البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
اسمعوا لهذه الدعوات؛ دعوة لإسقاط ولاية الرجل على المرأة، دعوة لمنح المرأة حرية السفر بلا محرم، دعوة لترك المرأة الإحداد على زوجها بعد الوفاة، فلِمَ تسجن نفسها بموت زوجها أربعة أشهر وعشرًا؟! دعوة لأن تلبس المرأة البنطال وتجري في المونديال، لأن تشارك في المهرجانات والألعاب الرياضية والسباحة والفروسية، دعوة لأن تجلس المرأة في أمسيات شعرية بجانب رجل أجنبي غريب وتلقي قصائد الغزل والحب والغرام، دعوة لأن تخرج في الإعلام كاشفةً وجهها ناشرةً شعرها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقًّا، ونتوكل عليه مفوضين الأمر إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
صلوا على الهادي البشير محمد | تحظوا من الرحمن بالغفران |
فالله قد أثنى عليه مصرحًا | في محكم الآيات والقرآن |
اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
عباد الله، اسمعوا لهذه الدعوات؛ دعوة لإسقاط ولاية الرجل على المرأة، دعوة لمنح المرأة حرية السفر بلا محرم، دعوة لترك المرأة الإحداد على زوجها بعد الوفاة، فلِمَ تسجن نفسها بموت زوجها أربعة أشهر وعشرًا؟! دعوة لأن تلبس المرأة البنطال وتجري في المونديال، لأن تشارك في المهرجانات والألعاب الرياضية والسباحة والفروسية، دعوة لأن تجلس المرأة في أمسيات شعرية بجانب رجل أجنبي غريب وتلقي قصائد الغزل والحب والغرام، دعوة لأن تخرج في الإعلام كاشفةً وجهها ناشرةً شعرها.
هل تصدقون؟! هل تصدقون أن من يدعون إلى هذا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟! هل تصدقون أنهم يعيشون بين أظهرنا ويتكلمون بألسنتنا ويكتبون هذا في صحفنا ويغردون به على رءوس الأشهاد؟!
تطاولٌ على الشريعة وهدمٌ لأحكامها، إسقاط لما أوجبت وإيجاب لما أسقطت وتحليل لما حرمت وتحريم لما أمرت به ودعت إليه.
هل انتهى الأمر إلى هذا؟ لا، فمن تطاول على الشرع تطاول على من طبقه، ومن استهزأ بالشرع استهزأ بمن طبَّقه، ومن كره الشرع كره من طبقه، ومن اتهم الشرع اتهم من طبقه، واسمعوا إلى ما يقولون.
"المرأة السعودية بالكاد أن تتحرك بسبب الشحوم المتراكمة، نحن نريد أمهات متثقفات رياضيات لا أمهات مفلسات تكاد تقتلهن السمنة، لا ينتجن إلا الدرباوية ومدمني المخدرات"؛ كاتب صحفي.
كاتب آخر: "نريد للمرأة أن تكون شيئًا مذكورًا، لا تظهر بملابس سوداء كأنها كيس فحم".
كاتب آخر: "المرأة في هذه البلد كالبقرة وتلبس كيس القمامة على رأسها".
معشر الفضلاء، لا تستغربوا عندما تسمعون هذا، لا تستغربوا عندما تسمعون أن تطاولاً على دين الله ورفضًا لأحكامه يقع من أناس ينطقون بلا إله إلا الله، فقد كان رأس المنافقين عبد الله بن أبي وأتباعه يصلون في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وإذا خرجوا من عنده طعنوا في الدين وسعوا لهدمه، يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ ثم يقولون: (لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون: 7]، يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم يقولون: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) [المنافقون: 8].
ولا تستغربوا عندما تسمعون بمن يستهزئ بالمرأة السعودية وعباءتها، وهم يقولون: لا إله إلا الله. فقد استهزأ برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه أناسٌ يشهدون أن لا إله إلا الله بل خرجوا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الجهاد. أما قالوا في غزوة تبوك: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنةً ولا أجبن عند اللقاء".
إنها الحقائق تظهر ساطعةً لكل ذي بصيرة، لقد سقطت الأقنعة التي لبسها من يدَّعون أنهم يريدون الإصلاح ويدافعون عن حقوق المرأة، إنها حرب على الدين وعلى من يطبق أحكامه وإلا ما الذي ينقمه هؤلاء من المرأة السعودية، من عباءتها السوداء التي إذا وضعتها على رأسها كأنما تلبس تاج العز، وإذا غطت جسدها فهي أجمل من الدر والياقوت؛ ينقمون من عباءتها أنها انقياد لخالقها، (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31] ينقمون منها أنها صانت جسدها عن الأعين الخائنة:
عيرتني بالمشيب وهو وقار | يا ليتها عيرت بما هو عار |
ينقمون منها أنها وقفت صامدةً كالطود العظيم أمام دعاة التغريب والرذيلة حتى تكسرت سهام المرجفين على عباءتها، وارتد البصر خاسئًا وهو حسير، فلم يصل إلى ما تخفي من زينة تحت العباءة.
وعيرني الواشون أني أحبها | وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |
ينقمون منها أنها مزقت آمالهم الرخيصة وأغراضهم الدنيئة بتلك العباءة التي أصبحت فخرًا لمجتمعنا، وغصةً في حناجر المفسدين، وإلا ما الذي يضيرهم من هذه العباءة، لماذا ينزعجون منها؟ ينزعجون منها لأنه تطرد الشياطين شياطين الإنس الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
لقد بان مكرهم وظهر، يريدون إسقاط العباءة من على الرأس إلى الكتفين، ومن على الكتفين تحت القدمين، ويريدون إسقاط ولاية الرجل على المرأة حتى تصبح مكشوفةً أمامهم بلا حجاب، بلا ولي، بلا نصير، ليس لها من يحميها ويدافع عنها، عند ذلك يلعبون بعفتها وشرفها.
