الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
إن من مقتضيات الحديث الشريف: أن فقدان أحد أصول النعم المذكورة في الحديث، يعني فقدان قطعة كبيرة من الدنيا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في فضل تلك النعم: "فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" كلها. فقدان أحد أصول النعم المذكورة، يعني فقدان الهناء والراحة والسعادة الحسية، فبينما يرقب الإنسان صفقة كبيرة تزيد في ثرائه، يفكر فيها، ويمسى ويصبح على ذكرها، واللهث وراء تحقيقها، أو يرقب مركزا رفيعا، آخذا بشغاف قلبه، بينما هو...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن المؤمن دون غيره من الناس يقدر على جلب السعادة إلى قلبه بمجرد أن يستشعر النعمة التي يعيشها، مهما كانت هذه النعمة في نظر الإنسان صغيرة أم كبيرة.
إذا تصور نعمة الله عليه، إذا استشعرها؛انقلب غمه فرحا، وهمه اطمئنانا، وانقلب شرره وطمعه قناعة ورضا وسعادة.
والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يؤكد على هذه الخاصية للمؤمن؛ فعن سلمة بن عبيد الله بن محضن الخطمي عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها"[حديث حسن أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن].
جمعت له الدنيا بكل ما فيها، واعطيت له، حيزت له الدنيا بحذافيرها.
معاشر الإخوة: إن الكثيرين إذا سمعوا هذا الحديث تأثروا، وهزوا رؤوسهم، وأظهروا التأييد، والحمد لله، ولكن هذا التأثر يبقى في النهاية بعيداً عن واقعهم، فلا يفيض عن نفوسهم القناعة، ولا على قلوبهم السعادة الدائمة والرضا، لماذا؟
ربما بسبب نقص الإيمان، ربما بحسب فهمهم للحديث، وربما غير ذلك.
الحاصل أننا نريد الكلام اليوم -إن شاء الله- حول معنى الحديث، وإحياء مقتضياته: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" هكذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إن مما يريد بيانه عليه الصلاة والسلام في الحديث: التذكير بنعم اعتاد على وفرتها أكثر الناس؛ حتى أصبحوا لا يكادون يشعرون بقيمتها، فهي كما يقال: أهون موجود، وأعز مفقود.
الأمن والمسكن والصحة والعافية، والطعام والشراب، هذه النعم التي تضمنها حديثه صلى الله عليه وسلم، هي أصول النعم التي لا يمكن أن يهنأ عيش الإنسان إلا بها.
ولذلك قال بعض الحكماء لما سئل: ما النعيم؟ قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا عيش له، قال: زدنا؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا عيش له، يعني حتى لو كان غنيا، قال: زدنا؟ قال: العافية، فإني رأيت المريض لا عيش له، أي حتى لو كان آمنا.
هذه هي أصول النعم؛ ولأن هذه النعم الأساسية متوفرة عند معظم الناس على الدوام إلا قليلا، فإن حث الإنسان في ظل هذه الوفرة والديمومة، والإرث المستمر لهذه النعم، قد يتبلد، فلم يعد يشعر بها، ولا يستشعرها، ولا يشكر الله -تعالى- عليها، مع أنها تحيط به من كل جانب.
ولهذا جاء التقرير في القرآن: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
بل قد يتضجر الإنسان، ويسخط من حاله، ومما يرى من نقص في حياته، هكذا هي نظرته، حياته في عينه ناقصة؛ لأنه لا يستشعر هذه النعم التي يتقلب فيها ليل نهار، من أمن مستتب، ومأوى يسكن فيه وينام، وصحة وافرة، وطعام هنيء، وماء عذب بارد.
إنه لا يرى هذه النعم التي حيزت له، كأنما حيزت الدنيا كلها.
لأن عينه مركزة فيما وراءها، بل فيما وراءها عينه؛ رقب المزيد من المال، والمسكن الفخم، وأنواع الملابس الفاخرة، عينه ترقب الجاه والمنصب، وفضول الطعام والشراب، والمزيد من اللهو واللعب وسفر الزينة من بلد إلى آخر.
