الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
والتنافُسُ مِن أجْلِ الدنيا يُسبِّب العداوةَ والخُصُومَة حتى بين الإخوة والأقارب؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما الفقرُ أخشى عليكم, ولكن أخشى أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَت على من كان قَبْلَكم, فَتَنَافَسُوهَا كما تَنافسُوها, فَتُهلِكَكُم كما أهْلَكتهُم".
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله. صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله -تعالى-, وأصلحوا ذاتَ بينِكم, وأَحِبُّوا لإِخوانِكم مِن الخير ما تُحِبُّونه لأنفسِكم, واعلموا أن ذلك مِن أعظم خِصال الإيمان, وَأَجْرُ ذلك عظيم, خصوصاً في آخرِ الزمان, عِندما تَكْثُر الفتن, فتَتَأثَّر بها القلوب, وتَتَناكَر, وتنتشر العداوة والبغضاء بِسَبَبِها, فلا يكاد الناسُ يعرِفُ بعضُهم بَعضا.
روى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة, فقال: "إِن بَيْن يَدَيها فِتنةً وَهَرجا", قالوا: يا رسول الله, الفتنةُ قد عرفناها, فالهرج ما هو؟ قال: "القتل، ويُلْقى بين الناس التناكُر, فلا يَكادُ أحدٌ أن يعرفَ أحدا".
وَلِذلك صار لِمُجاهَدَة النفسِ في تطهير القلب من الغِّل والحسد والشحناء, وفي محبة الخيرِ للمؤمنين، في آخر الزمان, أجرٌ مُضَاَعف, وهو من أعظم أسباب الفوزِ بالجنة, والنجاةِ من النار؛ لِقِلَّةِ مَن يَتَّصِفُ بِهذه الخصلة في آخرِ الزمان.
في الحديث، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمتكم هذه, جُعِلَ عافِيَتُها في أوَّلِها, وسَيُصِيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنْكِرُونها, وتَجِيءُ فِتنةٌ فَيُرَقِّق بعضُها بعضاً, وتجيءُ الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي, ثم تنكشف, وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذِه، هذِه. فمَنْ أحبّ أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَلَ الجنة، فَلْتَأتِه مَنيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر, وَلْيأتِ إلى الناس الذي يُحِب أن يُؤْتى إليه" رواه مسلم.
عباد الله: إن لِتَناكُرِ القلوب واختلافها أسباباً لا تَأْتلِف القلوبُ إلا بزوالها:
أولها: فسادُ النوايا وَعَدُم الإخلاص لله؛ فإن الإخلاصَ لِلَّهِ يُطَهِّرُ القلب, ويُنَقِّيه من الغِل, ويُبْعِدُ صاحبَه عن التنافس على الدنيا, والانتصار للنفس, والعصبية المقيتة. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهن قلبُ المسلم: إخلاصُ العمل لله, ومناصحةُ وُلاةِ الأمر, ولُزومُ جماعتِهم", فهذه أسباب عظيمة لا بد من توفرها, أولها: إخلاص العمل لله.
الثاني: ضعف جانب الولاء والبراء, الذي هو مِن أركانِ شهادةِ أن لا إله إلا الله، وهو مِن أعظمِ ما يَجْمَع القلوب, ويُقَوِّي أوَاصِرَ المحبة بين المؤمنين, ويجعلُ العِزَّة للمؤمنين؛ إِذْ بِهِ يكون المؤمنون بعضُهم أولياء بعض, فلا مكان معه لِلعقائِدِ الباطلة, سواء كانت عقائدَ كفرية, أو بدعية؛ ولا مكان معه لِلقَوميَّات, ولا العصبية القبلية, ولا الحزبيات المَقِيتَة.
وَمِن أَعْظَمِ أخطارِ العَوْلَمَةِ الفكرية في العالم اليوم مُحَاربتها لهذا الركن العظيم, الذي سَرَى إلى نفوسِ كثيرٍ من المسلمين اليوم فضاع بسببه ميزان الولاء والبراء, والحب في الله والبغض في الله.
فالوحْدَة المباركة التي يحبُّها الله ويَنْصرُ أهلَها وَيُمَكِّن لهم, ويَجْمَع قلوبَ أهلها, هي وحدة العقيدة, وَوحدة التوحيدِ والسنة, لا الوحدة القومية أو الوطنية, ولا العولمة الفكرية.
وقد أمر الله بهذا الركن العظيم, ومدح إمام الحنفاء إبراهيم -عليه السلام- ومن معه بسبب قيامهم به أتم قيام, وتَبَرُّئِهِم من قومهم.
الثالث: تركُ العملِ بِسُنَّةِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه مِن أعظم أسباب اختلاف القلوب وتَبَاعُدِها, ويدُلُّ على ذلك قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في تَسويةِ صُفوفِ الصلاة: "لَتُقِيمُنَّ صفوفَكم، أوْ لَيُخالفنَّ اللهُ بين قلوبِكم". كل ذلك عقوبة من الله بسبب ترك العمل بالسنة. وإذا كان تركُ تسويةِ الصف يُسَبِّبُ الفُرقة, فكيف بما هو أشد منها, مما هو واقع فيه كثير من المسلمين اليوم؟.
الرابع: تَنَوُّعُ المَشارِب والمَصَادِر التي يَتَلقَّى منها المسلمون دينهم، فَيَجِبُ أن يكون المنهج واحداً, وهو منهج السلف الصالح؛ لأن المسلمين إذا اتَّحَدَ المصدرُ الذي يَرِدُون عليه, والغَدِيرُ الذي يشربون منه, اتفقت كلمتهم واجتمعوا؛ أما إذا تَنَوَّعَت المصادرُ, واختلفت المناهج, فلا بد وأن يقعوا في الفُرْقَة.
والواقعُ المَرِيرُ الذي يعيشه المسلمون اليوم شاهدٌ على ذلك، فإنه لما ابتعد البعض من دعاة الخير عن منهج السلف الصالح, وأصبحوا يأخذون من المناهج المحدثة, دبت فيهم الفرقة والاختلاف لعدم اتفاقهم على منهج واحد, وألحقوا الضرر بعامة المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمّا بَعدُ: أَيّهَا المسّلِمُون، السبب الخامس من أسباب التَّبَاعُد والتَنَاكُرِ بين الناس: حبُّ الدنيا واللَّهثُ وراءَها, والتنافسُ بين المسلمين في الاستِكثار منها؛ فإنها مَلْهاةٌ للقلوبِ, وَمُشْغِلَةٌ لها,
كما قال -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) [التكاثر:1].
والتنافُسُ مِن أجْلِ الدنيا يُسبِّب العداوةَ والخُصُومَة حتى بين الإخوة والأقارب؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما الفقر أخشى عليكم, ولكن أخشى أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَت على من كان قَبْلَكم, فَتَنَافَسُوهَا كما تَنافسُوها, فَتُهلِككُم كما أهْلَكتهُم".
السادس: الذنوب والمعاصي؛ فإنها تُقَسِّي القلوب, وتملؤها بالظُلْمة والأنانية, وقد ورد في ذلك حديث عظيم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, يدل على أن المعاصي تُفَرِّقُ بين القلوبِ المتآلفة, حتى ولو كانت مجتمعةً في الله, وَمُتَحابَّةً في الله، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تَوَادَّ اثنانِ في الله فَيُفَرّق بينهما إلا بِذَنبٍ يُحْدِثُه أحَدُهُما" رواه أحمد عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، ونجّهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفقنا لما يرضيك عنّا، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكاها، أنت وليّها ومولاها.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة، وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين.
اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله، وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].