الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
نُوقنُ بالْمَوتِ ثُمَّ نَنْسَاهُ! ونَعرفُ الضَّرَرَ وَنَغْشَاهُ! نَخْشَى النَّاسَ واللهُ أَحَقُّ أَنْ نَخْشَاهُ! نَغْتَرُّ بِالصِّحَةِ وَنَنْسَى السَّقَمِ! ونَزْهُو بِالشَّبَابِ ونَنْسى الْهَرَمِ! نَهْتَمُّ بالعِلْمِ ونَنْسى العَمَلِ! يَطُولُ العُمُرُ ويَزْدَادُ الذَّنْبُ! ويَبْيَضُّ الشَعْرُ وَيَسْوَدُّ القَلْبُ! إلاَّ مَن رَحِمَ ربِّيِ! سُبحانَ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ ..
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، تفرَّد عزًّا وَكَمَالاً -جَلَّ وَتَقَدَّسَ- وَتَعَالى، نَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، خَلَقَنا لِيَبلُوَنا أيُّنَا أَحْسَنُ أَعمَالاً, ونَشْهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه، أَكْرَمُ النَّاسِ فِعالاً, وَخَيرُهُمْ خِصَالاً، حَذَّرَ مِنْ الاغترارِ بِهذهِ الدَّارِ، وَأَمَرَ بالاستعدادِ لِدَارِ القَرَارِ، صلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِه الأَطْهَارِ.
أمَّا بعدُ:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
عبادَ اللهِ: حياتُنا مَرَاحِلٌ، ونحنُ في الدُّنيا بين مُستعدِّ لِلرَّحيلِ ورَاحِلٌ، والَّليلُ والنَّهارُ يَتعاقَبَانِ لا يفتُرانِ! فَمَا مِنَّا إلاَّ حَيٌّ أَدْرَكَتُهُ مَنيِّتُهُ، فَوُرِيَ بالتُّرَابِ، أو صَغِيرٌ بَلَغَ سِنَّ الشَّبَابِ، أو شَيخٌ امْتَدَّت بِهِ الْحَيَاةُ حتى شابَ، وَمِن وَرَائِهم جَمِيعَاً نِقَاشٌ وحِسَابٌ.
اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ: عامٌ من أَعمارِنَا تَصرَّمتْ أَيَّامُهُ واضمَحَلَّ هِلالُهُ! لِنُدرِكَ يَقِينَاً أنَّ هذهِ الدُّنيا لَيسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ! وأنَّ بَعدَها جنَّةً أو نَارَا! فَهَنِيئَاً لِمَنْ أَحْسَنَ واستقامَ، والوَيلُ لِمَنْ أَسَاءَ وَارْتَكَبَ الآثامَ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
أيُّها المؤمنِونَ: إنَّ في تَوديعِ عَامٍ واسْتِقْبَالِ جَدِيدٍ, فُرَصاً لِلمُتَأَمِّلينَ, وَذِكْرَى لِلمُعْتَبِرِينَ، كَمَا قالَ الرَبُّ الكَريمُ: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ) [النور:44].
والكيِّسُ العَاقِلُ حِينَ يُودِّعُ مَرحَلَةً مِنْ عمُرهِ ويَستَقبِلُ أُخرى فهو بِحَاجَةٍ لِمُحَاسَبَةِ نَفْسِه وَتَقْييمِ مَسَارِها في مَاضِيها وَحَاضِرِهَا ومُسْتَقْبلِهَا، يقولُ ابنُ القيِّمِ رحمَهُ اللهُ: "وهلاكُ القَلْبِ إنَّما هُوَ مِن إهمَالِ مُحاسبَةِ النَّفْسِ ومِن مُوَافَقَتِهَا واتِّباعِ هَوَاهَا".
