البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

العين.. والشعوذة (1)

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تلبّس الجن بالإنسان .
  2. العين حق .
  3. أعراض الإصابة بالعين .
  4. كيفية علاجها .
  5. مواصفات الراقي وأهمية تأهيله .
  6. ما ينبغي أن يهدف له .
  7. كثرة ادعاءات المشعوذين .

اقتباس

ولكن؛ كيف يصاب الإنسان بالعين؟... وما أعراض الإصابة بالعين؟ وكيف يُعالج من أصيب بها؟ وما حكم العلاج بالرقية؟ وما مواصفات الراقي أو القارئ؟ وكيف يكافح ويتصدى للرقاة الأدعياء وهم المشعوذون؟ وهل تتداخل تلك الأنواع من الأمراض السابقة؟ هذا ما سأحاول التعرض له في هذه الخطبة، وأكمل بقيته في الجمعة القادمة إن شاء الله -تعالى-.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فكما أن الإنسان معرض للتأثر بالسحر، فهو معرض كذلك لأن تمسه الجن، وأن يصاب بالعين، ولربما تكون حالته المرضية ليست من هذه كلها وإنما مرض نفسي وتوهم، كما قد يفتعل بعض الناس أنه مريض إما لدفع تهمة أو جلب مصلحة يرى أنها لا تتحقق إلا بذلك.

ولكن؛ كيف يصاب الإنسان بالعين؟... وما أعراض الإصابة بالعين؟ وكيف يُعالج من أصيب بها؟ وما حكم العلاج بالرقية؟ وما مواصفات الراقي أو القارئ؟ وكيف يكافح ويتصدى للرقاة الأدعياء وهم المشعوذون؟ وهل تتداخل تلك الأنواع من الأمراض السابقة؟.

هذا ما سأحاول التعرض له في هذه الخطبة، وأكمل بقيته في الجمعة القادمة إن شاء الله -تعالى-.

أيها المسلمون: كلام الله -تعالى- شفاء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57]، (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [فصلت:44]، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء:82]، فهو يجمع مع الهداية والدلالة والسير سوياً على صراط مستقيم، يجمع معها أنه شفاءٌ للأمراض العضوية والروحية.

كما أنه -ثالثاً- قد يقرأ على من به مسٌّ من الجن لغرض خنق الجني المتلبس بالإنسان. وكان الأولى بالرقاة أن يُعممِّوا الانتفاع بهدايته لتشمل حتى الجن المتلبسين بالإنسان؛ لأن الجن معنيون بخطاب القرآن ورسالةِ محمد -صلى الله عليه وسلم-، قد يكون التلبس بالإنسان بسيطاً لا يُحدث له إلا أذىً يسيراً، ومع ذلك يعمد الرقاة -في غالب أحوالهم- إلى محاولة خنق الجني أو ما يسمى بإحراقه، ولا يركزون على دعوته وتخويفه من الله -تعالى-، وتحذيره من عذابه إن هو آذى إنساناً.

وهذا المسلك الأخير، وهو القراءة على المصاب بنية هداية الجني، هو الأصل؛ لثلاثة أسباب:

الأول: لأن إحراق الجني إذا لم يرتكب عملاً شنيعاً ليس عدلاً، والمتعين تغيير المنكر بحسبه، وهو درجات.

وثانياً: لأن القراءة على المصاب بنية الإحراق يحصل منها التعب، وقد تطول مدة العلاج لتصل إلى سنوات، بينما لو عدل الراقي إلى نية هداية الجني لانتهى في مدة يسيرة جداً كما قرر ذلك بعض أهل العلم ممن كتبوا في هذا الشأن.

وهدف القاري إنما هو الإصلاح بين المريض والجني، لأن الجني غالباً ما تلبس بشخص إلا لأذىً لحقه منه، فأراد أن ينتقم، فيقرأ الراقي مثلاً قول الله -تعالى-: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف:31]، وقوله -سبحانه-: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) [الجن:13]، ونحو ذلك.

