الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | زيد بن مسفر البحري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
الغيبة مرض خطير، وسلوك يفرق بين الأحبة، ولو أن الإنسان تمعن النظر من أن حسناته التي يسعى إليها صباح مساء ستذهب لمن يغتابه، وتفنى، لكان خليقا به أن يدع الغيبة، وأن يدرب نفسه على أن يدعها، بل إن لم تكن له حسنات فإن أوزار صاحبه تحمل عليه يوم القيامة.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا عباد الله، عند البيهقي، صعد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- على الصفا، ثم أمسك بلسانه وقال: "يا لسان، قل خيرا فتغنم، أو اسكت عن سوء فتسلم"، ثم أمسك بلسانه فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أكثر خطايا ابن آدم من لسانه".
نسأل الله أن يكفينا شر ألسنتنا؛ لأن من أعظم بلايا هذا اللسان ومن آفاته التي عمّت وطمّت على مستوى الجميع ولم يسلم منها إلا ما رحم ربي "الغيبة"، في صحيح مسلم، قال -عليه الصلاة والسلام- للصحابة: "أتدرون ما الغيبة؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ذكرك أخاك بما يكره"، فقيل: يا رسول الله، لو كان في أخي ما أقول؟ فقال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
وعند الأصفهاني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلا عند بعض أصحابه فقالوا: "يا رسول الله، إنه لا يَطْعم حتى يُطعم، ولا يَرْحل حتى يُرَحَّل" يعنون أنه ضعيف إلى درجة أنه لا يتناول الطعام إلا إذا أُطعم، ولا يصعد على الراحلة إلا إذا أُعين على الصعود عليها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أوقد اغتبتموه؟"، فقالوا: "يا رسول الله، ما قلنا فيه إلا ما فيه!"، فقال: "حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه".
يقول التَهانَوِي -رحمه الله-، وذكر نحوه ابن حجر -رحمه الله- في الفتح، قال: "الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه في غيبته، وذلك يكون في دينه أو في دنياه أو في ماله أو في ولده أو في دابته، وكما تكون الغيبة بالقول تكون بالفعل".
عند أبي داود أن عائشة -رضي الله عنها- قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "حسبك من صفية أنها كذا"، تعني أنها قصيرة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته"، بمعنى لو أن هذه الكلمة كانت جسما فوضعت في البحر لغيرت لونه، ثم قال، وهو موضع الشاهد: قالت: "حكيت إنسانا"، يعني فعلت مثل فعله، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما أحب أني حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا" يعني من الدنيا.
ثم قال التَهانَوِي -رحمه الله-: "والتصديق بالغيبة غيبة"، يعني من صدّق الغيبة التي قيلت في إنسان فإن هذا داخل في حكم الغيبة.
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- كما في الزواجر، قال: "والذي تدل عليه الأدلة أن الغيبة من كبائر الذنوب، ولكنها تختلف في العظمة بحسب اختلاف مفاسدها، فإن من أوتي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم- قد جعلها عديلة غصب المال، وقتل النفس، ومعلوم أن غصب المال وقتل النفس كبيرتان، إذاً؛ فتناول العرض من كبائر الذنوب".
ولقد وصف الله الغيبة بأبشع صورة لا يستسيغها أحد، نسأل الله العافية! قال -تعالى-: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات:12]، كما أنكم تكرهون أن تتناولوا لحم أخيكم حال الموت، فكذلك حال الحياة.
ولذا؛ في المسند، وحسنه ابن حجر في الفتح، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتاب في الدنيا قرب إليه لحم أخيه يوم القيامة فيقال له: كله ميتا كما أكلته حيا، فيأكله فيكلح ويصيح"؛ لأن هذا الفعل رغم أنفه، فإنه يفعل به هكذا يوم القيامة.
ولذلك بيَّن -عز وجل- أن المسلمين إخوة، وأن المسلم بمثابة نفسك، قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- كما في قوله -تعالى-: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) [الحجرات:11]، يعني: لا يطعن بعضكم في بعض...
وقد توعد الله -عز وجل- المغتاب بكلمة "ويل"، (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [الهمزة:1]، قال مجاهد: الهمازُ هو المغتاب، واللمّاز هو الطّعان، الذي يطعن في الناس.
