الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
هنا سؤال الإيمان، هنا سؤال العبودية الذي يطرق أبواب القلب، ويطرق أبواب من كان له قلب، ليسأله سؤالا كريما عزيزا نفيسا، هذا السؤال هو: ما حظّ والدِك منك في رمضان؟ ما حظّ والدتِك منك في رمضان؟ ما حظّ الوالدين أحياء كانوا أو أمواتا من ابنهما في رمضان؟ بل السؤال: ما حظّ وصية الله في رمضان؟ فالوالدان هما وصية الله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) [الأحقاف:15].
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: أيها المؤمن الصائم، أنت تصوم لأنّك مُؤمن بالله. أيها العبد الصائم، أنت تصوم لأنّك عبدٌ لله -تعالى-. فصيامك إيمان، وصيامك عبودية. صيامك في رمضان مسلك لاستكمال إيمانك، صيامك في رمضان طريقك لتحقيق معنى العبودية لله -تعالى-.
واستكمال إيمانك بصيامك يعني أن تعمل بخصال الإيمان في أيام صيامك، ومن أعظم خصال الإيمان التي تستكمل بها إيمانك في رمضان أن لا تنسى والديك في رمضان.
وتحقيق العبودية في رمضان يعني أن تعمل بمطالب العبودية في أيام صيامك، ومن أشرف مقتضيات العبودية التي تحقق بها عبوديتك لله -تعالى- هو إحسانك إلى والديك في رمضان.
أيها الصائمون، أيتها الصائمات: سواء أكنتم أطفالا أو طفلات صائمين وصائمات، أم شبابا وبنات صائمين وصائمات، أم رجالا ونساء صائمين وصائمات، أنتم في النهاية أبناء، أبناء، لك والدٌ ولك والدةٌ.
أيها الصائم وأيتها الصائمة صغيرا أو كبيرا: هنا سؤال الإيمان، هنا سؤال العبودية الذي يطرق أبواب القلب، ويطرق أبواب من كان له قلب، ليسأله سؤالا كريما عزيزا نفيسا، هذا السؤال هو: ما حظّ والدِك منك في رمضان؟ ما حظّ والدتِك منك في رمضان؟ ما حظّ الوالدين أحياء كانوا أو أمواتا من ابنهما في رمضان؟ بل السؤال: ما حظّ وصية الله في رمضان؟ فالوالدان هما وصية الله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) [الأحقاف:15].
أيها الأبناء الصائمون والصائمات، صغارا وكبارا: إذا كان من يصوم رمضان يحجز له باب واحد من أبواب الجنة اسمه باب الريان، فاسمع لمن تحجز أبواب الجنة كلها: عن معاوية بن جاهمة -رضي الله عنهما- أن جاهمة جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: "هل لك من أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها؛ فإن الجنة عند رجلها"، وفي رواية: "الزمها فإن الجنة تحت أقدامها" رواه النسائي وأحمد بسند صحيح. ألا يدفعك هذا -أيها الصائم- لتطرق أبواب الجنة كلها، وهي بين يدك؟ إنها والداك الكريمان.
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: يقول الله للمؤمن به وللعابد له: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة:237]، الله أكبر! لا تنسَ من له فضل عليك، لا تنسَ فضله طول حياتك، وهل هناك أحد في الدنيا- بعد الله ورسوله- أعظم فضلا عليك من والديك؟ إنه فضل لا يدانيه فضل، فكيف يمكنك أن تنسى فضل من كان سببا في إيجادك، وتحمل المشاق في تربيتك، وقام بإفناء الوقت والمال والذات لأجلك؟.
من هنا قضى ربك قضاء أن لا يعبد -سبحانه- إلا مع عبادة الإحسان للوالدين، فقال -سبحانه-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً) [الإسراء:23]، ألا تعبدوا إلا إياه، فلا تصم رمضان عبادة لله -سبحانه- إلا ومعه عبادة الإحسان للوالدين. نعم، فما هو إحسانك لوالديك في رمضان؟ فما هو حظّ والديك في رمضان؟.
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، أولى الناس بأن تدعوه في رمضان، وبأن تُفطره في رمضان، لا صدقة، ولا رد عزومة، ولا عادة؛ بل إجلالا وإكراما، هما والداك، وهما أولى الناس أن تبدأ بهما قبل غيرهما، فيا لك من صائم عاق حينما تدعو إلى الإفطار الأصدقاء والمسؤول وتهمل والديك! وحينما تدعو إلى الإفطار الأصهار وتنسى والديك! ويا لك من صائم كريم مؤمن عابد، حينما تقدم والديك على الناس جميعا، فيفطران عندك قبل غيرهما، وتفطر معهما؛ إكراما وإجلالا لهما.
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً)، وقضى ربك أن لا تعبده بصيام رمضان إلا ومعه إحسانك لوالديك، عش ساعات من رمضان في مجالسة والديك، اجعل سهرة رمضانية مع والديك.
في الحديث المتفق عليه: عن عبد الله بن عمرو قال: أقبل رجل إلى النبي فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغي الأجر من الله -تعالى-. فقال: "فهل لك من والديك أحد حي؟"، قال: نعم، بل كلاهما، قال: "فتبتغي الأجر من الله -تعالى-؟"، قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
تفقد والديك، اسألهما عن مطالبهما في رمضان وحاجاتهما، جالسهما، اسهر معهما، لا تنسحب من البيت لصالح السهر مع الأصدقاء، لصالح السهر في المقاهي، لصالح السهر مع النت والشاشة.
بعض المثبورين من الأولاد يجالس الكلّ إلا والديه، يجالس الفيس لساعات ويرى أمه وحيدة وأباه كذلك فلا يكلف نفسه أن يقطع تواصله الافتراضي المجنون ليجلس مع أغلى إنسان عليه في الوجود!.
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: يقول -تعالى- في سورة لقمان: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14]. جاء رجل إلى ابن عمر فقال: "حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها مناسك الحج، أتراني جزيتها؟"، قال: "لا! ولا طلقة من طلقاتها".
هذا الوالد الذي يتكفل بإطعامك طيلة الشهر، أيها الابن تذكر هذا، أيتها الفتاة تذكري هذا، وتلك الوالدة التي تتكفل طيلة الشهر بإعداد الإفطار، أيها الابن تذكر هذا، أيتها الفتاة تذكري هذا، فقل لهما على الأقل: جزاكم الله خيرا، اشكرهما، اذكر معروفهما، امدح طعامهما، ساعدهما، قف معهما، ألم تسمع ماذا قال لك نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم، يا أيها الابن الصائم- كما في مسند أحمد؟ "من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه".
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: لا تنس والدك ولا والدتك من مواطن استجابة الدعاء في رمضان، سواء أكانوا أحياء أم أمواتا.
وأعظم موطن يستجاب فيه الدعاء للصائم هو عندما تحين ساعة الإفطار، عند فطره وانتهاء يوم صومه، عند الإفطار؛ ففي الحديث الصحيح: "لكُلِّ عَبدٍ مِنْهُم دَعوَةٌ مُستَجَابَةٌ"، وفي رواية: "للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة".
لقد دعا المولى -جل وعلا- وحث على الدعاء للوالدين لأنهما أصل الأبناء، فلذلك وجب الدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما، قال -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً) [الإسراء:24].
أيها الابن الصائم: ادع لوالدِك وادع لوالدتِك، من كان منهم حيّا أو ميتا، ادع لهم من قلبك، ادع لهما بشفقة وأكثر لهما الدعاء، وأخلص لهما في الدعاء، لا تنس الوالدين الحي منهما والميت، فأنبياء الله -تعالى- دعوا لوالديهم؛ قال -تعالى- عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [إبراهيم:41]، وقال -تعالى- إخباراً عن نوح -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح:28]، ونفّذْ أمرَ ربّك لك حينما قال لك أيها الابن: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
وتأكد أيها الابن الصائم الصالح البارّ أنّ لدعوتك الأثر في غير رمضان، فكيف إذا كانت في رمضان؟ وكيف إذا كانت دعوة مستجابة من صائم؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".
أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: خصص وقت السحر، وما أدراك ما وقت السحر؟ ذلك الوقت الذي قال فيه ربك: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) [آل عمران:17]، خصصه للاستغفار لوالديك أحياء كانوا أم أمواتا، لا يمرّ عليك وقت سحر في رمضانك إلا واستغفرت لهما. لا تدع النت ولا والخلوة ولا النوم ولا الأكل يسرقك وينسيك الاستغفار لوالديك الحبيبين الغاليين.
هل تحب -أيها الابن الصائم- لوالدك الغالي الذي مات أن يرفع الله مقامه؟ هل تحب لأمك الحنونة أن يرفع الله مكانتها؟ عليك بالإصغاء جيدا لما يأتي: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- كما في الحديث الحسن: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: أيها الأبناء الصائمون والصائمات صغار وكبارا: ما حظّ والدك وما حظّ والدتك من مالك وجودك وكرمك في رمضان؟ وأنت تؤدي عبادة الصوم وتقتدي بنبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أكثر ما يكون جودا في رمضان.
أيها الابن البار: لا تنس والديك من صدقاتك المالية في رمضان. ماذا تفعل؟ أشركهما معك فيما تتصدق، وفيما تنفق، كلما تصدقت بشيء من المال، قل: اللهم إني أشرك والديّ معي -أحياء أو أمواتا- في تلك الصدقة فتقبلها مني، ثم بعد ذلك اترك واسع الفضل والإحسان يجزيك ما يجزيك من الخير، ثم بعد ذلك دع الكريم -سبحانه- يكرمك، فلن تكون أكرم منه -سبحانه-.
في الحديث الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ".
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.