعضاء السبعة، قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة -وأشار إلى الأنف-، واليدين -يعني: الكفين-، والركبتين، وأطراف القدمين، يعني: أصابع القدمين".
البعض إذا سجد ربما يرفع أصابع قدميه كلتيهما أو إحداهما، وهذا لا يصح له سجود، ومن ثم لا تصح له صلاة، لأن السجود ركن.
قد يسجد على أطراف أصابع كفه، هذا خطأ، لا بد أن تسجد على كفك كلها. البعض يسجد بجبهته ولا يمكّن أنفه من الأرض، هذا سجوده ليس بتام، ومن ثم فإن صلاته لا تصح على الصحيح.
أيضا، من الأخطاء أن البعض قد يلبس سروالا قصيرا إلى أنصاف فخذيه، ثم إذا به يلبس ثوبا رقيقا تُرى لون بشرته من خلال هذا الثوب فيصلي، صلاته لا تصح؛ لأن من شروط صحة الصلاة أن يستر العورة. كيف تستر العورة؟ ألا يظهر لون البشرة من بياض أو اسوداد أو احمرار أو نحو ذلك من ألوان البشرة.
أيضا، من الأخطاءِ رفعُ البصر إلى جهة السماء، بعض المصلين، ولاسيما إذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع بصره إلى السماء، أي: إلى جهة السماء؛ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين، قال: "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء، أو لا تعود إليهم"، وفي رواية عند مسلم: "أو لا ترجع إليهم"، وفي رواية: "أو لتخطفن"، فهذا يدل على أنه من الأمور المحرمة.
أيضا، من الأخطاءِ أن البعض وهو يصلي قد تبقى بقايا من السواك في فمه، أو يسبقه بلغم وهو في صلاته، فيتفل أمامه، وهذا محرم؛ لأنه كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الله -جل وعلا- في قبلة المصلي"؛ ولذا، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أن يتنخم المصلي أمامه، ولا عن يمينه؛ لأن من عن يمينه ملَك، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-.
أيضا، من الأخطاء أن بعض المرضى يؤخر الصلاة ظنا منه انه لا يستطيع أن يتوضأ أو لا يستطيع أن يتيمم، أو يستطيع لكنه لا يستطيع أن يوجه نفسه إلى القبلة، فيدع الصلاة إلى أن يخرج وقتها، وهذا خطأ؛ بل يجب عليك أن تصلي الصلاة في وقتها، ولا تخرجها عن وقتها بأي حال من الأحوال، لتصلّ حسب ما كنت، وحسب ما استطعت، ولا يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض أنه إذا رفع من الركوع فقال: "سمع الله لمن حمده"، قال: "ربنا لك الحمد والشكر"، يزيد كلمة الشكر، وهذه لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يعلم لها أصل ثابت.
كذلك قول البعض بعدما يسلم من الصلاة، يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت"، يزيد: "وتعاليت"، وهذه لم ترد في هذا الموطن. وردت في دعاء القنوت؟ نعم، لكنها لم ترد بعد الصلاة.
أيضا، من الأخطاء أن البعض من الناس، وإن كان بعض طلاب العلم يتساهل في ذلك أو يتجاوز في ذلك، أن البعض إذا كان مسافرا، وكان قد صلى صلاة المغرب فأدرك أناسا يصلون المغرب وهو لم يصل العشاء، والعشاء في حقه ركعتان، فإذا دخل معهم وهم يصلون المغرب، إذا قاموا إلى الثالثة جلس من أجل أن يأتي بركعتين ثم يسلم، وهذه مخالفة للإمام، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به"، فلا تقاس حالة الحضر على حالة السفر، يعني: لو جاء إنسان إلى صلاة العشاء وهو في الحضر، الصلاة في حقه أربع ركعات، وهو لم يصل المغرب، نام عن صلاة المغرب فأدرك الناس في صلاة العشاء، نقول: ادخل معهم بنية صلاة المغرب، وهم يصلون العشاء، فإذا قام الإمام إلى الرابعة اجلس في الثالثة لأنك لو قمت مع الإمام كنت أتيت في صلاة المغرب برابعة فبطلت صلاتك، هنا جلس من أجل الضرورة الشرعية حتى لا تبطل صلاته، أما هنا، إذا كان مسافرا فإنه إذا خالف الإمام في هذه الحالة خالفه في سنة، خالفه من أجل سنة، وذلك لأن القصر سنة، فالصحيحُ أنه إذا صلى المسافر خلف من يصلي المغرب فإذا قاموا إلى الثالثة يقوم معهم إلى الثالثة، وإذا سلموا من صلاة المغرب، يقوم فيأتي برابعة إتماما لصلاته، فليُتنبه إلى هذا الأمر.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض أن بعض الأئمة إذا كثر السهو في صلاته سُبح به في الركوع أو في السجود، المهم أنه لا يدري ما هو الخطأ، بعد ذلك يأمر المصلين بان يعيدوا الصلاة، وهذا خطأ عظيم؛ لم؟ لأن الإسلام شرع سجود السهو، من أجل ماذا؟ من أجل أن يبقي الإنسان صلاته الأولى على ما كانت عليه، ولذلك؛ لو أن كل إنسان سها في صلاته فأعادها لم يكن في مشروعية سجود السهو أي فائدة.
