البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

فضل الاستغفار

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كل بني آدم خطاء .
  2. أهمية الاستغفار .
  3. مواضع الاستغفار.
  4. أفضل صيغ الاستغفار .
  5. آثار الاستغفار وفوائده .
  6. وسائل زوال موجب الذنوب. .

اقتباس

وأما تأثير الاستغفار في دَفْع الهمّ والغم والضيق، فَلِمَا اشترك في العلم به أهلُ الملل وعقلاءُ كلِّ أمة أن المعاصيَ والفسادَ توجب الهم، والغم، والخوف، والحزن، وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمتها نفوسهم، ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم...

الخطبة الأولى:

المرء في ليله ونهاره مُعَرَّض لاقتراف الذنوب والمعاصي، فالشيطان يسعى سعيًا حثيثًا لغواية الإنسان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال إبليس: وعزتَكَ يا رب! لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسامهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"(رواه أحمد).

والاستغفار ماحٍ للذنوب والمعاصي، قال الله -عز وجل- (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النِّسَاء: 110].

والاستغفار من صفات الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام-، لما أحس آدم وحواء بالذنب: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعرَاف: 23]، وإبراهيم -عليه السلام- يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)[إبراهيم: 41].

وقال موسى -عليه السلام-: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)[إبراهيم:41]، وقال نوح -عليه السلام-: (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[هُود: 47].

وقال الله عن داوود -عليه السلام-: (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)[ص: 24]، وقال سليمان -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي)[ص: 35]، وقال الله لصفوة خلقه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[محَمَّد: 19].

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في المجلس الواحد: "رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم، مائة مرة"(رواه أبو داود)، وعند البخاري "سبعين مرة".

ولأهمية الاستغفار كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في مقدمة خطبته: "الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا"(رواه ابن ماجه).

والاستغفار مشروع في كل وقت وحين، وهناك أوقات وأحوال مخصوصة فيها مزيد فضل وثواب، فيشرع بعد الفراغ من العبادات -كبعد الصلوات الخمس-، وفي وقت السَّحر لأنه وقت الغفلة عن العبادة وغلبة النوم، كما في قوله -تعالى-: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذّاريَات: 18].

 وقال -سبحانه-: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)[آل عِمرَان: 17]، ويشرع في الثلث الأخير من الليل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"(متفق عليه).

وبعد الإفاضة من عرفة والفراغ من الوقوف بها (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البَقَرَة: 199].

وفي ختام المجلس يشرع أيضًا: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، أستغفرك، وأتوب إليك"(رواه أبو داود).

 وعند دنو الأجل يكثر العبد من الاستغفار، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه"، قالت قلت: يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: "جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النّصر: 1]، إلى آخر السورة"(رواه أحمد).

وورد الاستغفار في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن، أي يحقق قوله -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ)[النّصر: 3]"(متفق عليه).

وفي الجلوس بين السجدتين يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي.

والاستغفار في القنوت، والاستغفار بعد التشهد الأخير قبل السلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"(متفق عليه).

أو "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت"(متفق عليه).

ويستحب الاستغفار عقب الصلاة ثلاثًا.

وأفضل صيغ الاستغفار: سيد الاستغفار وهو جامع لمعاني التوبة كلِّها، وهو أن تقول: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمن قالها موقنًا بها حين يمسي ومات من ليلته، دخل الجنة"(رواه البخاري).

ومن صيغ الاستغفار عمومًا في الصلاة أو خارجها "اللهم اغفر لي"(متفق عليه)، و"أستغفر الله الذي لا إله الا هو وأتوب إليه، وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"(رواه أبو داود والترمذي).

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت اعلم به مني"(متفق عليه).

فاللهم اغفر لنا ما أسررنا، وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

للاستغفار أثر على الفرد والأمة، روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"(رواه أبو داود).

وهو دافع للهم والغم والضيق، لأن المعاصيَ توجب الهم والحزن، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما تأثير الاستغفار في دَفْع الهمّ والغم والضيق، فَلِمَا اشترك في العلم به أهلُ الملل وعقلاءُ كلِّ أمة أن المعاصيَ والفسادَ توجب الهم، والغم، والخوف، والحزن، وضيق الصدر، وأمراض القلب، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمتها نفوسهم، ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم".

والاستغفار بإذن الله يفتح على المسلم ما أشكل من العلوم، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "إنه ليقف على خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله ألف مرة، أو أكثر، أو أقل، حتى ينشرح الصدر، وينجليَ إشكالُ ما أشكل".

وأثرها على الأمة في قوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفَال: 33]، وقال نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)[نُوح: 10]، وخرج عمرُ الفاروق -رضي الله عنه- يستسقي فما زاد على الاستغفار.

وهو جالبٌ للرحمة، قال -تعالى-: (لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النَّمل: 46].

وأربعٌ تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار وآخرُه.

وقال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "كان لنا أمانان؛ ذَهبَ أحدهما وهو كون النبي -صلى الله عليه وسلم- فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا".

والاستغفار لا بد أن يكون باللسان وعمل الجوارح، فمحو الذنب وستر العيب مع الاستمرار في السيئة لا يُجْدِي قال الفضيل -رحمه الله-: "استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين".

فعلى المسلم أن يكون طالبًا لمغفرة مولاه مهما كبر الذنب أو صَغُر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عِمرَان: 135]، إلى آخر الآية).(رواه أصحاب السنن).

فأكثر من الاستغفار، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والذنوب يزول موجبها بأشياء: أحدها بالتوبة، وثانيها بكثرة الاستغفار، وثالثها بالأعمال الصالحة المكفرة.

غفر الله ذنوبنا، وستر عيوبنا.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.