الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | زيد بن مسفر البحري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - المعاملات |
يا أخي، القضية ليست قضية مال، وليست قضية دنيا، القضية قضية آخرة، فيها حساب، فيها عقاب، ربما تجمع هذه الأموال من مصادر محرمة ثم يتوفاك الله -عز وجل-، ماذا يصنع ورثتك بهذا المال؟ هو لهم حل حلال؛ لأنهم أخذوه من طريق شرعي، وهو الإرث، يأخذون غنمه، وأنت تتحمل غرمه، فارفق بنفسك! والله! ما هي إلا لحظات ثم يقال: فلان قد مات، ثم تواجه عملك ومصيرك.
الخطبة الأولى:
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المأمومين، مع حرص إمامه على هذا الأمر، بل إن بعض الأئمة قد يفرط: تسوية الصفوف؛ فالبعض من الأئمة يرى الصفوف معوجة ولا يقومها، ولا يرشد المأمومين إلى تسويتها، وهذا خطأ، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحرص على هذا كما جاء في الصحيحين، قال: "لتسوُنّ أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم"، وفي رواية: "أو ليخالفن الله بين قلوبكم".
وكان -عليه الصلاة والسلام- بنفسه يسوي الصفوف، والبعض من الأئمة يحرص على هذا، لكن البعض من المأمومين يأنف من أن يقال له: تقدم أو تأخر، وهذا خطأ، وقد يصدق عليه هذا الوعيد الوارد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف طبيعة نفوس البشر، إذ إن البعض طبعه الأنفة والغلظة؛ لذا قال في رواية أبي داود، لما ذكر الأحاديث الآمرة بتسوية الصفوف والتراص فيها، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لينوا بأيدي إخوانكم". على أحد وجوه شرح هذا الحديث قال العلماء: يعني: كن لينا حينما يأمرك أخوك المسلم بأن تتقدم أو بأن تتأخر، فقال -عليه الصلاة والسلام- في هذا الموضوع وفي هذا الشأن: "لينوا بأيدي إخوانكم".
وأيضا، من الأخطاء التي يقع فيها بعض المأمومين: الإمام إذا كان يقرأ جهرا، فمرّ بكلمة التوحيد، كما في قوله -تعالى-: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ)، رفع بعض المأمومين صوته، وقال: "لا إله إلا الله"، أو: إذا مرت آية عذاب قال: "أعوذ بالله من النار"، أو آية سؤال قال: "أسألك من فضلك"، أو ما شابه هذا، وهذا لا يجوز؛ بل إن على المأموم أن ينصت لقراءة إمامه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا"، ولا يُستثنى من هذا إلا قراءة الفاتحة، كما استثنتها الأحاديث الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل على المأموم أن يسكت؛ ولذا، البعض من المأمومين يظن أنه إذا قرأ الفاتحة لا بد أن يقرأ سورة أخرى معها، وهذا خطأ، بل إذا كنت مأموما عليك أن تقرأ الفاتحة فقط، وتقتصر عليها، ثم بعدها تنصت إلى قراءة إمامك.
ومن الأخطاء -أيضا- أن البعض يظن أنه لا يقوم المأموم عن يسار إمامه في جميع الأحوال، أقول: هذا ليس بصحيح؛ بل إذا كان هناك أحد عن يمين الإمام فلك أن تصلي عن يساره،
وقد جاءت السنة بهذا كما في صحيح مسلم، بل كانت الصلاة في أول الإسلام هكذا، فمثل هذا يُتنبه إليه.
اللهم إلا إذا خلا يمين إمامك، هنا مسألة خلافية: هل تصح صلاة من وقف عن يسار الإمام مع خلو يمين إمامه أم لا؟ قولان: جمهور العلماء على أن صلاته صحيحة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في الصحيحين، لم يبطل صلاة ابن عباس -رضي الله عنهما- لما دخل معه في صلاة الليل ووقف عن يساره، بل أخذه -عليه الصلاة والسلام- من خلفه ثم جعله عن يمينه.
وأيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، وهذه سبق وأن نبهت عليها: أن البعض كان في السابق يأتي بكراتين من المياه يوزعها في المقبرة حال دفن الميت أو بعد دفنه، ثم تطور الحال بالناس إلى أن أُدخلت سيارات تُعنى بهذا الشيء، وأخشى في المستقبل أن يتطور الحال إلى أن يؤتى بعصيرات، بل سمعت من بعض الإخوان انه رأى من يوزع أشرطة في المقبرة، أخشى أن يكون حالنا كحال بعض البلدان الإسلامية تضع الأطعمة على القبور، وهذا يشبه، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-، إذ إن شيخ الإسلام -رحمه الله- تحدث عن هذا الموضوع واستفاض فيه، بل قال -رحمه الله-: "إن إخراج الصدقة مع الميت من البدع"؛ ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في الصحيحين، قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم -وفي رواية وصالحيهم- مساجد"، ليس المعنى فقط أن تبني مسجدا على القبر، (لا)، اتخاذ القبر مسجدا يصدق أن تتعبد الله عند القبر، لا يجوز لك أن تتوخى عبادة من العبادات في المقابر؛ ولذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم أن يُصلى إلى القبور، والأحاديث في هذا كثيرة؛ ولذا ينبغي أن يتنبه الناس لهذه الأمور، فالعقائد يجب أن تصان أبوابها.
ولذا؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه وفد بني عامر، وذكروا له أوصافا، قالوا: أنت سيدنا، وأنت خيرنا، وأنت أفضلنا، وأنت أعظمنا طولا، هذه صفات ثابتة في النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن خشي -عليه الصلاة والسلام- أن يستفيض بهم الأمر إلى أن يرفعوه فوق منزلته، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله".
وحرصه -عليه الصلاة والسلام- على سد جميع الأبواب المفضية إلى الشرك كثيرة جدا في سنته؛ ولذا يقول شيخ الإسلام -رحمة الله عليه-، يقول: "لا يجوز لأحد أن يتقصد عبادة عند القبور، بل لا يجوز له أن يقصد ذكرا معينا عند حانوت، أو عند جدار، أو عند حائط"؛ لأن الأماكن التي يُتعبد فيها لله -عز وجل- إنما هي في المساجد لا بالمقابر.
وأنا أجزم أن من يأتي بهذه المياه لا يأتي بها لأن الناس عطاش، لأن الناس مثلا في فصل الشتاء لا يحتاجون إلى الماء، بل إن الواحد منا قد يمر عليه اليوم بأكمله في الشتاء في شدة البرد ولا يحتاج إلى ماء، فكيف يؤتى به؟! فدل على أنه ما أحضرها ولا أتى بها إلا من أجل أن يكسب ثوابا من عند الله -عز وجل-، فيقصد بهذا الأمر أن يتقرب إلى الله -عز وجل-، إن كنت لا بد فاعلا فأخرج هذه السيارة خارج المقابر ثم وزع ما تشاء من مياه، من مطعومات، من مشروبات.
أيضا من الأخطاء التي يقع فيها البعض: الحديث في المقابر. يتحدثون في المقابر! سبحان الله! كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما شرع زيارة المقابر إلا للضحك أو للحديث! ما شرعها إلا لعبرة: "زوروا المقابر فإنها تذكر بالموت"، إنها تذكرة ، إنها تذكر بالآخرة، هذا هو المقصود من زيارة المقابر.
ولذا؛ يقول الحسن البصري -رحمة الله عليه-: "إذا رأيت الرجل يأكل في المقابر أو يضحك فاعلم أن الله قد طمس على قلبه"، لم؟ لأن هذا الموضع ليس موضع أكل، وليس موضع شرب، وليس موضع حديث، ولا موضع كلام، إنما موضع عبرة.
ولذا؛ النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث البراء الطويل، لما انتهى إلى القبر، ولما يُلحد، جلس على شفير القبر ومعه عود ينكت به، وكأن على رأسه الطير، وعلى رؤوس أصحابه -رضي الله عنهم- الطير من الخشوع ثم ذكر، حديث البراء الطويل المعروف؛ هذا يدل على أن هذا الموقف موقف عظيم.
ولذا؛ عثمان -رضي الله عنه- لما وقف عند شفير قبر بكى، حتى ابتلت لحيته من الدموع، فقيل له: لم تبكي؟ تذكر الجنة والنار، وتأتي إلى هنا وتبكي؟ فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة"، فليُتنبه إلى هذا الأمر.
