البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
من دخل في الصلاة تابع الإمام؛ فإن أدرك الإمام قائمًا قام معه، أو كان راكعًا يركع معه، أو ساجدًا سجد معه، ولا يلزمه أن ينتظر حتى يقوم الإمام ويأتي بالركعة التي بعدها؛ وإنما يدخل في الصلاة مباشرةً وتابعه على الحال الذي فيه الإمام؛ فإن كان ساجدًا سجد معه، وإن كان جالسًا جلس معه، لحديث...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
في صحيح البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ رَاكِعٌ؛ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ -أي ثم مشى راكعًا حتى وصل إلى الصف-؛ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ"، أي؛ لا تَعُد إلى مثل هذا؛ فدلَّ هذا على أن الإنسان إذا أتى المسجد؛ فإنه يمشي إلى الصفِّ المشي المعتاد متأدِّبًا هادئ النفس مطمئنًا، عليه خشوع وسكينة ووقار، حتى يصل إلى الصف، وهذا تعظيم الصلاة؛ ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكمُ السَّكِينَةُ؛ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"(متفق عليه)، ثم إذا كان فما أدركه مع الإمام صلَّاه، وما لم يدركه؛ فإنه يتمه ويقضيه بعد سلام الإمام.
يا أهل الصلاة: من دخل في الصلاة تابع الإمام؛ فإن أدرك الإمام قائمًا قام معه، أو كان راكعًا يركع معه، أو ساجدًا سجد معه، أو جالسًا ولا يلزمه أن ينتظر حتى يقوم الإمام ويأتي بالركعة التي بعدها؛ وإنما يدخل في الصلاة مباشرةً وتابعه على الحال الذي فيه الإمام؛ فإن كان ساجدًا سجد معه، وإن كان جالسًا جلس معه، لحديث عَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ، وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ؛ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني)؛ لكنه لا يَعتد بشيء في صلاته غير الركوع، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهُ شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً؛ فقد أدْرك الصَّلَاة"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والحاكم وغيرهما وصححه الألباني).
عباد الله: لقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني في إرواء الغليل)، وقد عمل به عدد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من لم يُدرك الإمام راكعاً، لم يُدرك تلك الركعة".
وقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: "إذا جئتَ والإمامُ راكعٌ، فوضعتَ يدَيْكَ على ركبَتَيْكَ قَبل أن يَرْفَع، فقد أدرَكْت"؛ يعني الركعة.
وقال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة".
فإذا دخل المصلي المسجد فوجد الإمام راكعًا؛ فإن فله صورٌ ثلاثة:
الأولى: أن يَقِفَ في الصَّفِّ؛ فيُكبر تكبيرة الإحرام وهو قائمٌ معتدلٌ، ثم يركع، ويَتِمُّ ركوعه والإمام مازال راكعًا؛ ففي هذه الحالة يكون المأموم مدركاً للركعة مع الإمام.
والثانية: أن يَقِفَ في الصَّفِّ؛ فيُكبر تكبيرة الإحرام وهو قائمٌ معتدلٌ، والإمام ما زال في ركوعه، ولكنه لما مال للركوع، رفع الإمام ظهره من الركوع؛ فيكون ركوعه بعد رفع الإمام من الركوع؛ فلا يُعتبر مدركاً للركعة مع الإمام، وعليه أن يقضيها.
الصورة الثالثة: أن يأتي المأموم والإمام راكع؛ فيركع مباشرة دون أن يَقِفَ ويُكبر تكبيرة الإحرام قائمًا معتدلًا؛ ففي هذه الحالة تبطل صلاته، لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة وهو تكبيرة الإحرام، وعليه إعادة الصلاة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أُقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فإن صلاة الجمعة من أهم وأعظم الصلوات، والواجب الحرص عليها، والتبكير للحضور إليها، والانصات لسماع خطبتها، وعدم التشاغل عنها بأي شيء؛ فإذا تأخر العبد عنها لأمر قاهرٍ؛ فإنَّ عليه يسعى جهده لإدراك شيءٍ منها، فإذا جاءها؛ فإنه لا يكون مدركًا لصلاة الجمعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام، لحديث أَبِي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَدرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ"(رواه البخاري ومسلم).
ولحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته"(رواه النسائي صححه الألباني)، وعند ابن ماجه قال: "من أدرك ركعة من الجمعة؛ فليصل إليها أخرى"(صححه الألباني).
وإدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام؛ فمن أدرك الإمام في صلاة الجمعة راكعًا في الركعة الثانية؛ فإنه يكون قد أدرك صلاة الجمعة، وحينئذ يتم صلاته بعد سلام الإمام؛ فيقوم ويصلي الركعة التي بقيت من صلاته وهي الركعة الثانية.
وأما إذا أدرك الإمام بعد الرفع من ركوع الركعة الثانية؛ فقد فاتته صلاة الجمعة، ولم يدركها، وحينئذ يكمل صلاته ظهرًا؛ فيقوم بعد سلام الإمام ويتم صلاته أربع ركعات على أنها صلاة الظهر لا الجمعة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد -رحمهم الله-.
اللهم اجعلنا ممن يعظمون الصلاة، واجعلنا يا ربنا ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد، واجعل الصلاة قرة عينٍ لنا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادنا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ.
اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِنْ غَلبَةِ الدِّينِ وَقَهْرِ الرجَال، ونسألك يا ربنا أن تبَارِكْ لَنَا في أَرزَاقِنَا وفي أهلينا وذرياتنا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!
اللَّهُمَّ احْفَظْ علينا أَمْنَنَا وَاحْرُسْ بِلَادَنَا وَاكْفِنَا شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ، وَاحْمِنَا مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَا قَوِيُّ يَا جَبَّارُ.
اللَّهُمَّ فُكَّ أَسْرَانا، وَاشْفِ مَرْضَانَا، وارْحَمْ مَوْتَانَا، وتَوَفَّنَا وأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا غَيْرَ غَضْبَانٍ.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واحفظ حدودنا، وانصر جنودنا، وأعدهم لأهليهم سالمين غانمين منصورين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].