وقد ذكر جمع من المشايخ الفضلاء أنهم جربوا هذا المسلك مع بعض المصابين فأعطى نتائج محمودة.

وثالثاً: إن منهج القراءة على المصاب بنية هداية الجني يثمر أن لا تؤذي الجن القارئ نفسه؛ إما لمعرفتهم بأنه عادل ويريد الإصلاح، أو لعجزهم عنه، لأن الجني المتلبس قد يكون من عفاريت الجن ويكون الراقي في الوقت نفسه ضعيفاً فيناله هو الآخر من أذاهم.

معاشر المسلمين: يتوهم أحياناً أولياء المصاب أن مصابهم به مسٌّ من الجن وإن لم يكن كذلك، وحقيقة الأمر أنها ضغوط نفسية، أو أنه مصاب بالعين، والحالات الثلاث: الجن، والمرض النفسي، والعين تجدي معها قراءة القرآن وتنفع بإذن الله -تعالى-، لكن يميز بينها.

وقد تكون حالة رابعة وهي أن يفتعل المريض حالةَ هَوَسٍ ليوهم أهله أنه مريض وليستدر عواطفهم، ويأمنَ عقابهم، وما ذاك إلا للتخلص من جرمٍ فعله.

وقد أخبرني أحد الأطباء المختصين بالطب النفسي أن بنتاً جاء أهلها إلى عيادته بعد أن استفرغوا جهدهم في الذهاب بها إلى القراءة، فسألها الطبيب عدة أسئلة كان نهايتها أن صرحت له أن ليس بها شيء مما يظنون، وإنما تظاهرت بالجنون لأنها وقعت في جريمة الزنا فخافت عقابهم والفضيحة فتظاهرت بالجنون. وهذا يؤكد أهمية تأهيل القراء الرقاة علماً وتديناً وعقلاً وفهماً.

وأهم ما يجب على القارئ الراقي أن يتصف بما يلي:

أولا: العلم بشرع الله -تعالى-، والتوكل عليه، والإخلاص له -سبحانه- فلا يرجو بعمله هذا الشهرة ليقال: القارئ فلان يقرأ على خواص الناس وعليةِ القوم من المسؤولين والتجار. وتجده في المجالس يذكر بين حين وآخر ذهابه إلى الوجيه الفلاني بناءً على طلبه ليقرأ عليه ويرقيه وقد شفاه الله، وبعضهم يقول: أنا لا أقرأ لعموم الناس، بل للخاصة فقط ونوعيات معنية.

بل إن أحد الرقاة لفرط حبه للشهرة والمال سحر أحد المرموقين ليأتي عليه المسحور فيفك سحره ويشتهر الساحر بهذه الحيلة، ذكر ذلك أحد الفضلاء المحتسبين المتصدين للمشعوذين.

فالإخلاص في هذا العمل إذاً مهم جداً. وكما أن الرياء مذموم، فكذلك العُجب صفة نقص، وعلامة شعوذة في الراقي؛ ومن ذلكم: قول أحدهم مثلاً حين يقرأ على المصابين: لو كان فيك مسٌّ من الجن لما وضعت يدك في يدي.

ومما ينافي الإخلاص في الرقية، أن يكون هَمُّ الراقي هو الدخل المادي، ويجعل جُلَّ تركيزه كيف يستنزف أكبر قدر من المال من أيدي المرضى؛ ولهذا تجدون كثيراً من الرقاة يعمدون إلى ما يسمى بالقراءة الجماعية أو عبر مكبر الصوت إذا كثر عنده المراجعون ذلك اليوم.

والصفة الثانية المتعين توفرها في الراقي أن يكون هدفه دعوة المريض وتقريبه إلى مولاه وتذكيره به -سبحانه-، وأن الله لا يضيع أجر الصابرين، (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل:93]، وتقويةُ هذه المعاني في نفسية المريض -إضافة إلى منفعتها الإيمانية- هي -أيضاً- رفع لمعنوياته؛ فيقوى جهاز المناعة لديه، وينشط لمقاومة المرض بإذن الله -تعالى-.

