المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن محمد السعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
من رحمة الله بعباده: أن جعل للسيئات مكفرات، يغفر الله بها الذنوب، ويمحو بها الخطايا، وينجّي بها العبد من النار، ويدخله الجنة، برحمته وفضله وبره وإحسانه، وهو أرحم الراحمين، وخير الغافرين. ومن أسباب تكفير السيئات:
الخطبة الأولى:
أيها الناس: إن رحمة الله سبقت غضبه، ووسعت كل شيء، والله يريد أن يتوب علينا، ونحن نخطئ بالليل والنهار، ونظلم أنفسنا، ومع ذلك فربنا يقول: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) [الرعد: 6]، ويقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر: 53].
وهو كما وصف نفسه في قوله: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم: 32].
وكما وصفته ملائكته الكرام: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [غافر: 7].
وكما وصفه الصالحون من عباده في قولهم: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 28].
ومن رحمة الله بعباده: أن جعل للسيئات مكفرات، يغفر الله بها الذنوب، ويمحو بها الخطايا، وينجّي بها العبد من النار، ويدخله الجنة، برحمته وفضله وبره وإحسانه، وهو أرحم الراحمين، وخير الغافرين.
ومن أسباب تكفير السيئات: التوبة إلى الله بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزيمة الصادقة على عدم العود إليه، فإن فعل ذلك بإخلاص تاب الله عليه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8].
ومن أسباب تكفير السيئات: سؤال المغفرة من الله مع توجه القلب إليه، والصدق في دعائه، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 110].
وفي الحديث القدسي الذي خرجه مسلم قوله سبحانه: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم".
ومما تكفر به السيئات: الأعمال الصالحات؛ كما قال تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].
وفي الصحيحين: أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأتَى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأخْبَرَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114] فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: "لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ".
وفي الصحيحين: قوله صلى الله عليه وسلم: "أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ؟" قالوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا".
وفي صحيح مسلم قوله: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّراتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ".
وفي الصحيحين: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
"ويغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" [رواه مسلم].
وفي الصحيحين: أن من قال: "سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
"وبينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه، فشكر الله له فغفر له" [رواه البخاري ومسلم].
والمصائب التي تصيب العبد في ماله أو عرضه أو جسده، أو غير ذلك، وما يلحقه من الهم والغم والأذى، مكفرات للذنوب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها" [متفق عليه].
ومن أصاب حدا كشرب خمر أو زنا أو سرقة فأقيم عليه في الدنيا فهو كفارة له؛ فقد ثبت في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".
والكفارات المقدرة شرعا ككفارة اليمين، والجماع في نهار رمضان، والظهار تسقط الذنب عن صاحبها بالنص والإجماع.
الخطبة الثانية:
ومن الأسباب التي يكفر الله بها سيئات العبد بعد وفاته: ما يناله من فتنة القبر وضغطته، ودعاء المؤمنين له وصلاتهم عليه واستغفارهم له، وقد عليه الصلاة والسلام: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ" [رواه مسلم].
وأهوال يوم القيامة، وشدة الموقف وكربته، مما يرتجى أن يكفر الله به عن عبده سيئاته، ولا سيما حين يعظم رجاء المرء به، ويقوى حسن ظنه به، والله عند حسن ظن عبده به.
وشفاعة الشفعاء، وعفو الله ورحمته بعد حشر الناس إليه، من أسباب مغفرة الذنوب، والعفو عن العباد، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في الحديث الطويل في الحشر والبعث والشفاعة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
ويتفضل الله على عباده الذين إذا ذكروا ذنوبهم التي تابوا منها وندموا عليها، ازدادوا خوفا ووجلا وحياءً من الله، ومسارعة في الأعمال الصالحات، فيبدل الله سيئاتهم حسنات؛ كما قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 70].
عباد الله: لا تقنطوا من رحمة الله، وتأمنوا مكر الله، فاعملوا واجتهدوا، وأحسنوا الظن بالله، واسألوه القبول والتوبة والمغفرة والرحمة؛ فإن (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].