الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن من واسع كرم الله وعموم مغفرته، ورحمته وفضله، وإحسانه أن جعل لتحصيل مغفرته أسبابًا عديدة وأعمالاً جليلة، وأخرى يسيرة، يكسب بها العبد مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، وحط الذنوب والخطيئات. يأتي في مقدمة هذه الأعمال والأسباب التي جعلها الله -عز وجل- أسباب مغفرة الذنوب: توحيد الله -عز وجل-، وإفراده بالعبادة، وعدم الإشراك به في عبادته أيًّا كانت العبادة، فلا يجوز صرف شيء من العبادة لأحد من المخلوقين؛ لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا غير ذلك.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد فيا عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فإنها وصية الله لعباده الأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء:131].
ألا فاتقوا الله عباد الله تسعدوا وتفلحوا، تزودوا في رحلتكم إلى الله والدار الآخرة بزاد التقوى فنعم الزاد التقوى لمن تزود بها (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة:197]، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين وأوليائه الصالحين إنه سميع مجيب.
عباد الله: ها قد انتهى موسم الحج بعد أن أكرم الله -عز وجل- من شاء من عباده بحج بيته الحرام، وهذا من عظيم فضل الله على العبد، وبخاصة لمن حظي من ربه بالقبول؛ فإن من ثمرات قبول الحج دخول الجنة، وهي أعظم مطلوب للمؤمن كما في الحديث: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ومن ثمرات الحج تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب الخطيئات؛ فـ "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
عباد الله: إن من واسع كرم الله وعموم مغفرته، ورحمته وفضله، وإحسانه أن جعل لتحصيل مغفرته أسبابًا عديدة وأعمالاً جليلة، وأخرى يسيرة يكسب بها العبد مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، وحط الذنوب والخطيئات.
يأتي في مقدمة هذه الأعمال والأسباب التي جعلها الله -عز وجل- أسباب مغفرة الذنوب: توحيد الله -عز وجل-، وإفراده بالعبادة، وعدم الإشراك به في عبادته أيًّا كانت العبادة، فلا يجوز صرف شيء من العبادة لأحد من المخلوقين؛ لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا غير ذلك.
ومن حقق التوحيد، وأفرد الله وحده لا شريك له في عبادته؛ فقد أتى بأعظم أسباب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
في الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: "يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة"، وهذا من بركات التوحيد وثماره العظيمة أنه من أعظم ما تُكفر به ذنوب العبد وسيئاته إذا قدم على ربه، وقد قال -عز وجل-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء: 48].
ومن الأسباب العظيمة لمغفرة الذنوب: دعاء الله -عز وجل- مع حسن الرجاء فيه -سبحانه وتعالى-؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- هو غفّار الذنوب، هو -سبحانه وتعالى- الغفور الرحيم، هو -سبحانه وتعالى- الرحيم الودود، هو الكريم الجواد، فمتى أذنب العبد أي ذنب فدعا ربه -عز وجل- بصدق وإخلاص في أن يغفر الله ذنبه، ويستر عيبه، وحسن رجاؤه بخالقه -سبحانه وتعالى- أجاب الكريم الغفور الرحيم دعاءه، وغفر ذنوبه فضلاً منه -سبحانه وتعالى- ورحمة (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) [النساء: 147].
وفي الحديث يقول الله تعالى: "يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي..".
وقف قليلاً -أيها المسلم- عند قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: "غفرت لك ما كان" أي: أيّ ذنب كان؛ فإن الله -عز وجل- لا يتعاظمه شيء.
ومن أسباب مغفرة الذنوب: "الاستغفار"، هذا الدواء العظيم الذي شرعه الله -سبحانه وتعالى- لتطهير الإنسان من الذنوب والمعاصي والخطايا والآثام، هذا العمل اليسير الذي لا يتطلب من الإنسان إلا حركة اللسان، متى ما أتى به المسلم صادقًا في استغفاره كان استغفاره من أعظم أسباب المغفرة لذنوبه.
في الحديث القدسي السابق يقول الله تعالى: "يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء –أي كثرة- ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي".
الله أكبر.. " ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي" مباشرة بدون وسائط ولا شفعاء، ولهذا كان من هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كثرة الاستغفار، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد ولد آدم، من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يحسب له في المجلس الواحد ليس في اليوم ولا في اليوم والليلة بل في المجلس الواحد: "رب اغفر لي وتب عليَّ"، أكثر من سبعين مرة وفي رواية "مائة مرة" في المجلس الواحد.