والغيبة -عباد الله- لها أسباب كما ذكر الغزالي -رحمه الله-، قال: من أسبابها شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوئ عدوه، قد يكون له عدو فيذكر مساوئه لكي يشفي غيظه.
ومن أسباب الغيبة: مجاملة الأقران والأصحاب والإخوان، فإذا تناولوا شخصا في مجلس شاركهم مجاملة ومجاراة.
ومن أسباب الغيبة: أن المغتاب يظن بأخيه ظن السوء، فإذا ظن به ظن السوء بدأ ينهش ويأكل في عرضه.
ومن أسباب الغيبة: أن يبرئ المغتاب نفسه من أمر سيئ فينسبه إلى غيره، أو أنه يخبر بأن هذا الفعل لم يصدر منه هو وإنما كان فلان من الناس قد شاركه في هذا الأمر، لكي يبرئ نفسه.
ومن أسباب الغيبة: تزكية النفس، وتنقص الآخرين، والاستهزاء بهم، وتحقيرهم.
ومن أسباب الغيبة: وهذا شيء واقع، حسد من يُثنى عليه بالخير، بعض الناس إذا سمع شخصا أثني عليه بخير ولو كان بعيدا لا يعرفه، حسده، ومن ثمَّ تناول عرضه واغتابه، ولذا قال -عز وجل-: (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) [النساء:148].
في ذات يوم، كما في المسند وحسنه ابن حجر -رحمه الله- في الفتح، أن ريحاً منتنة ارتفعت وظهرت، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أتدرون ما هذه الريح؟"، قالوا: لا يا رسول الله، قال: "هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين".
وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الغيبة ليست من علامات المؤمنين وإنما هي من علامات المنافقين، عند أبي داود من حديث أبي برزة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته".
والغيبة -عباد الله- قد توعَّد الله -عز وجل- فاعلها بالعذاب في القبر قبل الآخرة، في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين يعذبان، قال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
جاء عند الإمام أحمد في مسنده، وحسنه ابن حجر في الفتح، قال: "وأما الآخر فكان يمشي بالغيبة"، قال ابن حجر -رحمه الله-: "لأن من لوازم النميمة -إذا نمَّ ونقل كلام الغير على وجه الإفساد- من لوازمها أنه يقع في الغيبة".
والغيبة -عباد الله- متى ما انتشرت أفسدت، نعم، أفسدت حتى من وُقع في عرضه، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما عند أبي داود من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم"، أو "كدت أن تفسدهم". ما معنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام أنك إذا وقعت في شخص فبلغ هذا الشخص ما قيل فيه منك، فإنه لا يتركك، ومن ثمّ تقع المفاسد التي لا تنتهي.
وليعلم -عباد الله- أن الناس كما يتورعون عن الوقوع في الربا فإن الربا نوعان: ربا في المال، وربا في الأعراض؛ ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- كما في المسند: "من أربى الربا"، يعني: من أعظم الربا، "الاستطالة على عرض أخيك المسلم بغير حق".
ومن أعظم أنواع الغيبة -عباد الله- أن الرجل يتوصل إلى المال بغيبة أخيه، بأن يقدح في شخص من الأشخاص حتى ينال مالا من شخص، أو لو تقدم هو وآخر على عمل فجعل يغتاب الآخر من أجل أن يسقط هذا ويظفر بهذا بالعمل، فهذا من أعظم أنواع الغيبة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود: "من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن اكتسى برجل مسلم ثوبا، فإن الله يكسوه مثله في جهنم".
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المغتاب يكون في مثل مقام النساء، مع التأكيد أن هذا عذاب يقع عليهم في القبر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند الإمام أحمد: "مررت ليلة عرج بي على قوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم". لماذا يخمشون الوجه والصدر؟ لأنهم لما وقعوا في تلك المصيبة شابهوا النساء اللواتي إذا وقعت بهن مصيبة ينحن فيخمشن وجوههن وصدورهن، هكذا قال الشراح في هذا الحديث.
