القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن أخطر شيء على العبد أن ينقلب قلبه، وينتكس فهمه فيرى سوء العمل حسنًا، ويرى الباطل حقًّا، والضلال هدًى، والخطأ صوابًا، وذلك بتزيين الشيطان أعماله السيئة، إن هذا هو أحط دركات الجهالة، وهو أشد أنواع الخذلان، وهو أفدح الخسران.. ويأتي هذا التزيين على شكل مبرراتٍ يسوقها الشيطان لضحاياه لتبرير أفعالهم؛ فالذي يزني، ويأتي الفواحش يزين له أنه يمارس حريته الشخصية، والذي يسرق ويختلس يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة، والذي يمارس الدكتاتورية، والقهر والظلم يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب، وتماسكه من الدعوات الطائفية والعرقية..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي زيَّن قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كُتِب ولا في أيّ الفريقين يُساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق..
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وبها نجاة العباد إلى يوم لقائه.. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه البشير النذير والسراج المنير الذي عم نوره الآفاق..
يا أجمل ما رأت قط عين | ويا أكمل ما ولدت النساء |
خلقت مبرَّأً من كل عيب | كأنك خلقت كما تشاء |
صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه إلي يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: لمَّا خلق اللهُ آدمَ -عليه السلام- أَمَرَ الملائكةَ بالسُّجود له فسجدوا جميعًا إلا إبليس أبى أن يسجد لآدم - عليه السلام - وقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: 12]؛ ففسق بذلك وكفر ولُعن وطُرد من رحمة الله؛ قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50]، قال سبحانه: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر: 34، 35].
فازداد بذلك حَسَدُه وحقده على آدم وذريَّته، فطلب من الله -تعالى- أن يُنْظره إلى يوم القيامة لا ليتوب، وإنما لينتقم من آدم وذُرِّيَّته، ويعمل على غوايتهم وفتنتهم وجعلهم من أتباعه وأعوانه؛ بل ومن عُبَّاده كذلك: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر: 36-38]..
وتَبَجَّحَ الشيطانُ في مخاطبة الرَّبِّ -تعالى- وأعلن خُطَّتَه القذرةَ دون أيّ خوف أو نظر في عاقبة ذلك (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 39، 40].. فقال الله له: (اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: 62-64].
وبدأت رحلة الصراع بين آدم وذريته والشيطان وأتباعه واستخدم إبليس طرق وأساليب وخطط كثيرة ومتعددة لإفساد آدم وذريته، وقد حذرنا الله من طاعة الشيطان فقال: (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27].
ولما كانت عداوة الشيطان للإنسان ظاهرة بينة أمرنا الله بالحذر منه، وإعلان الحرب عليه ونصب العداوة له فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].
وبيَّن الإسلام بمنهجه الرباني طرق مواجهة الشيطان والتخلص من وسوسته والنجاة من حبائله وشراكه، وكيفية الانتصار عليه في ميدان هذه الحياة، وذلك بالإيمان بالله وحسن عبادته والتزام أمره ونهيه واتباع رسله، والإخلاص له في جميع الأعمال، وطلب العلم والتفقه في الدين، وكان من وسائل الشيطان وخططه في إغواء بني آدم، وصدهم عن سبيل الله تزيين الأعمال لهم أحياناً بمخالفة أوامر الله، وتزيين المعاصي حتى يألفها ابن آدم ويعتادها وأحياناً بتقبيح الحسن، وتحسين القبيح من الأعمال والسلوكيات والأقوال والمعتقدات، وتارة بإيهام الإنسان أنه على الحق والصراط المستقيم، وما يقوم به من أعمال وتصرفات إنما هي عين الصواب وأقرب إلى الحق والخير.
ولو خالفت النصوص الشرعية والمصالح المعتبرة والقيم والأخلاق الحسنة، فيرتكب هذا الإنسان الكثير من الأعمال السيئة والموبقات المحرمة تحت هذه المظلة، ولا شك أنها من تزيين الشيطان.. قال -تعالى- على لسان إبليس: (قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر39-40].
أيها المؤمنون: عباد الله: إن أخطر شيء على العبد أن ينقلب قلبه، وينتكس فهمه فيرى سوء العمل حسنًا، ويرى الباطل حقًّا، والضلال هدًى، والخطأ صوابًا، وذلك بتزيين الشيطان أعماله السيئة، إن هذا هو أحط دركات الجهالة، وهو أشد أنواع الخذلان، وهو أفدح الخسران.. قال -تعالى-: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام 43].
ويأتي هذا التزيين على شكل مبرراتٍ يسوقها الشيطان لضحاياه لتبرير أفعالهم؛ فالذي يزني، ويأتي الفواحش يزين له أنه يمارس حريته الشخصية، والذي يسرق ويختلس يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة، والذي يعتدي على الدماء المعصومة دون وجهٍ حق يزين له أنه ينطلق من واجب شرعي ووطني، وربما جهادي وخدمة الإسلام والمسلمين، والذي يمارس الدكتاتورية، والقهر والظلم يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب، وتماسكه من الدعوات الطائفية والعرقية، وأن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك كما فعل فرعون، وهو يواجه موسى -عليه السلام- فقال مخاطباً قومه ومحذراً من موسى -عليه السلام-: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر: 26]، فقال الله -تعالى- (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) [غافر: 37].
وقد يقصر العبد في كثير من الطاعات والعبادات والفرائض، فيزين له الشيطان بأنه أحسن من غيره؛ فلم يسرق ولم يرتشِ ولم يشهد شهادة زور، وأن قلبه طيب؛ فيقعد عن العمل، ويتساهل في العبادة، ويألف المعصية، وقد يزين الشيطان الكثير من العادات غير الحسنة، والتي لم بأمر بها الشرع فيعمل بها الناس على أنها من الواجبات، ومن شيم الرجولة والقبائل، وكم حرم من حلال، وأحل من حرام، وكم زين الشيطان المصلحة والمنفعة الشخصية، وحب الذات على المصلحة العامة وحب الأوطان، وغير ذلك.
وكم من علماء وسياسيين وصحفيين، ومثقفين وأدباء وأصحاب الشهادات زين لهم الشيطان، سوء عملهم حتى رأوه حسناً، فكانوا معول هدم في مجتمعاتهم وأمتهم، ورضوا بأن يكونوا أتباع وموالين لأعداء الدين في الشرق والغرب على حساب الدين والثوابت والمقدسات .. وهكذا دواليك.
ومن العجيب أن أسلحة الشيطان في ذلك لا تخرج عن التأثير النفسي، وهو ما سماه الله بالوسوسة، وهي حديث النفس والكلام الخفي الذي لا يُسمع، وقد مكَّنه الله من مخاطبة النفس والإيحاء إليها، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه: 120].
عباد الله: وكما يزين الشيطان أعمال بني آدم أفراداً فإنه يزين أعمالهم وهم جماعات ودول وحضارات قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأَنعام: 42 – 43].
وقال الله -تعالى- على لسان هدهد سليمان في قصة ملكة سبأ (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النمل: 23-25]..
وقال سبحانه: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) [النحل: 63].. فيحدث بسبب ذلك ظلم وبغي وفساد في الأرض وسفك للدماء وتعدٍ للحقوق وقد يصل الأمر إلى الكفر والجحود وتتعطل العقول والأبصار، قال -تعالى-: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت: 38].
وقال -تعالى- عن كفار قريش يوم بدر، وقد أخرجهم الشيطان من بيوتهم في مكة لقتال محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ورأوا في عملهم ذلك مفخرة بين العرب ورد اعتبار مع أنهم هم من أخذوا أموال المسلمين، وتعرضوا لهم بالقتل والتعذيب والصد والتهجير، ولكن سرعان ما نكث بعهده وأوردهم المهالك قال -تعالى-: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48].
واليوم ما يمارس من ظلم وتقوم لأجله من حروب وصراعات دون هدف أو غاية بين المسلمين فدمرت أوطان وقتل الآلاف وشرد الملايين، وذهب الأمن وفسدت العلاقات، وكثرت الفتن، وظهرت تصرفات وأخلاق جاهلية ودعوات عصبية إنما هو ثمرة من ثمار تزيين الشيطان للأعمال السيئة والقبيحة، وإخراجها بصورة حسنة عند من ضعف إيمانه وفسدت أخلاقه، وقل علمه وطمست بصيرته..
فلا إله إلا الله كم وقف الشيطان في طريق ابن آدم حتى أخرجه عن الصراط المستقيم، فنال بسبب ذلك التعاسة والشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة.. اللهم زينا بزينة الإيمان..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن على المسلم أن يزن أعماله بميزان الشرع والحق والخير، متسلحاً بالإيمان بالله والعلم والفقه في الدين، وقد أرشد القرآن والنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يصرف عن المسلم كيد الشيطان وشره، ووسوسته وتزيينه للأعمال السيئة، فمن ذلك:
الإخلاص لله وصدق الإيمان وحسن العبودية: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:39-40]. وقال -تعالى-: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:42].
ومن ذلك محاسبة النفس وعدم التسويف في الأعمال والرجوع إلى الحق ومراقبة الله؛ فإن ذلك يقوي الإيمان ويجعل المسلم دائم الاتصال بربه مستعد للقائه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 18-19]، ومن ذلك الاستعادة بالله والاحتماء واللوذ بجنابه قال -تعالى- (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأعراف:200]، وقراءة القرآن بتدبر يدفع الشيطان وينفرها عن المسلم وبيته، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن البيت الذي تُقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان" (صحيح مسلم).
ومن ذلك ذكر الله -عز وجل-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" (صحيح البخاري ومسلم).
ومن ذلك الوضوء فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" (صحيح البخاري).
ولزوم الجماعة في الصلاة ونبذ الفرقة والخلاف والاعتصام بحبل الله، فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء أين مسكنك قلت في قرية دوين حمص، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية"، قال السائب: يعني بالجماعة الجماعة في الصلاة. (رواه النسائي 847، وأبو داود : 547)..
وعن معاذ بن جبل أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد" (رواه أحمد)..
وعن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: "يا أيها الناس ... عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" (رواه الترمذي ح2165).
عباد الله: جددوا إيمانكم، واعرفوا عدوكم الحقيقي، واحذروا طرقه وخطواته، وأتباعه، وثقوا بركم وأحسنوا الظن به، وكونوا عباد الله إخواناً تسعدوا في دنياكم وتفلحوا في آخرتكم، وتفوزوا برضا ربكم وجنته، وأن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب، وأن بعد العسر يسراً وبعد الشدة فرجاً، وهذه سنة الله لا تتبدل ولا تتغير..
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ما فسد من أحوالنا، وخذ بنواصينا إلى كل خير، فاللهم اجعل لنا من كل همّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا، ومن كل بلاء عافية...
اللهم احقن دمائنا واحفظ بلادنا وألف بين قلوبنا.. ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه..
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين وَنعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ.. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً..
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.