البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

خامس أيام رمضان

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضائل شهر رمضان .
  2. أبواب الخيرات في رمضان .
  3. الحكمة من تشريع الصيام .
  4. وقفات مع آيات الصيام .
  5. الحث على اغتنام رمضان. .

اقتباس

وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وقَويَ الرَّجاءُ، كلَّمَا كانت الإجابةُ أقربَ وأحرى، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "ادعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ". فأطب مَطعَمَكَ وَمَشرَبَك، واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ يومَ القيامَةِ، وتعفَّف عن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وقدِّم بين يدي دعائِكَ عَمَلاً صَالِحاً، ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ، وتخيَّرْ من الدعاءِ أحسنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ أفضلَها، ومن الأحوال أرجاها، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ.

الخطبة الأولى:

الحمدُ اللهِ أَنعَمَ عَلينا بِالإيمَانِ، فَرضَ علينا الصِّيامَ لِنَيلِ الرِّضا والرِّضوانِ، تَهذيباً للنُّفوسِ وصِحَّةً للأبدانِ، وَتَقْوىً لِلمَلِكِ الدَّيَّانِ، نَشهدُ أَلاَّ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لِه ذِي المَنِّ والإحسانِ، ونَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا محمداً إمامُ العَابدينَ وقدوةُ العامِلِينَ وسيِّدُ الصَّائمينَ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِهِ وصحابَتِهِ الطَّاهرينَ، وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.

أمَّا بعد: فيا عبادَ اللهِ: اتَّقوا اللهَ جَلَّ وَعَلا، فبالتَّقوى تَجتَمِعُ الخَيراتُ، وَتُنَالُ البَرَكَاتُ، وتُفرَّجُ الكُرُبَاتُ. مَرحَباً بِكَ يا رَمَضَانُ، يَا حَبِيبًا جِئْتَنَا على فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ، جِئْتَنَا بَعْدَ عَامٍ كَامِلٍ، وَقَد سَعِدَ قَومٌ وَشَقِيَ آخَرُونَ، وَاهتَدَى قَومٌ وَضَلَّ آخَرُونَ، فاللهُمَّ ثَبِّتْنَا على دِينِكَ وعلى صِرَاطِكَ المُستَقِيمِ!

أيُّها الصَّائِمُ:

رَمَضَانَ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ

هَذا أَوَانُ تَبَتُّلٍ وَصَلاح

الكَونُ مِعْطَارٌ بِطِيبِ قُدُومِهِ

رَوحٌ وَرَيْحَانٌ وَنَفْحُ أَقَاحِي

وَاغْنَم ثَوَابَ صِيَامِهِ وَقِيامِهِ

تَسْعَد ِبخَيرٍ دَائِمٍ وَفَلاحِ

فاللهمَّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمينَ لا تَجعلْنا عَن بَابِكَ مَطرُودِينَ، ولا مِنْ فَضلِكَ وإحسَانِكَ مَحرُومِينَ.

أيُّها الصَائِمُونَ: استَفتِحوا شَهرَكُم بِتَوبَةٍ صَادِقَةٍ نَصُوحٍ لِتَأْمَنُوا من الخزيِّ والفُضُوحِ. في الحديثِ عن أنسِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «افعلوا الخيرَ دهرَكُم، وتعرَّضُوا لنفحاتِ رحمةِ الله، فإنَّ للهِ نفحاتٍ من رحمتِهِ يُصيبُ بِها من يشاءُ من عبادِهِ».

 أَيُّها الصَّائِمُونَ: رَمَضَانُ كَرِيمُ الفَضَائِلِ، عَظيمُ النَّوَائِلِ، مِنْحَةٌ ربَّانيةٌ وهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ، مَنْ مِنَّا مَنْ لا يَعرِف فَضْلَهُ وَقَدْرَهُ؟أَليسَ هو سيِّدُ الشُّهورِ بلى واللهِ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]. وكفى!