بل أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الطبراني، أن المغتاب لن يمر بخير، وإنما يحبس في جهنم حتى يأتي بدليل على ما قال في أخيه المسلم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من ذكر امرأً بشيء ليس فيه ليعيبه حبسه الله في جهنم حتى يأتي بنفاد ما قيل فيه"، يعني حتى يأتي بدليل على أن فلانا لم يكن به ذلك العيب الذي طعنه به حال الحياة.
وتالله -عباد الله- لو أشغلنا ألسنتنا بذكر الله لما اشتغلنا بذكر عيوب الآخرين؛ ولذا يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "عليكم بذكر الله؛ فإنه دواء، واجتنبوا ذكر الناس؛ فإنه داء".
وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- لما مر ببغل ميت، ونادى أصحابه، قال: "والله! لأن يأكل أحدكم من هذا البغل الميت حتى يملأ بطنه خير له من يقع في عرض أخيه".
وقال الحسن البصري -رحمه الله- مشبها الغيبة بأعظم من السرطان، قال -رحمه الله-: "والله! للغيبة أسرع في دين المرء من الأكلة التي تكون في بدن الإنسان"، يعني أنها تقضي على حسناته.
ولما اغتابه شخص فبلغ الحسن البصري أن فلانا قد اغتابه ماذا صنع الحسن -رحمه الله-؟ أتى إليه وطرق بابه وأعطاه طبقا من رطب وقال: خذ هذا فإنه هدية مني لك؛ فإنك قد أهديت إلي حسناتك فسامحني على عدم التمام والكمال.
ولذا السلف -رحمهم الله- لا يرون العبادة في الصلاة والصيام والزكاة، لا يرونها في هذا فحسب، لا! وإنما يرون مع ذلك أن يكف الإنسان لسانه عن أعراض إخوانه المسلمين.
يقول النووي -رحمه الله- كما في [ الأذكار] مبينا أن من كان في مجلس فسمع غيبة مسلم ماذا عليه أن يفعل؟ قال -رحمه الله-: "اعلم أنه ينبغي لمن سمع الغيبة أن يردها وأن يزجر صاحبها، فإن حصل ما يريد وإلا فارق ذلك المجلس"، ثم قال -رحمه الله-: "فإن سمع غيبة شيخه"، بمعنى أن من كان في مجلس فسمع غيبة شيخه، أو من له حق عليه، أو كان من أهل الفضل والخير، قال -رحمه الله-: "فالاعتناء بهذا الأمر أكثر وأكثر".
ولذا؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند أبي داود، لما أتى رجلٌ قد زنا واعترف بالزنا، رجمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتى أبوه يسأل عنه، فقال بعضهم: أجئت لتسأل عن هذا الخبيث؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "والله، إنه عند الله لأطيب من ريح المسك". انظروا! النبي -صلى الله عليه وسلم- رد عن عرضه؛ ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-، كما عند الترمذي من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"، وقال، كما في المسند: "من ذب عن عرض أخيه كان حقا على الله أن يعتقه من النار".
ولذا؛ لما حصل ما حصل في غزوة تبوك وتخلف كعب بن مالك، ومعلومة قصته، لما مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطريق فقد مالكا، فقال: "أين مالك؟"، فقال رجل من بني سلمة: "حبسه برداه والنظر في عطفيه"، يعني الكبر، يعني ما خرج معنا للغزوة لكبره، فقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "اسكت، والله ما علمنا عليه إلا خيرا".
ولما حصل ما حصل كما في الصحيحين في قصة الإفك، لما رميت عائشة -رضي الله عنها- كانت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- ضرة لعائشة، وتقول عائشة: "كانت زينب هي التي تساميني عند النبي -صلى الله عليه وسلم-"، تعني أن زينب تصل محبتها في قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يقرب من عائشة -رضي الله عنها-، فلما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب عن عائشة: "هل رأيت منها شيئا؟"، قالت: "أحمي سمعي وبصري! والله ما علمت عنها إلا خيرا".
إذاً؛ عباد الله، الغيبة مرض خطير، وسلوك يفرق بين الأحبة، ولو أن الإنسان تمعن النظر من أن حسناته التي يسعى إليها صباح مساء ستذهب لمن يغتابه، وتفنى، لكان خليقا به أن يدع الغيبة، وأن يدرب نفسه على أن يدعها، بل إن لم تكن له حسنات فإن أوزار صاحبه تحمل عليه يوم القيامة.