عِبَادَ اللهِ: لَيتَ شِعْرِي وَشُعُورِي: بِمَاذا أودَعنا عَامَنا المَاضِي؟ ومَاذَا عَسانَا أنْ نَسْتَقْبِلَ به عامَنا الْجَديدَ؟ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْكِبي فَقَالَ: "كُنْ في الدُّنيا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبِيلٍ". فَعَابِرُ السَّبيلِ يَسْتَكْثِرُ مِن زَادِ الإيمَانِ، ويَتَقلَّلُ مِنْ الدَّنيا، عَابِرُ السَّبيلِ لا يُدَنِّسُ نَقَاءَ النَّهارِ بآثامِهِ، ولا يُقَصِّرُ الَّليلَ بِغَفْلَتِهِ وَمَنَامِهِ، إنْ دُعيَ إلى طَاعةٍ أَجَابَ وَلَبَّى، وإنْ عَلم مَوطِنَ مَعصِيَةٍ خافَ وَخَشِيَ رَبَّهُ, عَن الْحَسَنُ البَصريُّ -رحمهُ اللهُ- قال: "لا تَلْقَى الْمُؤمِنَ إلَّا يُحَاسبُ نَفْسه؛ والفَاجِرُ يَمْضِي قُدُمًا لا يُحاسبُ نَفسُه".
عبادَ اللهِ: وَواقِعُ الكثيرينَ منَّا! يحكِي أنَّ الدُّنيا قد عَشْعَشَتْ في القُلُوبِ، وَنَصَبَت فيها رَايَاتٌ، حَدِيثُنَا فِيها: كَمْ نَربَحُ؟ وكيفَ نَجمَعُ؟ إنْ كانَ شيءٌ لِلدُّنيا بَادَرنا إليهِ مُبكِّرينَ، وَأَقَمْنَا عِندَ بَابِهِ فَرِحِينَ، وإنْ كَانَ لِلآخِرَةِ فَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفونَ! أتريدونَ الشَّاهِدَ لِمَا أقُولُ؟ تَأَمَّل إذَا رُفِعَ الأَذَانُ: هَلْ أَنْتَ مِنَ الْمُبكِّرينَ الْمُسارِعِينَ للصَّلَوَاتِ؟ فَهَنِيئَاً لَكَ تِلْكَ المُبَادَرَةُ! مَرَّ عَليكَ فِي عَامِكَ الْمُنصَرِمِ أَلْفٌ وثمانُمائَةِ صلاةٍ مَفرُوضةٍ، كَمْ حَفِظتَ مِنْهَا؟! بَلْ كَمْ ضيَّعتَ مِنْهَا بِعُذْرٍ وَبَغَيرِ عُذْرٍ؟ كَمْ صَلاةٍ أَدَّيتَها على عُجَاَلٍة وَأَنْتَ مَشغوُلُ البالِ؟
يا عبد الله: مَرَّ عليكَ في عَامِكَ الْمُنصَرِمِ أَكثَرُ مِن خَمْسِينَ جُمُعَةٍ! فَكَمْ حَصَّلتَ فِيهَا مِن البُدْنِ أو البَقَرِ أو الأَكبَاشِ؟ أم كانَ نَصِيبُكَ الدَّجَاجُ أَو البَيضُ أو الحِرْمَانِ؟
يا عبدَ الله: أَمْضَيتَ أَكْثَرَ مِن ثَلاثِمِائَةٍ وَسِتْينَ يَومًا؟ فَبِرَبِّكَ كَمْ قَضَيتَ فِيها مِنْ اللهْوِ الُمباحِ، نَاهِيكَ عَن غَيرِ الَمُباحِ؟ أَرَأَيْتُمْ -إخْوانِي- كَمْ نَحنُ مُقَصِّرونَ فِي جَنْبِّ اللهِ؟ وَغَافِلُونَ عَنْ أوَامِرِهِ وَنَوَاهِيه؟
يَا عَبْدَ الله: كَمْ حَصَّلتَ فِي عَامِكَ الْمُنصَرِمِ مِنْ الأَمْوَالِ؟ وَكَمْ أَنْفَقْتَ مِنْها فِي سَبِيلِ الهَوَى وَالشَّهَوَاتِ والسَّفَرِيَّاتِ؟ ثُمَّ اسْأَلْ نَفْسَكَ كَمْ أَنْفَقْتَ مِنْها لِلهِ, وَلِدِينِهِ, وَلِلمُؤمِنِينَ المُعْوِزِينَ؟ ألا تَرَونَ أنَّ أكْثَرَنا يَتَحَدَّثُ: عَنْ قَرَارَاتِ التَّقَشُّفِ والاقْتِصَادِ؟ أَخرَجَ مُسلمٌ عَن مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقرَأُ:(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) [التكاثر:1]. "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي, مَالِي". قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:"وَهَلْ لَكَ يَا ابنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكلْتَ فَأَفْنَيتَ أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أو تَصَدَّقتَ فَأَمْضَيتَ".
