القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
إن في شهر رمضان مضمارًا للمتسابقين، فأنواع الطاعات كثيرة، وأهل الخير المعينون على الخير كثيرون، فما على المسلم إلا المسابقةُ في الخيرات، وأن يحرص أن لا يسبقه أحد إلى رب العالمين. إنما هي ثلاثون يومًا، (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ)، من جد فيها واجتهد فاز بالمغفرة والعتق من النار، فما أسهَلَهُ من مطلوب لمن جد واجتهد ورزق عونًا على الطاعة...
إن الحمد لله...
أما بعد:
فيا أيها الناس: ما أعظمها من نعمة وما أكبرها من مِنَّةٍ، أن ندرك هذا الشهر العظيم، الذي هو في الحقيقة رحمةٌ مهداة لنا نحن معاشر الخطائين المقصرين.
معاشر المسلمين: إن في شهر رمضان مضمارًا للمتسابقين، فأنواع الطاعات كثيرة، وأهل الخير المعينون على الخير كثيرون، فما على المسلم إلا المسابقةُ في الخيرات، وأن يحرص أن لا يسبقه أحد إلى رب العالمين.
عباد الله: إنما هي ثلاثون يومًا، (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ)، من جد فيها واجتهد فاز بالمغفرة والعتق من النار، فما أسهَلَهُ من مطلوب لمن جد واجتهد ورزق عونًا على الطاعة، وهكذا كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسَه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودُ بالخير من الريح المرسلة".
عباد الله: من هذا المنطلق وجب علينا معرفةُ أبواب الخير ليتسنى لنا المسابقة في كل مضمار، فأعمال البر كثيرة، والوقت يسير، ولعلنا على عجلة نمر سريعًا على بعض أعمال البر التي ينبغي للعبد أن يضرب في كل باب منها بسهم، وهذا من باب التذكير، فإن المؤمنَ يغفلُ ويحتاجُ إلى من ينبهه، وهذا من باب التناصح، والتعاون على البر والتقوى.
فمن أعمال البر: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، فإن الملاحظ على الناس في رمضان الإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية، ومن وقع في معصية فسرعانَ ما يعود، ولو ذكر لرجع بسرعة، فما أحسنها أن يستغل المؤمن هذه الفرصة، فيدعو من شاء إلى طاعة الله، خصوصًا أئمةَ المساجد، فمن كان من جماعة المسجد لا يصلي إلا في رمضان، وما أكثرهم مع الآسف، فدونك الفرصة بدعوته إلى الله، وكذلك أنت أخي إذا كان جارك لا يصلي فبادر بنصحه، وكذلك الحال في النهي عن المنكر.
ومن أعمال البر كذلك إخراج الصدقات، من تفطير للصوام، أو إعانة مالية للمدينين، أو كفالة الأسر المعدومة، فما أحسن أن يتكفل المسلم بأرزاقِ أسرةٍ من الأسر الفقيرة، فيشتري لها ما تحتاجه في رمضان، فكم من الأسر تتضور جوعًا ونحن في أصناف المأكولات ننعم، ألا إن من شكرها أن يشركك إخوانك الضعفاء في ذلك، فلقد كان بعض السلف لا يفطر وحده، بل يبحث عمن يفطر معه من الفقراء، وكان بعضهم يعطي عماله على كل فقير يحضرونه ليأكل الطعام مالاً، فلقد كانوا يستشعرون الأجر المترتب على ذلك، أخرج النسائي في سننه من حديث زيد بن خالد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من فطّر صائمًا أو جهز غازيًا فله مثل أجره".
ومن أعمال البر في رمضان: أداء العمرة، فالعمرة أجرها عظيم، ويتضاعف أجرها في رمضان، أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "عمرة في رمضان تعدل حجة".
غير أن أداء العمرة تحتف به أمور ينبغي مراعاتها، وسيأتي الحديث عنها في خطبة أخرى بإذن الله تعالى.
ومن أهم أعمال البر -بل هو أساسها وقاعدتها التي لا تقبل الأعمال إلا به- ألا وهو الإخلاص لله، فعلى العبد أن يراقب توجهاته ويصفي نيته ويجردها من الشرك، فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، وكم من متصدق ليس له إلا الخسارة والحرمان، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". فالحذر الحذر.
ومن الأعمال الصالحات في رمضان البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، فإنها من أعظم القربات، وهي كذلك من أعظم الموفقات للعبد، فكم حرم العبد من الرزق بسبب الذنوب!! وكم حرم العاصي من فهم لكتاب الله ولكثير من العلوم بسبب المعاصي!! فالمعاصي من أشهر أسباب الحرمان. عافانا الله وإياكم من ذلك.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب | حتى عصا ربه في شهر شعبانِ |
هـا قـد أظلك شهرُ الصوم بعدهما | فلا تصيره أيضًا شهر عصيانِ |
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، والمسابقة إلى الخيرات، أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: ومن أعمال البر التي ينبغي للعبد أن يسارع لفعلها: قيام الليل؛ فإنه شرف المؤمن، ولقد حثّ المصطفى عليه ورغب لفعله في رمضان أكثر؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، ولقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وكان يقرأ فيها بالطوال، وفي رمضان سهل على العبد، فمن قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، فأنت تصلي مع الإمام ساعة ويكتب لك قيام الليل كاملاً، فضلاً من الله ونعمة، والله عليم حكيم.
ومن الأعمال الصالحات: كثرة ذكر الله في كل لحظة وأثناء كل عمل، فما فاز إلا الذاكرون، ولهذا قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "سبق المفردون"، قيل: ومن المفردون؟! قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". فمن أراد أن يكون من السابقين في هذا الشهر العظيم فليكثر من الطاعات، وليستعد لما أمامه من العقبات.
ومن الأعمال الصالحة في رمضان: صلة الرحم، فهي واجبة، وأحب الأعمال لله ما أوجبه على عباده، وعلى كلٍ فأبوابُ الخير كثيرةٌ جدًا، وعلى العبد أن يسابق فيها بكل ما يستطيع، فالوقت قصير، والفرصة قد لا تعود مرة أخرى، فمن استطاع أن يضرب في كل سبيل خير بسهم فلا يبخل على نفسه، فالله -جل وعلا- يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
اللهم أدم علينا أمننا واستقرارنا في بلادنا يا رب العالمين. اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين. اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره يا رب. اللهم أرنا الحق حقًّا.
ربنا آت نفوسنا تقواها...