البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. تحذير الكتاب والسنة من المنافقين .
  2. معنى النفاق .
  3. عقوبة المنافقين .
  4. خطرهم .
  5. نوعا النفاق .
  6. من خصال وصفات المنافقين .
  7. من صور مكرهم المعاصر .
  8. ضلال كيدهم .

اقتباس

لَقَدْ حَذَّرَ القُرَآنُ الكَرِيمُ عَنْ طَوائِفَ مِنْ الأَعدَاءِ، وَخَصَّ بِالعَدَاوَةِ فِئَةً فَضَحَهُمُ اللهُ فَضْحَاً، كَشَفَ سِتْرَهُمْ، وَأَبَانَ عَوَارَهُمْ، وَعَدَّدَ خِصَالَهُمْ؛ لِيَحْذَرَ المُسلِمُونَ صَنِيعَهُم، وَلِيَتَّقُوا شَرَّهُمْ، وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ؛ فِئَةٌ انْدَسَّتْ قَدِيمًا، وَلا تَزَالُ حَدِيثًا: (هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ العَلِيِّ الأَعلى، وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً،  وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَداً، نَحمدُهُ -سُبحانَهُ- وَنَشكُرُه، وَنَتُوبُ إليه وَنَستَغْفِرهُ، نِعَمُهُ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى.

نَشهدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَه الأَسمَاءُ الحُسْنى، والصِّفَاتُ العُلا، وَنَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُه، أَخشى النَّاسِ لِلهِ وَأَتْقَى، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِه، مَعَالِمِ الهُدَى، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وَإيمانٍ، وَمَنْ عَلى نَهْجِهِم اقْتَفَى.

أمَّا بَعدُ: فَيَا عِبادَ اللهِ، أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ -تعالى- وَطَاعَتِهِ، فَمَا مِنْ غَائِبَةٍ إلاَّ وَيَعْلَمُهَا اللهُ، فَلنُصْلِحْ بَوَاطِنَنَا، كَمَا نَحنُ نَعْتَنِي بِجَمالِ ظَوَاهِرِنَا؛ فإنَّ رَسُولَنَا -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رَواهُ مُسلِمٌ.

إخوَةَ الإيمَانِ: لَقَدْ حَذَّرَ القُرَآنُ الكَرِيمُ عَنْ طَوائِفَ مِنْ الأَعدَاءِ، وَخَصَّ بِالعَدَاوَةِ فِئَةً فَضَحَهُمُ اللهُ فَضْحَاً، كَشَفَ سِتْرَهُمْ، وَأَبَانَ عَوَارَهُمْ، وَعَدَّدَ خِصَالَهُمْ؛ لِيَحْذَرَ المُسلِمُونَ صَنِيعَهُم، وَلِيَتَّقُوا شَرَّهُمْ، وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ؛ فِئَةٌ انْدَسَّتْ قَدِيمًا، وَلا تَزَالُ حَدِيثًا: (هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].

اشْتَدَّ خَوفُ نَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُم وَمِنْ خِدَاعِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَتَزْوِيرِهِمْ، فَقَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ" إِسنَادُهُ قَوِيٌّ.

أَيُّها المُسلمونَ: الحَديثُ عن النِّفَاقِ وَالمُنَافِقينَ يَبدَأُ ولا يَنْتَهي، كَيفَ وَقد قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنهُم: "كَادَ القُرآنُ أنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي شَأْنِهِم".

النِّفَاقُ هُوَ مُخَالَفَةُ البَاطِنِ لِلظَّاهِرِ، يُظْهِرَ صَاحِبُهُ الإيمَانَ، وَيُبْطِنُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ، فَيُلبِّسُ عَلى النَّاسِ وَيَغْتَرُّونَ بِهِ؛ لِذا جَعَلَ اللهُ عُقُوبَتَهُ أنَّهُ (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145]. أَجَارَنَا اللهُ جَمِيعًا والسَّامِعِينَ مِنْهَا!.

عِبادَ اللهِ: أَعْدَاؤنا كُثُرٌ، فَاليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَأذْنَابُهُم نُدْرِكُ جَمِيعَاً عَدَاوَتَهُم وَنَتَكَتَّلُ ضِدَّهُمْ، وَأَيُّ فَرْدٍ مِنَّا يَتَعَاوَنُ مَعَهُم يُتَّهَمُ بِالخِيَانَةِ؛ أَمَّا المُنَافِقُونَ فَلا يُدْرِكُ عَدَاوَتَهُمْ وَخَطَرَهُم إلَّا القَلِيلُ مِن المُسْلِمِينَ، وَلا يَتَصَدَّى لِحَرْبِهِمْ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَينَ الوَعْيِ الكَامِلِ وَالإيمَانِ القَوِيِّ، أَمَّا عَدَدٌ مِنْ المُسلِمِينِ فَينْخَدِعُونَ بِمَظَاهِرِهِم، وَيَتَمَتَّعُونَ بِوُعُودِهِمُ الكَاذِبَةَ، وَيَغْتَرُّونَ بِدِعَايَاتِهِمُ الجَوْفَاء الخَاطِئَة.