ثالثا: الحذر من مداخل الشيطان، وهي كثيرة، وخاصة ما يكون منها على أهل الخير والصلاح، ويدركها من شاء بالرجوع إلى ما كتبه أهل العلم في هذا الباب.

لكن أهمها وأخطرها فتنةُ النساء، تأتي المرأة المصابة إلى الراقي فتتكشف بطريقة أو أخرى لتحرك سهام الشيطان في قلب الراقي.

الصفة الرابعة: أن يُقوِّي الراقي صلته بالله -تعالى- من خلال الأوراد والأذكار ونوافل العبادات ليتقوى قلبه، لأن الراقي الضعيف الصلة بالله يُغري الشيطانَ والمتلبسَ من الجانِ أن يمضوا في إيذائهم، وهم أعداء، والعدو إذا علم وأدرك ضعفك تسلط عليك، وإذا أيقن بقوتك حاذرك وابتعد عنك.

أيها المسلمون: ومن أبلغ أسباب الأمراض، وأكثرها، الإصابة بالعين. ووقوعها حق لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "العين حق" كما ثبت ذلك في الصحيحين، وثبت عنه أيضاً في صحيح مسلم قوله: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".

ومن أعراض الإصابة بالعين: ضيق في الصدر، والصدود عن الطاعات ونوافل العبادات، والتخبط في النظر والتقييم، وسرعة الغضب، وميلٌ إلى العزلة والانطواء، وربما الصرعُ أحياناً.

عافانا الله وحمانا من كل سوء ومكروه... اللهم بارك لنا وانفعنا بالقرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين...

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه...

أما بعد: أيها المؤمنون بالله ورسوله، فإن من أعراض الإصابة بالعين صفرة الجسم، وهي تختلف عن الصفرة الناتجة من فقر الدم.

ومن الأعراض -أيضاً- آلام في أسفل الظهر، وحرقان المعدة، ومنها -كذلكم- كثرة التجشؤ، والتثاؤب غير الطبيعي، ولهذا جاء الأمر بكظم الفم حين التثاؤب كما في الصحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا تثاءب أحدكم فليكظم فاه، فإن الشيطان يدخل". كما أن من علامات الإصابة بالعين برودة أو حرارة الأطراف.

روى الإمام أحمد في مسنده، والنسائي في سننه أن اثنين من الصحابة -رضي الله عنهم- خرجا لغرض، فمرّا بغدير، وأراد أحدهما أن يغتسل، وكانوا يستحون أن يراهم أحد، فظن أن صاحبه لا يراه، فنزع ملابسه ودخل الماء، يقول الآخر: "فنظرت إليه نظرة فأعجبني خَلْقه فأصبته بعين"، فأخذته قعقعة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت رسول -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته الخبر، فقال: "قم بنا"، فأتاه وقال: "اللهم أذهب حرها وبردها ووصبها"، ثم قال له: "قم"، فقام. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع بالبركة، فإن العين حق".

هذه -أيها المسلمون- أبرز أعراض المصاب بالعين، ولا يعني أن كل هذه الأعراض لا تأتي إلا لمن أصيب بالعين، فقد تظهر على شخص لم يصب بالعين، وإنما من أصيب بالعين فربما ظهر عليه شيء من الأعراض السابقة.

ومما يجب التنبيه عليه في هذا الصدد أن العين، مع أنها حق، فهي أيضاً شماعة يعلق عليها المشعوذون كثيراً من ملابس الشعوذة، فإذا عرض إنسان نفسه عليهم ولم يعرفوا تشخيص حالته بادروا إلى القول بأن به نفْسا، أي أنه مصاب بالعين، وربما بالغوا فقالوا: نفس عنيفة أو أنيثة أو نحو ذلك من الأوصاف التي بها يحُصِّلون أكبر قدر من الأموال من جيب المريض.

هذا ولا يزال للحديث بقية في الجمعة القادمة إن شاء الله -تعالى-.

"ابن آدم، أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان".

وصلوا...