ومن ثَم؛ فإن هذا الإمام يجني على المصلين حين يأمرهم بالإعادة، لكن لو كانوا يجهلون ثم سألوا فيما بعد، وأُخبروا أنهم تركوا ركنا، وأنه يلزمهم أن يعيدوا الصلاة، هنا يأمرهم بأن يعيدوا الصلاة.
أيضا، البعض من الأئمة إذا زاد خامسة مثلا في صلاة الظهر أو في صلاة العصر أو في صلاة العشاء، إذا زاد خامسة فاستتمّ قائما يقول: لا أرجع! لم؟ قال: أقيسها على حالة ما إذا قمت من التشهد الأول فاستتممت قائما فإني لا أعود. نقول: هذا خطأ؛ لأنه ليس هناك صلاة فيها خمس ركعات، بل يجب عليك أن تعود مباشرة متى ما ذكرت أو ذُكِّرت، لو كنت في الركوع من الركعة الخامسة التي زدت فيها فتذكرت أو قلت: سمع الله لمن حمده فتذكرت، اجلس في التشهد حتى لو كنت في سجود الخامسة فتذكرت اجلس للتشهد، فإن استمريت وأنت عالم بهذا الحكم فإن صلاتك تكون باطلة.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأئمة أنه يخطئ في تكبيرة الانتقال، تكبيرة الانتقال من ركن إلى ركن، بمعنى: أنه إذا قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إذا أراد أن يسجد سيكبر، البعض من الناس، سواء أئمة كانوا أو مأمومين إذا كانوا منفردين تجد أنه يقول: ربنا ولك الحمد -وهو هاوٍ- حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ثم إذا وصل إلى السجود قال: الله أكبر، هذا خطأ؛ لأن هذا المكان مكان لتكبيرة الانتقال ليس فيه ذكر آخر.
بعض الأئمة يقول: إنني أؤخر التكبير من أجل ألا يسابقني المأمومون، نقول: هذا خطأ يجب عليك كإمام أن تنبه الناس على أن المأموم لا يجوز له أن يسابق إمامه، بل إن علامة المتابعة للإمام، علامة متابعتك الإمام ألا تسجد حتى ينتهي صوت إمامك بالتكبير، هذا قد يكون يسيرا.
الأعظم من هذا أن بعض الأئمة إذا رفع من الركوع لا يقول: سمع الله لمن حمده إلا إذا استتم قائما، هذا سيجني على من خلفه؛ كيف؟ قد يكون وراء هذا الإمام أربعة صفوف، فيأتي إنسان مسبوق يظن أن هذا الإمام مازال في الركوع وهو قد رفع منه، وذلك لأن الإمام لم يقل: سمع الله لمن حمده إلا حينما استتم قائما، فسيجني على هذا المسبوق ويتحمل إثمه لأنه قد فاتته الركعة؛ ولذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أبي هريرة يصف صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكبر حين يركع، يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع، يكبر حين يسجد"، يدل على أنه من حين ما يرفع يبدأ في هذا الذكر الذي هو: سمع الله لمن حمده، من حين ما ينزل للسجود يبدأ في ذكر التكبير: الله أكبر.
ومن الأخطاء -أيضا- أن بعض المصلين يظن أن هذه سنة لازمة، وهي أنه إذا فرغ من صلاة السنة رفع يديه يدعو، بل إن البعض لو كان المؤذن يقيم للصلاة ثم شرع الإمام في تسوية الصفوف أو في التكبير من حين ما يسلم يرفع يديه هكذا يدعو دعاء مجردا، لا من قلب، لا من خشوع، يظن أنها من السنن، وهذا خطأ، السنة لك -أيها المصلي- أن تدعو الله -عز وجل- في صلاتك، لكن؛ لو فعلتها أحيانا فرفعت يديك بالدعاء بعد النفل أحيانا فهذا لا بأس به، وقد وردت قصة معينة في مكة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءت في الصحيحين تدل على جواز فعل هذا الشيء في بعض الأحيان، أما باستمرار فإن هذا لا يُشرع.
أيضا، كما نبهنا على ذلك في الخطبة الماضية: البعض يرفع يديه حينما يدعو الخطيب في ثنايا الخطبة، وقلنا إن هذا ليس من السنة، إنما تُرفع اليدان في دعاء الخطيب إذا استسقى، أما فيما عدا ذلك فإنه لا يشرع رفع اليدين، لا للإمام ولا للمأمومين.