ووالله -يا معشر الإخوة-: من كانت عينه على هذا المنوال، فلا ولن تشبع نفسه أبداً، ولن ترى نعمة الله، حتى تفقد أصولها، إذا فقد شيء من أصولها فستشعر نفسه بهذه النعم.
إن من مقتضيات الحديث الشريف: أن فقدان أحد أصول النعم المذكورة في الحديث، يعني فقدان قطعة كبيرة من الدنيا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال في فضل تلك النعم: "فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" كلها.
فقدان أحد أصول النعم المذكورة، يعني فقدان الهناء والراحة والسعادة الحسية، فبينما يرقب الإنسان صفقة كبيرة تزيد في ثرائه، يفكر فيها، ويمسى ويصبح على ذكرها، واللهث وراء تحقيقها، أو يرقب مركزا رفيعا آخذا بشغاف قلبه، بينما هو كذلك يرقب حصول مأموله، لا يرى لحاله كمالا إلا بذلك المأمول، إذ به فجأة يفقد أصلا من أصول النعم.
ولنقل نعمة الصحة مثلا: هل سيبقى يا ترى قلبه معلق بتلك الصفقة أو بذلك المنصب؟ أم أنه سينساها، وسينصب همه كل همه على البحث عن أفضل وسيلة لاستعادة نعمة الصحة والعافية التي فقدها، ولم يكن يشعر بها.
ولذلك نجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه صباحا ومساءا هذه العافية في دينه ودنياه ونفسه وأهله وماله، وأمر أصحابه بذلك، فقد صح في السنن من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي".
هكذا كان الني -صلى الله عليه وسلم- يصبح ويمسي، يقول هذه الدعوات: "اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن خلفي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" يقولها النبي –صلى الله عليه وسلم- ليل نهار.
وفي الترمذي وغيره من حديث أنس بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" قال أنس: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
كما أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى اغتنام الصحة قبل المرض؛ ففي صحيح الترغيب والترهيب من حديث ابن عباس بسند جيد، قال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس" وذكر منها: "وصحتك قبل سقمك".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- كما في صحيح البخاري يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
زيارة واحدة إلى مستشفيات المسلمين بنية الزيارة والاعتبار، ورؤية ما ابتلي به إخواننا من الأمراض الخطيرة -عافانا الله وإياكم- التي يصعب على الطب الحديث علاج بعضها، يجعلنا نعرف قيمة هذه النعمة، ونحن ندعو الله -عز وجل- صباحا ومساءا عليها.
القوت، ومنه الماء نعمة تعدل الحياة، بل لو فقده الإنسان لزال طعمه في كل شيء إلا ذلك.
إن الإنسان إذا فقد الماء -أيها الإخوة- لم يرغب في شيء إلا الماء لوحده دون غيره.
ولذلك قال ابن السماك لهارون الرشيد: "أرأيت لو احتجت إلى شربة ماء في فلاة أكنت تبذل فيه نصف الملك؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو منعت خروجها أكنت تبذل فيها نصف الملك؟ قال: نعم، فقال ابن السماك: إن ملكا قيمته شربة ماء وبوله، لجدير أن لا ينافس فيه" شربة ماء واحدة!.
الماء، هو أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم؛ فعن أبي هريرة بإسناد جيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد؟".
فالقوت من ماء وطعام وصحة والعافية، هذه نعم أساسية ضرورية، لا مساواة فيها، ولا طعم للدنيا دونها.
أما الأمن، في قوله صلى الله عليه وسلم: "آمنا في سربه" أي في بيته وبين أهله، فهو نعمة تكرر ذكرها في القرآن: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67].
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش: 3- 4].
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النــور: 55].
الأمن ضروري للإنسان، حتى يتمكن من التمتع بباقي النعم، الأمن على الدين، وعلى النفس، وعلى العرض، وعلى المال، ولا يشعر بهذه النعمة على الحقيقة إلا من فقده، واسألوا إن شئتم من يعيشون في بيئة اختلال الأمن، اسألوا الذين عاصروا الحروب الطاحنة التي أهلكت الحرث والنسل، اسألوا الذين ينامون على أزيز الطائرات، وأصوات المدافع والانفجارات.
