الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
والشعارُ الأعظمُ للحجِّ هو التَّلْبِية، التي تتضمَّنُ معانِيها إقرارَ المُسلمِ قلبًا وقالبًا، قولاً وفعلاً، بكمالِ التعظيم وتمامِ التَّذللِ لله - جل وعلا -، مع غاية الحبِّ له - سبحانه -، والانقطاعِ لعبادتِه، والتِزامِ أوامره، والتسليمِ التامِ لشرعه..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أولاً وآخرًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له في الآخرةِ والأُولى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُصطفى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِه وأصحابِه الأوفياء.
أما بعدُ .. فيا أيها المسلمون:
أوُصيكم ونفسي بتقوَى الله - جل وعلا -، وطاعتِه سرًّا وجهرًا، فهي السعادةُ الكُبرى، والنجاةُ العُظمى.
معاشرَ المسلمين: للعباداتِ في الإسلامِ غاياتٌ عُظمى، ومقاصِدُ كُبرى، وإنَّ فريضةَ الحجِّ قد جمَعَت من المقاصدِ أنبَلَها، ومن الأهدافِ أسماها، فالمقصدُ الأسنَى لحجِّ بيتِ اللهِ هو تحقيقُ التوحيد، والبراءةُ من الشرك؛ ففي سياقِ آياتِ الحجِّ يقولُ - سبحانه -: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحج: 31]، أي: مائِلونَ عن كلِ دينٍ زائغٍ، إلى الدينِ الحقِ، مُخلِصُون لله، مُتبرِّؤُون من كلِّ عبادةِ مَن سِواه.
إخوة الإسلام: مناسِكُ الحج تُعلِّمُ المُسلمَ أن يكونَ توجُّهُه في أقوالِه وأفعالِه ومسالكِه وتصرُّفاتِه، توجُّهًا كاملاً لله - سُبحانه -، ظاهرًا وباطنًا، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) [الحج: 34].
والشعارُ الأعظمُ للحجِّ هو التَّلْبِية، التي تتضمَّنُ معانِيها إقرارَ المُسلمِ قلبًا وقالبًا، قولاً وفعلاً، بكمالِ التعظيم وتمامِ التَّذللِ لله - جل وعلا -، مع غاية الحبِّ له - سبحانه -، والانقطاعِ لعبادتِه، والتِزامِ أوامره، والتسليمِ التامِ لشرعه.
قال عمرُ الفاروقُ - رضي الله عنه - حين قبَّل الحجَر: "والله إنِّي لأعلم أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُك ما قَبَّلتُك".
إنه التسليمُ لله - جل وعلا -، وهكذا تسيرُ رحلةُ الحجِّ، تغرِسُ في النفوسِ الإخلاصَ للهِ - سبحانه -، وطاعتَه ومحبتَه، وكمالَ الخشيةِ له، ورجاءِ ثوابِه.
فالحجُّ يجدِّدُ الإيمانَ في القلوب، ويَزيدُ التوحيدَ في النفوس، فالحاجَّ متوجِّهٌ لربِّه، لا يدعُو إلا إياه، ولا يسألُ أحدًا سِواه؛ لأنه مُوقِنٌ أنه لا يكشفُ ضَرًّا إلا اللهُ - جلَّ وعلا -، ولا يَدفع بلوىً إلا هو - سُبحانه -.
عباد الله:
إن عمادَ الحجِّ: التّفَرُّغُ لذكرِ اللهِ وتعظيمِه، والثناءِ عليه، والانكسارُ بين يديه، وإحضارُ التذلُّلِ له - سبحانه - عند كلِ منسَكٍ من مناسكِ الحجِّ، فيرجعُ الحاجُّ مُتوجِّهًا إلى ربهِ، مُستسلِمًا له، مُنقَادًا له في حياتِه كلِّها وتصرُّفاتِه جميعِها.
يقولُ ربُنا - جلَّ وعلا -: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) [البقرة: 198]، ويقولُ - سبحانه -: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 199]، ويقولُ سبحانه: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200].
ورسُولُنا - صلى الله عليه وسلم - المُعلِّمُ الأعظمُ للتّوحيد، يَقول: «أفضلُ الحجِّ: العجُّ والثَّجُّ»؛ حديثٌ حسنٌ عند أهل العلم.
والعَجُّ: هو رفعُ الصوت بالتكبير والتَّلبيةِ المُتضمِّنةِ لِكمالِ التوحيد.
ويقولُ - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: «إنما جُعِلَ الطوافُ بالبيتِ والسعيُ بينَ الصفا والمروةِ ورميُ الجمارِ لإقامةِ ذكرِ اللهِ» (صحَّحه الترمذيُّ، والحاكمُ ووافَقه الذهبيُّ).
معاشر المؤمنين:
إن الحجَّ شعارٌ عظيمٌ لتذكيرِ الأمةِ جميعًا بتعظيم حُرُماتِ الله، والاستِقامةِ على شَرعِه، واتِّباعِ منهجهِ، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
ولهذا فيا أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -! إنه لا نجاةَ لأمتِنا اليوم مما هي فيه من مِحَنٍ ومَصائبَ إلا حينما تستقرُّ هذه المبادئ في حياتِنا، ونسلُكُها في شؤُونِنا كلِّها، صفاءً في العقيدة، صوابًا في المنهج، حُسنَ طريقةٍ في السلوك، بذلك تحيَا الأمةُ عزيزةً مُهابةً، عاليةَ الجانب، رفيعةَ القدرِ، سعيدةَ الحال.
أمة الإسلام:
ومن شعائرِ الحج، فلتستلهِمُ الأمةُ أنَّ من أعظمِ المقاصدِ لشعائرِ الدين: تحقيق وحدةٍ إيمانيةٍ، وأُخُوَّةٍ إسلاميةٍ بين المسلمين جميعًا، شرقًا وغربًا، لا أُخوة لا تعرفُ مبدأً قوميًّا أو عِرقِيًّا أو إقليميًّا؛ بل أُخوةٌ تقوم على تحقيقِ مصالحِ الدينِ والدُّنيا على أحسنِ حال، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
يقول رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - مُذكِّرًا لكلِ واحدٍ من أبناءِ أمَّة الإسلام: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه» (متفقٌ عليه).
ومن هنا تعلمُ الأمة أن واقِعَها اليوم في بعض أبنائها لا يستقيمُ مع دينٍ، ولا يتَّفِقُ مع مبادئه؛ إذ كيف يُكَفِّرُ المسلمُ أخاه، كيف يسفكُ دمه، وينتَهِكُ عِرضَه، ويسرِقُ مالَه، والجميعُ يقول: لا إله إلا الله، محمدٌ رسولُ الله؟!
أفلا - يا أمة الإسلام - أفلا تَستجيبون للهِ ورسولِهِ؟! وتستَقيمُون على وَفقِ مبادئِه ومقاصِدِ شرعِه؟!
ليكُنْ الحجُّ مدرسةً تتهاوَى من خلالها مُخطَّطاتُ أعداءِ الإسلام؛ من تفريقِ هذه الأمة، وتوهِينِ شأنها، وتقطيعِ أوصَالها، وتفريقِ شملِها، وبَعثَرةِ صفِّها، كما هو اليوم، وبذلك حَصَلَ البلاءُ العظيم، وحلَّ الشقاءُ المُستَطير.
فيا من استذلَّه الشيطانُ من أبناء أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -! استلهِمُوا من هذا الموسِمِ، استغِلُّوه لتوبةٍ إلى ربنا - جلَّ وعلا -، ورُجوعٍ عن الغَيِّ قبل فواتِ الأوان، وقبل أن تُعرَضوا على المنَّان.
معاشر المسلمين:
إن هذه الدولة السعودية، تَتشرَّف بخدمة الحَجِيج، وترى ذلك واجبًا دينيًّا، وشَرفًا دنيويًّا، وتبذُلُ في ذلك كلَّ غالٍ، لما يُحقِّقُ الراحةَ والنفعَ لضيوف الرحمن، وقاصِدِي مسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وإن واجبَ كلِّ مسلم يُعظِّمُ الله - جل وعلا -، أن يُعظِّم هذه الأماكنَ المطهَّرةَ، ويرعَى لها حُرمَتَها المُتقرِّرةَ بالكتابِ والسنةِ والإجماع، وأن يحرِصَ على أمن المسلمين وراحتِهم، فمن أعظمِ الكبائرِ والمُوبِقَات: أذيَّةُ ضيوفِ الرحمن، وإضمارُ الشرِّ لهم، ومحاولةُ الإضرارِ بهم، (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
وإن واجبَ المسلمين: الالتِزامُ بكل نظامٍ ينطلِقُ من تحقيقِ مصلحة المسلمين في حجِّهم، ودفعِ كل أذًى وضررٍ عليهم، ومن ذلك: الالتزامُ بتصاريحِ الوُصولِ إلى المَشاعِر، فذلك مُؤسَّسٌ على قاعدةِ وجوبِ التعاونِ على البرِّ والتقوَى، وما رآه المسلمون حَسَنًا فهو حسنٌ عند الله.
