المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - الجمعة |
فيه تمام خلق السماوات والأرض، فقد خلقهما الله في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة. وفيه خلق أبوكم آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة؛ ففي هذا اليوم ابتداء الدنيا وانتهاؤها. في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثما. وأرجى الساعات للإجابة، س...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وجعل فيه ساعة الدعاء فيها مجاب ومسموع، وخصه بخصائص ليعرف الناس قدره، فيقوموا به على الوجه المشروع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي القهار، مبيد الأجناد والجموع، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أتقى عابد وأهدى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في القنوت والخضوع، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه أن جعلكم من هذه الأمة، وخصكم بهذه الملة، فأصبحتم بذلك خير الأمم، وأكرمها على الله -عز وجل-.
وإن مما ادخره الله لكم من الفضائل هذا اليوم المبارك، يوم الجمعة، فقد أضل الله عنه اليهود والنصارى، وهداكم له، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة هدانا الله له وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد"[النسائي (1368) ابن ماجة (1083) أحمد (2/519)].
فاعرفوا -أيها المسلمون-: حق هذا اليوم المبارك، وما اختص به من الفضائل، لعلكم تقومون بتعظيمه، وتعرفون أهميته.
ففيه تمام خلق السماوات والأرض، فقد خلقهما الله في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة.
وفيه خلق أبوكم آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة؛ ففي هذا اليوم ابتداء الدنيا وانتهاؤها.
في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثما.
وأرجى الساعات للإجابة ساعتكم هذه، وما بعد العصر، فساعتكم هذه فيها صلاة الجمعة، وانتظارها، وساعة بعد العصر فيها صلاة تحية المسجد، وانتظار صلاة المغرب، ومن كان في المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة.
فتحروا -أيها المسلمون-: ساعة الإجابة في هذا اليوم، لعلكم تدركونها، فتفوزون بما تسألون.
ومن خصائص هذا اليوم: تأكد الاغتسال فيه لصلاة الجمعة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"[البخاري ومسلم وغيرهما]
أي على كل بالغ.
فلا ينبغي للمسلم أن يترك الاغتسال ليوم الجمعة؛ لأنه أمر مؤكد جدا، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ووجوبه أقوى من وجوب الوضوء من مس النساء، ومس الذكر والرعاف والحجامة والقيء وأقوى من وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد.
وينبغي أن يتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إلى المسجد، فيشتغل بالصلاة والقراءة والذكر، حتى يأتي الإمام.
وينبغي أن يتقدم في المكان كما تقدم في الزمان، فيدنو من الإمام ولا يتأخر.
ولقد رأيت بعض المحسنين المحبين للخير يأتون مبكرين للمسجد، لكنهم يصلون في مؤخرة المسجد، وهذا خلاف السنة، بل السنة أن يتقدموا، ويكملوا الصف الأول فالأول، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من وراءكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"[مسلم وغيره].
ومن خصائص هذا اليوم: صلاة الجمعة وخطبتها التي أمر الله بالسعي إليها في كتابه، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الجمعة: 9].
وأجمع المسلمون على فرضيتها، وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من التهاون بها، فقال صلى الله عليه وسلم: "من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه"[الترمذي والنسائي وغيرهما].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، فليكونن من الغافلين"[مسلم (865) النسائي (1370) أحمد (1/239) الدارمي (1570)].
فما أعظم حرمان هؤلاء الذين اتخذوا يوم الجمعة يوما للنزهة في البر يخرجون، فيدعون صلاة الجمعة! أما يخشى هؤلاء أن يشملهم هذا الحديث؟! أما يخشون أن يطبع الله على قلوبهم، فيكونوا من الغافلين عن ذكره المعرضين عن أمره؟! أما يخافون أن يبدلهم الله بهذا الأمن والرخاء خوفا وشدة؟!
لقد حرموا أنفسهم الاجتماع بالمسلمين في هذا اليوم العظيم، وحرموا أنفسهم هذه الصلاة التي تكفر ما قبلها من صغائر الذنوب، وحرموا أنفسهم ذكر الله ودعاءه في الصلاة وفي الخطبة.
والله لقد حرموا أنفسهم خيرا كثيرا، وعرضوها إثما كبيرا، ففي الأيام غير يوم الجمعة متسع لنزهاتهم، وشغل لفراغهم الفكري والنفسي، وحل لمللهم الحاصل بالعمل، فإن عندهم نصف النهار الأخير واسع صالح للنزهة.
ولكن إذا كانوا يخرجون يوم الجمعة ويؤدون صلاة الجمعة في المساجد مع المسلمين، فلا حرج عليهم.
ومن خصائص هذا اليوم: أنه لا يجوز لمن تلزمه الجمعة أن يسافر بعد الأذان لها، حتى يصلي إلا أن يؤديها في بلد في طريقه أو يخاف فوت سفره، مثل أن يريد السفر في الطائرة، ويخشى أن تفوته إن تأخر.
ومن خصائص هذا اليوم: استحباب كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه.
ومن خصائصه: أن الله -تعالى- يتجلى فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة، ويزورونه، فيكون أقربهم منه أقربهم إلى الإمام، وأسبقهم إلى زيارة الله؛ أسبقهم إلى الجمعة؛ خرج عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إلى الجمعة، فوجد ثلاثة وقد سبقوه، فقال: "رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد" ثم قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله على قدر رواحهم إلى الجمعة" [ابن ماجة (1094)].
وفي حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن الله اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض يجتمع فيه أهل الجنة يوم الجمعة، فيجيء النبيون فيجلسون على منابر من نور، ثم يجيء الصديقون والشهداء فيجلسون على منابر من ذهب، ثم يجيء أهل الغرف فيجلسون على كثبان المسك، فيتجلى لهم ربهم -عز وجل-، فينظرون إليه، فيقول لهم: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محل كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضى، فيقول: رضاي أنزلكم داري، وأن لكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضى، فيشهد لهم بالرضا، ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم، ثم يفتح لهم يوم الجمعة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا من كرامة الله، والنظر إلى وجهه الكريم، فذلك يوم المزيد".
أيها المسلمون: إن يومكم هذا يوم عظيم فعظموه، وإن خيره جسيم فاغتنموه.
وفقني الله وإياكم لتعظيم شعائره العظيمة، ونيل ذخائره الجسيمة؛ إنه جواد كريم.