فَيا وَيْحَ المُنَافِقِينَ! يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذين آمَنُوا، وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنْفُسَهم وَمَا يَشْعُرُونَ! وَخَابُوا وَخَسِرُوا وإنْ زَعَمُوا أنَّهُمْ مُصْلِحُونَ! (أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة:12].

لَهُمْ نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ، عَدَّدَ نَبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بَعْضَ خِصَالِهِمْ فَقَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" رواه مُسْلِمٌ. وَعنْدَهُم نِفَاقٌ اعْتِقَادِيٌّ أَشَّدُّ خُطُورَةً وَفَتْكًا.

أيُّها المُؤمِنُونَ: وَإليكُمْ مُجْملاً لَهُمْ مِمَّا وَصَفَهَمُ اللهُ فِي كِتابِهِ لِنَكُونَ على عِلْمٍ بِحَالِهمْ: فَهُم لَمْ يَرْتَضُوا الإسْلامَ دِينَاً وَلا الكُفْرَ الصَّرِيحَ مَبْدَأً، فَكَانُوا مُذَبْذَبِينَ بَينَ الكُفَّارِ وَالمُؤمِنِينَ غَيرَ أَنَّهُم يُبغِضُونَ المُؤمِنِينَ وَيَتَوَلَّونَ الكَافِرينَ، وَأَنَّهُم يَأَخُذُونَ مِن الدِّينِ مَا سَهُلَ عَلَيهِمْ، وَرَاقَ لِأنْفُسِهِمْ، وَيَتَقَاعَسُونَ عَن تَنْفِيذِ مَا يَظُنُّونَ أنَّهُ شَاقٌّ عَلَيهِم! وَإذَا أَرَادُوا قِيَامًا بِعِبَادَةٍ فَكَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى المَوتِ فَيُؤَدُّونَها بِكَسَلٍ وَتَثَاقُلٍ! (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142].

قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- ما مفادُهُ: مِنْ صِفَاتِ المُنافِقِينَ أَنَّهم إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاة، التي هِيَ أَكْبَرُ الطَّاعَاتِ العَمَلِيَّةِ، يَقُومُونَ مُتَثَاقِلِينَ لَهَا مُتَبَرِّمِينَ مِنْ فِعْلِها، قَد فَقَدُوا الرَّغْبَةَ مِنْ قُلُوبِهِم، فَالذي انْطَوَتْ عَليهِ سَرِائِرُهُم مُرَاءَاةُ النَّاسِ، فَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا؛ فَإنَّ ذِكْرَ اللهِ -تعالى- وَمُلازَمَتَهُ لا يَكُونُ إلَّا مِمَّنْ امْتَلأ قَلْبُهُ بِمَحَبَّةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهم يَقُولُونَ مَالا يَفْعَلُونَ، يَلْوونَ ألسِنَتهُمْ بِالكلامِ المَعْسُولِ بَينَمَا يُضْمِرونَ الحِقْدَ الدَّفِينَ، وَالمَكْرَ الكُبَّارِ، قُلُوبُهُم قَاسِيَةٌ، وَعُقُولُهم قَاصِرَةٌ، لا يَنْطَلِقُونَ مِنْ مُثُلٍ عُلْيا، ولا يَعتَرِفُونَ بِقِيَمٍ نَبِيلَةٍ، إنَّما مَصَالِحُهُمْ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ! فُصَحَاءُ اللِّسانِ، شُجْعَانٌ فِي السِّلْمِ، فَإذَا جَدَّ الجِدّ تَرَاهُمْ: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) [المدثر:51].

نَعَمْ -واللهِ- يا مُؤمِنُونَ: إنَّ ألْسِنَتَهُمْ بَذِيئَةٌ، وَأَيدِيَهُمْ طَوِيلَةٌ، وَنَوَاصِيَهُمْ خَاطِئَةٌ؛ قُلُوبهُمْ خَواءٌ، وَهَواءٌ، فَهُمْ: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) [المنافقون:4].

يَخدِمُونَ الكُفَّارَ، وَيَتَعَاقَدُونَ مَعَهُمْ فِي الخَفاءِ، وَيَتَجَسَّسُونَ لَهُم ضِدَّ المُؤمِنِينَ، وَمَا أَخبارُ بَعضِ السَّفَاراتِ، ولا مَحَطَّاتِ الإذاعاتِ عَنْكُمْ بِبَعِيدٍ!.

مَا أَحْلَمَكَ يَا اللهُ على مَنْ عَادَاكَ وَخَادَعَكَ! وَقَدْ قُلْتَ قَولاً كَرِيماً عَظِيمًا: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:30].

