البحث

عبارات مقترحة:

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

إسعاف الكلم بعلاج الهم والغم

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الهموم والغموم من طبيعة الحياة الدنيا .
  2. الإيمان الصحيح سبب للحياة الطيبة .
  3. معرفة حقارة الدنيا وزوالها وفنائها .
  4. سبل علاج الهم والغم .
  5. أهمية الاستخارة والاستشارة. .

اقتباس

الإيمان الصحيح سبب للحياة الطيبة والراحة النفسية، ولهذا ترى كثيرًا من الكفار وضعفاء الإيمان يصابون بالانهيار، أو يُقْدمون على الانتحار للتخلص من الكآبة والحبوط واليأس والقنوط، فكم ملئت المستشفيات من أمراض الانهيارات العصبية والصدمات النفسية والاختلاطات العقلية..

الخطبة الأولى:

الحمد لله كاشف الغموم ومزيل الهموم، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أفضل من أنزل عليه الكتاب؛ صلى الله عليه وآله وأصحابه عدد الكواكب والنجوم وما تلاحمت الغيوم.

أما بعد: فيا عباد الله -جل في علاه- تسابقوا إلى ما فيه رضاه، واستعدوا ليوم لقائه، فمن توكل على الله كفاه، ومن لاذ به حماه، ومن اتقاه وقاه، ومن اهتدى بهداه هداه.

إخوة الإسلام: أمة سيد الأنام، إن من طبيعة الحياة الدنيا الهموم والغموم، وملازمة ذلك لكل شخص تعتريه وتصيبه في كل زمان ومكان؛ فالدنيا دار ممر لا دار مقر، ودار ابتلاء لا دار بقاء، ودار داء وشدة وعناء.

وهذا مما مُيزت به دار البقاء؛ فقد سلمت من الهموم والنصب والغموم، لا يمسهم حزن ولا كدر، لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين.

أما الحياة فطبيعتها المعاناة، وسبيلها المقاساة، يواجهها الإنسان في ظروفه وفي جميع أحواله كما قال سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 4]، وكما قال سبحانه: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) [الانشقاق: 19]، فالحياة لا تدوم على حال ودوام الحال من المحال، ومن يعش في الدنيا فلا بد أن يرى من العيش ما يصفو وما يتكدر.

ثمانية تجري على المرء دائمًا

ولا بد أن المرء يلقى الثمانية

 شرور وحزن واجتماع وفرقة

ويسر وعسر ثم سقم وعافية

فالمرء حزين على ما مضى، مهموم فيما يستقبل، مغموم في الحال، ومن الفوائد القيمة من ابن القيم: "القلوب تتفاوت في الهم والغم كثرةً واستمرارًا بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان، فهي على قلبين: قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم".

ثم اعلموا يا عباد الله أن لكل داء دواء، ولكل مرض شفاء، فالهموم والغموم وكشف الكروب وستر العيوب لها دواء وعلاج وسلاح وهَّاج، فأول ما يُذكر في السِّيَر والمنهاج: الإيمان والعقيدة والتمسك بغرس الإسلام وحقوقه العظام (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) [الأنعام: 125]، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر: 22].

فالإيمان الصحيح سبب للحياة الطيبة، والراحة النفسية (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

ولهذا ترى كثيرًا من الكفار وضعفاء الإيمان يصابون بالانهيار، أو يُقْدمون على الانتحار للتخلص من الكآبة والحبوط واليأس والقنوط، فكم ملئت المستشفيات من أمراض الانهيارات العصبية والصدمات النفسية والاختلاطات العقلية.

أما من شرح الله صدره وآمن بربه وعرف حكمته وعلمه، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ومن أخطأه لم يكن ليصيبه، فآمن بقضاء الله وقدره فهو على نور من ربه.

وثانيًا -عباد الله- النظر فيما يحصل للمسلم بسبب الهم والغم من تكفير الذنوب وتمحيص القلوب، ففي البخاري عن الرسول الهادي: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"؛ فليعلم المهموم عظيم الأجر فيصبر ويحتسب.

وثالثا: معرفة حقارة الدنيا وزوالها وفنائها واضمحلالها؛ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن أعطت يسيرًا منعت كبيرًا.

والمؤمن بها محبوس فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فهي دار نصب وعناء وتعب وداء، ولذلك -إخوة الإيمان- المؤمن إذا فارقها استراح واطمئن وارتاح، فعن أبي قتادة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مر على جنازة فقال: "مستريح ومستراح"، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح؟ قال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب".

فإذا أدرك المرء هذا المعنى وعرف حقيقة الدنيا هان عليه كثير من المصائب والآلام والنكد والهم والأسقام، فالراحة في الحقيقة راحة الطاعة والعبادة، أما الدنيا فدار المصيبة والرزية. سئل الإمام أحمد -رحمه الله-: متى يرتاح العبد؟ قال: "إذا وضع أول خطوة في الجنة ارتاح".

