البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الحب في الله

العربية

المؤلف سعد بن عبد الله السبر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. المؤمن إلف مألوف .
  2. شدة محبة الصحابة لرسول الله .
  3. فضائل الحب في الله .
  4. أقوال السلف في أهمية الحب في الله. .

اقتباس

قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه", وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أن الله تعالى يقول: حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلى, وحقت محبتي للذين يتحابون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لا يتكل على عفوه ورحمته إلا الراجون, ولا يحذر سوء غضبه وسطوته إلا الخائفون, أحمد وأشكره على جزيل نعمائه وسابغ عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

وأشهد أن محمد عبده و رسوله الذي يسير تحت لوائه النبيون, وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين والسادة المرضيين, صلاة يوازي عددها عدد ما كان من خلق الله وما سيكون، ويحظى ببركتها الأولون والآخرون, وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-, فهي دليل المؤمنين وشعار الموحدين (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أيها المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق لعبادته، وسخر لهم كل المخلوقات وكل ما في الكون؛ ليكون عونا لهم على عبادته, ويسر لهم طريق طاعته فأمرهم بالتعاون والتآخي والتحاب في جلاله، وجعل بينهم مودة ورحمة وألفة وأُنسا؛ محبةً لأهليهم وأزواجهم وإخوانهم وأصدقائهم.

ورغّب في الحب في الله, وجعل منزلته عالية سامية إلى يوم القيامة باقية (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67], قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن إلف مألوف, ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".

تأملوا حال الصحابة كيف أحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وسطروا ذلك, قالت عائشة -رضي الله عنها- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مولاه ثوبان, فأخبر بمرضه، فزاره النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجده أصفر اللون قد أعياه التعب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مالك يا ثوبان؟ فقال: يارسول الله؛ إنك لأحب إليّ من نفسي وإنك لأحب إليّ من ولدي, وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، فإذا ذكرت موتي وموتك رفعت مع النبيين, وإني إذا دخلت الجنة أن لا أراك.

فلم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء حتى نزل جبريل عليه بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].

وقال أبو إدريس الخولاني لمعاذ: إني أحبك في الله, فقال له: أبشر ثم أبشر, فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة, وجوههم كالقمر ليلة البدر, يفزع الناس وهم لا يفزعون, ويخاف الناس وهم لا يخافون, وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون" فقيل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال: "هم المتحابون في الله تعالى".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه", وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أن الله تعالى يقول: حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلى, وحقت محبتي للذين يتحابون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي, وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي", وقال -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه, ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه, ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله تعالى, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلا زار أخا له في الله فأرصد الله له ملكا فقال: أين تريد؟ قال: أريد أن أزور أخي فلانا, فقال: لحاجة لك عنده؟ قال: لا, قال: لقرابة بينك وبينه؟ قال: لا, قال: فبنعمة له عندك قال: لا, قال فبم؟! قال: أحبه في الله, قال: فإن الله أرسلني إليك يخبرك بأنه يحبك لحبك إياه وقد أوجب لك الجنة" [أخرجه مسلم], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله و البغض في الله".

إخوة الدين: إن الحب في الله والأخوة في الله شأنهما عظيم وأجرهما كبير لأنهما لله, فاسمعوا لسلفكم ماذا يقولون في الحب في الله, قال سلمان الفارسي: "مثل الأخوين إذ التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى, وما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيرا". وقال الغزالي: "يقال أن الأخوين في الله إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر؛ رفع الآخر معه إلى مقامه وأنه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين والأهل بعضهم ببعض؛ لأن الأخوة إذا اكتسبت في الله لم تكن دون أخوة الولادة, قال -عز وجل-: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)[الطور: 21].

قال الغزالي: "يروى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى -عليه السلام-: لو أنك عبدتني بعبادة أهل السموات والأرض وحب في الله ليس وبغض في الله ليس, ما أغنى عنك ذلك شيئا". وقال عيسى -عليه السلام-: "تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي, وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم, والتمسوا رضا الله بسخطهم" قالوا: يا روح الله! فمن نجالس؟ قال: "جالسوا من تذكركم الله رؤيته, ومن يزيد في عملكم كلامه, ومن يرغبكم في الآخرة عمله".

قال موسى -عليه السلام-: "يارب! من هم أهلك الذين تظلهم تحت ظل عرشك؟" قال: "ياموسى هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذكرت ذُكروا بي، وإذا ذُكروا ذكرت بهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، وينيبون إلى ذكري كما تنيب الطيور إلى أوكارها، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حورب".

وقال علي -رضي الله عنه-: "عليكم بالإخوان؛ فإنهم عدة في الدنيا والآخرة, ألا تسمع إلى قول أهل النار (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[الشعراء: 100، 101]", وقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "والله لو صمت النهار لا أفطره وقمت الليل لا أنامه وأنفقت مالي غلقا غلقا في سبيل الله, أموت يوم أموت وليس في قلبي حب لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله؛ ما نفعني ذلك شيئا".

وقال الحسن على ضده: "يا ابن آدم! لا يغرنك قول من يقول المرء مع من أحب؛ فإنك لن تلحق الأبرار إلا بأعمالهم, فإن اليهود والنصارى يحبون أنبياءهم وليسوا معهم". إن محبة الأنبياء لن تنفع إلا بعمل يوافق عمل الأنبياء, وكذلك محبة الصالحين لابد من عمل مثل عملهم.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لو أن رجلا قام بين الركن والمقام يعبد الله سبعين سنة لبعثه الله يوم القيامة مع من يحب", وقال الحسن -رضي الله عنه-: "مصارمة الفاسق قربان إلى الله", وقال رجل لمحمد بن واسع: "إني لأحبك في الله" فقال: "أحبك الذي أحببتني له, ثم حول وجهه وقال: اللهم أني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض". وقال عمر -رضي الله عنه-: "إذا أصاب أحدكم ودا من أخيه فليتمسك به فقلما يصيب ذلك".

وقال مجاهد: "المتحابون في الله إذا التقوا فكشر بعضهم إلى بعض تتحات عنهم الخطايا كما يتحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس", وقال الفضيل: "نظر الرجل إلى وجه أخيه على المودة و الرحمة عبادة".

أيها الأحبة: يُقال هذا الكلام ونحن في عصر المادة الذي أصبح الروابط فيه بين الناس الدنيا وحاجاتها, وتناسوا أن الرابطة الإيمانية هي الرابطة الباقية النافعة وما سواها باطل زائل, ألآ فلنسارع للحب في الله, ولنستكثر من الإخوان فإنهم على الحق أعوان.