الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المهلكات |
حث الشرع على الرأفة والرفق بالحيوان، فما بالكم بالإنسان، فإذا كان الله قد غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل؛ لأنها سقت كلبا سيموت من العطش، فما بالكم بمن سقى إنسانا، بل فما بالكم بمن سقى مؤمنا، وإذا كان الله قد عذب امرأة في النار لحبسها لقطة لم تطعمها ولم تطلقها لتأكل من خشاش الأرض، فما بالكم بمن يفعل ذلك مع الإنسان، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن من وسم حمارا في وجهه، فما...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد جاء الإسلام شاملا لجميع جوانب الحياة، متوازنا في أوامره، محترما لكل خلق من خلق الله، أيا كان شخصه أو معتقده، كلا بحسبه.
وإن المتأمل في السنة يجد أن الشرع جعل الرّحمة بالحيوان طريقا موصلا إلى الجنَّة، كما جعل القسوة معها سببًا لدخول النار؛ فقد جاء في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ، اشتدَّ عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها، فشرب ثمَّ خرج، فإذا كلبٌ يلهث، يأكل الثَّرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفَّه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له" قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: "في كل ذات كبد رطبة أجر".
وفي رواية: أنه وقعت لبغي من بغايا بني إسرائيل.
فهذه رحمة كانت سببا لدخول الجنة.
وفي المقابل أخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "دخلت امرأة النار في هرَّةٍ ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".
وقد كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحسن إلى الحيوانات ويرحمها؛ فقد روى أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلمَّا رأى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذِفراه فسكت، فقال: "من ربّ هذا الجمل لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة الّتي ملكك الله إيَّاها فإنَّه شكا إليَّ أنَّك تجيعه وتدئبه" [رواه أبو داود 2549 وأحمد 3/195 وصححه الألباني].
ومعنى: "ذفراه" مؤخرة رأسه، ومعنى: "تدئبه" تتعبه.
وروى أبو داود في سننه وغيره من حديث سهل بن الحنظلية -رضي الله عنه- قال: "مرَّ الرّسول -صلى الله عليه وسلم- ببعيرٍ قد لصق ظهره ببطنه، فقال: "اتَّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة" [رواه أبو داود 2548 وصححه الألباني].
وأخرج ابن ماجة في سننه من حديث عائشة -رضي الله عنها: "أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يصغي للهرة الإناء، فتشرب، ثمَّ يتوضأ بفضلها"[صححه الألباني 4958 في صحيح الجامع].
فهذه الأحاديث كلُّها -وغيرها كثير- تبيُّن أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان رحيمًا في التّعامل مع الحيوانات، وكان يحسن معاملتها.
عباد الله: لقد حث الشرع على رحمة الحيوان، حتى عند وقت ذبحها؛ أخرج أبو داود والنّسائي وغيرهما من حديث شداد بن أوس قال: "خصلتان سمعتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته" [رواه مسلم 1955].
وأخرج النسائي في سننه عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها، إلا سأله الله عنها يوم القيامة" قيل: يا رسول الله! وما حقُّها؟ قال: "حُّقها أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي به"[حسنه الألباني 2266 في صحيح التّرغيب].
وروى مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "مرّ على حمارٍ قد وسم في وجهه، فقال: "لعن الله الّذي وسمه"[رواه مسلم 2117].
وقد ورد هذا المعنى في أحاديث عديدة.
وروى أبو داود عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: "كنَّا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها"[رواه أبو داود 5268 وصححه الألباني].
وأجمل ما جاء في باب الرّحمة بالحيوان في السّنّة النّبويَّة هو تحريم لعن الحيوانات، وتحريم الإيذاء المعنويّ هو أمرٌ لم ترقَ إليه الأديان، أو الفلسفات في أي وقتٍ من الأوقات، ولا حتَّى في العصر الحاضر الّذي كثرت فيه الكتابات عن حقوق الحيوان.
فقد روى مسلم من حديث أبي الدّرداء أنَّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"[مسلم 2598].
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي برزة قال: "بينما جاريةٌ على ناقة، عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل، اللهمّ العنها، قال فقال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة".
اللهم اجعل في قلوبنا رحمة لخلقك، ترحمنا بها يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: تطرقنا في الخطبة الأولى لحث الشرع على الرأفة والرفق بالحيوان، فما بالكم بالإنسان، فإذا كان الله قد غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل؛ لأنها سقت كلبا سيموت من العطش، فما بالكم بمن سقى إنسانا، بل فما بالكم بمن سقى مؤمنا، وإذا كان الله قد عذب امرأة في النار لحبسها لقطة لم تطعمها ولم تطلقها لتأكل من خشاش الأرض، فما بالكم بمن يفعل ذلك مع الإنسان، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن من وسم حمارا في وجهه، فما بالكم بمن يعذبون بني آدم، وإذا كان الشرع نهى عن صبر البهائم، فما بالكم بمن يقتل ويبيد بالآلف من بني آدم.
إن هذه المعاملةَ الشرعية للحيوان، داعيةٌ بنفسها لرفع الإنسان إلى مقام الإكرام والتشريف، ولا يصنع هذا إلا من فعلها اتباعا لهدي سيد المرسلين -عليه الصلاة والسلام-، وإلا كانت انتكاسة، كما هي الحال في بلاد الكفار، فهم يكرمون الحيوان أكثر من الإنسان، أما الإنسان المسلم عندهم، فليس له قيمة تذكر، والواقع شاهد بذلك، فهم يرون مئات الألوف تباد، ولا يتحركون لذلك، بل لا يهتز لهم شعرة -إلا من رحم الله- وقليل ما هم.
معاشر المؤمنين: أغلبنا لديه عماله من المسلمين وغيرهم، وإن الظلم يقع من الكثيرين عليهم، ألا فلنتق الله فيهم؛ أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ –خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
الظلم يقع على العمال، والخدم، والسائقين، من نواحي عدة فمنهم من يمنعه مرتباته، أو يؤخرها عليه، وهذا من الظلم الذي حرمه الإسلام، أفلا تعلم أنه يتنظر نهاية الشهر ليرسل لأناس حفاة عراة، وقس على نفسك لو تأخر راتبك يوما واحدا، أو خصم عليك؛ أخرج ابن ماجة في سننه من حديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
يعنى اتفقا على عمل فلما انتهى العامل من عمله، جحده حقه ولم يعطه شيئا.
والبعض من الناس يضرب العمال والخدم، وهذا الفعل يدخل الضارب النار؛ ففي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: "كنتُ أضرِب غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: فلم أفهم الصوت من الغضب، فلمَّا دنا مِنِّي إذا هو رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود" فسقط السَّوْطُ من يدي من هَيْبَتِه، فقال: "اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام" فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أمَا لو لم تفعل للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النار".
وفي رواية: "فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا، فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم".
كما يجب عدم تكليفهم مالا يطيقون، أو مزاحمتهم في أوقات عبادتهم كالصلاة مثلا، وأن يراعى لهم أوقات الراحة، فهم بشر وليسوا بآلات، فارفقوا بهم يرحمكم الله.
اللهم إنا نسألك العدل في أنفسنا وأهلينا ومن تحت أيدينا.
اللهم اغفر لنا جدنا وهزلنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
اللهم اغفر للمسلمين...