الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج - |
عباد الله: إنَّ الله قد عَذَرَ من لم يقدر على أداء، فجعل الاستطاعة على الحج في البدن والمال شرطٌ لأداء الحج، وذلك من تيسير الله -تعالى- على الناس. فإن الله -تعالى- بنى الشرائع على التيسير، ولا يرضى الله لعباده المشقة والعنت، قال تعال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة: 6]. ومِنَ الاستطاعة أن ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي الخطاءة بوصية الله -تعالى- لعباده، فاتقوا الله -عباد الله- في السر والعلن.
في الصحيحين عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ المَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ، وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ".
ويقول ربنا الرحمن -جلَّ وعلا-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران: 96 – 97].
قال العماد ابن كثير -رحمه الله-: (أَنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) أَيْ لِعُمُومِ النَّاسِ لِعِبَادَتِهِمْ وَنُسُكِهِمْ، يَطُوفُونَ بِهِ، وَيُصَلُّونَ إِلَيْهِ، وَيَعْتَكِفُونَ عِنْدَهُ (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) يَعْنِي الْكَعْبَةَ الَّتِي بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الَّذِي يَزْعُمُ كُلٌّ مِنْ طَائِفَتَيِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِهِ وَمَنْهَجِهِ، وَلَا يَحُجُّونَ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَنَادَى النَّاسَ إِلَى حَجِّهِ، وَلِهَذَا قال تعالى: (مُبارَكاً) أَيْ وُضِعَ مُبَارَكًا: (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ)".
عباد الله: نزلت فريضة الحج على عباد الله قديمًا، فبعدما أتم إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- بناء بيت الله في الموضع الذي أمره الله -تعالى- ببنائه فيه، أمره جل وعلا بأن يعلن للناس جميعًا بوجوب الحج عليهم إلى بيته المعظم، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج: 27 - 28].
وجاء الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- فأكَّد هذه الفريضة على كل مسلم، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا" فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ".
وجعلها من أركان الإسلام الخمسة، ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاءَ الزَّكاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ."
أيها الأحبة: إنَّ الحج فريضة واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ البالغٍ، عاقلٍ، وحرٍ، مستطيعٍ بالبدن والمال.
ويشترط للمرأة -زيادةً على ذلك- وجود المحرم.
وأنَّ تعجَّيل أداء الفريضة مأمورٌ به، فعن الفضل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ" [رواه ابن ماجة، وأحمد، وحسنه الألباني].
وأنَّ التأخير والتسويف في أداء الحجِّ منهيٌ عنه، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ -رضي الله عنه-: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالاً إلَى هَذِهِ الأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُلَ مَنْ كَانَ لَهُ جدةٌ -أي غِنًى- ولم يحُج فيضربوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ".
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وهذا قول عمر -رضي الله عنه- ولم يخالفه مخالف من الصحابة".
عباد الله: إنَّ الله قد عَذَرَ من لم يقدر على أداء، فجعل الاستطاعة على الحج في البدن والمال شرطٌ لأداء الحج، وذلك من تيسير الله -تعالى- على الناس.
فإن الله -تعالى- بنى الشرائع على التيسير، ولا يرضى الله لعباده المشقة والعنت، قال تعال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة: 6].
ومِنَ الاستطاعة: أن يجد المرء نفقَةَ حجه في مكان آمن مهيئٍ للعبادة، ومستوفٍ للخدمات، يجد فيه الحاج الراحة والطمأنينة والسكينة.
أما مزاحمة الناس، وافتراش الطرقات، وسدُّ منافذ الخدمات، ففيه عَنَتٌ ومشَقَّةٌ وإيذاءٌ، قد يكون سببًا في لحوق الإثم بالحاج، وتفويتِ كثير من الأجور.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المسلمون: قال صلى الله عليه وسلم: "الحَجَّ مَرَةً" [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
"فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوع".
فلا تجب فريضة الحج إلا مرة واحدة في العمر، وتكرارها من التطوع الذي يثاب عليه فاعله.
ويسعى ولاة أمرنا في هذا البلد –حفظهم الله وسدَّدَهم ووفَّقَهم لكل خير- للتيسير على الحجاج حجهم، وضمان أمنهم وسلامتهم، فأقاموا مشاريع التوسعات، وفتح الطرقات، وتحسين أوضاع المشاعر، وتوفير الخدمات، ووَضْعِ التنظيمات الممهدة لأداء النُّسَكِ في راحة وسلامة وطمأنينة وآمان.
ومن جملة ذلك: دعوةُ من أدَّى فريضة الحجِّ أنْ لا يكرر الحج مرة أخرى إلا بعد مرور خمس سنوات، تخفيفًا على الناس، وتيسيرًا لحجهم، وجعلوا أنظمة تكفل ذلك، خاصةً مع وجود هذه المشاريع العملاقة في توسعة المسجد الحرام والمشاعر وتهيئتها لاستيعاب ضيوف الرحمن.
نسأل الله -تعالى- أن يبارك في جهودهم، وأن يسدد على الحق أعمالهم، وأن يتقبلها منه.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تيسر للحجاج حجهم، وأن تتقبل منهم، وأن تردَّهم لديارهم سالمين آمنين، مغفورة ذنوبهم، نقية قلوبهم، مبيضة صحائفهم.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زَكِّها أنت خير من زَكَّاهَا، أنت وليُّها ومَوْلاها.
اللهم حبِّبْ إليها الإيمانَ وزيِّنْه في قُلوبِنا، وكرِّهْ إليْنا الفُسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الراشدين.
يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، واستعملنا يا ربنا في طاعتك.
اخْتِمْ اللَّهُمَّ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَبِالسَّعَادَةِ آجَالَنَا.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، واحفظ اللهم جندنا المرابطين في الثغور، وأيِّدهم وانصرهم على عدوهم، ورُدَّهم لأهليهم سالمين غانمين.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَواصِيهم لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
الَّلهُمَّ اجْعَلْهُم سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
اللهم وفق لهم وزراء حق وعدل وخير وصلاح يرشدونهم للخير، ويعينونهم عليه.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].