وفي الحديث أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصِّيامُ والقرآنُ يَشفَعَانِ لِلعبدِ، يَقُولُ الصِّيامُ: أيْ رَبِّ، مَنَعتُهُ الطَّعامَ والشَّرابَ فَشَفِّعنِي فيهِ، ويقولُ القُرآنُ: أيْ رَبِّ، مَنَعتُهُ النَّومَ فَشَفِّعنِي فيهِ، فَيَشفَعَانِ» (رواه أحمد وإسناده صحيح).

معاشرَ المُؤمنينَ: رَمَضَانُ شَهرُ العَفوِ والرَّحمَةِ والغُفرَانِ، صيامُهُ أَعظَمُ قرُبةٍ، افتَرَضَهُ اللهُ علينَا فقالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

 وفي البخاريِّ أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: يقولُ الرَّبُّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ».

 أمَّا ثوابُ صيامِكُم يا مؤمِنُونَ: فَذاكَ إلى الكريمِ الجَوادِ، فقد بَشَّرَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصَّومَ، فإنَّه لِي وأَنَا أَجزِي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُث ولا يَسْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إنِّي امرُؤ صائمٌ. والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه، لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطيَبُ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ من رِيحِ المِسكِ، ولِلصِّائِمِ فَرحتَانِ يَفرَحهُما: إذا أفطَرَ فَرِحَ بِفطرِهِ، وإذا لَقيَ ربَّه فَرِحَ بِصومِهِ» (رواه البخاريُّ).

عبادَ اللهِ: شهرُ رمضانَ شهرُ القيامِ والتَّراويحِ، فاعمُروهُ بالصلاةِ والدُّعاء والقرآنِ والتَّسَابِيحِ، فقد كان جبريلُ عليه السَّلامُ يَلقى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ ليلةٍ فيدارِسُهُ القرآنَ، وقالَ: «وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ». و«من قامَ مع الإمامِ حتى يَنصرِفَ كُتب له قِيامُ لَيلةٍ».

ولَيسَ المُهِمُّ متى تَنتهي من الصَّلاةِ! أو خَرَجْنا قَبلَكُمْ بِنِصْفِ سَاعَةٍ أو رُبْعِ سَاعَةٍ!إنِّما رُوحُ الصَّلاةِ بِإتمامِ رُكوعِها وسُجُودِها والطُّمأنِينَةِ فيها.

أَيُّها الصَّائِمُونَ: الهَجوا يا رعاكُم الله بذِكرِ ربِّكم، ورَطِّبوا ألسِنَتكم بِتِلاوَةِ كِتابِه، ولا تَنشَغِلُوا عنهُ بِمُتَابَعاتٍ قد تَضُرُّ ولا تَنفَعُ، فبالقُرآنِ تَزكُوا نُفُوسُكم وَتَنشَرِحُ صُّدوركُم وتَعظُمُ أُجُورُكُم. فَالمُشْغِلاتُ كَثِيرَةٌ!

أَيُّها الصَّائِمُونَ: شهرُ رمضانَ شهرُ الجودِ والإنفاقِ، وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أجودَ النَّاسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ، فمن جادَ على عبادِ الله جادَ الله عليه. فيا مَن أفاءَ اللهُ عليه، أنفِق يَخلِفُ اللهُ عليكَ، وَلَنْ تَعدِمَ مَن تَثِقُ بأمَانَتِهِ وبِدِينِهِ وَمَنْهَجِهِ، أو بِجِهَاتٍ إِغَاثِيَّةٍ مَوثُوقَةٍ، فَتَذَكَّرْ: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

أَيُّها الصَّائِمونَ: تَملِكُونَ بِحمدِ اللهِ عِبادَةً عَظِيمَةً: هِي صِلَةٌ لَكُمْ بِرَبِّكِمْ، هِي أُنْسُ قُلُوبِكِمْ، وَرَاحَةُ نُفُوسِكِمْ، وَهِيَ سِلاحُكُمْ لِجلْبِ الخَيراتِ وَدَفْعِ الكُرُباتِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