بل إن البعض قد يدخل الجوال ويشغل الجوال، وقد تكون نغمات هذا الجوال نغمات موسيقية، بل؛ إذا رنّ الجوال رفعه وكلّم كأنه في سوق! هذه من المصائب، ينبغي -بل يجب- عليك في مثل هذه المواقف أن تغتنم الفرصة، أن تذكر قلبك بأن ما ذهب إليه هذا الرجل سيحل بك طال الزمن أم قصر، يجب أن يكون القلب يقظا حيا لمثل هذه الأمور.
ثم إنني أستغرق في قضية الجوال: اُبتُلي الناس بهذا الجوال، هو نعمة أنعم الله به -جل وعلا- علينا، وهو في الحقيقة صار نقمة، يتحمل البعض أوزارها، وزره ووزر غيره، إذا دخل المسجد لم يغلقه، كأن مصالحه الدنيوية ستتعطل لو أغلق الجوال أو وضعه على الصامت! يا أخي، خمس دقائق أو عشر دقائق، ألا تضحي بها لله -عز وجل-؟ أنا أقول: ما جاء هذا الرجل إلا لخير في قلبه، لماذا تأتي وتحمل نفسك أوزارا، وتشغل إخوانك المسلمين في صلاتهم؟ يكفي ما نحن فيه من الانصراف والشغل عن الصلاة، الواحد منا إذا دخل في الصلاة أخذته الأشغال وأخذته الأوهام فيأتي إنسان ويزيد المسلم بعدا عن الخشوع في الصلاة.
ثم إنني أعجب: الناس يشتكون في بيوتهم: ابني مصاب لا أعرف له حلا، ذهبت به إلى المستشفيات، زوجتي، أنا مصاب بكذا، عندي قلق، عندي توتر، الولد لا يأكل، الولد لا يشرب، مصيبة، نكبة، بلية في هذا البيت، ما السبب؟ انظر إلى حالك، ما الذي يصدع في هذه البيوت؟ أيصدع بذكر الله -عز وجل- أم يُصدع بمزامير الشيطان؟ العبد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته ولم يقل: "بسم الله"، لا عند دخوله البيت ولا عند مأكله، قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء. فقل لي بربك: ما هو حال بيت تحل به الشياطين؟ لا شك أنه تحل به البلايا والمصائب، إن جاء في البيت فأغانٍ وموسيقى، إن ركب سيارته فكذلك، إن دخل بيت الله -عز وجل- فكذلك، إن سار، إن ذهب، إن حلّ، إن قام، إن قعد. يكفي لهوا! يكفي إعراضا عن ذكر الله -عز وجل-!.
فالواجب على المسلم أن يتذكر بان هذه نعمة قد يزيلها الله -عز وجل-، نحن في هذه البلاد بلغنا مرتبة من النعم، والله! نخشى من تبعاتها! ولذلك آباؤنا وأجدادنا الكبار يقولون: إذا أقبلت عليك الدنيا فخف منها، وإذا أدبرت فارجها، يعني: إذا رأيت هذه الدنيا قد أقبلت عليك فانظر إلى حالك مع طاعة الله -عز وجل-: هل هذه مكرمة من الله -عز وجل- نظير الطاعة التي قمت بها: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]، أم أن هذه النعم التي جاءتك وأنت على حال معاصٍ فإنما هي حالة استدراج! ولذا؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لعقبة بن عامر: "إذا رأيت الله يعطي العبد من النعيم وهو مقيم على معاصيه فاعلم بأنه استدراج".
نحن بلغنا مرتبة عالية من الترف، الآن: كاميرات في الجوال، وما يصور فيها، حتى إن التصوير أصبح لا قدر له ولا قيمة في نفوس المسلمين، حتى صُورت محارم المسلمين، ماذا سنجني على أنفسنا؟ قد تزول هذه النعمة!: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
ولربما كما قيل: ستأتي جوالات تنظر فيها إلى المتصل وينظر إليك في نفس الحال، ماذا يكون حال بنات المسلمين ونساء المسلمين؟ نسأل الله أن يلطف بنا! لا بد أن نفيق وان نتعظ وأن نتبصر بما يخططه أعداؤنا لإبعادنا عن ديننا، قضية التصوير في كل شيء، نصوص صريحة، أنا أعجب: البعض من الناس إذا قيل له: هذا التصوير محرم، قال: يا أخي فلان أفتى، هذا من هيئة كبار العلماء، نقول: على العين والرأس، على العين والرأس، وهذا من علمائنا نقدره ونحترمه ونجله، لكن انظر إلى بقية العلماء الكبار: هل أفتوا بهذا أم أفتى شخص واحد؟ هو مجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، لكن عندك نصوص صريحة، أنا أقول في بعض القضايا: والله ما نحتاج إلى فتيا، والله ما نحتاج إلى فتيا!.
النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة قال: "لعن الله المصور"، ما يكفيك هذا؟ الآن؛ الصورة التي تخرج من الكاميرا الفوتغرافية السريعة، أسألك بالله ماذا تقول عنها؟ تقول: ورقة؟ أو: بلاستيك؟ تقول: هذه صورة! إذاً؛ هي صورة، لا فرق بينها وبين غيرها، صحيح أن الجرم قد يعظم، لكن لا فرق بينها وبين التصوير في مختلف طرقه وأساليبه.
ولذا؛ نجد أن البعض من الناس توغل في هذا الأمر، واستفحل به هذا الأمر، قضية الأسهم المختلطة: نصوص صريحة. خمسة في المائة من الربا؟ اثنان؟ عشرة؟ عشرون؟ ثلاثون؟ ما الفرق؟ ألم يقل الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278]، أعطني دليلا على انه يجوز واحد في المائة؟ أتحدى!.
ولذا عمر -رضي الله عنه-، كما في سنن ابن ماجة، لما قرأ قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ماذا قال؟ قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات ولم يبين لنا هذه الآية". هو بينها -عليه الصلاة والسلام-، لكن يريد -رضي الله عنه- أن يبين أن هناك مسالك للربا؛ ولذا لما قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات ولم يبين لنا هذه الآية"، قال: "اتقوا الربا والريبة"، الريبة: الشبهة، إذا قيل: هذه شبهة، قال: يا أخي! كل شيء شبهة، كل شيء شبهة! نعم، اتقِ الشبهة، وليست شبهة! "درهم من الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية"، من الذي أخرج هذا الحديث؟ "الربا اثنان وسبعون -وفي رواية: سبعون- بابا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه"، ليس فيه دليل على أنه يجوز واحد في المائة. ثم، ما الذي أحل خمسة في المائة وحرم ستة في المائة أو حرم خمسة ونصف في المائة أو خمسة وربع في المائة؟ ما الذي حرمها؟ الربا كله حرام.
ولذا؛ لما تحدثت عن هذا في خطب سابقة قيل لي: "إنه يحرم الأسهم كلها"، والله لا أحرم الأسهم كلها، ولكنني أستغرب: أن تضع عشرين ألفا ثم بعد أيام يمكن لا تتجاوز أسبوعا تحصل على عشرين أو ثلاثين أو مائة أو ألف! هذا عجب! هذا فيه شيء من الغرابة! ولذا حلت النكبة بهؤلاء!.
والله، إن البعض من الناس -حسبما حُدثت من مصادر- كانوا يدخلون في هذه الأسهم المختلطة أودى بهم الأمر ليدخلوا في الأسهم المحرمة، قالوا: يا أخي، لا أسهم نقية ولا أسهم محرمة ولا أسهم مختلطة، الكل حلال!.
فتنة المال! النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما عند الترمذي: "لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي في المال"؛ ولذا، الله -عز وجل- يمهل ولا يهمل، يمهل ولا يهمل، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)" [هود:102].
نحن لا نتشمت، ولكنني أعظ وأذكر أن ما جرى من هبوط في الأسهم هبوط يُعجب منه حتى خسر البعض ملايين، بل يأخذ تسهيلات! واحد قد يرث عشرة ملايين ثم لحبه لهذا المال يأخذ تسهيلات من البنك عشرة ملايين أخرى! ربا صريح! ثم إذا به يخسر هذه وهذه! يخسر ما ورثه من مورثه، ثم تبقى عليه عشرة ملايين في ذمته للبنك! وبال على وبال! وهذا مصداق حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الربا، وإن كثر، فإن عاقبته إلى قُل".