أيُّها المُسلِمُ: مَرَّ عَليكَ عَامٌ كَامِلٌ! فَمَا نَصِيبُ القُرآنِ الكَرِيمِ فِي حَيَاتِكَ؟ كَمْ خَتْمَةٍ قَرَأتَهَا؟ كَمْ آيَةِ تَدَبَّرْتَهَا؟ لِنَحذَرَ أنْ نَكُونَ مِمَّن شَكَاهُمُ -صلى الله عليه وسلم-لِمَولاهُ حِينَ قَالَ: (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [النور:44]. فَاللهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ القُرآنِ.
أيُّها المُؤمِنُ: مَرَّت عَلى أَقَارِبِكَ أَفْرَاحٌ، وَأَتْرَاحٌ! فَهَلْ شَارَكْتَهُم؟ هَلْ وَصَلْتَهُمْ؟ وَصَلَنا اللهُ جَمِيعاً بِرحمتِهِ, وَأَعَاذَنَا مِن القَطِيعَةِ! وَالِدَاكَ, بَهْجَتُ دُنْياكُ, وذُخرُ أُخَرَاكَ! لَعَلَّكَ لَسْتَ مِمَّن يُقَدِّمُ وَلَدَهُ وَزَوجَهُ وَأَصْدِقَائَهُ عَلَيهِمَا؟ فَاحْذَرْ فَكَمَا تَدِينُ تُدانُ! الْزَمْ رِجْلَيْهِمَا فَثمَّ الجَنَّةُ! كُلُّ يومٍ يَمُرُّ يَأْخُذ بَعْضِي يُورِثُ القَلْبَ حَسْرَةً ثم يَمْضِي (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13-14].
فاللهم إنِّا نسألكُ حُسْنَ القَولِ وَالعَمَلِ, وَأَحْسِن عَاقِبَتِنَا فِي الأُمُورِ كُلِّها وَأَجِرْنَا مِن خِزْي الدُّنيا وَعَذَابِ الآخِرَةِ, واستغفرُ اللهَ لي ولكم إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله دَعَا العِبَادَ لِمَا تَزكُوا به النفوسُ وتَطْهُر، نشهدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَه كُلُّ شَيءٍ بِأَجَلٍ مُقَدَّر، وَنَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه, أَبْلَغُ واعظٍ وأَصْدَقُ مَنْ بَشَّرَ وَأَنْذَرَ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِه خيرِ صَحْبٍ ومَعْشَرٍ.
أَمَّا بَعدُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [المائدة:35].
أيُّها الْمُسْلِمُ: نعم أنتَ يا من تَسمَعُنِي وتَرَانِي! على أيِّ شيءٍ سَتَطوِيْ صَحَائِفَ عامِكَ هذا؟ فَلَعَلَّهُ لم يبقَ من أعْمَارِنَا إلاَّ أَيَّامٌ، فَلْنَسْتَدْرِكْ عُمُرَاً أَضَعْنَا أوَّلَهُ، فَقد قَالَ نَبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرمِكَ، وَصِحتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبل فَقرِكَ، وفَرَاغَكَ قبل شُغْلِكَ، وحياتَكَ قبل مَوتِكَ".
مَعَاشِرَ المُستَمِعينَ: حَقِيقَةٌ وَاقِعَةٌ, وَقَولٌ صَادِقٌ فَصْلٌ: واللهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، ولَتُبعَثُنَّ كما تَستَيقِظُونَ، وَلَتُخْبَرُنَّ بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ، فَجَنَّةٌ لِلمُطِيعِينَ، وَنَارٌ تَلظَّى لِلعَاصِينَ: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت:40].