الدُّعاءُ دَأَبُ الأَنْبِياءِ كَمَا وَصَفهمُ اللهُ فقالَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]، وَلَن تَخْسَرَ مَعَ الدُّعاءِ إطْلاقَاً، فكم من بليَّةٍ رَفَعَهَا الله بالدُّعاء! وكم من معصيةٍ غفرَها الله بالدُّعاء! وكم من نعمةٍ ظاهرة وباطِنَةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء؟! قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يُغني حذَر من قدَر، والدُّعاءُ ينفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لم ينزِل، وإنَّ البلاءَ لَيَنزِلُ فَيلقَاهُ الدُّعاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ". يعني يتصارعانِ!

عباد الله: ولمَّا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ كَانَ حريًّا بِكَ أيُّها الصَّائِمُ، أن تُعمَرَ أَوقَاتَكَ بِالدُّعاءِ فَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّعاءُ هو العِبَادَةُ" ثمَّ تلا: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر: 50].

فَيا صَائِمُونَ: ارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا عليهِ بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، فَقَد قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي".

وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وقَويَ الرَّجاءُ، كلَّمَا كانت الإجابةُ أقربَ وأحرى، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "ادعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ".

فأطب مَطعَمَكَ وَمَشرَبَك، واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ يومَ القيامَةِ، وتعفَّف عن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وقدِّم بين يدي دعائِكَ عَمَلاً صَالِحاً، ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ، وتخيَّرْ من الدعاءِ أحسنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ أفضلَها، ومن الأحوال أرجاها، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ.

ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله شرَّفنا بالقرآنِ المَجِيدِ، تَفَضَّلَ عَلَينَا بِمواسمِ الخيرِ والمَزيدِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغنيُّ الحميدُ، ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه خيرُ العبيدِ، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آلِهِ وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المزيدِ.

 أمَّا بعدُ: فيا مسلمونَ: اتَّقوا اللهَ فبالتَّقوى يَصلُحُ العملُ، ويُغفرُ الزَّللُ، معاشِرَ الصَّائِمينَ: يَحسُنُ بِنَا في شَهر القُرآنِ أنْ نَقِفَ مع كلامِ الله تعالى ونَتَأَمَّلُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

 تأمَّلُوا في آياتِ الصِّيامِ تَجدوا أنَّها عُقِّبَت بقولِهِ تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تَكَرَّرَت في أكثرَ من موضعٍ، قال الشَّيخُ السَّعديُّ رحمه الله: حكمةُ مَشرُوعِيَّةِ الصِّيامِ قَولُهُ: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ فإنَّ الصيامَ من أكبرِ أسبابِ التَّقوى؛ لأنَّ فيه امتثالَ أمرِ اللهِ واجتنابَ نَهيِهِ.

فَمِمَّا اشتَمَلَ عليه من التَّقوى: أنَّ الصَّائِمَ يتركُ ما حرَّم اللهُ عليه مِمَّا تميلُ إليها نفسُه، مُتقربا بذلك إلى الله، راجياً بِتركِها، ثوابَه، فهذا من التَّقوى.

ومنها: أنَّ الصائمَ يُدرِّبُ نفسَهُ على مراقبةِ الله تعالى، فَيَترُكُ ما تَهوى نفسُه، مع قدرتِه عليه، لعلمه باطِّلاعِ الله عليه وهذا من التَّقوى.

 ومنها: أنَّ الصِّيامَ يُضيِّقُ مَجاري الشَّيطانِ، فَيَضعُفُ نفوذُه، وتقلُّ من العبِد المعاصي وهذا من التقوى.

 ومنها: أنَّ الصائمَ تكثرُ طاعتُه، والطَّاعاتُ من خصال التقوى، ومنها: أنَّ الغنيَّ إذا ذاقَ أَلَمَ الجُوع، أوجبَ له ذلكَ، مواساةَ الفُقَرَاءِ والْمُعدَمِينَ، وهذا من خِصَالِ التَّقوى. انتهى كلامه رحمه الله.