فليحذَرِ المسلمُ من التحايُلِ على ذلك، أو التهاوُن في تحقيقه؛ لأن مصلحةَ الجماعة تُقدَّمُ على المصالح الآحادية، حتى في مقام نوافل العبادات، كما دلَّت عليه مقاصِدُ الشريعة، وسطَّرَه علماءُ المسلمين.
إخوة الإسلام:
في الحجِّ تهذيبٌ للنفس، وتنقِيَتُها من كلِّ الصفاتِ القبيحةِ والمسالكِ الرذيلَةِ، التي تعودُ على المسلم ضَرَرًا دينًا ودُنيا، قال تعالى: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ؛ رجَعَ من ذنوبِه كيومَ ولدَتْه أمُّه» (متفقٌ عليه).
فعلى كلِّ مسلمٍ أن يستلهِمَ من هذه العبادة مقاصِدَها، وأن يستقيمَ في هذه الحياة على ضوء دروسها.
وفَّقَنا الله سبحانه لهُداه، وأرشَدَنا لما فيه رِضَاه.
الخطبة الثانية:
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شَريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أمة الإسلام:
إن الأمةَ الإسلاميةَ لن تنالَ فلاحًا وعزَّةً، ولن تُحقِّقَ ازدِهارًا ورخاءً، ولن يحصُلَ لها رغَدٌ وأمنٌ إذا لم تستَقِم حياتُها على شرعِ الله - سبحانه -، وحتى يكون كتابُ الله وسنةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - نِبرَاسًا ودستورًا ومنهجًا لها في جميع شُؤونِها.
فعليها أن تتَّخِذَ من مثل خُطبتِه - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداعِ مبدأً مُستقرًّا، تَسيرُ عليه في سياساتها، وعلاقاتها، واقتصادها، وسائر شؤونها، فبذلك وحده تسعَدُ وترقَى إلى مدارِجِِ الكمالِ والرقيِّ والحضارة، وإلا فهي قد جرَّبَت قوانين وضعيَّة، ودساتيرَ بشريَّة، فما حَصَلَ لها من ذلك إلا الخسارُ والشقاءُ، والعناءُ والبلاءُ، واللهُ المُوفِّق.
ثم إن الله - جل وعلا - أمَرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والتسليمُ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على سيِّدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم وَفِّق المسلمينَ لما فيه رِضَاك، اللهم وفِّق المسلمين لما فيه رِضَاك، اللهم وفِّق المسلمين لما فيه رِضَاك.
اللهم احفَظ الحُجَّاج والمُعتمِرِين، ورُدَّهم إلى بلادِهم سالمين غانِمِين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه.
اللهم احفظ بلادَ الحرمين وسائر بلادِ المسلمين.
اللهم الطُف بإخواننا في فلسطين، وفي اليمنِ، وفي سوريا، وفي العراق، وفي كشمير، وفي بُورما، وفي ليبيا، وفي سائرِ أصقاعِ البلاد يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم الطُف بهم، اللهم ارفَع كُربتهم، اللهم احفَظ دِماءَهم، اللهم احفَظ دماءَهم، اللهم احفَظ دماءَهم، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم يسِّر لهم أمورَهم.
اللهم عليك بأعداء المسلمين فإنهم لا يُعجِزُونَك، اللهم خالِف بين كلمَتِهم، اللهم دمِّرهم تدميرًا، اللهم اجعلهم للمسلمين عِبرةً وآيةً، اللهم اجعلهم لمن خلفَهم عِبرةً وآيةً يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم أنزِل عليهم رِجزَك، اللهم أنزِل عليهم عَذابَك، اللهم أنزِل عليهم عَذابَك.
اللهم ائذَن يا ذا الجلال والإكرام بزوال هذه المصائبِ عن المسلمينِ، اللهم ائذَن يا ذا الجلال والإكرام بزوال هذه المصائبِ عن المسلمين يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمينَ والمسلمات، الأحياءَ منهم والأموات.
عباد الله: اذكُرُوا الله ذكرًا كثيرًا، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.