ولذا؛ ما جرى يجب أن يكون عبرة ليس للسابقين فقط، ليحمد الله السابقون أنهم على قيد الحياة حتى يتوبوا ويرجعوا ويثوبوا إلى الله -عز وجل-، ويندموا على ما صدر منهم من الولوج في الأسهم المختلطة أو في الأسهم الربوية المحرمة المحضة، ليحمدوا الله -عز وجل-؛ الدنيا تذهب وتعود، ولكن من أحسن نيته عوضه الله -عز وجل-، فليُتنبه لهذا الأمر.
البعض ممن لم يدخل دخل الآن، ممن لم يدخل في الأسهم دخل الآن! قال: هي أسهم رخيصة أدخل فيها، لكني: أحذرك! أحذرك من أن تدخل في أسهم مختلطة! لا يؤزك الشيطان على أن تدخل في هذه الأسهم؛ إذا كنت ولا بد فاعلا فادخل في الأسهم النقية الواضحة الصريحة.
يا أخي، القضية ليست قضية مال، وليست قضية دنيا، القضية قضية آخرة، فيها حساب، فيها عقاب، ربما تجمع هذه الأموال من مصادر محرمة ثم يتوفاك الله -عز وجل-، ماذا يصنع ورثتك بهذا المال؟ هو لهم حل حلال؛ لأنهم أخذوه من طريق شرعي، وهو الإرث، يأخذون غنمه، وأنت تتحمل غرمه، فارفق بنفسك! والله! ما هي إلا لحظات ثم يقال: فلان قد مات، ثم تواجه عملك ومصيرك.
تحارب الله -عز وجل- بهذا الربا؟! فنسأل الله أن يلطف بنا، وأن يرد ضالنا، وأن يثبت مهتدينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
من بين الأخطاء العظيمة التي تجرح عقيدة المسلم أن يذهب إلى السحرة؛ ليسألهم، أو يتداوى عندهم، ولا يغتر مغتر بقول أحد من الأئمة أو بقول احد من العلماء، انظر إلى ما عليه جماهير العلماء، انظر إلى ما عليه عامة علماء الأمة، بل انظر إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أتى كاهنا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يوما"، وفي رواية حديث آخر: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"، حديث صريح، لا يحتاج فيه إلى فتيا عالم ولا إلى فتيا مفتي.
ولذا أنبه على هذا: البعض، وقد حُدثت بهذا من بعض من اتُّصل عليه، البعض قد يتصل عليه شخص من خارج المملكة، ويقول له: أنت فلان؟ فيقول: نعم، ويذكر اسمه، ويقول: أنت ساكن في المملكة في مكان كذا؟ فيقول: نعم، ثم يذكر له بعض الأشياء، ويقول: أنت يا أخي من باب النصيحة لك ومن باب محبتك -زخرف القول، تلبيس الكهنة والسحرة- ويقول: أنت معمول لك عمل، وهو موجود في المكان الفلاني، وإن شئت أن تتحقق فاذهب إليه، فأنت مريض، أنت معمول لك عمل إن شئت أن أعالجك فانا على استعداد، وإن شئت أن تعالج عند غيري فلك ذلك، من باب أن يمهد له، وكل هذا من تهاويل السحرة والكهنة، فليتنبه إلى هذا.
نصحتُ كثيرا ممن استشارني في هذا الموضوع وقلت له: "لا تلتفت إلى هذا البتة"، ولم يلتفت وهو الآن بخير ومعافى وبصحة كاملة، لأنه يقول: قد تصاب بنكبة أو بمرض عضال أو تحصل لك وفاة بعد أسبوع إن لم تأخذ بنصيحتي! فلتتنبه يا أخي: إن مثل هذه الاتصالات التي تأتي من الخارج أو من الداخل لا يُلتفت إليها، ولو التفتَّ إليها فقد جرحت عقيدتك، توكل على الله -عز وجل-.
ولذا معظم ما عليه كثير من الناس من هذه الأمراض إنما هي من الأوهام والأمراض النفسية؛ نتيجة مشاكل سابقة أو نتيجة بعد عن ذكر الله -عز وجل- أو نتيجة موقف من المواقف أثر فيه فلم تتحمل نفسه، ثم يظن انه أصيب بعين أو بمس من الجن، نحن لا ننكر أن هناك مسا من الجن، أن هناك عينا، لكن معظم ما عليه كثير من الناس حسبما استقرأته، غالبه إنما هي وساوس وأوهام وأمراض نفسية.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض: إجراء المسابقات على رقم "سبعمائة"، هذا كله قمار، تدفع نظير هذه الدقائق مبالغ من أجل أن تتحصل على جائزة تصل إلى مليون أو إلى نصف مليون أو إلى أكثر أو إلى أقل، ومن ثم فأنهم يلعبون على الناس: تتصل أنت يا مسكين، ويتصل فلان وفلان وفلان، وإذا بحصيلة هذه الاتصالات تصل إلى خمسين مليونا، ثم تكون هناك جائزة بمليون أو بمليونين أو ثلاثة نظير ما أخذوه من هذه المبالغ! كل هذا من الميسر والقمار الذي حرمه الله -عز وجل-.