وربما سمع أخوه المسلم أنه قد اغتابه فتحصل بينهما مشاجرة أو مخاصمة... نسأل الله -عز وجل- أن يكفينا شر الغيبة، وأن يعافينا منها.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا عباد الله، لو قال قائل: أتجوز الغيبة في بعض الأحيان أو في بعض الأحوال؟ نقول: أجاب عن هذا النووي -رحمه الله- كما في رياض الصالحين، قال -رحمه الله- لما ذكر الأدلة على تحريم الغيبة وعلى فظاعتها وبشاعتها، قال في نهاية ما قال: وتباح الغيبة في ستة أحوال:
الحالة الأول: التظلم، كأن تأتي إلى القاضي وتقول: فلان من الناس ظلمني واعتدى علي بأخذ مالي أو بانتهاك عرضي أو ما شابه ذلك، فهذا التظلم تجوز فيه الغيبة بذكر المظلمة.
الحالة الثانية: كأن تأتي إلى المفتي وتقول: فلان من الناس فعل بي، أو أن أخي حصل منه كذا فماذا أصنع؟ وماذا أفعل؟ كأن تروي له قصة حاصلة بينك وبين أخيك سواء كان أخاك من النسب أو أخاك من الإسلام، أو من أي أمر من الأمور فتقول: ما الحكم في كذا؟ فهذا يجوز، قال النووي -رحمه الله- والأفضل في حالة الاستفتاء أن يقول المستفتي للمفتي: ما رأيك في شخص حصل منه كذا وكذا؟ يقول هذا على وجه الإبهام.
الحالة الثالثة: الاستعانة على تغيير المنكر، كأن يقع منكر من شخص وتعلم أن فلانا من الناس سيزجره عن هذا المنكر فتخبره عن هذا الأمر، مثال ذلك: تأتي إلى والد الشاب مثلا، وتقول إن ابنك يفعل كذا وكذا فازجره، فهذا ليس من الغيبة، لأنك تريد الإصلاح لهذا الشاب.
الحالة الرابعة: تحذير المسلمين من الشر، كأن يأتي إنسان ويستنصحك فيقول فلان سيتزوج من عندنا، ما رأيك فيه؟ فهنا يجب عليك أن تخبر بما فيه، أو في معاملة، كأن يقول إنسان أنا سوف أعامل فلانا في تجارة ما رأيك فيه؟ فيجب عليك أن تخبره بما فيه، كذلك في شأن من انحرف، كأن يأتي إنسان ويقول: سأسافر مع فلان، ما رأيك في دينه؟ فيجب عليك أن تخبره بما تعلمه فيه، قال النووي -رحمه الله-: وليعلم أن هذا الأمر المذكور يراد منه النصيحة، لأن بعضا من الناس قد يحمله الحسد على أخيه المسلم فيذكر فيه أشياء لا يريد منها الإصلاح وإنما يريد منها الحسد.
الحالة الخامسة: المجاهر بالفسق، فمن جاهر بفسقه وأعلن بفسقه فإنه يذكر بفسقه لتحذير الناس مما فعل، أما إذا كانت عنده ذنوب أخرى أو عنده فسق آخر لم يجاهر به فلا يجوز أن يذكر، إنما يذكر ما جاهر به من الفسق.
الحالة السادسة: التعريف، بعض الناس لا يُعرف إلا بعبارة معينة، ومثَّل النووي -رحمه الله-: كالأعمش، والأعرج. بعض الناس لو قلت: أتاني فلان، أو سأل عنك فلان، وذكرت اسمه ما عرفه إلا بلقب فيه، وإن كان هذا اللقب ليس جميلا، فهنا يجوز أن يذكره للتعريف، شريطة ألا يذكره على وجه التنقص والاحتقار، قال -رحمه الله-: "وإن أمكن أن يعرفه بوصف آخر إن استطاع فهذا أحسن وأولى".
نسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يحفظ ألسنتنا، اللهم إنا نعوذ بك من شر ألسنتنا، ومن شر أعيننا، ومن شر أسماعنا، ومن شر جميع جوارحنا.