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا صَادِقًا، وَلِسَانَاً ذَاكِرَاً، وَعَملاً مُتَقَبَّلاً، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَأستَغْفِرُ اللهَ فاستَغْفِرُوهُ؛ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ جَعَلَ لَنا فِي حَادِثَاتِ الَّليَالِيِ وَالأَيَّامِ مَوطِنًا لِلتَّفَكُّرِ والاعْتِبَارِ، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور:40].

وَلَمَّا حَكَى اللهُ حَالَ المُنافِقِينَ بَيَّنَ أنَّهُم لَكَاذِبُونَ، وَأنَّهُم سَيُوَلُّونَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ، وأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، وَلَا يَعْقِلُونَ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

نَشهَدُ أَلَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ الْمَلِكُ العَدْلُ العَظِيمُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأمِينُ، صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَاركَ عليهِ وعلى جَميعِ الآلِ والأصْحَابِ والتَّابِعينَ، وَمَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

أمَّا بَعَدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

رَحِمَ اللهُ الإمَامَ الشَّافِعيَّ فَقدْ قَالَ:    

جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ

وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي

وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْداً وَلَكِنْ

عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي

في الأَزَمَاتِ تَتَمايَزُ الصُّفُوفُ، وَيُمَحِّص اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ويُخْرِجُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِ المُنَافِقِينَ مِنْ أَضْغَانٍ وَأحقَادٍ.

أيُّها المُؤمِنُونَ: عَجِيبٌ حَالَ المُنافِقِينَ! لَقَدْ ازْدَادَتْ عَدَاوَاتُهُمْ، وَسَخَّروا كُلَّ إِمْكَانِيَّاتِ عَصْرِنا لِهَدْمِ الإسْلامِ وَتَقْويِضِ أَرْكَانِهِ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) [الصف:8].

لَقَدْ جُنَّ جُنُونُهُمْ وَهُم يَرَونَ عُلُوَّ الدِينِ وَسَعَةَ وَسُرْعَةَ انْتِشَارِهِ وَكَثْرَة الدَّاخِلِينَ فِيهِ، رَغْمَ قِلِّةِ إمْكَانِيَّاتِ المُسْلِمينَ وإلصَاقِ كُلِّ التُّهَمِ فِيهمْ، وَرَغْمَ كُلّ مَكْرٍ كُبَّارِ يُكادُ لِأهلِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ.

نَحْنُ مُؤمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأنَّ دِينَ اللهِ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، مُؤمِنُونَ بِقَولِ رَسُولِ الهُدى -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبِرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ إِمَّا بِعِزِّ عَزِيزٍ وَإِمَّا بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَإسنَادُهُ صَحِيحُ.

إنَّ المُنَافِقِينَ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ، يُخَذِّلُونَ المُؤْمِنِينَ عَنِ الجَهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِذَا اشْتَرَكُوا مَعَهُمْ ظَاهِرًا أَحَدَثُوا فِي صُفُوفِهِم خَلَلاً وَاضْطِرَابًا، يَيأَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَيَنْقَطِعُ أَمَلُهُم فِي نَصْرِهِ، يَستَغِلُّونَ الفُرَصَ لِإثَارَةِ الشُّبُهَاتِ لِيُزَعْزِعُوا الأمْنَ والإيمَانَ، يَسْعَونَ للإفْسَاد بِتَيْسِيرِ سُبُلِهِ وَدَعْمِ وَإبرَازِ الفَاسِدِينَ من أمْثَالِهِمْ، أَبلَغُ وَصْفٍ لَهُم مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة:67-68].

إخْواني: افتَحُوا قُلُوبَكُمْ وَأسْمَاعَكُمْ لِما ذَكَرَهُ العَالِمُ الرَّبَّانِيُّ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْهُم، يَقُولُ: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ اشْتَرَكُوا فِي النِّفَاقِ، فَاشْتَرَكُوا فِي تَوَلِّي بَعضِهِم بَعْضًا، وَفِي هَذا قَطْعٌ لِلمُؤمِنينَ مِنَ وَلايَتِهِم. وَوَصْفُهُمُ الذي لا يَخرَجُ مِنهُ صَغِيرُهُم وَلا كَبِيرهُم أَنَّهُم يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَهُوَ الكُفْرُ والفُسُوقُ وَالعِصْيَانُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَهُو الإيمانُ والأَخْلاقُ الفُاضِلَةُ  والأَعمالُ الصَّالِحَةُ والآدَابُ الحَسَنَةُ، وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْ الصَّدَقَةِ وَطُرُقِ الإحْسَانِ، فَلَنْ يُوَفِّقَهُمُ اللهُ لِخَيرٍ، وَلنْ يُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ، بَلْ يَترُكُهُم فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فَقَدْ حَصَرَ الفِسْقَ فِيهم، لِأنَّ فِسقَهُم أَعْظَمُ مِنْ فِسْقِ غَيرِهِم، وَأَنَّ المُؤمِنينَ قَدْ ابْتُلُوا بِهِم، إذْ كَانُوا بَينَ أَظهُرِهِم، والاحْتِرَازُ مِنْهُم شَدِيدٌ. وَقَدْ جَمَعَ  اللهُ المُنَافِقِينَ وَالكُفَّارَ فِي النَّارِ والَّلعنَةِ وَالخُلُودِ فِيها، لاجْتِمَاعِهِم فِي الدُّنيا عَلى الكُفْرِ، وَمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. اهـ.