وفي الحديث القدسي: "يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم"، فأكثرْ يا عبد الله من طلب المغفرة من ربك -عز وجل-؛ فإنك على خير عظيم، وهل هناك مطلب غالٍ مثل مغفرة الذنوب والسيئات، في الحديث "من أحب أن تسره صحيفته فليكثر من الاستغفار"، فطوبى ثم طوبى لمن قدم على ربه -عز وجل- ووجد في صحيفة أعماله استغفارًا كثيرًا.
ومن أسباب مغفرة الذنوب: "التوبة إلى الله -عز وجل- من الذنوب والآثام"؛ فإن الله -عز وجل- هو التواب الرحيم، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، وهو الذي يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب إليه.
ولهذا ربط الله -عز وجل- في كتابه فلاح العبد بالتوبة فقال -سبحانه وتعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 21].
ألا، وإن من أعظم صور ظلم العبد لنفسه: ألا يحدث توبةً لذنوبه وخطاياه، كما قال تعالى (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].
فالزموا التوبة يا عباد الله في جميع أوقاتكم وأحوالكم، فإن التوبة وظيفة العمر؛ لأن العبد بحكم بشريته لا ينفك عن نوع خطأ وتقصير في حق ربه، وارتكاب لمخالفة، والتوبة علاج هذا التقصير ودوائه "كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون"، وهي كما جاء في الحديث تَجُبُّ وتهدم ما كان قبلها من الذنوب والمعاصي.
وما سمى الله -عز وجل- نفسه بالتواب وهي صيغة مبالغة إلا لكونه يقبل التوبة من عباده مهما كانت ذنوبهم وسيئاتهم وخطاياهم وآثامهم، فلا يأس لدى المسلم من مغفرة ذنوبه وتكفير سيئاته مهما عظمت، مهما كثرت مهما تعددت وتنوعت متى ما صدق في توبته لله -عز وجل-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [التحريم: 8]، وعسى من الله واجبة، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
فبادر يا عبد الله إلى التوبة النصوح قبل أن يُحال بينك وبينها بالموت؛ فإن الله -عز وجل- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر؛ كما جاء في الحديث.
أيها الإخوة المسلمون: ومن أسباب مغفرة الذنوب: ملازمة الأعمال الصالحة؛ فإن للعمل الصالح أثرًا عظيمًا في تكفير السيئات ومحو الخطيئات. يقول ربكم -عز وجل-: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82]، وقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114].
وفي الحديث: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" فلا تفرط يا عباد الله في أيّ عمل صالح مهما كان صغيرًا، فقد تكون مغفرة ذنوبك وتكفير سيئاتك بسبب ذلك العمل الصالح الذي قد استصغرته في نفسك.
ألم يُغفر للبغي من بني إسرائيل لما سقت كلبًا؟ ألم يغفر للرجل لما أزال غصن شوك على طريق الناس، فلا تحقرن يا عبد الله من العمل الصالح شيئًا، وبخاصة أعمال الخلوات التي تعملها بينك وبين نفسك، لا يراك فيها أحد، ولا يطلع عليك فيها أحد إلا مولاك -سبحانه وتعالى-، احرص على هذا النوع من الأعمال أعمال الخلوات، واستكثر منها؛ فإن لها أعظم الأثر في تكفير السيئات ورفعة الدرجات.
عباد الله: المعاصي والذنوب سبب الشرور في الدنيا والآخرة، وسبيل الخلاص منها بالعمل بأسباب المغفرة، فاحرصوا عليها تسعدوا وتفلحوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 133- 135].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد فإن أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
عباد الله: لذكر الله -عز وجل- أثر عظيم في تكفير السيئات فقد قال ربكم -عز وجل- لما ذكر بعض صفات عباده المؤمنين (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
وقد شرع لكم نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- جملة من الأذكار ورتب عليها تكفير السيئات في الحديث: "من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
أيعجز أحدنا على أن يأتي بهذا الذكر صباحًا ومساءً كل يوم وليلة، كفارة المجلس "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"، سبب لتكفير سيئات المجلس.
أذكار الصلوات التي يأتي بها المسلم بعد فراغه من صلاته سبب عظيم لمحو السيئات وتكفيرها.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيننا على تلمس أسباب المغفرة والعمل بها، وأن يوفقنا للتوبة النصوح والعمل الصالح، إنه سميع قريب.
هذا، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"..
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك...