الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهنا |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
إن مقام العلم أشرف المقامات وأعلاها، وأجلّها وأسناها، ولذا رفع الله درجة أهله، فقال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، ولا شك أن شرف العلم بشرف المعلوم، فكلما كان المعلوم عظيماً كان تعلُّمه وتعليمُه أعظم أجراً، وأبقى ذخراً، ولذلك...???
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه...
أما بعد:
أيها المسلمون: فإن مقام العلم أشرف المقامات وأعلاها، وأجلّها وأسناها، ولذا رفع الله درجة أهله، فقال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].
وقال صلى الله عليه وسلم: "وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رِضًا بما يصنع".
ولا شك أن شرف العلم بشرف المعلوم، فكلما كان المعلوم عظيماً كان تعلُّمه وتعليمُه أعظم أجراً، وأبقى ذخراً، ولذلك جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- تعلُّمَ القرآن وتعليمَه خيرَ الأمور وأفضلها، فقال كما عند البخاري من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: "خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه".
وفي رواية: "إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلّمه" قال أبو عبد الرحمن السُلمي -راوي هذا الحديث عن عثمان بن عفان- قال: "هذا هو الذي أقعدني هذا المقعد"، وأشار إلى مقعده الذي أقرأ فيه القرآن عشرات السنين".
فمَن بَذَلَ جهده وقرأ القرآن فهو على خير سواء أدرك مقصوده أو لم يدركه، لكن المتقنَ الماهرَ أحبُّ إلى الله وأقربُ، قال صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" [رواه مسلم].
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب المهرة ويُجِلّهم، ويشجعهم ويغريهم على بذل مزيد من الاجتهاد في التعلم والتعليم، بل إن الله -عز وجل- قد جعله عليه الصلاة والسلام إمام الناس في حسن الأداء وجمال الصوت، قال البراء -رضي الله عنه-: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة العشاء: بالتين والزيتون، فما سمعتُ أحسن صوتاً منه" [متفق عليه].
وكان صلى الله عليه وسلم يُثني على جُملة من أصحابه ويمدحهم بخصلة: إتقان القرآن، فيقول عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من أراد أن يقرأ القرآن غضّاَ كما أُنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبدٍ" يعني عبد الله ابن مسعود.
وناداه مرةً، فقال: "يا عبد الله، اقرأ عليّ القرآن" فقال ابن مسعود: أأقرؤه عليك وعليك أُنزل؟ فقال: "نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأ عليه سورة النساء، فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [متفق عليه].
وعن عبد الله بن مسعود قال: "كنتُ بحمصٍ فقال لي بعضُ القومِ: اقرأ علينا، فقرأتُ عليهم سورةَ يوسفَ، فقال رجلٌ من القومِ: واللهِ ما هكذا أُنْزِلَتْ، قال قلتُ: ويحكَ، واللهِ لقد قرأتُها على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: أحسنتَ" [رواه مسلم].
ونادى عليه الصلاة والسلام أُبيَّ بنَ كعب فقال: "يا أُبَيُّ، إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن" فقال أبيٌّ: أوقد سماني لك ربي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم" فبكى أبيٌّ" [متفق عليه].
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاستماع إلى أهل الأصوات الحسنة والتلاوة المتقنة، ذهب ليلةً فوقف عند باب أبي موسى الأشعري وإذا أبو موسى يقرآ القرآن بصوته الشجي، فمكث رسول الله يستمع إليه، فلما أصبح قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو رأيتني البارحة وأنا أسمتع إلى تلاوتك!" فقال أبو موسى: "لو علمتُ أنك تستمع لحبرتُ لك القرآن تحبيرا".
وكان الصحابة -رضوان الله عليه- يحبّون تلاوة أبي موسى.
كان إذا صلى بهم قالوا: ليته قرأ بنا سورة البقرة!
وكان يجلس في مجلس عمر -رضي الله عنه-، فيقول له عمر: "يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى القرآن والصحابه يستمعون".
وفي رواية ابن حبان: "فيقرأ أبو موسى القرآن ويتلاحن فيه" أي يرتله بصوته الحسن.