أَحِبَّتِي فِي اللهِ: مَنْ غَفَلَ عن نَفْسِه ضَاعت أوقَاتُهُ, ثم اشتدَّت عليه حَسَرَاتُهُ، وأيُّ حَسْرَةٍ مِنْ أنْ يكونَ عُمُرُكَ حُجَّةً عليكَ؟ عجيبٌ حالُنا: نُوقنُ بالْمَوتِ ثُمَّ نَنْسَاهُ! ونَعرفُ الضَّرَرَ وَنَغْشَاهُ! نَخْشَى النَّاسَ واللهُ أَحَقُّ أَنْ نَخْشَاهُ! نَغْتَرُّ بِالصِّحَةِ وَنَنْسَى السَّقَمِ! ونَزْهُو بِالشَّبَابِ ونَنْسى الْهَرَمِ! نَهْتَمُّ بالعِلْمِ ونَنْسى العَمَلِ! يَطُولُ العُمُرُ ويَزْدَادُ الذَّنْبُ! ويَبْيَضُّ الشَعْرُ وَيَسْوَدُّ القَلْبُ! إلاَّ مَن رَحِمَ ربِّيِ! سُبحانَ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ هذه الدَّارِ؟! يا قوم: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39].
ذَهَبَ عامُنا شاهداً لناَ أو علينا، فَخُذْ زَاداً كافياً، وأعدَّ جَواباً شَافِياً، واستكثر من الحسناتِ، وَتَدَارك ما مَضى من الهَفَواتِ، قبل أنْ يَفْجَأُكَ هادِمُ اللذَّاتِ. فقد قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفسَهُ فَمُعتِقُها أو مُوبِقُها".
كُنْ حذِراً من القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ السَّافِلَةِ, والمَواقِعِ العَنكَبُوتِيِّةِ الفَاسِدَةِ! فقد صَارَتْ كابُوساً جَاثِماً على الأَكْتَافِ! وضَرَراً بَيِّناً على الكِبَارِ والصِّغارِ! حتّى النِّسَاءِ!
يَا مَنْ أَقْعَدَهُ الحِرمَانُ عن الطَّاعَةِ، وأثقلَهُ العِصيانُ عن الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ: إلى متى تُعرِضُ عن النَّصِيحِ؟ كم أغلقت باباً على قَبِيحٍ ؟أَنَسِيتَ سَاعةَ الاحْتِضَارِ؟!حِينَ يَثقُلُ مِنْكَ الِّلسَانُ، وَتَرْتَخِي اليَدَانُ، وتَشْخُصُ العَينَانُ، ويَبكي عليكَ الأَهلُ والولدانُ "فلا إلهَ إلاَّ اللهُ، إنَّ للموتِ لسكراتٍ".
فَأين مَن عَاشرنَاهم كَثيراً وأَلفنَاهم؟! أين مَن مِلنَا إليهم وأحببنَاهم؟ كم من والِدٍ عَزيزٍ دَفنَّاهُ؟. وقريبٍ أَضجعنَاهُ؟ وصَدِيقٍ بالقبرِ واريناهُ؟ فهل رَحِم المَوتُ مَريضَاً لِضعفِ حالِه؟!أو ذا عِيالٍ لأجْلِ عياله؟! لا واللهِ أتاهم الْمَوتُ، فأخلى منهم المجالسَ والمساجَد، لا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِم ضَّرَّاً ولا نَفْعَا!
فيا عبدَ الله: دَعِ اللهوَ جَانِبَاً، وقمْ إلى ربِّكَ نادما، وقِف على بابهِ تائباً "فَإنَّ الله عزَّ وجلَّ يَبسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيتُوبَ مُسيءُ النَّهارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ الليلِ، حتى تطلعَ الشَّمسُ من مَغربِها" فأحسنْ فيما بَقِيَ, يُغفرْ لك ما قد مَضَى: (وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]. يَقُولُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:19].
فاللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على الكافرين (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]
اللهمَّ اجعل مُستَقبلنا خيراً من ماضينا, وأحسن عاقِبَتِنا في الأمورِ كُلِّها وأجرنا من خِزْي الدُّنيا وعذابِ الآخِرَةِ, اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداءَ الدِّين، واجعل بَلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائرَ بلادِ المسلمين اللهمّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاةَ أمرنا، ووفقهم لِما فيه صَلاحُ الإسلام والمسلمينَ, اللهم كُنْ لأهْلِنا وَإخْوانِنَا في الشَّامِ, اللهم ارحم ضعفَهُم, واجبر كَسْرَهُم وَتَولَّ أمْرَهُمْ, واكبت عَدُوَّهُم, واغفر لنا ولوالدينا والمُسلمينَ أجمعِينَ.
عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيمَ الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.