عِبَادَ اللهِ: أتُرِيدُونَ شَاهِدًا عَيَانًا بَيَانًا؟ تَأمَّلُوا حَالَ بَعْضِ الكُتَّابِ والمُقَدِّمِينَ والمُغَرِّدِينَ: إذَا كَانَ هُناكَ خَطَأٌ بَشَرِيٌّ مِن أَيِّ شَخْصِيَّةٍ دِينِيَّةٍ، أو مُؤسَّسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَلَو كَانَتْ حُكُومِيَّة، كَيفَ يكُونُ الَّلمْزُ والهَمْزُ والتَّشَفِّي وَمُحَاوَلَةُ الوَقِيعَةِ بِأهلِها؟ بَلْ الأمْرُ أعظَمُ مِنْ ذَلِكَ: تَأمَّلوا حالَ المُنافِقِينَ إذَا كَانَتْ هُناكَ نَجَاحَاتٌ لأعمَالٍ دِينِيَّةٍ كَيفَ يَسْعَونَ لِتَقْزِيمِهَا أو تَهمِيشِها؟! وَفَوقَ هذا وَذَاكَ: إنْ حَصَلتْ كَارِثَةٌ عَلى أيِّ مَشْرُوعٍ إسلامِيٍّ، كَيفَ يَرْقُصُونَ طَرَبًا، وَيَتَشَفّونَ جَهَارًا، وَيَكْتُبُونَ وَيَنْطِقُونَ سَفَهًا، ويَخْرُجُ مَكنُونُ صُدُورِهِمْ، وَنَتَنُ أقلامِهِمْ!.

إخْوانِي: لا تَنْزَعِجوا! فَقَدْ يَتَظَاهَرُ بَعضُهُمْ بِالإسْلامِ، وَأَسمَاؤُهُمْ إِسْلامِيَّةٌ، ولَكِنَّ قُلُوبَهُمْ هُناكَ إلى البيتِ الأسْوَدِ، وَعِنْدَ مَلالِي إيرانَ! يَظُنُّ المُنَافِقُونَ أنَّ أمْرَ الدِّينِ مَرْبُوطٌ بِأشْخَاصٍ أو دُولٍ أو جَمَاعَاتٍ أو تَيَّاراتٍ وَأحزابٍ، كلا وَربِّي! فَدِينُ اللهِ مَنْصُورٌ، وَعَدُوُّهُ مَقْهُورٌ، وَهُوَ وَلُودٌ مِعْطَاءٌ، حَيٌّ نَقِيٌّ، وَلَو كَانَ مُعَلَّقًا بِأحَدٍ لَزَالَ بِزَوالِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران:144].

فَالمُنَافِقُونَ يُخطِئُونَ في التَّقْدِيرَاتِ كَثِيرًا؛ لِأَنَّ اللهَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِهم وَعَلى سَمْعِهِم، وَجَعَلَ عَلى أبْصَارِهِم غِشَاوَةً.

كَفَى اللهُ المُسْلِمِينَ شُرُورَهَمْ وَرَدَّ كَيدَهُمْ في نُحُورِهِمْ، وَمَلأ اللهُ قُبُورَهُم وَبُيُوتَهُم وَبُطُونَهَمْ نَارًا.

اللهمَّ اهدنا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى، وزيِّنا بِزِينَةِ الإيمانِ والتَّقوى، واجعلنا هداةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِينَ ولا مُضلينَ.

اللهمَّ وفِّق وسَدِّد الآمرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكرِ وَقَوِّ عَزائِمَهم واهدِهم سُبلَ السَّلام، واكفِهم شَرَّ الِّلئامِ، اللهمَّ من أرادَ بهم سوءاً، فَأخرس لِسانَهُ وشُلَّ أركانَهُ وأذهب عقلَهُ، واجعله للنَّاس آيةً.

اللهمَّ وفِّق وُلاةَ أُمورِنا لِمَا تُحبُّ وَتَرضى، وأَعنهُم على البِرِّ والتَّقوى، وأصلح لهم البِطانَةِ ووفِّقهم وأعنهم على أداء الأمانةِ.

اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحن عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.