من الأخطاء التي يقع فيها البعض أنه إذا كان مسبوقا، وكان الإمام في السجود، البعض ينتظر حتى يرفع الإمام للركعة التالية، أو إذا كان في السجود ينتظر الإمام إلى أن يجلس للتشهد الأول، وهذا غير موافق للسنة، السنة الواردة من أمره -عليه الصلاة والسلام- في سنن أبي داود: "إذا أتيت أن تصنع كما يصنع الإمام"، إذا كان الإمام في السجود كبر تكبيرة الإحرام وأنت قائم، واسجد معه، وهلم جرا.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض إذا صليا وكانا اثنين يظن البعض أن الإمام لا بد أن يتقدم شبرا، وأن يتأخر المأموم عنه شبرا، من أجل أن يكون المأموم خلف الإمام، وهذا غير وارد، بل إن السنة في ظاهرها الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه -عليه الصلاة والسلام- لما قام يصلي من الليل ثم أتى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن يساره أخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- ووضعه عن يمينه ولم يؤخره -عليه الصلاة والسلام- عنه لا شبرا ولا أكثر من ذلك ولا أقل بل وقف حذاءه.
أيضا، من الأخطاء أن البعض يظن أن الإمام إذا فرغ من التسليم عليه أن يصرف وجهه إلى المأمومين من جهة اليمين، يعني: يظن البعض أن بعض الأئمة إذا انصرف بعدما يسلم إذا أراد أن يصرف وجهه إلى جهة المأمومين يقولون: لا تنصرف إلا عن يمينك، لا تنصرف عن يسارك، وهذا ليس بصحيح، الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنن أبي داود وفي غيرها أنه كان -عليه الصلاة والسلام- ينصرف عن يمينه وعن شماله، بل ورد في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "لا يجعل أحدكم للشيطان نصيبا من صلاته، لا يرى أنه لا ينصرف إلا من جهة اليمين، لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما ينصرف عن شماله".
من بين الأخطاء أن بعض المأمومين إذا وصل إمامه إلى كلمة "ولا الضالين" سابقه بالتأمين فيقول "آمين" قبل أن يفرغ الإمام من قول هذه الكلمة، وهذا لا شك يعد مسابقة للإمام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال -كما في الصحيحين-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: إذا قال الإمام: "ولا الضالين"، فقولوا: "آمين".
ومن بين الأخطاء التي يقع فيها البعض، ولاسيما كبار السن، أنه إذا كان جالسا، وأراد أن يشرع في الصلاة فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قبل أن يستتم قائما، وهذا خطأ، بل الواجب عليه أن يبقى قائما ثم يكبر، أما كونه يكبر حينما ينهض للشروع مثلا في صلاة الفرض، ولا سيما أن الأمر خطير في صلاة الفرض؛ لأنه إذا كبر قبل أن يستتم قائما في صلاة الفرض لم ينعقد فرضه، لكن في النافلة يُتسامح في هذا، ومع هذا التسامح في النافلة فإنه لا يحظى بالأجر الكامل، إنما يحظى بنصف أجر من صلى، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري.
وأيضا، من بين الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس سواء كان مأموما أو منفردا أنه إذا أراد أن ينهض إلى الركعة الثانية أو الثالثة فإنه يقرأ الفاتحة وهو في حالة النهوض، وهذا خطأ، قراءة الفاتحة إنما تكون وأنت قائم، اللهم إلا إذا كان الإنسان كبيرا في السن أو مريضا، وهو يعلم أنه لو أخر قراءة الفاتحة إلى حال القيام أنه لا يدركها مع الإمام، فهنا نقول له: كونك تأتي بقراءة الفاتحة حال النهوض أولى من أن لا تقرأها أبدا؛ فإذاً: إذا أراد المأموم أن يقرأ الفاتحة فإنه لا يقرؤها إلا بعد أن يستتم قائما؛ لأن موضعها حال القيام وليس حال النهوض.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض يقرأ بعد الصلاة في ثنايا الأذكار التي تقال بعد الصلاة يقرأ سورة الفاتحة، أو يقرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وهذا لا يُعلم له أصل في أن هذه الآيات تُقرأ أدبار الصلوات، إنما يُقتصر على الوارد.
وأيضا، من الأخطاء أن بعض المسبوقين إذا جاء والإمام راكع يحدث ضوضاء، ويحدث إزعاجا: إما أن يصرخ، أو يشعر الإمام بأنه قادم فيتنحنح ويكثر من النحنحة، أو يقول: اصبروا، أو يذكر الله -عز وجل- يقول: لا إله إلا الله، أو ما شابه هذه الألفاظ، فهذا لا ينبغي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في الصحيحين، قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأْتوها وانتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".