والرابع من الأسباب -وفقني الله وإياكم لسنة الكتاب- أن يجعل العبد الآخرة همّه، فيفكر في مآله مبتدأ في أول انتقاله إلى مسكنه وقبره إلى النهاية: النار أو الجنة، فروى الترمذي في جامعه عن أنس مرفوعًا: "ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع الله له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق الله عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له".

والخامس من الأسباب: دعاء رب الأرباب فهو العلاج النافع والسلاح الناجع هو وقاية وعلاج، والوقاية خير من العلاج، والدفع أسهل من الرفع بأن يعيذه من الهم ويجيره من الهم، جاء في البخاري قول أنس "كنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكنت أسمعه كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال".

أما العلاج بعد الوقوع فالدعاء والخضوع، ومن الأدعية المأثورة والتحرزات المشهورة مما ينبغي حفظه وترداده ما رواه أحمد في مسنده: "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك.." الحديث.

وسادسا: عباد الله كثرة الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعند الترمذي في جامعه وأحمد في مسنده قال أُبَيّ: "إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟" قال: "ما شئت" قلت: "الربع"؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير لك"، فما زال يزداد حتى قال: "أجعل لك صلاتي كلها؟" قال "إذاً تُكفى همك ويُغفر ذنبك".

والسابع عباد الله: صدق التوكل على الله، وتفويض الأمور إليه، وتحقيق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويعلم العبد علم اليقين أنه سبحانه المتفرد بالاختيار والتدبير وهو الحكيم الخبير (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

والثامن من العلاج وسبب للأنس والابتهاج: ذِكْر الرحيم الرحمن في كل زمان ومكان والاشتغال به لاسيما في أماكنه المخصوصة وأوقاته المحدودة؛ كأذكار المساء والصباح وأدبار الصلوات المكتوبات، والنوم والاستيقاظ، والدخول والخروج، فقل موطن إلا له ذِكْر فيه.

فالذكر تأثيره عجيب، وسره غريب في زوال الهموم والغموم، وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وهو يطرد الشيطان لاسيما لفظة الشهادة فهي سبيل الفوز والسعادة.

والتاسع إخوة الإسلام: تلكم الصلاة (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 45] فهي الصلة القوية والرابطة الزكية بين العبد وبين ربه وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وكان عليه الصلاة والسلام يفزع عند الأمور المهمات وشدة الحاجات والحوادث والكربات.

فانظر إلى سبيل المثال صلاة الكسوف والاستسقاء والاستخارة، ولما بلغ ابن عباس وهو في الطريق موت أخيه نزل على جانب الطريق وصلى وتلا قول المولى: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) [البقرة: 45] وقال لرسوله (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].

والعاشر: الاستغفار من الذنوب والأوزار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10- 12].

وقال سبحانه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3]، فأكثروا من الاستغفار، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا؛ فهو سبب لتفريج الكروب وتكفير الذنوب وستر العيوب.

وكذا مما يسلي المصائب، ويهون المعائب، ويخفف الآلام، ويطمئن النفوس، ويورث اليقين، ويزرع الراحة ويبعث السكينة ما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عز و جل عليكم".

فإذا جعل العبد نصب عينيه هذا الملحظ رأى نفسه يفوق كثيرًا من الخلق في الصحة والعافية في المال والذرية، ونحو ذلك من أمور الدين والدنيا، فعند ذلك يزول قلقه، ويذهب همه ويخف غمه ويزداد شروره وينشرح صدره ويكثر حمده وشكره على كثير مما فاق فيه غيره، ومما هو دونه فيها، فإذا تأمل العاقل ذلك وجد كل نعمة هو متلبس بها هناك من هو أدنى منها.

ومن يطلب الأعلى من العيش

لم يزل حزينا على الدنيا رهين غبونها

إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن

على حالة إلا رضيت بدونها

وقد ينظر الإنسان إلى من هو دونه في بعض الشئون فيجد من هو فوقه في شؤون أخرى، فرب أشعث أغبر إذا تكلم لم يُسمع له، وإذا خطب لم يُنكح، ولا يُعرف حاضرا ولا يُفتقد غائبا، وهو الأسد في شجاعته والعباب الخضم في علمه وسخائه، والفيلسوف في تجاربه وخبرته، والصديق في دينه وأمانته، ولو أقسم على الله لأبره.

ولعل بصرك إذا نظرت إلى من دونك يقع على مثل هذا، فتعلم أن في الزوايا خفايا وفي البرايا بقايا.

ومن رضي بما عليه استراح، ومن عناء الهموم والأحزان ارتاح، وإلا تفعل فانصب لنفسك الآمال الكاذبة والتمنيات المهلكة فتتحسر وتتزجر، فلا تطمع ولا تهلع ولا تحزن ولا تجزع فيما لا وصول إليه ولا تحتقر من فضلك الله عليه، واعلم أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه العالم بأحوال خلقه، الحكيم في أفعاله؛ يعز ويذل، يرفع ويضع، يعطي ويمنع، وهو الذي أغنى وأقنى وهو الذي أضحك وأبكى وما هذه الدنيا بدار إقامة وما هي إلا كالطريق إلى الوطن، وإن ترضى بالمقسوم عشت منعمًا وإن لم تكن ترضى به عشت في حزن.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله جل في علاه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رفعه مولاه.

معشر الإخوان: ومن العلاج والسراج الوهاج ما في مسند ومسلم بن الحجاج من حديث أبي هريرة: "لا يفرك مؤمنة إن كره منها خُلقا رضي منها خُلقا آخر"، إن هذا الهدي النبوي والمنهج التربوي وإن كان لفظه موجها للرجل نحو امرأته إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهو قاعدة عامة وتربية نافعة فمن فوائده زوال الهم والقلق وإزاحة الغم والأرق، وبقاء الطهر والصفاء، واستمرار الحب والوفاء وحصول الراحة والطمأنينة والسكون والألفة، ومن نهج غير هذا المنهج وسلك غير هذا المخرج فعكس القضية ولحظ المساوي وعمي عن المحاسن فقد أتعب نفسه وجلب لها الهم والغم وتكدرت حاله وتنغصت معيشته وتفرق شمله وتزعزت عشرته وتفككت أسرته ولم يدرك إلا ما كتب له.

واعلم أخي الحبيب والفاضل اللبيب أنك لن تجد فيما تحب كائنًا من كان ما تكره من زوجة وولد وعمل وتجارة وصديق ورفيق فتغاضى عما تكره وتحمل ما يسوء لما تحب فتدوم المودة وتستمر المحبة وتنبعث الطمأنينة ويذهب الهم والغم.

أيها المسلمون والثالث عشر من الدواء والعلاج والشفاء أن يعلم المهموم والمغموم أن بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وبعد الصبر مخرجًا؛ فليحسن المرء ظنه بربه ويثق به، وأنه كلما استحكمت المضائق، وازداد الكرب مع مرور الدقائق قرب الفرج ودنا المخرج (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2] (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

والرابع عشر -جعلني الله وإياكم من خير معشر- أن يقف المرء وقفة سريعة وبرهة يسيرة فيشعر نفسه أن العمر قصير، وأن الزمان يسير، وأن الوقت غالٍ نفيس فلا يشغل حياته بالهم وسفاسف الأمور ويسترسل مع الأفكار وينجرف مع الأقدار فعليه أن يرفع نفسه ويجعل يومه خيرًا من أمسه، ويغتنم فرصة عمره استعدادا لقبره ورمسه.

وخامس عشر عباد الله وهي ختام مسكها بحمد الله "ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين"، فإذا ألمت بالمرء المصيبة ونزلت به رزية أفضى إلى أخ صديق وحبيب رفيق يكتم السر ويعقل الأمر صاحب تأنٍ وتريث ذي عقل نافع يدرك المضار والمنافع فيفضي إليه حديثه ويشاوره في أمره ويبدي همه وغمه، فعند ذلك بإذن الحي القيوم تزول الهموم وتنكشف الغموم.

وخذ مثالا سريعا وألقِ له قلبا وسمعا واعيا فقد شكى أصحاب رسول الله ما يلقون من التعذيب والنبي –صلى الله عليه وسلم- متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقالوا: "ألا تنتصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟" فقال بأبي وأمي تلك الكلمات النيرات وبلسم للقربات سكنت حرارة الألم وأصبحت نبراسا ونورا وطريقا مضيئا "كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق به اثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه"، ثم قال مسليًا: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" رواه البخاري.

ونموذج آخر في التابعين -رحمني الله وإياكم والمسلمين- يقول الزبير بن عدي "شكونا إلى أنس ما نلقى من الحجاج، فقال: اصبروا؛ فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعد شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم".

وهكذا في سلسلة المشاورات والآراء السديدات، فمشاورة ذي العقل الراجح والرأي السديد والفهم الثاقب مما تزيد قوة وعزيمة وشدة وصلابة وتهون عندها المصائب وتخف المعائب.

فنسأل الله الكريم الوهاب مسبب الأسباب ومجري السحاب وهازم الأحزاب أن يعافينا من الهموم ويفرج عنا الغموم، ويذهب الكروب ويستر العيوب.