البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

تذكر يا مريد الصلاح والإصلاح

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. رغبة الناس في الصلاح والإصلاح .
  2. حقيقة الصلاح والإصلاح وماهيته .
  3. ضعف المسلمين وأسباب عزتهم وقوتهم .
  4. تقلد المفسدين لثياب المصلحين .
  5. وصايا مهمة للراغبين في الصلاح والإصلاح .

اقتباس

إذا كُنَّا صادِقينَ في طَلَبِ التَّغييرِ, وحَريصينَ عليهِ كُلَّ الحِرصِ, فالمِفتاحُ لهذا التَّغييرِ في أيدينا, هذا المِفتاحُ هوَ من مَفاتيحِ العَلاقِةِ بينَ العبدِ وربِّهِ, فَمَن كانَ صادِقاً في طَلَبِ التَّغييرِ -وأنا أرى الأمَّةَ كُلَّها تَبحَثُ عن ذلكَ, ولكن تَبحَثُ عن ذلكَ في طُرُقٍ مُظلِمَةٍ- فالتَّغييرُ هوَ ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عِبادَ الله: إنِّي أتَوَجَّهُ إلى أهلِ بَلَدي في هذا القُطرِ الحَبيبِ, أتَوَجَّهُ إلى إخوَتي في هذا البَلَدِ ونحنُ نَعيشُ هذهِ الأزمَةَ, حيثُ ذَهَبَ ضَحِيَّتَها شَبابُنا, وأموالُنا, وهُدِّمَتِ البُيوتُ الكَثيرَةُ! أتَوَجَّهُ إلى أهلِ هذا البَلَدِ قبلَ حُلولِ شَهرِ رَمضانَ المبارَكَ بأيَّامٍ مَعدوداتٍ, وأقول: يا عبادَ الله, كُلُّنا يُريدُ الصَّلاحَ والإصلاحَ, وكُلُّنا يُريدُ تَغييرَ الحالِ الذي نحنُ عليهِ إلى حالٍ أحسَنَ.

ولكن لِنَتَساءَلْ معَ أنفُسِنا: كيفَ يَكونُ هذا التَّغييرُ؟ هل هذا التَّغييرُ يكونُ بِسَفكِ الدِّماءِ, وتَهديمِ البُيوتِ؟! هل يكونُ هذا التَّغييرُ بِتَدَخُّلِ زَيدٍ وعَمروٍ في مَشاكِلِنا؟! هل يكونُ هذا التَّغييرُ بِمُعجِزَةٍ تَنزِلُ من السَّماءِ؟! هل يكونُ هذا التَّغييرُ باستِيرادِ الخُطَطِ والآراءِ من شَرقٍ أو غَربٍ؟!

يا عبادَ الله: إذا كُنَّا صادِقينَ في طَلَبِ التَّغييرِ, وحَريصينَ عليهِ كُلَّ الحِرصِ, فالمِفتاحُ لهذا التَّغييرِ في أيدينا, هذا المِفتاحُ هوَ من مَفاتيحِ العَلاقِةِ بينَ العبدِ وربِّهِ, فَمَن كانَ صادِقاً في طَلَبِ التَّغييرِ -وأنا أرى الأمَّةَ كُلَّها تَبحَثُ عن ذلكَ, ولكن تَبحَثُ عن ذلكَ في طُرُقٍ مُظلِمَةٍ- فالتَّغييرُ هوَ أن تَلتَزِمَ الأمَّةُ آيَةً واحِدَةً من كِتابِ الله -عزَّ وجلَّ-, يقولُ اللهُ -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].

أيُّها الإخوة الكرام: سُنَّةٌ كَونِيَّةٌ يُسَطِّرُها ربُّنا -عزَّ وجلَّ- في كِتابِهِ العَظيمِ: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43] فلا تَبتَعِدوا عن هذهِ الحَقيقَةِ, ولا تُغالِطوا أنفُسَكُم ما دُمتُم مُؤمنينَ بالله -عزَّ وجلَّ-, ومُؤمنينَ بالقُرآنِ العَظيمِ, فَلَن يُغَيِّرَ اللهُ -تعالى- حَالَ قَومٍ من وَضْعٍ مُرْضٍ مُريحٍ إلى وَضْعٍ ضَنْكٍ مَذمومٍ إلا بِتَغييرِ ما في القَلبِ, قال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].

ولن يُغَيِّرَ اللهُ -تعالى- حالَ قَومٍ من وَضْعٍ ضَنْكٍ مَذمومٍ, إلى وَضْعٍ مُرْضٍ مُريحٍ, إلا أن يَتَغَيَّرَ ما في القُلوبِ, قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

وإذا صَدَقْنا اللهَ في أقوالِنا, صَدَقَنا اللهُ في تَحويلِ هذه الحالِ إلى حالٍ أحسَنَ, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [الأحزاب:70-71] هل نَقولُ قولاً سَديداً في أنفُسِنا؟

أيُّها الإخوة الكرام: هل نَقولُ قولاً سَديداً في حَقِّ أنفُسِنا حتَّى يُصلِحَ اللهُ -تعالى- أعمالَنا وأحوالَنا؟ أينَ من يَقولُ القَولَ السَّديدَ في حَقِّ نَفسِهِ, ولم يُصلِحْ ربُّنا -عزَّ وجلَّ- عَمَلَهُ وحالَهُ؟

إنَّ سيِّدَنا آدمَ -عليه السَّلامُ- قالَ قَولاً سَديداً في حَقِّ نَفسِهِ, فأصلَحَ اللهُ حالَهُ وعَمَلَهُ, بل واصطَفاهُ اللهُ -سُبحانَهُ وتعالى-, قالَ سيِّدُنا آدمُ -عليهِ السَّلامُ-: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].

قالَ قَولاً سَديداً فأصلَحَ اللهُ -تعالى- حالَهُ, قال تعالى: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه:122].

وهذا سيِّدُنا يونس -عليه السَّلامُ- وعلى نبِيِّنا أفضَلُ الصَّلاةِ وأتَمُّ التَّسليمِ-, قالَ قَولاً سَديداً في حَقِّ نَفسِهِ, فأصلَحَ اللهُ حالَهُ وعَمَلَهُ, قالَ سيِّدُنا يونس -عليهِ السَّلامُ-: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] فكانَتِ النَّتيجَةُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88].

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مِفتاحَ الصَّلاحِ والإصلاحِ في أيدينا, إنْ صَدَقْنا معَ أنفُسِنا, ورَجَعنا إلى الله -عزَّ وجلَّ-, يقولُ ربُّنا -عزَّ وجلَّ-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].

هل نُقِرُّ بِفَسادِنا؟ هل نُقِرُّ بِفَسادِ جَوارِحِنا؟ هل نُقِرُّ بِجُرأتِنا على المَعاصي والمنكَراتِ؟ هل نُقِرُّ بِجُرأتِنا على تَرْكِ كثيرٍ من المأموراتِ؟ هل نُقِرُّ بأنَّ الدُّنيا تَحَكَّمَت من القُلوبِ -إلا من رَحِمَ اللهُ-؟ هل نُقِرُّ بأنَّ الرَّحمَةَ نُزِعَت من قُلوبِنا -إلا من رَحِمَ اللهُ-؟ هل نُقِرُّ بأنَّ الرِّبا والمُعامَلاتِ التِّجارِيَّةِ الرِّبَوِيَّةِ قد ارتَكَبناها؟ هل نُقِرُّ بأنَّ الفاحِشَةَ قد عَمَّت وطَمَّت؟ هل نُقِرُّ بأنَّ الكثيرَ أعرَضَ عن الاحتِكامِ لِكِتابِ الله -تعالى-, ولِسُنَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؟

يا عبادَ الله: من عَجائِبِ الزَّمانِ أن تَرى الفاسِدَ المُفسِدَ يَلبَسُ ثِيابَ الصَّالِحِ المُصلِحِ, ويَزعُمُ أنَّهُ يُريدُ الصَّلاحَ والإصلاحَ, قال تعالى عن فِرعَونَ وهوَ يُحَدِّثُ قَومَهُ: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26].

هذا الفاسِدُ المُفسِدُ إذا لَبِسَ ثِيابَ الصَّلاحِ والإصلاحِ لن يَكونَ صالِحاً ولا مُصلِحاً, ولو أَعجَبَكَ قَولُهُ, وأَشهَدَ اللهَ على ما في قَلبِهِ, قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسَاد) [البقرة:204-205].

وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة:11-12].

يا عبادَ الله: إنِّي أتَوَجَّهُ إلى كُلِّ مُريدٍ للصَّلاحِ والإصلاحِ, لأقولَ له من قَلبٍ صَادِقٍ مُخلِصٍ مُحِبٍّ واللهُ شَهيدٌ على ما أقولُ: يا مُريدَ الصَّلاحِ والإصلاحِ, إنْ كُنتَ صَادِقاً في دَعواكَ فالتَزِم قَولَ الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].

والتَزِم قَولَهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].

والتَزِم قَولَهُ تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [البقرة:44].

وتَذَكَّر حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- الذي رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قال: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ, فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ, فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ. فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ, مَا شَأْنُكَ, أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ, وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ".

يا عبادَ الله: إنَّ تَغييرَ حالِنا مُرتَبِطٌ بنا, ومِفتاحُ تَحسينِ الأحوالِ بأيدينا: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ" وغَيِّر داخِلَكَ, واعلَم بأنَّ اللهَ -تعالى- مُطَّلِعٌ على نَواياكَ, فإنْ خَدَعتَ النَّاسَ جميعاً فلن تَستَطيعَ أن تَخدَعَ نَفسَكَ.

فَسَلْ نَفسَكَ -يا مُريدَ الصَّلاحِ والإصلاحِ- هل أنتَ بِحَقٍّ صالِحٌ ومُصلِحٌ؟

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ

هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ مِنَ السَّقَامِ لِذِي الضَّنى

كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

وَأَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا

نُصْحاً وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ

اِبدَأ بِنَفسِكَ فانهها عَن غَيَّها

فإذا انتَهَتْ عنهُ فأنتَ حَكيمُ

فَهُناكَ يُقْبَلُ إن وَعَظتَ ويُقتَدَى

بالقَولِ مِنكَ ويَنفَعُ التَّعليمُ

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأتيَ مِثلَهُ

عَارٌ عَلَيكَ إذا فَعَلتَ عَظيمُ

اللَّهُمَّ أصلِحنا ظاهِراً وباطِناً, ورُدَّنا إليكَ رَدَّاً جميلاً، آمين.

أقولُ هَذا القَولَ, وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.