المحرم للمرأة، من الذي شرعه؟ الولي، من الذي جعله وليًّا؟ أليس الله الذي خلق المرأة أرحم بها من نفسها؟ ألستم تقولون: لا إله إلا الله. أما قال الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34]، أما قال –عليه الصلاة والسلام-: " لا نكاح إلا بولي"؟ (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
فليس للمرأة أن تزوج نفسها، أما قال – عليه الصلاة والسلام -: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" (رواه البخاري ومسلم).
أما قال – عليه الصلاة والسلام -: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" (رواه البخاري).
هذا كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام–، ولكنّ المفسدين لا ينقادون، هم يدركون أن الولي والمحرم للمرأة رحمة بها وخير لها وللمجتمع، لكنهم يريدون أن تضل المرأة ويضل المجتمع ضلالًا بعيدًا.
إن ولاية الرجل على المرأة التي أقرها الشرع تكليف لا تشريف، فليس للرجل أن يتصرف في المرأة إلا وفق أحكام الشريعة، ليس له أن يأخذ من مالها بغير حق، ولا يزوّجها بغير إذنها، ولا أن يمنعها من الزواج، وإذا وقع تجاوز من بعض الآباء أو الإخوة أو غيرهم ليس معنى هذا أن يطالب بإلغاء الولاية وإسقاط ما أقره الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام– وهل إذا أخطأت امرأة على طفل صغير لها بل لو حتى قتلته نلغي حق الأمهات العظيم الذي وصى الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام– به.
لقد جعل الله حقوقًا وأوجب واجبات، فللوالدين حق وعليهم واجبات، وللزوج حق وعليه واجبات، وللزوجة حق وعليها واجبات، وللملوك حق وعليه واجبات، وللسيد حق وعليه واجبات؛ فإذا قصر أحد فيما أوجب الله عليه من حقوق ألزمناه بما أوجب الله عليه، وليس لنا أن نلغي أو نطالب بإلغاء ما أمر الله به ورسوله -عليه الصلاة والسلام–.
عباد الله، إننا نقف أمام شريعة عادلة كاملة جاءت من لدن حكيم خبير، لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثلها لا يأتون به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، فعظموها وطبقوها واحمدوا الله عليها ولا تحيدوا عنها ولا تبتغوا لها بديلاً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء: 9].
بارك الله لي ولكم في الكتاب المبين وهدي سيد المرسلين، قلت ما سمعتم وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا وهدانا صراطًا مستقيمًا وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الجد والتشمير وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الآباء، أيها الأزواج، أيها الإخوة، اتقوا الله في النساء، احفظوا فيهن وصية رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يوم قال: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوان عندكم" لا تفتحوا المجال أمام المفسدين للطعن في الدين والمطالبة بإلغاء أحكامه بظلم النساء والتسلط عليهن، لقد ولاكم الله على النساء من زوجات وبنات وأخوات وجعل لهن حقوقًا فأدوا لهن ما أمر الله به، ليس فضلًا منكم ومعروفًا بل واجب أوجبه الله عليكم وحق جعله الله لهن.
تذكروا أن لهن حقًّا حرَّجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيا ويل من اعتدى على حق حرَّجه رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يوم قال: "إني أحرِّج حق الضعيفين: المرأة واليتيم" لا تنظروا إلى أنهن ضعيفات وربما سكتن حياءً أو عجزًا عن المطالبة؛ فنصيرهن في السماء ومعينهن في السماء، وهو ناصر المستضعفين، فاتقوا الله فيهن، أدوا لهن ما جعل الله لهن من ميراث كاملاً غير منقوص، إلا ما جُدْنَ به عن طيب نفس بلا إكراه ولا إحراج.
اتقوا الله فيهن ولا تأخذوا من مالهن إلا بطيب نفس، واعلموا أن النفقة واجبة على الرجل لا على المرأة، اتقوا الله فيهن ولا تمنعوهن من الزواج، تريدون عرضًا من الدنيا أو لأمر آخر.
لقد اشتكت بعض البنات من آبائهن، بل سألت بعضهن هل يجوز أن أدعو على أبي؛ فقد منعني الزواج، كلما تقدم لي رجل رفضه.
عباد الله، ولاية الرجل على المرأة أمر حسمه الشرع، فلا خيار لأحد في رفضه أو قبوله، إن كان مؤمنًا بالله ورسوله، قال ربنا –جل وعلا-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36]
وهذه الولاية لا تعني أن يتصرف الرجل في المرأة كما يريد بل وفق شرع الله، يؤدي للمرأة ما لها من حقوق ويقوم على مصالحها ويحرص على دينها ودنياها، يربيها التربية الدينية، يأمرها بالصلاة ويحثها عليه، ويأمرها بالحجاب وينهاها عن التبرج والسفور ومخالطة الرجال والخضوع لهم بالقول، يقوده قول الله – جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى محمد المصطفى امتثالًا لأمر الله – جل وعلا -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسول نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أحرم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيما خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شر أشرارهم، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم كن للمستضعفين للمسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم قوِّ عزائمهم، اللهم سدد ضرباتهم، اللهم قوهم وأعنهم، اللهم انصرهم، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واجمع لنا بين الدين والدنيا والأخرى، اللهم إنا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا.
نسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك لسانًا ذاكرًا وقلبًا سليمًا.
اللهم اغفر لا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.