ومن بين هذه الأخطاء أن البعض من الناس إذا حضر لصلاة الجمعة، والمؤذن يؤذن عند دخول الخطيب، يقف لمتابعة المؤذن، وهذا خطأ، فإن عليه إذا دخل والمؤذن يؤذن أن يشرع في صلاة تحية المسجد؛ وذلك لأن استماع الخطبة واجب، أما متابعة المؤذن فهي مستحبة، فكيف يقدم المستحب على الواجب؟! فإذا دخلت على المسجد والمؤذن يؤذن عند دخول الخطيب، فبادر بأداء ركعتي المسجد حتى يتسنى لك أن تستمع خطبة الإمام من أولها.
ومن بين الأخطاء، وهذا يتعلق -أيضا- بصلاة الجمعة، أن الخطيب إذا فرغ من خطبته وقال في نهايتها: فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم"، إذا قال الإمام: اذكروا الله يذكركم"، رفع المأمومون أصواتهم بـ "لا إله إلا الله"، وهذا خطأ، فلا تقال هذه الكلمة لا سرا ولا جهرا؛ بل إن مقصود الإمام أنه لما تحدث عن شيء معين يتعلق بذكر الله -عز وجل- في نهايتها، أمر المسلمين أن يذكروا الله -عز وجل- بالعمل في جميع أحوالهم وفي جميع شؤونهم، وليس المقصود أن يأمر الخطيب المأمومين أن يقولوا "لا إله إلا الله"، فليُتنبه إلى هذا؛ ولهذا يقال بعدها: "فاذكروا الله يذكركم" قال: "واشكروه على نعمه يزدكم".
ولذا ينبغي للخطباء أن يدعوا مثل هذه الجملة أحيانا حتى يعلم الجميع أنها ليست واجبة، وأنها -أيضا- ليست واردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن بين الأخطاء، وهذا يتعلق بالزكاة، أن البعض من المزكين يظن أن وجوب الزكاة يكون في شهر رمضان، وهذا خطأ، بل إن من شروط وجوب الزكاة أن يدور عليها الحول، فإذا شرعت مثلا في جمع أموال في شهر محرم فاعلم أن وقت وجوب إخراج الزكاة عليك هو وقت محرم، إذا شرعت في عمل تجاري فاعلم أن هذه التجارة يجب تزكيتها في شهر محرم أو في شهر صفر إذا ابتدأت في صفر، إذا ابتدأت في رمضان اعلم أن حلول الزكاة في رمضان، وهلم جرا! أما أن يبدأ الإنسان مثلا في شهر محرم ثم إذا جاء محرم من السنة التي تليها يؤخرها حتى يأتي رمضان فهذا ليس عليه دليل؛ بل إن المتأخر عن أدائها قد يأثم إلا إذا وجدت مصلحة تستدعي بأن يؤخر المزكي زكاته إلى ما بعد حلول وجوب الزكاة عليه.
ومن الأخطاء -أيضا- والمتعلقة -أيضا- بالزكاة أن البعض يسقط الدين الذي في ذمة المدين بنية الزكاة التي عنده، مثال ذلك: لو أن إنسانا وجبت عليه الزكاة مثلا عشرة آلاف ريال، وهو يطلب شخصا معسرا، يطلبه عشرة آلاف ريال، فيقول: "أسقط ديني الذي على فلان، وأعتبره ما وجب عليّ من زكاة، وهذا خطأ؛ لم؟ لأن ما في ذمة هذا المعسر لك، هو قليل الشأن عندك؛ لأنه ليس في يدك، فكأنك قدمت الرديء في الزكاة على الطيب، قال -تعالى-: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) [البقرة:267].
ولأن الزكاة أخذ وعطاء ولا يوجد هنا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم".