القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | علي باوزير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
وإذا تحدثنا عن الاعتزاز بالإسلام والدين والتاريخ والحضارة والهوية؛ فإنه يرد عند ذلك سؤال مهم: كيف أعتز بديني؟ وكيف اعتز بتاريخي وبهويتي؟.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: أيها المسلمون عباد الله، تحدثنا في الخطبة الماضية عن الاعتزاز والافتخار بالتاريخ الإسلامي وبالحضارة الإسلامية، تحدثنا عن أن الأمة الإسلامية لا بد أن تستشعر دورها وأن تستشعر مكانتها بين الأمم، وأنه ينبغي لها ويجب عليها أن تكون في محل الصدارة والريادة.
وإذا تحدثنا عن الاعتزاز بالإسلام والدين والتاريخ والحضارة والهوية؛ فإنه يرد عند ذلك سؤال مهم: كيف أعتز بديني؟ وكيف اعتز بتاريخي وبهويتي؟.
بعض الناس يتصور أن الاعتزاز معناه التكبر والغرور، معناه العجب والخيلاء، يتصور أن الاعتزاز معناه احتقار الآخرين وازدراؤهم، والبعض يتصور أن الاعتزاز معناه أن يظل يسرد قصص التاريخ المجيد، وأن يستحضر مآثر الماضي التليد، وهو جالس في مكانه دون عمل أو فعل، وبعض الناس يتصور أن الاعتزاز معناه أن يكون عدوانيا لكل ما حوله، رافضا لكل جديد، معاديا لجميع الأمم، مناوئا لها؛ وهذه كلها تصورات قاصرة خاطئة، وليست هي المفهوم الصحيح للاعتزاز بالدين والهوية. فما هو الاعتزاز الحقيقي؟.
هذا له معان عدة أذكر منها خمسة أمور:
أول معاني الاعتزاز والاعتداد بالدين والهوية أن يعتقد الإنسان في قرارة نفسه اعتقادا يقينيا لا شك فيه ولا تردد أن العز كل العز إنما هو في الإسلام، وأن المجد كل المجد إنما هو في هذا الدين، وأن الرفعة والعزة والتمكين لن تأتي إلا بهذه العقيدة.
كلنا -أيها الأحباب- يعرف قصة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- مع أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه وأرضاه- وكلنا ربما يحفظ مقولته الخالدة التي قالها في تلك القصة الجميلة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
ربما كثيرٌ منا يحفظ هذه الكلمة بلسانه، ولكنها لم تستقر في قلبه ووجدانه، كثير من المسلمين يحفظون هذه الكلمات، ولكن لا زال الكثير منهم يبحث عن العز في الشرق والغرب، لا زال كثير من المسلمين يطلبون العزة بالأسباب الحسية والمادية فقط، لا زال كثير من المسلمين لم يعتقد اعتقادا يقينيا أن عزه إنما هو بالإسلام، بل -للأسف أيها الأحباب- يوجد ممن ينتسب إلى الإسلام من يتصور أن العز لن يكون إلا بالتخلص من الإسلام والعياذ بالله! يوجد ممن ينتسب إلى الإٍسلام من يتصور أن سبب التخلف والجهل وأن سبب الذل والضعف والهوان الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم إنما هو الإسلام! يوجد من يتصور أن الإسلام كان في زمن البعير والخيل والحمار، في زمن السيوف والرماح، وأما اليوم في زمن الطائرات والأقمار الصناعية، في زمن النووي والتكنولوجيا، فإن الإسلام ليس سببا للعز! ساء هذا من اعتقاد!.
ولهذا تجد مثل هؤلاء من ينظر إلى تاريخ الإسلام على أنه ماضٍ لا يمكن أن يعود أبدا، ينظر إلى هذا التاريخ المجيد على أنه صفحة من عمر الدنيا طويت فلا حاجة إلى الالتفات لها ولا التعويل عليها.
الهزيمة النفسية والضعف النفسي قد يستقر في نفوس كثير من المسلمين، نسوا أن مصدر عز هذه الأمة ليس بالقوة الاقتصادية وليس بالقوة العسكرية وليس بالقوة المادية بالدرجة الأولى، إنما مصدر عزها بالدرجة الأولى هو هذا الإسلام، وإلا فالعرب الذين بعث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ماذا كان معهم من المال؟ أم ماذا كان معهم من القوة؟ أم ماذا كان معهم من العلم والقدرات؟ لم يكن معهم شيء؛ فبماذا أعزهم الله ورفعهم وجعلهم قادة الأمم؟ أليس بهذا الدين؟ أليس بهذا الإسلام؟.
فأول أمر من أمور الاعتزاز بالإسلام أن تستقر هذه العقيدة في النفوس: أن العز إنما هو بالإسلام، ومن لم يعتقد هذا فقد شابه المنافقين، وربنا -تبارك وتعالى- يقول في سورة النساء: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [النساء:138-139].
وفي سورة المنافقون يحكي الله -سبحانه وتعالى- عنهم: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، فيرد الله -عز وجل- عليهم ويقول: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
الأمر الثاني -أيها الأحباب- في كيف أعتز بديني وهويتي، الأمر الثاني أن يصرح الإنسان بهذا، وأن ينطق به بلسانه، فإن اللسان دليل على ما في القلب، وعنوان علامات الفؤاد، فمتى كان اليقين راسخا بأن العز في الإسلام فلا بد أن يظهر هذا في اللسان، ولا بد أن يبين هذا في الكلام.
إذا سئل الإنسان عما يفتخر به ويعتز لا يقدم شيئا على الإسلام، إن سئل عن ماضيه قال: هو الإسلام. إن سئل عن حاضره قال: هو الإسلام. إن سئل عن مستقبله قال: هو الإسلام. إن طُلب منه أن ينتسب لم ينتسب إلا إلى الإسلام.
أبي الإسلام لا أب لي سواه | إذا افتخروا بقيس أو تميمِ |
في مسند الإمام أحمد -رحمه الله- عن أبي بن كعب -رضي الله عنه وأرضاه- أن رجلين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- انتسب -أي: كل واحد منهم رفع نسبه وذكر إلى من ينتسب- فقال أحدهم: أنا فلان بن فلان بن فلان؛ فمن أنت، لا أم لك؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انتسب رجلان على عهد موسى -عليه السلام- فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ فقال صاحبه: أنا فلان بن فلان بن الإسلام، فأوحى الله -عز وجل- إلى موسى عليه السلام في هذين المنتسبين قال: أما الذي انتسب إلى تسعة أباء فهو عاشرهم في النار، وأما الذي انتسب إلى أبوين فقط فهو ثالثهم في الجنة، لأنه انتسب إلى الإسلام، وافتخر واعتز به ولم يعتز بغيره.
كيف أعتز بديني وهويتي؟.
الأمر الثالث: العمل والتمسك بهذا الدين، فإنه لا معنى للاعتزاز ولا معنى للافتخار بهذا الدين إن لم نتمسك به وإن لم نعمل به وإن لم نطبقه في حياتنا اليومية، ما ينفعك الافتخار والانتساب لهذا التاريخ العظيم ولهذه الحضارة الجليلة ولهذه الأمة العظيمة، وأنت مضيع لأحكام الإسلام، غير متأدب بآدابه، ولا متخلق بأخلاقه.
ما أشبه حال كثير من المسلمين اليوم بقول القائل:
إِذَا افْتَخَرْتَ بِآبَاءٍ لَهُمْ شَرَفٌ | قُلْنَا صَدَقْتَ وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدُوا |
إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت، نعم، آباء لهم شرف، أمة قد مضت، امة قد قدمت وعملت؛ ولكن بئس ما ولدوا!.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه". لا فائدة من الأنساب، ولا فائدة من الأحساب، ولا فائدة من التاريخ والماضي، إذا لم يكن هناك عمل يمثل الامتداد الحقيقي لهذا الانتساب ولهذا التاريخ العظيم.
إن الاعتزاز دون عمل كبر وغرور وخيلاء وعجب، الانتساب والاعتزاز دون عمل سفه وقلة عقل، أرأيتم -أيها الأحباب- لو أن شابا درس في جامعة عريقة وتخرج منها بدرجة امتياز فأخذ شهادته الجامعية هذه الشهادة العظيمة وجعل لها بروازا جميلا وعلقها على حائط وجلس ينظر إليها، وكلما جاء إليه زوار ذكر لهم هذه الشهادة وقال أنا قد تخرجت من هذه الجامعة وحزت هذه الدرجة، جالس لا يعمل ولا يبحث عن وظيفة ولا يستغل هذه الشهادة؛ ما الفائدة منها؟ ما الفائدة من تعليقها؟ ما الفائدة من تزيينها؟ لا تساوي شيئاً!.
وهكذا كثير من المسلمين يفتخرون بشهادة الإسلام، ولكن -للأسف- لا يعملون بمقتضاها، نريد من يعتز بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ويقتدي به، نريد من يفتخر بأبي بكر الصديق ويعمل كعمله، نريد من يعتز بعمر بن الخطاب ويسير كسيرته، نريد بمن يعتز بعظماء الإسلام فيعمل مثلما عملوا ويبني مثلما بنوا.
لَسْنَا وَإِنْ أَحْسَابُنَا كَرُمَتْ | يَوْمًا عَلَى الْأَحْسَابِ نَتَّكِلُ |
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا | تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَمَا فَعَلُوا |
نعمل في سائر المجالات التي تحتاجها الأمة اليوم، نفعل الواجبات، ونطرق المستحبات النافعة التي يحتاجها المسلمون، نقيم الصناعة والزراعة والاقتصاد، نكتفي بأنفسنا، نحقق الاكتفاء الذاتي في بلادنا؛ وإلا؛ فما فائدة الاعتزاز بأنفسنا ونحن تبع لغيرنا نفتقر إليهم في الغذاء ونحتاج إليهم في الصناعة ونحتاج إليهم في العلوم؟ ما فائدة الاعتزاز عند ذلك؟.
الاعتزاز الحقيقي هو اعتزاز العمل، والإسلام -أيها الأحباب- دين علم ودين عمل ودين بناء ودين نهضة، هذا هو الإسلام الذي نعتز به ونفتخر به.
بارك الله لي في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أيها الأحباب الكرام: كيف أعتز بديني وهويتي؟ أمر رابع: ألا يخجل الواحد المسلم، لا يخجل ولا يستحي من إظهار دينه وعقيدته، لا يستحي من الامتثال لأمر الله والسير على منهاج القرآن، لا يستحي من إظهار الأحكام الشرعية والعبادات الدينية؛ لأن المعتز بدينه هو الذي يظهره ولا يبالي بكلام الناس.
نوح -عليه السلام- كان يبني سفينة على اليابس فيأتي قوم فيسخرون ويضحكون منه، يقولون: أين الماء الذي ستجري عليه هذه السفينة؟ (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) [هود:38-39].
كان ممتثلا لأمر الله فلم يبال بكلامهم، لم يبال بسخريتهم واستهزائهم، لم يبال بأفعالهم وتصرفاتهم؛ بل استمر على تأدية ما أمره الله -عز وجل- به، حتى جاء اليوم الموعود، وتحقق ما وعده الله -تبارك وتعالى- به.
اليوم، بعض المسلمين يترك الواجب ويفعل الحرام لأجل كلمة تقال له حياء من الناس وخجلا منهم، حتى لا يقولوا عنه إنه مزايد أو متنطع أو متشدد، حتى لا يقال عنه إنه متخلف أو رجعي أو ظلامي!.
بعض الناس ربما يأتيه داعي الله -تبارك وتعالى- فيذكّره بالله -عز وجل-، يريد أن يمتنع من أخذ الرشوة فيقول له أصحابه: يا أخي، كن مثل الناس، لا تكن متزايدا لا تكن متشددا، فيستحي أن يقول لهم هذا حرام، هذا لا يجوز، هذا مال سحت لا يرضى الله -تعالى-، يستحي ويسايرهم على ما هم عليه من الباطل. أين الاعتزاز بالدين في مثل هذا الموقف؟.
البعض ينظر إلى حال الناس فإن رآهم على أمر سار معهم فيما هم فيه، لا ينظر إلى هذا الأمر أهو يرضي الله -تبارك وتعالى- أم يسخطه، أهم شيء ألا يخالف الناس، لا يخالف ما عليه الناس، إن كذبوا كذب، وإن غشوا غش، وإن سرقوا سرق، وإن نهبوا نهب، وإن قتلوا قتل؛ وهذا هو الإمعة الذي لا تقبل دعواه أنه معتز بدينه، أين الاعتزاز بالدين وقد ضيعت أحكامه لأجل مجاملة الناس؟.
رجل -أيها الأحباب- فِلِبِّينيٌّ أسلم، تقدم بعد إسلامه بفترة يسيرة إلى شركة نصرانية ليعمل عندهم، فأجريت له المقابلة الشخصية ووضعت له الشروط التي ينبغي له أن يلتزم بها في العمل فقبلها، ثم قال لهم: وأنا عندي شروط. قالوا وما شروطك؟ تخيلوا -أيها الأحباب- هل يريد زيادة سنوية في الراتب؟ أم يريد إجازة مدفوعة الأجر؟ أم يريد استثناء من بعض الالتزامات؟ ماذا اشترط هذا الرجل الذي لم يسلم إلا قريبا؟ قال لهم: أنا مسلم، ونحن كمسلمين مطلوب منا أن نؤدي خمس صلوات في اليوم والليلة، فأنا أريد منكم أن تستقطعوا وقتا من وقت الدوام لأجل أن أخرج لأؤدي الصلاة ثم أعوضكم بعد الدوام.
سبحان الله! أين هذا من حال كثير من المسلمين! يجلسون في مجالس لهو فيأتي وقت الصلاة فيستحي الواحد أن يقول: يا إخوان جاء وقت الصلاة قوموا نصلي، يستحي ويخجل، ولا يعتز بعبادته ودينه.
... تقدم لهذا العمل كثير من الناس ولم يقبل إلا هذا الرجل لما رأوا صدقه، لما رأوا تمسكه بمبادئه علموا أن هذا رجل صادق وأن هذا رجل صالح، ومثل هذا لا يفرط فيه ولا يضيع أبدا.
كثير من أهل الباطل لا يستحيون من إظهار باطلهم وشعائرهم الباطلة وطقوسهم المخزية، أشياء مضحكة ومخزية لا يستحيون من إظهارها أمام الناس، منهم من يدمي جسده ومنهم من يسجد لصنم ومنهم من يعبد فأرا ومنهم من يتمسح ببقرة ولا يستحيون من ذلك أبداً، يعتزون بدينهم، وللأسف! بعض المسلمين يستحيي من إظهار بعض شعائر الدين! فلا تخجل من إظهار دينك فأنت الأعلى، والله -تبارك وتعالى- يقول: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
الأمر الخامس والأخير، أيها الأحباب: لا تكن دائما في منطقة الدفاع بل كن مهاجما، تثار كثير من الشبهات حول الإسلام ويحاول البعض أن يشكك في السنة والقرآن وترد كثير من المطاعن على هذا الدين، فيحاول المسلمون أن يدافعوا وأن يردوا هذه الشبهات وهذا أمر واجب مطلوب، ولكن المشكلة أن كثيرا من المسلمين لزموا هذه المنطقة، منطقة الدفاع، ولم يفكروا في أن يهاجموا هذا المشكك!.
إذا جاء النصراني يشككنا في القرآن نقول له: في ماذا تشكك؟ أولاً: أنت أيها النصراني أثبت لنا صحة الأناجيل التي بين أيديكم قبل أن تأتي وتتكلم عن القرآن، أثبت لنا صحة الإنجيل ثم بعد ذلك تكلم عن القرآن إن شئت.
إذا جاء نصراني يشكك في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقول له: قبل أن تطعن فيها أثبت لنا حديثا واحدا صحيحا ترونه يا معشر النصارى عن عيسى -عليه السلام-، إذا أثبتّ لنا ذلك تكلم بعد ذلك وسنسمعك.
هاجم، فعقيدتك الأقوى ودينك هو الأطهر وحجتك هي الأبلغ، وأما هؤلاء فليس لهم إلا التشكيك وليس لهم إلا الدندنة حول بعض الأمور التي لا حقيقة لها، يتهمون الإسلام بأنه دين انتشر بالعنف والسيف والقوة، نقول لهم: قفوا وتعالوا! كيف انتشرت النصرانية؟ هل قرأتم تاريخها؟ هل تعرفون كيف انتشرت وكيف وصلت إلى معظم القارات؟ كم أبادت من شعوب وكم اضطهدت من أمم وكم سفكت من الدماء في أوربا وفي أمريكا وفي آسيا حتى انتشرت هذا الانتشار! ثم بعد ذلك تتهمون الإسلام، تقولون عن الإسلام إنه دين الإرهاب؟! قفوا! كلام غير مقبول! أنسيتم إرهاب القرن العشرين؟ أنسيتم عشرات الملايين من البشر الذي قتلوا على أيدي الغرب النصراني؟ أنسيتم هذا؟ من كان بيته من الزجاج فلا يرمي الناس بالطوب.
يتكلمون عن المرأة وأن الإسلام ظلمها وأن الإسلام هضمها حقوقها، نقول لهم: قفوا تعالوا أولا: ما هو وضع المرأة اليوم في الغرب؟ كيف جعلها سلعة رخيصة وبضاعة ممتهنة؟ كيف ديس على كرامة المرأة في الغرب بأرقام وإحصائيات موجودة وباعترافات منهم هم أنفسهم؟ قبل أن تتكلم عن الإسلام؛ انظر كيف كرم الإسلام المرأة وكيف أهنتموها أنتم؟.
كن قويا وثق ثقة تامة أنك منصور بالحجة والبرهان، كما قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173].
وأول النصر نصر الحجة والبيان التي لا يمكن أن يقف أمامها أحد.
فهذه خمسة أمور أيها الأحباب:
أولا: عقيدة راسخة بأن العز إنما هو في الإسلام.
ثانيا: تصريح وإعلان بهذا باللسان.
ثالثا: تمسك وعمل واقتداء واتساء.
رابعا: عدم الخجل والحياء من إظهار شعائر الدين.
خامسا: قوة الحجة والبرهان، والهجوم على الباطل، وعدم التضعضع والضعف أمامه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أحوالنا كلها، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يعز الإسلام والمسلمين.