وكان السلف -رضي الله عنهم- يحبون سماع القرآن، ويعمدون إلى صاحب الصوت الحسن فيخصّونه بمزيد اهتمام؛ كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حسن الصوت بالقرآن، خرج ليلةً فجهر بالقرآن فاجتمع الناس لحسن صوته، فلما رأى اجتماعهم دخل بيته خشية الرياء.
وذكر ابن حجر في "لسان الميزان" أن الإمام الشافعي كان يستفتح القرآن، فيجتمع الناس ويكثر البكاء من حسن صوته، وجودة أدائه، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة.
وهكذا كانوا يعدّون الحافظ المتقن المتمكّن من الأداء مقصداً تهوي إلى لقائه وسماعه، والقرب منه قلوب المؤمنين؛ لذلك كله فإنه ينبغي على المؤمن أن يسعى إلى تلك الخيرية، فإن كان عالماً بالقرآن علّمه، وإن لم كذلك تعلّمه، وإن فاته هذا وذاك سعى إلى المشاركة في ذلك بجهده وفكره وماله وما يستطيع.
أيها الشباب: كتابُ لله رفعةٌ في الدنيا والآخرة، فهلمّوا إليه؛ تعلّموه إتقاناً وحفظاً، ولا يقنع أحدكم بختمةٍ دون ضبط، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يبقى سنين عدداً يقال له: حافظٌ، ولو قيل له: صل بالناس بنصف جزء دون إعداد ومراجعة لما استطاع!
أيها الآباء والأمهات: قد فُتح لكم في هذا الزمان من الخير ما لم يكن في أزمنة قريبة خلت، كثرتْ الحِلق والمدارس والدور القرآنية، وتنوعت الوسائل والسبل المعينة.
فاحمدوا الله على ذلك، ومن شكر نعمة الله: أن نقبلها ونفرح بها، ونستفيد منها.
فأجمِعوا أمركم، وأعِدوا عُدّتكم، ولا تتردوا في أمر تعليم أبنائكم كتاب الله، فإن القرآن يهذّب خُلُق الشاب، ويحفظه -بإذن الله- من الفتن، ويباعد عنه همزات الشياطين، ويحوطه مما قد يصيبه من أذى السحر والعين والمس واضطرابات النفس، ويجعله من أهل البر والإحسان والنجاح والفلاح بإذن الله وفضله.
وما هي إلا أيام يصبر فيها الوالد على نِفار ولده من تعلم القرآن، ويستعين بالله على ذلك، حتى يكون تعلمُ القرآن سجيةً للولد لا يكاد يصبر عنه، وهذا معلوم بالتجارب الكثيرة المتواترة.
أيها المعلمون: لئن كان الأب الذي يعين ولده ويُلحِقه بحِلق القرآن، لئن كان هذا الأب ينال من الأجر مثل ما يناله الولد فأنتم تنالون بفضل الله بنيتكم الحسنة وعملكم الصالح أجور طلابكم كلهم، فلا يقرأ الطالب آيةً ولا يقوم ليلةً ولا يصلي بجماعة إلا كان لمعلمه مثل أجره!
فاحمدوا الله -أيها المعلمون-، بل -يا أيها الأخيار-، فقد قدّمتُ لكم قول حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- وها أنا أعيده عليكم وإليكم فأقول: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه".
ذَكَرَ الإمام الذهبي -رحمه الله- في "سِيَر أعلام النبلاء" كلاماً حول تعليم القرآن للصبيان في المساجد، ثم علّق عليه بقوله: يا سبحان الله! وهل محلٌّ أفضلُ من المسجد؟ وهل نشرٌ لعلمٍ يقارب تعلم القرآن؟ وهل طلبةٌ خيرٌ من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ كلا -والله- كلا -والله-.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
أيها المسلمون: فإن الله -عز وجل- ذكر طائفة من عباده ومدحهم وبشَّرهم، فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 17 - 18].
فما أسعدهم ببشارة الله وما أحظاهم بالمنزلة العظيمة عند الله، يوم سمعوا قول ربهم فاتبعوه، واقتدوا بنبيهم وأطاعوه.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمنَّ علينا فنكون من المتّبعين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والتوفيق في أمور الدنيا والدين، اللهم آمين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.