 الوقفة الثانية: قولُه تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) أي قليلةً في غايةِ السُّهولة وهذا من رحمة الله بعبادِهِ، فَلَيسَ فَرِيضَةَ العُمُرِ وَتكلِيفَ الدَّهرِ، فلقد أُعفيَ من أدائِه المَرضى حتى يَصِحُّوا، والمُسَافِرونَ حتى يُقِيموا رحمةً من اللهِ وتيسيرا.

الوقفة الثالثة: في قَولِهِ تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فَكُلُّ مَن أدركَ رَمَضَانَ وهو قَادِرٌ على صَومِهِ وجبَ عليه الصُّومُ، وَمَنْ لا فلا يَجِبُ عليهِ.

 الوقفة الرَّابعة: تأمَّل! فَفِي ثَنَايا آياتِ الصِّيامِ قالَ اللهُ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185] فَرَمَضَانُ شَهرُ القُرآنِ، فحريٌّ بك أيُّها الصَّائِمُ أنْ تَجعَلَ لَكَ وِرْدَاً مِن كِتَابِ اللهِ تَتَأَمَّلُ فيه، وتَتلُوهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ! تُحرِّكُ به قلبَك، وتُدرُّ به دَمعَكَ، وتغيِّرُ به حياتَك، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألْبَابِ) [ص: 29].

وقفَةٌ أُخرى: عندَ قولِ اللهِ تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]، إنَّها البُشرى في ثَنَايا آيَاتِ الصِّيامِ، فيا لها من آيةٍ عَجِيبَةٍ، آيةٍ تَجعَلُ في قَلْبِ المُؤمنِ طُمأنِينَةً وَرَاحَةً وأُنْسَاً.

فيا صائمون: اعرضوا حاجاتِكم على مَولاكُم، واستكثِروا مِن الدَّعوات الطيِّباتِ في شهرِ البركاتِ، فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ للصَّائِمِ عند فِطرِه لَدَعوةً ما تردُّ".

 وقفتنا الأخيرةِ : عندَ قولِ اللهِ تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) [البقرة: 184] قال الشيخُ السَّعديُّ: يريدُ الله تعالى أن يُيَسِّرَ عليكم الطُّرُقَ المُوصِلَةَ إلى رضوانِهِ أعظمَ تَيسيرٍ، ويُسهلَها أشدَّ تَسهيلٍ، ولهذا كان جَمِيعُ ما أمرَ الله به عبادَه في غايةِ السُّهولَةِ في أصلِهِ. وإذا حصلتْ بعضُ العَوَارِضِ المُوجِبَةِ لِثِقَلِهِ، سهَّلهُ تَسهيلاً آخرَ، إمِّا بإسقَاطِهِ، أو تخفِيفهِ بأنواع التَّخفيفاتِ. انتهى.

اللهم وكما بلغتنا رمضان فأعنَّا على صيامه اللهمَّ أَعِنَّا غِيهِ على ذِكْرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبادَتِكَ. وَاجعَلْ مُستَقْبَلنَا فِيهِ خَيرًا مِن مَاضِينَا وَتَوَفَّنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا غَيرَ غَضْبَانٍ.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركينَ، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدِّينِ. اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. اللهم وفقنا لصيامِ رمضانَ وقيامه إيمانا واحتسابا . اللهم اجعلنا فيه من المقبولين ومن عتقائك من النار يا ربَّ العالمين.

اللهم أَعِنْ إخوَانَنَا في سُوريا والفَلُّوجَةِ ولا تُعِنْ عَلَيهم، وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، وامكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ عَلَيهم، وأهدهم ويَسِّر الهُدَى لهم، وانصرهم على من بَغَى عَلَيهم. اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حُدُودَنا والمُسلِمِينَ أجمَعينَ.

اللَّهُمَّ اهْزِمِ طواغيتَ العصرِ وجُنْدَهم، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ يا ربَّ العالمين. اغفر لنا ولِوالِدينا والمُسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَلَذِكرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعلمُ مَا تَصْنَعونُ.