الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الصيام |
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟ إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا،...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد فيا أيها الناس: إن الصيام يهذّب النفس، ويقودها إلى الطاعات، ويبعدها عن السيئات، والكلّ يلحظ ذلك جليًّا، إلا أن البعض من الناس هداهم الله، لا تنقاد نفوسهم للطاعة، ولا تبتعد عن السيئات، مع أن الشياطين في رمضان تسلسل، وداعي المعصية يضعف، ولكن نجد هؤلاء لا ينتهون عن منكر، ولا يسارعون في طاعة، وإذا فكرت في السبب، تبيّن لك أنهم لم يأتوا بالصيام على وجهه المطلوب، فهم فقط أمسكوا عن الأكل والشرب والجماع، ولكنهم في المعاصي غارقون، نهارهم نوم، وليلهم سهرات على المنكرات، لا يتورعون عن معصية لا في سماعهم ولا في كلامهم، ولا في كسبهم، فمثل هؤلاء كيف يؤثر فيهم رمضان؟ -والعياذ بالله-.
عباد الله: كل الذنوب تهون إلا ترك الصلاة، فالذنوب فيها الصغائر وفيها الكبائر، ولكن ترك الصلاة كفر -والعياذ بالله-، هل تعلمون أنه يوجد بيننا من يصوم ولا يصلي ولا حول ولا قوة إلا بالله، والبعض يصلي ولكن بعد خروج الوقت، فتراه ينام بعد طلوع الشمس ولا يستيقظ إلا مع أذان المغرب أو بعده، جيفة بالنهار، لا يعرف من الصوم إلا ترك الأكل والشرب، ولمثل هؤلاء أقول:
اتقوا الله -تعالى-، فترك الصلاة كفر، ومن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من غير عذر كفر عند جمع من العلماء، قال عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يعدون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة".
فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟
إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا، فتكون من أهل النار خالدًا مخلدًا فيها، -والعياذ بالله-.
ونقول لمن يصلي ولكنه ينام عن الصلاة إن ذنبك عظيم، وأنت على وشك الكفر، فالصلاة لا تلاعب فيها ولا تهاون، هي الفارق بين العبد وبين الكفر كما صح به الحديث، فمن فرط في الصلاة فهو لما سواها أعظم تفريطا، فلا تجده في دنياه إلا مخذولا، معدوم التوفيق، ضائق الصدر، تعلوه الكآبة والذلة، والعياذ بالله.
معاشر المؤمنين: إن من أشنع السيئات وأعظم الموبقات النوم عن الصلوات المكتوبات، حتى أصبح أولئك المفرطون يستغرقون في نومهم، غير مبالين بصلاة تفوتهم أو صلاة يخرج وقتها، المهم أن يهنأ بنومه، لا يستشعرون ضرورة الاستيقاظ للصلاة، أضاعوا الصلاة واعتذروا بالنوم، لكن الاعتذار بالنوم لا يكون بالغياب عن الجامعة أو المدرسة، ولا بالغياب عن الوظيفة، ولا يفوت رحلة وسفراً.
أيها النائم عن الصلوات المكتوبات: ألا تخشى أن يحرمك الله لذة النوم أو يحرمك من النوم، فتعيش قلقاً لا تعرف معه للنوم لذة، ألا تخشى أن يصيبك من العذاب مثل ما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من عذاب الذي ينام عن الصلاة المكتوبة؟ أيتحمل رأسك ضربة بحجر من ملك؟ فكيف بضربات؟!!
يا من ينامون عن الصلوات المكتوبة: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألستم تحبون الله؟ ألستم تطمعون بدخول الجنة؟ ألستم تؤملون تكفير السيئات؟ ألستم تريدون راحة في الدنيا والآخرة؟ إذًا فما بالكم بالنوم للصلوات مضيعون؟
اللهم اهدِ ضالّ المسلمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن النوم عن الصلاة جريمة عظيمة، وعاقبتها وخيمة، وعقوبتها أليمة، أخرج البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق، وإن انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ ثم قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".
عباد الله: إن كنتم تتعجبون من هذه الرؤيا فرسولنا تعجب منها وقال: سبحان الله! ما هذان؟ رجل مضطجع، ومَلَك معه صخرة، يضرب بها رأس المضطجع، فما أشدها وآلمها من ضربة تشدخ وتهشم الرأس وتكسره تكسيراً، ثم تتدحرج الصخرة، فإذا ذهب الملك ليأتي بالصخرة ليضرب بها رأس المضطجع مرة أخرى، وجد رأسه عاد كما كان سليماً، فيضربه مرة أخرى، وهكذا ضربة بعد ضربة ومرة بعد مرة، في عذاب متكرر متوالي. أين يا مسلمون مكان هذا العذاب؟ إنه في البرزخ، في القبور.
تلكم هي عقوبة من يتعمد النوم عن الصلوات المكتوبة، أما من غلبة النوم مع بذل الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة وصدق في حرصه على الاستيقاظ فلا إثم عليه، ويصلي إذا استيقظ، كما أخرج مسلم في صحيحه قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس في النوم تفريط"؛ يعني لمن بذل السبب ولم يستيقظ.
يا عبد الله: يا من زيَّنت له نفسه النوم عن الصلاة، كم من الصلوات خسرت أجورها وفضائلها بسبب نومك؟!
ألا يدعوك إيمانك وحبّك لربك أن تقف مع نفسك وقفة محاسبة، وقفة مراجعة، وقفة تصحيح، وقفة تدارك، قبل أن تقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.