اسألوا الذين يضع الواحد منهم يده على قلبه ينتظر الموت في أي لحظة، هل يهنأ بنوم، أو يتلذذ بطعام أو شراب؟
أولئك الذين يعرفون نعمة الأمن حق المعرفة: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بما يغلب علينا نسيانه، يذكرنا بأصول النعم، وأن من أحس بها وهو مؤمن، فلا بد أن يستشعر عظمتها لدرجة كبيرة، بحيث يحس بأنه يملك الدنيا كلها، فلماذا يتأفف ويتسخط، من جمع الله بين عافية بدنه، وأمن قلبه، حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله؟ لماذا يتضجر، وقد جمع الله له جميع النعم الذي من ملك الدنيا لم يحصل على خيرا منها ولا أعلى منها؟!
كلنا ندور على هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وحولها، فينبغي على المؤمن إذاً أن لا يكفر تلك النعم، ولا يتجاهلها، بل ينبغي عليه أن لا يستقبل يومه إلا بشكرها، وأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصيته، وأن لا يفتر عن ذكره جل وعلا.
أيها الإخوة: إن القناعة إذا انطبعت في النفس، وغمر القلب المؤمن الرضا بقضاء الله، فكل من حصلت تلك النعم فقد حيزت له الدنيا، فكيف بمن اجتمع لديه أضعاف أضعاف ما ذكر في الحديث؟! كيف بمن اجتمع لديه فضول العيش، وفضول المال، وفضول المكانة والجاه، ثم بعد ذلك كله ينكر فضل الله عليه، ويزدري نعمته: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النحل: 83].
إن الواجب عليه أن يتواضع لله وللناس، ويعلم من أسدى عليه تلك النعم، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه، وأن ينسب الفضل لله وحده، وأن يزيد من شكره له.
أخرج مسلم في صحيحه: أن رجلا سأل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: "ألسنا من فقراء المهاجرين؟ -كأنما يريد التأكد من سرعة دخوله الجنة بمفهوم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة- فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما، قال: "فأنت من الملوك".
أيها الإخوة: إن المؤمن يقدر على جلب السعادة إلى قلبه بمجرد أن يستشعر النعمة التي يعيشها مهما كانت.
يقال: إن صديقين كانا يصطادان الأسماك، فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة، فوضعها في حقيبته، ونهض لينصرف، فسأله الآخر: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى البيت، فقد اصطدت سمكة كبيرة جدا، تكفيني وأهلي للعشاء، فقال له صديقه: انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي، فسأله: ولماذا أفعل ذلك؟ فرد صديقه: عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها، فسأله مرة أخرى: ولماذا أفعل ذلك؟ فقال: لكي تحصل على المزيد من المال، فسأله مرة أخرى: ولماذا أفعل ذلك؟ فقال: لأنه يمكنك أن تدخره، وتزيد من رصيدك في البنك، فسأله مرة أخرى أيضا: ولماذا أفعل ذلك؟ فرد صديقه: يا رجل لكي تصبح ثريا، فسأله، وقال: وماذا سأفعل بالثراء؟ فرد الصديق: تستطيع بعد ذلك عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك، فقال له: هذا هو بالضبط هو ما أفعله الآن، وإني لا أريد تأجيله أكثر من ذلك، ويضيع العمر!.
أسأل الله -تعالى- أن يغمر قلوبنا بالرضا، وأن يرزقنا الإيمان واليقين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من القيم الأخرى التي يمكن فهمها من الحديث: أن نعيم الدنيا يدور على تلك الأمور الثلاثة، أو الأربعة: أكل قليل، شرب قليل، نوم بعد نوم، وزوجة وعيال، كطيف يمر مر السحاب ثم يزول.
أما الجنة -أيها الإخوة-: فإن نعيمها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نعيم فوق الحواس المألوفة اليوم في الدنيا، نعيم مقيم لا نهاية له.
هذه هي الدنيا، وتلك هي الآخرة، فأيهما نقدم؟
أسأل الله لي ولكم من فضله، وأسأله أن يقنعنا بما رزقنا، وأن يغفر لنا خطئنا وهزلنا، وأن يحيي قلوبنا بذكره، وأن يعيننا على شكره وشكر نعمه، إنه سميع مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...